إنذار بولس ودعوته المعاندين للتوبة
(1) إنذار غير التائبين (ع 1-4):
1هَذِهِ الْمَرَّةُ الثَّالِثَةُ آتِى إِلَيْكُمْ. عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ وَثَلاَثَةٍ تَقُومُ كُلُّ كَلِمَةٍ. 2قَدْ سَبَقْتُ فَقُلْتُ، وَأَسْبِقُ فَأَقُولُ، كَمَا وَأَنَا حَاضِرٌ الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ، وَأَنَا غَائِبٌ الآنَ، أَكْتُبُ لِلَّذِينَ أَخْطَأُوا مِنْ قَبْلُ، وَلِجَمِيعِ الْبَاقِينَ: إِنِّى إِذَا جِئْتُ أَيْضًا لاَ أُشْفِقُ. 3إِذْ أَنْتُمْ تَطْلُبُونَ بُرْهَانَ الْمَسِيحِ الْمُتَكَلِّمِ فِىَّ، الَّذِى لَيْسَ ضَعِيفًا لَكُمْ بَلْ قَوِىُّ فِيكُمْ. 4لأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ صُلِبَ مِنْ ضُعْفٍ، لَكِنَّهُ حَىٌّ بِقُوَّةِ اللهِ. فَنَحْنُ أَيْضًا ضُعَفَاءُ فِيهِ، لَكِنَّنَا سَنَحْيَا مَعَهُ بِقُوَّةِ اللهِ مِنْ جِهَتِكُمْ.
ع1: زار بولس كورنثوس عام 53م (أع18: 1-18)، ثم زارها مرة ثانية عــام 56م (1كو16: 5-8)، وهو مزمع أن يزورهم مرة ثالثة كما يذكر هنا. ويؤكد كلامه التالى كقرار يحكم به على المعاندين ويؤيده بشهادة اثنين معه كما تقضى شريعة موسى، وهذان هما سوستانيس (1كو1:1)، وتيموثاوس (2كو1:1) والإثنان من تلاميذ بولس.
ع2: سبقت فقلت: أعلن بولس أنه سـيؤدب المعـاندين إن لم يتوبوا (ص10: 2،ص12: 21).
أسبق فأقول: قبل أن أزوركم فى كورنثوس أؤكد أنى سأعاقب غير التائبين.
المرة الثانية: الزيارة الثانية لكورنثوس التى تمت فى عام 56م.
الباقين: الذين أخطأوا ولم تظهر أو تنفضح أخطاءهم، أو الذين لم يخطئوا ولكنهم معرضين للسقوط فى الزنا والخطايا المعثرة.
يؤكد بولس بحزم وسلطانه الرسولى أنه سيعاقب المصرين على الخطأ والرافضين للتوبة عندما يزورهم فى المرة الثالثة. وهذا يبين الحاجة إلى العقوبات الكنسية عند الإصرار على الخطية مثل حرمان المخطئين من شركة الكنيسة أى التناول من الأسرار المقدسة.
ع3: برهان المسيح المتكلم: سلطان بولس الرسولى الذى أعطاه له المسيح.
يؤكد هنا بولس سلطانه الرسولى الذى أخذه من المسيح، لأن المسيح هو الله وسلطانه فى منتهى القوة وليس ضعيفا أمام المعاندين بل قويا قادرا على حماية الكنيسة وتثبيت المؤمنين وقطع الأشرار حتى يتوبوا.
ع4:صلب من ضعف: المسيح المصلوب ظهر كإنسان ضعيف، بل فى منتهى الذل والعار.
حى بقوة الله: قام بلاهوته وهو حى إلى الأبد.
ضعفاء فيه: يبدو على خدام المسيح أنهم ضعفاء فيما يحتملونه من أجله أثناء خدمتهم.
سنحيا معه: نتمتع بعشرته وعمله فينا أثناء حياتنا على الأرض، فلا ننزعج من إهانات الآخرين وإساءاتهم.
من جهتكم: نتكلم بسلطان ونعاقب المخطئين ونتمسك بتعاليم المسيح الثابتة.
يؤكد الرسول هنا أيضاً سلطانه وقوته فى المسيح، وكما ظهر المسيح ضعيفا فى صلبه ولكن بالحقيقة هو الله القادر على كل شئ. فنحن أيضا نبدو ضعفاء فيما نحتمله من إهانات ومقاومات ولكن بقوة المسيح نستطيع أن نقود الكنيسة فى طريق الملكوت ونقطع المقاومين.
