الزهد والصبر والصلاة والخدمة
(1) عاقبة محبة المال (ع1-6): 1هَلُمَّ الآنَ أَيُّهَا الأَغْنِيَاءُ، ابْكُوا مُوَلْوِلِينَ عَلَى شَقَاوَتِكُمُ الْقَادِمَةِ. 2غِنَاكُمْ قَدْ تَهَرَّأَ، وَثِيَابُكُمْ قَدْ أَكَلَهَا الْعُثُّ. 3ذَهَبُكُمْ وَفِضَّتُكُمْ قَدْ صَدِئَا، وَصَدَأُهُمَا يَكُونُ شَهَادَةً عَلَيْكُمْ، وَيَأْكُلُ لُحُومَكُمْ كَنَارٍ، قَدْ كَنَزْتُمْ فِى الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ. 4هُوَذَا أُجْرَةُ الْفَعَلَةِ الَّذِينَ حَصَدُوا حُقُولَكُمُ، الْمَبْخُوسَةُ مِنْكُمْ، تَصْرُخُ، وَصِيَاحُ الْحَصَّادِينَ قَدْ دَخَلَ إِلَى أُذْنَىْ رَبِّ الْجُنُودِ. 5قَدْ تَرَفَّهْتُمْ عَلَى الأَرْضِ، وَتَنَعَّمْتُمْ، وَرَبَّيْتُمْ قُلُوبَكُمْ، كَمَا فِى يَوْمِ الذَّبْحِ. 6حَكَمْتُمْ عَلَى الْبَارِّ، قَتَلْتُمُوهُ، لاَ يُقَاوِمُكُمْ!
ع1-3: شقاوتكم القادمة : العذاب الأبدى.
تهرأ : تبدد.
العث : حشرة صغيرة تأكل الملابس.
يدعو يعقوب الرسول الأغنياء المتكلين على أموالهم للبكاء والنحيب لأن شقاوتهم قادمة. فلقد انشغلوا بجمع الكنوز الأرضية وأحبوا الفانيات أكثر من الله. ويصف ما سيحدث لهم، فأموالهم تتبدَّد وثيابهم ستفسد ويأكلها العث. وحتى المعادن الثمينة سوف تصدأ ويذهب لمعانها ويكون هذا كله شاهدًا عليهم وسببًا لعذابهم فى نار الجحيم، لأن الفقير كان محتاجًا ولم يعطوه، وحتى فى الأيام الأخيرة من حياتهم فبدلاً من أن ينشغلوا بالكنز السماوى، إنشغلوا بجمع الكنوز الأرضية الفانية فخسروا كل شئ على الأرض وفى السماء وفى النهاية أنفسهم.
ع4: المبخوسة : قلَّلتم أجرة العاملين فيها أى أعطيتموهم أجرة أقل من حقهم.
محبة المال تقود للأنانية والقسوة وها أجرة العامل الذى زرع وحصد حقول الأغنياء قد منعوها عنه ظلمًا، وصراخ أولئك المظلومين قد سمعه الله القوى المُعَبَّر عنه “برب الجنود” القادر على كل شئ ويدافع عن المظلومين.
ع5: يعيش الأغنياء فى ترف ونعيم وكأنهم يربون قلوبهم، التى تقسَّت بالخطية، كالعجول السمينة ليوم الذبح فيصير الجسد المُسَمَّن طعامًا للدود كما يقول الكتاب “أما المتنعمة فقد ماتت وهى حية” (1تى5: 6).
ع6: قد حكموا أيضًا على البرئ الضعيف وسجنوه، والفقير قتلوه جوعًا وهو لا يقدر أن يقاومهم.
? يقدم لنا يعقوب الرسول تعاليمه العملية بأن كنوز الدنيا تفنى وتتلاشى، فاكنز لك كنزًا فى السماء كما قال السيد المسيح فى (مت6: 19). فإذا صادفك فقيرًا أو فرصة لعمل الخير لتعمله فثق أنها فرصة ثمينة قد أتاحها الله لك فلا تضيَّعها لأنها لن تعود ثانية.
