الاستعداد للأبدية ودعوة الناس لمصالحة الله
(1) الحياة فى الأبدية والاستعداد لها (ع 1 – 10 ):
1لأَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ نُقِضَ بَيْتُ خَيْمَتِنَا الأَرْضِىُّ، فَلَنَا فِى السَّمَاوَاتِ بِنَاءٌ مِنَ اللهِ، بَيْتٌ غَيْرُ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ، أَبَدِىُّ. 2فَإِنَّنَا فِى هَذِهِ أَيْضًا نَئِنُّ، مُشْتَاقِينَ إِلَى أَنْ نَلْبَسَ فَوْقَهَا مَسْكَنَنَا الَّذِى مِنَ السَّمَاءِ؛ 3وَإِنْ كُنَّا لاَبِسِينَ لاَ نُوجَدُ عُرَاةً. 4فَإِنَّنَا، نَحْنُ الَّذِينَ فِى الْخَيْمَةِ نَئِنُّ مُثْقَلِينَ، إِذْ لَسْنَا نُرِيدُ أَنْ نَخْلَعَهَا، بَلْ أَنْ نَلْبَسَ فَوْقَهَا، لِكَىْ يُبْتَلَعَ الْمَائِتُ مِنَ الْحَيَاةِ. 5وَلَكِنَّ الَّذِى صَنَعَنَا لِهَذَا عَيْنِهِ هُوَ اللهُ، الَّذِى أَعْطَانَا أَيْضًا عُرْبُونَ الرُّوحِ. 6فَإِذًا؛ نَحْنُ وَاثِقُونَ كُلَّ حِينٍ وَعَالِمُونَ أَنَّنَا، وَنَحْنُ مُسْتَوْطِنُونَ فِى الْجَسَدِ، فَنَحْنُ مُتَغَرِّبُونَ عَنِ الرَّبِّ. 7لأَنَّنَا بِالإِيمَانِ نَسْلُكُ لاَ بِالْعِيَانِ، 8فَنَثِقُ وَنُسَرُّ بِالأَوْلَى أَنْ نَتَغَرَّبَ عَنِ الْجَسَدِ وَنَسْتَوْطِنَ عِنْدَ الرَّبِّ. 9لِذَلِكَ نَحْتَرِصُ أَيْضًا، مُسْتَوْطِنِينَ كُنَّا أَوْ مُتَغَرِّبِينَ، أَنْ نَكُونَ مَرْضِيِّينَ عِنْدَهُ. 10لأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنَّنَا جَمِيعًا نُظْهَرُ أَمَامَ كُرْسِىِّ الْمَسِيحِ، لِينَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا كَانَ بِالْجَسَدِ بِحَسَبِ مَا صَنَعَ، خَيْرًا كَانَ أَمْ شَرًّا.
ع1: نْقِضَ: هُدِمَ.
يقول بولس أن كل مؤمن يعلم علم اليقين والإيمان أنه إن مات أو استشهد نتيجة للضيقات والآلامات أو المشقات المحيطة به، فله فى السموات حياة أبدية دائمة. ويشبه الجسد بخيمة أرضية يمكن أن تنقض فى أى وقت، ولكنها إن انقضت تنقلنا إلى بناء عظيم سماوى غير مصنوع بيد إنسان، ولكن الله سيلبسنا جسد نورانى والمقصود به جسد القيامة.
ع2: هذه: الخيمة أى الجسد.
نئن: نتوجع من الآلام والاضطهادات التى تمر بنا فى الحياة.
نلبس فوقها: تتغير أجسادنا اللحمية إلى أجسام نورانية.
مسكننا الذى من السماء: أجسامنا النورانية التى سنحيا بها فى الملكوت.
عندما يتألم بولس أثناء حياته على الأرض يرتفع قلبه إلى السماء، فيشتاق إلى الجسم النورانى الذى سيناله فهو غير معرض للألم ويدوم إلى الأبد. ولعل بولس فى شده شوقه للسماء، كان يتمنى أن يأتى المسيح فى مجيئه الثانى أثناء حياة بولس على الأرض، وحينئذ لن يموت ويوضع جسده فى القبر، بل سيتغير الجسد المادى ويلبس فوقه جسد نورانى، أى يتغير ويختفى الجسم المادى ويصير نورانيا يناسب الوجود فى السـماء، كمـا ذكـر هذا الأمر فى (1كو15: 51، 52).
ع3: لابسين: الأجسام الروحانية.
عراة: الروح بدون جسد.