? أن قوتك مصدرها هو المسيح. فاعلن الحق بشجاعة مهما كانت الضغوط التى تتعرض لها. ولو احتملت إهانات فثق أن الحق الذى فيك أقوى من الشر الذى فى الآخرين. لا تتشكك فى نفسك وصلِ من أجلهم وأحط إعلانك للحق بالمحبة فيشعر الناس أنك تبغى منفعتهم فيخضعوا لك فى النهاية لأجل الله.
(2) فحص الإيمان لأجل التوبة (ع 5-10):
5جَرِّبُوا أَنْفُسَكُمْ، هَلْ أَنْتُمْ فِى الإِيمَانِ؟ امْتَحِنُوا أَنْفُسَكُمْ. أَمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ أَنْفُسَكُمْ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ فِيكُمْ، إِنْ لَمْ تَكُونُوا مَرْفُوضِينَ؟ 6لَكِنَّنِى أَرْجُو أَنَّكُمْ سَتَعْرِفُونَ أَنَّنَا نَحْنُ لَسْنَا مَرْفُوضِينَ. 7وَأُصَلِّى إِلَى اللهِ أَنَّكُمْ لاَ تَعْمَلُونَ شَيْئًا رَدِيًّا، لَيْسَ لِكَىْ نَظْهَرَ نَحْنُ مُزَكَّيْنَ، بَلْ لِكَىْ تَصْنَعُوا أَنْتُمْ حَسَنًا، وَنَكُونَ نَحْنُ كَأَنَّنَا مَرْفُوضُونَ. 8لأَنَّنَا لاَ نَسْتَطِيعُ شَيْئًا ضِدَّ الْحَقِّ، بَلْ لأَجْلِ الْحَقِّ. 9لأَنَّنَا نَفْرَحُ حِينَمَا نَكُونُ نَحْنُ ضُعَفَاءَ وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ أَقْوِيَاءَ. وَهَذَا أَيْضًا نَطْلُبُهُ كَمَا لَكُمْ. 10لِذَلِكَ، أَكْتُبُ بِهَذَا وَأَنَا غَائِبٌ، لِكَىْ لاَ أَسْتَعْمِلَ جَزْمًا وَأَنَا حَاضِرٌ، حَسَبَ السُّلْطَانِ الَّذِى أَعْطَانِى إِيَّاهُ الرَّبُّ لِلْبُنْيَانِ لاَ لِلْهَدْمِ.
ع5:قاوم بعض مؤمنى كنيسة كورنثوس بولس وجربوه متشككين فى رسوليته، وهو هنا يدعوهم أن يفحصوا أنفسهم هل لهم الإيمان السليم الحى، أم بسبب خطاياهم هم مرفوضون من المسيح. فليس المطلوب الآن فحص معلمهم بل فحص أنفسهم، حتى يتوبوا عن خطاياهم ويسلكوا بالإيمان المستقيم. وفحص الإيمان ليس فقط التأكد من المعتقدات الدينية، بل أيضا يظهر من الثمار الروحية ويكون بإرشاد الآباء والمرشدين الروحيين.
ع6: يؤكد لهم بولس أنهم إذا فحصوا أنفسهم بالحق، سيكتشفوا أنهم مرفوضون من المسيح بسبب إصرارهم على الخطية ورفضهم الخضوع للكنيسة وتعاليمها، وسيتيقنوا حينئذ أن بولس ومعاونيه من الخدام لهم الإيمان السليم وليسوا مرفوضين من المسيح.
ع7: يبين بولس مشاعر أبوته الحانية فى صلاته من أجل أهل كورنثوس، حتى يبتعدوا عن الشر ويصنعوا الخير، فيكونون أبرارا أمام الله ليس لأجل أن يُمدَح بولس أن أولاده أبرار وهو الذى خدمهم وبشرهم فصاروا هكذا ولكن حتى يتمتعوا بعمل الخير ورضا الله عنهم، بل يظهر بذله ومحبته لهم أنه مستعد أن يبدو كأنه مرفوض ومخطئ ولكن المهم أن يكونوا هم أبرارا، وهو ليس مرفوضا بالحقيقة بل يبدو كانه مرفوض، مثل أن يقال عليه أنه كان حازما أكثر مما ينبغى وهددهم بالعقاب مع أنهم أبرار، فيقبل أن يتهم هكذا ولكن ما يتمناه هو أن يفعلوا أفعالا حسنة تجعلهم مرضيين أمام الله.