(2) الصبر وعدم القسم (ع7-12):
7فَتَأَنَّوْا أَيُّهَا الإِخْوَةُ إِلَى مَجِىءِ الرَّبِّ. هُوَذَا الْفَلاَّحُ يَنْتَظِرُ ثَمَرَ الأَرْضِ الثَّمِينَ مُتَأَنِّيًا عَلَيْهِ حَتَّى يَنَالَ الْمَطَرَ الْمُبَكِّرَ وَالْمُتَأَخِّرَ. 8فَتَأَنَّوْا أَنْتُمْ وَثَبِّتُوا قُلُوبَكُمْ، لأَنَّ مَجِىءَ الرَّبِّ قَدِ اقْتَرَبَ. 9لاَ يَئِنَّ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، لِئَلاَّ تُدَانُوا. هُوَذَا الدَّيَّانُ وَاقِفٌ قُدَّامَ الْبَابِ. 10خُذُوا يَا إِخْوَتِى مِثَالاً لاِحْتِمَالِ الْمَشَقَّاتِ وَالأَنَاةِ: الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِاسْمِ الرَّبِّ. 11هَا نَحْنُ نُطَّوِبُ الصَّابِرِينَ. قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ، وَرَأَيْتُمْ عَاقِبَةَ الرَّبِّ؛ لأَنَّ الرَّبَّ كَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَرَؤُوفٌ.
12وَلَكِنْ، قَبْلَ كُلِّ شَىْءٍ يَا إِخْوَتِى، لاَ تَحْلِفُوا لاَ بِالسَّمَاءِ وَلاَ بِالأَرْضِ وَلاَ بِقَسَمٍ آخَرَ، بَلْ لِتَكُنْ نَعَمْكُمْ نَعَمْ وَلاَكُمْ لاَ، لِئَلاَّ تَقَعُوا تَحْتَ دَيْنُونَةٍ.
ع7، 8: ثمر الأرض الثمين : ثمار المحصول التى ترمز للمكافأة الأبدية.
المطر المبكر : الذى يروى الزراعة الشتوية فى فصل الخريف، ويرمز لعمل الروح القدس فى سر المعمودية وتشجيعه للمؤمنين فى بداية جهادهم الروحى.
المطر المتأخر : الذى يروى الزراعة الشتوية فى بداية فصل الربيع وقبل نضج المحصول بفترة قصيرة، وهو يرمز لمعونة الروح القدس للمؤمنين أثناء جهادهم وحتى نهاية حياتهم.
يدعو الفقراء والمظلومين أن يثبتوا فى الإيمان ويتحلّوا بالصبر ويأخذوا العِبرة من الفلاح، فهو يزرع ويفلح ويصبر على الزرع حتى يرتوى من مطر الخريف المبكر ومطر الربيع المتأخر، وينتظروا خلاص الرب ومجيئه الذى سيكافئهم فى الأبدية، فمَن ينظر للمسيح فى مجيئه تهون عليه آلامه.
ع9: لا يئن : لا يتذمر.
يوصى ألا يتذمر الفقير والمظلوم على الغنى ولا يدينه أو يطلب الإنتقام منه، لأن الغنى مسكين وممسوك فى يد الشيطان، ولئلا يُدَان الفقير لأجل تذمره. وليتذكر أن المسيح سيأتى ديانًا ليعطى كل واحد حسب أعماله (مت7: 1).
ع10: يدعوهم الرسول للصبر وانتظار خلاص الرب لأنه لا يدعهم يجرَّبون فوق ما يحتملون، ووضع أمامهم إحتمال الأنبياء للآلام بصبر ليقتدوا بهم.
ع11: أعطاهم مثالاً للصبر وهو “أيوب”، وكيف كانت مكافأة الله له لأنه احتمل موت الأبناء والمرض والفقر والسخرية، فمدحه الله ثم أعطاه ضعفىّ ما كان عنده.
ع12: ينهى الإنجيل عن القسم، لأنه كيف نحلف بشئ ونحن لا نملكه ؟.. فكل ما نملكه هو ملك لله ونحن وكلاء عليه. فإن كان كلامك دائمًا بالصدق سيثق الناس بك لأن اللسان المستقيم ينطق بكلمة واحدة من غير تأويل ولا تحوير. فالمسيحى الحقيقى الصادق دائمًا فى كلامه لا يحتاج للحلفان لكى يصدقه الناس كما قال السيد المسيح “لا تحلفوا البتة”(مت5: 34). ومن ناحية أخرى لا يليق أن نحلف باسم الله أو بأى شئ آخر لأن الشيطان يستغلّ كلمة القسم فى ساعة الغضب كما حدث عندما قتل هيرودس يوحنا المعمدان (مت14: 7).