يكمل الرسول حديثه عن اشتياقه للمجئ الثانى وتغير الجسد الترابى إلى جسم نورانى، فيقول أنه سيصير لابسا هذا الجسم الجديد ولا توجد روحه عارية بدون جسد. أى أن الإنسان سيحيا فى السماء بروحه وجسده ولكن بجسد جديد نورانى يليق بحياة السماء.
ع4: يؤكد بولس الرسول أن أتعاب الجسد تجعله يشتاق ليس للموت ووضع جسده فى القبر، بل إلى سرعة مجئ المسيح، فيتغير جسده إلى جسم نورانى. ويشبه الجسم النورانى بثوب يغطى الجسم الترابى فيبتلعه. وهكذا يتغير الترابى إلى نورانى.
ع5: صنعنا: خلقنا.
لهذا عينه: لنحيا فى الملكوت.
عربون الروح: تذوق علاقة روحية مع الله على الأرض.
يظهر بولس أن غرض الله من خلقتنا هو أن نحيا معه فى السماء، وان حياتنا الأرضية مؤقتة، ولهذا يعطينا بالروح القدس عربون ملكوت السموات ونحن على الأرض، أى يمتعنا بعلاقة مع الله من خلال الممارسات الروحية وأسرار الكنيسة حتى نستطيع أن نحتمل أتعاب الأرض وفى نفس الوقت تزداد أشواقنا نحو السماء.
ع6: مستوطنون فى الجسد: متعلقون بشهوات الجسد.
يؤكد الرسول حقيقة ثابتة وهى أنه إن انشغلنا بالشهوات الجسدية، سنصير غرباء عن الله، بعيدين عن الحياة الروحية.
ع7:أولاد الله المؤمنون يرون الله بالإيمان، فلا ينشغلون بما يروه بعيونهم من شهوات الجسد الشريرة لأنهم يخافون الله ويحبونه ويستعدون للأبدية.
ع8:الوضع الطبيعى لأولاد الله أن يبتعدوا عن الشهوات الشريرة ليصيروا أبناء حقيقيين لله، أى مواطنين صالحين للحياة السمائية.
ع9: إن غرض وهدف حياة الإنسان هو إرضاء الله، سواء كان فى الجسد على الأرض أو ترك الجسد وارتفع إلى السماء. فالأرضيون والسمائيون هدفهم هو إرضاء الله.
ع10: نظهر أمام كرسى المسيح: الدينونة الأخيرة.
ما كان بالجسد: أعمال الإنسان على الأرض.
الخلاصة أنه ينبغى ألا ننسى أننا سنقف أمام الله فى يوم الدينونة، ونحاسب على كل كلامنا وأعمالنا وأفكارنا، فنكافأ بالملكوت إن كنا قد فعلنا خيرا أو نعاقب بالعذاب الأبدى إن كنا قد فعلنا شرا.
? هل تفكر فى السماء وتشعر أن حياتك الأرضية ما هى إلا فترة وجيزة وأنه لابد وأن نذهب من أرض الغربة إلى الفردوس؟ وهل تشتاق إلى الله وتشعر بثقل الأمور المادية التى تحرمك من الله والعشرة معه؟
لذلك اسعَ بكل قوتك أن تكون لك على هذه الأرض عشرة مع الله وأعمال مرضية وحب دائم لملكوته، حتى تستطيع أن تتمتع بالعشرة الدائمة معه فى السماء، وتصل إلى هذا المكان الذى ذهب منه الحزن والكآبة التنهد.
(2) دفاع بولس عن نفسه أمام المعلمين الكذبة (ع 11-13 ):
11فَإِذْ نَحْنُ عَالِمُونَ مَخَافَةَ الرَّبِّ، نُقْنِعُ النَّاسَ. وَأَمَّا اللهُ، فَقَدْ صِرْنَا ظَاهِرِينَ لَهُ، وَأَرْجُو أَنَّنَا قَدْ صِرْنَا ظَاهِرِينَ فِى ضَمَائِرِكُمْ أَيْضًا. 12لأَنَّنَا لَسْنَا نَمْدَحُ أَنْفُسَنَا أَيْضًا لَدَيْكُمْ، بَلْ نُعْطِيكُمْ فُرْصَةً لِلاِفْتِخَارِ مِنْ جِهَتِنَا، لِيكُونَ لَكُمْ جَوَابٌ عَلَى الَّذِينَ يَفْتَخِرُونَ بِالْوَجْهِ لاَ بِالْقَلْبِ. 13لأَنَّنَا إِنْ صِرْنَا مُخْتَلِّينَ فَلِلَّهِ، أَوْ كُنَّا عَاقِلِينَ فَلَكُمْ.