ع8: يؤكد بولس تمسكه بالحق الذى هو الله فى كل تصرفاته وخدمته، فلا يحكم إلا بالحق على المخطئين وإن تابوا يفرح بهم ويصيروا أبرارا أمام الله.
ع9: نحن ضعفاء: لا نمانع أن نظهر لأجلكم فى صورة الضعف.
تكونون أقوياء: تسلكون حسنا، مبتعدين ورافضين للخطايا السابقة.
كمالكم: سعيكم نحو الكمال المسيحى.
يؤكد بولس أبوته فى قبوله الحكم عليه بالضعف والخطأ لأجل أن يحكم بأن أولاده الكورنثيين أقوياء وصالحون، بل يتمنى أن ينموا فى حياتهم الروحية ليصيروا كاملين.
ع10: وانا غائب: عند إرساله هذه الرسالة، وكان مقيما فى مكدونية.
جزماً: تحديد عقوبة للمخطئين وقطعهم من الكنيسة.
وأنا حاضر: فى وسط كنيسة كورنثوس.
للبنيان لا للهدم: لمساعدة النفوس على الحياة مع الله وليس انتقاما أو تحطيما لأحد.
يقرر بولس أن سلطانه الرسولى يستخدمه للبنيان، وأن المقصود من إنذار الخطاة حتى يتوبوا هو التخلص من تنفيذ أى عقوبة على المخطئين. فأبوته تتمنى ألا يعاقب أحد ويطلب خلاص الكل.
? ليكن لك أبوة نحو جميع الناس فتنسى نفسك مهما أخطأ الناس إليك وتسعى لخلاصهم حتى لو تبرروا وظهر صلاحهم أمام الآخرين وفى نفس الوقت اتُهِمت أنت بالخطأ ولو ظلما. المهم أن تجذب كل النفوس لله.
(3) التمنيات والسلام الختامى (ع 11-14):
11أَخِيرًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ، افْرَحُوا، اِكْمَلُوا، تَعَزَّوْا، اهْتَمُّوا اهْتِمَامًا وَاحِدًا، عِيشُوا بِالسَّلاَمِ، وَإِلَهُ الْمَحَبَّةِ وَالسَّلاَمِ سَيَكُونُ مَعَكُمْ. 12سَلِّمُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِقُبْلَةٍ مُقَدَّسَةٍ. 13يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ جَمِيعُ الْقِدِّيسِينَ.
14نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَمَحَبَّةُ اللهِ، وَشَرِكَةُ الرُّوحِ الْقُدُسِ، مَعَ جَمِيعِكُمْ، آمِينَ.
ع11: افرحوا: بعشرة المسيح والملكوت الذى ينتظركم.
إكملوا: إسعوا نحو الكمال.
تعزوا: بعمل الروح القدس فيكم وفى الكنيسة.
اهتموا اهتماما واحدا: الاهتمام بوحدانية الفكر والآراء والبعد عن التحزبات والإنشقاقات.
عيشوا بالسلام: مسالمة بعضكم بعضا حتى لو اقتضى ذلك التنازل عن بعض حقوقكم واحتمالكم لبعض.
يظهر بولس تمنياته فى ختام الرسالة نحو المؤمنين فى كورنثوس بالفرح والتعزية والتمتع بالسلام وبركات الله التى تفيض على السالكين بالمحبة والسلام.
ع12: اعتاد المسيحيون من القرون الأولى مصافحة وتقبيل بعضهم البعض دليلا على المحبة ونقاوة القلب، وما زالت الكنيسة فى القداس تدعو أبناءها لذلك فيقبلوا بعضهم بعضا بتلامس الأيدى، الرجال مع الرجال والنساء مع النساء.
ع13: القديسين: المؤمنين المقدسين فى المسيح ومخصصين له.
بعد أن دعاهم بولس للسلام بعضهم مع بعض، يرسل لهم السلام من المؤمنين فى كنائس مكدونية حيث يكتب الرسالة.
ع14: يختم بولس رسالته ببركة الثالوث القدوس الابن والآب والروح القدس. وقدم الابن عن الآب لأنه بفدائه نلنا المصالحة مع الله، ثم بالروح القدس نأخذ كل بركات الفداء فى الكنيسة. ومن هنا اعتادت الكنيسة أن تختم صلواتها بهذه البركة.
ليتك تفرح قلوب الآخرين بالتمنيات الجميلة لتشجعهم وتدفعهم إلى كل عمل صالح.