ع11: مخافة الرب: أى متذكرين دائما يوم الدينونة، فنترك الخطية ونحيا للبر.
نقنع الناس: التبشير بالمسيح المخلص والاستعداد للأبدية.
إذ يتذكر بولس الدينونة الأخيرة، تتولد فيه مخافة الله ويكرز ويعلم بذلك حتى يستعد الكل للأبدية. وهو إذ يخاف الله، يشعر أن الله يرى كل ما فى داخله من تغرب عن الشهوات الشريرة واشتياق للحياة الروحية. ويتمنى أن يكون المؤمنون فى كورنثوس عالمين وفاهمين لهذا عن طريق ضميرهم الحى أى صوت الله فيهم، بمعنى أن يثقوا فى بولس أنه يخاف الله ويهتم بأبديته.
ع12: بالوجه: الافتخار الظاهرى وليس الحقيقى.
لم يقصد بولس الرسول فى دفاعه عن نفسه أن يمدحها، بل أراد أن يثبت رسوليته ليؤكد تعاليمه، وإذ يرى المؤمنون فى كورنثوس علاقته القوية مع الله يردون على المعلمين الكذبة، الذين يشككون فى تعاليمه ويفتخرون بأمور ظاهرية ليبعدوا المؤمنين عن الإيمان السليم الذى ينادى به بولس.
ع13: اتهم المعلمون الكذبة بولس بالاختلال العقلى، ولعل أكبر الأسباب هو اهتمامه بتبشير الأمم، فاغتاظ اليهود من ذلك واتهموه بالاختلال. وهو يقبل أن يتهم بالاختلال من أجل خدمة الله، ولكن ينبه المؤمنين فى كورنثوس أنه عاقل فى كل تعليم بشرهم به وليس هناك أى هذيان أو اختلال فى تعاليمه لهم عن المسيح.
? دافع عن نفسك من أجل مجد الله وخدمته وليس لأجل تمجيد نفسك وكرامتك. إبحث عن مجد الله وليس عن مجد نفسك، واحتمل الآلام لأجله فيمجدك فى أعين الناس ولو بعد حين، ثم فى ملكوت السموات.
(3) مصالحة الناس مع الله فيحيوا لمحبته (ع 14-21 ):
14لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ تَحْصُرُنَا. إِذْ نَحْنُ نَحْسِبُ هَذَا: أَنَّهُ إِنْ كَانَ وَاحِدٌ قَدْ مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ. فَالْجَمِيعُ إِذًا مَاتُوا. 15وَهُوَ مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ، كَىْ يَعِيشَ الأَحْيَاءُ فِيمَا بَعْدُ، لاَ لأَنْفُسِهِمْ، بَلْ لِلَّذِى مَاتَ لأَجْلِهِمْ وَقَامَ. 16إِذًا؛ نَحْنُ مِنَ الآنَ لاَ نَعْرِفُ أَحَدًا حَسَبَ الْجَسَدِ. وَإِنْ كُنَّا قَدْ عَرَفْنَا الْمَسِيحَ حَسَبَ الْجَسَدِ، لَكِنِ الآنَ لاَ نَعْرِفُهُ بَعْدُ. 17إِذًا؛ إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِى الْمَسِيحِ، فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا. 18وَلَكِنَّ الْكُلَّ مِنَ اللهِ، الَّذِى صَالَحَنَا لِنَفْسِهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَأَعْطَانَا خِدْمَةَ الْمُصَالَحَةِ، 19أَىْ إِنَّ اللهَ كَانَ فِى الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعًا فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ. 20إِذًا؛ نَسْعَى كَسُفَرَاءَ عَنِ الْمَسِيحِ، كَأَنَّ اللهَ يَعِظُ بِنَا. نَطْلُبُ عَنِ الْمَسِيحِ: تَصَالَحُوا مَعَ اللهِ. 21لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِى لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ.
ع14: محبة المسيح تحصرنا: تغمرنا وتدفعنا أن نحبه.
واحد: المسيح.
لأجل: بدلا من.
مات المسيح عنا، فبدلا من أن نموت كلنا، مات هو بدلا منا. فبموته قد تم موتنا، وبقيامته نقوم جميعا. فما أعظم محبته لنا، إذ اشترانا بدمه فنحيا له كل أيامنا.
ع15: يؤكد بولس الرسول هنا أن موت المسيح عنا ليس فقط يدفعنا للموت عن الخطية بتركها، بل نشعر أننا ملك له، لأنه اشترانا بدمه، فنقوم معه لنحيا له ونعيش فى البر.
ع16: لا نعرف أحدا حسب الجسد: أى بكونه يهوديا أو أمميا، فقيرا أو غنيا، رجل أو إمرأة…..
المسيح حسب الجسد: المسيح كإنسان يحيا كرجل يهودى.
لا نعرفه بعد: بعد الإيمان نرى المسيح الإله المخلص.
حيث أن المسيح اشترانا نحن المؤمنين به وصرنا أبرارا فيه، فلا ننظر للآخرين المؤمنين بحسب ظروفهم البشرية وجنسهم ومستواهم الاجتماعى والمالى، ولكن ننظر إليهم كأبناء الله وأعضاء فى الكنيسة. وأيضا المسيح، نراه الله المخلص رأس الكنيسة وليس مجرد إنسان يهودى صالح قد عاش فترة من الزمن على الأرض.
ع17: إذا آمنا بالمسيح ننال سر المعمودية الذى نولد فيه ولادة جديدة، ونحصل على طبيعة جديدة، أى نصير خليقة جديدة تميل إلى البر وتتباعد عن الخطية. وهكذا تمضى عنا الأشياء العتيقة، أى الخطايا واهتمامات العالم الزائلة، ونميل للتمثل بالله وإرضائه، فتصير كل حواسنا وإمكانياتنا نقية تسعى للحياة مع الله.
ع18-19: الكل: المؤمنين بالمسيح الذين نالوا الطبيعة الجديدة.
خدمة المصالحة أو كلمة المصالحة: التبشير بالمصالحة بين الله والإنسان، أى التبشير بالمسيحية.
إن تجديد كل المؤمنين هى نعمة من الله، الذى أزال العداوة والحاجز بيننا وبينه، وهو الخطية، بموت المسيح عنا وبهذا تصالحنا مع الله لأن سبب الخصام والإنفصال قد زال وهو الخطية وهذا ما نناله فى أسرار المعمودية والإعتراف والتناول. وزادت محبته للبشر إذ أعطى بعض أولاده أن ينادوا ويبشروا الآخرين بالمصالحة مع الله، وهذه هى الخدمة التى يقوم بها الرسل والكهنة والخدام فى كل جيل.
ومن روحانية طقس القداس الإلهى، رتبت الكنيسة أن أول صلاة فى قداس المؤمنين هى صلاة الصلح لتعلن لنا وتذكرنا بالمصالحة التى صنعها المسيح بذبيحة جسده حتى نثبت فى هذه المصالحة بالتناول من جهة وبحياة التوبة والقداسة من جهة أخرى.
ع20: يعتبر الرسل والخدام فى تبشيرهم للمسيح سفراء عن الله، عندما يعظونهم ويدعونهم للإيمان به وقبول التصالح معه. وهذا لا يحدث فقط عند المناداة لغير المؤمنين ولكن أيضا للمؤمنين بقبولهم المصالحة عندما يخطئون ويتصالحوا فى سر التوبة والاعتراف، ثم يتناولون من الأسرار المقدسة، فيتحدوا بالله.
يا لتواضع الله، الذى يسعى للتصالح مع خليقته العاصية والرافضة له.
? ليتك تسعى بالحب لتصالح من يسئ إليك، وبالأحرى من أسأت إليه، لتكسب الكل حتى لو احتملت بعض العتاب أو التوبيخ من الآخر. وثق أن القوة هى الحب والتسامح والسعى للتصالح، فتنال بركة الله ومحبة الآخرين وتحيا فى سلام.
ع21: يعلن الله محبته، التى لا يُعبَر عنها، فى ابنه يسوع المسيح القدوس البار، كما قال هو عن نفسه للجموع “من منكم يبكتنى على خطية” (يو8: 46)، أن جَعَلَه بحَمْلِه خطايانا على الصليب، ملطخاً بالخطية لأجل حبه لنا. فمن ينظر إليه وهو مصلوب يراه يعذب ويموت كخاطئ رغم بره الكامل. وبموت المسيح عنا، صرنا أبرارا وأنقياء من الخطية من خلال سر المعمودية، ومن يرانا يرى بر الله فينا خلال طبيعتنا النقية الخارجة من جرن المعمودية.