(3) الصلاة وسر مسحة المرضى (ع13-18):
13أَعَلَى أَحَدٍ بَيْنَكُمْ مَشَقَّاتٌ؟ فَلْيُصَلِّ. أَمَسْرُورٌ أَحَدٌ؟ فَلْيُرَتِّلْ. 14أَمَرِيضٌ أَحَدٌ بَيْنَكُمْ؟ فَلْيَدْعُ شُيُوخَ الْكَنِيسَةِ فَيُصَلُّوا عَلَيْهِ وَيَدْهَنُوهُ بِزَيْتٍ بِاسْمِ الرَّبِّ، 15وَصَلاَةُ الإِيمَانِ تَشْفِى الْمَرِيضَ وَالرَّبُّ يُقِيمُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ خَطِيَّةً، تُغْفَرُ لَهْ. 16اِعْتَرِفُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ بِالّزَلاَّتِ، وَصَلُّوا بَعْضُكُمْ لأَجْلِ بَعْضٍ لِكَىْ تُشْفَوْا. طَلِبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِى فِعْلِهَا. 17كَانَ إِيلِيَّا إِنْسَانًا تَحْتَ الآلاَمِ مِثْلَنَا، وَصَلَّى صَلاَةً أَنْ لاَ تُمْطِرَ، فَلَمْ تُمْطِرْ عَلَى الأَرْضِ ثَلاَثَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ. 18ثُمَّ صَلَّى أَيْضًا، فَأَعْطَتِ السَّمَاءُ مَطَرًا وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ ثَمَرَهَا.
ع13: يدعوهم إن قابلوا ضيقات وتجارب أن يرفعوا قلوبهم لله الذى يشعر بهم وقد تألم من أجلهم على الصليب، فيساندهم ولا يشعرون بالتعب من فرط إحساسهم بتعزيات الله.
وإن أعطاهم الله عطايا ونجَّاهم من التجارب، يُعَبِّروا عن فرحهم بطريقة روحية وليس بالشر مثل أهل العالم. والتعبير عن الفرح يكون بالتسبيح والترتيل لذا نظَّمت الكنيسة تسابيح تُقَال كل يوم بالإضافة إلى تسابيح المناسبات المختلفة.
ع14: شيوخ : قسوس، وهى الترجمة الصحيحة فى اللغة اليونانية وكذا فى النسخ التى توافق عليها الكنيسة الأرثوذكسية والكاثوليكية، ولكن فى النسخ البروتستانتية التى بين أيدينا تُرجِمَت الكلمة إلى شيوخ لعدم إيمان البروتستانت بسر الكهنوت.
يقرر يعقوب الرسول أن سر مسحة المرضى كان مستقرًا ويُمارَس فى العصر الرسولى، ويوجه نظر المؤمنين إلى دعوة القسوس أى الكهنة لزيارة البيت الذى به مريض ليصلّوا عليه صلاة سر مسحة المرضى ويدهنوه بالزيت الذى حلَّ عليه الروح القدس بالصلاة.
ع15: يؤكد أهمية الإيمان بسر مسحة المرضى ليُشفَى المريض، سواء إيمانه أو إيمان الكهنة أو إيمان من حوله، ويضيف إلى هذا ضرورة التوبة والاعتراف بالخطية أمام الكهنة الموجودين أثناء هذا السر فينال المرضى غفران خطاياهم بالإضافة إلى شفائهم من أمراضهم الجسدية.
ع16: كان سر مسحة المرضى يمارس فى وجود عدد كبير داخل البيت. فيحضر سبعة كهنة أو على الأقل أكثر من كاهن وذلك فى حالة الأمراض الشديدة، وفى هذا الإجتماع يدعو الحاضرين للاعتراف بخطاياهم أمام الكهنة الحاضرين، فالبعض الأول هم الشعب والبعض الثانى هم الكهنة. وطبعاً من غير المعقول أن يقصد إعتراف الكهنة أمام الشعب أو إعتراف الشعب أمام بعضهم البعض تاركين الكهنة الحاضرين.
ويطلب أيضًا من الحاضرين الصلاة بقلب واحد من أجل المريض حتى يُشفَى، بل يكون هذا سلوكهم الدائم بالصلاة من أجل بعضهم البعض؛ ويخص هنا بالأكثر الكهنة الذين يقودون الصلاة أثناء هذا السر.
ويؤكد قيمة الصلاة الصادرة من قلب نقى أمام الله، فهى قادرة على شفاء الأمراض. وهنا تظهر أهمية الشفاعة التى تمسكت بها الكنيسة الأولى أيام الرسل، فالمقصود بالبار طبعاً هو القديس، فشفاعة القديسين قادرة على أفعال كثيرة والله يفرح بها لأن من يتمسك بها يظهر اتضاعه وإيمانه وكذا محبته للقديسين.
ع17، 18: يؤكد الرسول كلامه بقصة إيليا النبى (1مل17: 1) الذى كان إنسانًا بشريًا مثلنا مُعرَّضًا للآلام والضيقات، وصلَّى بإيمان ألا تمطر السماء فانقطع المطر ثلاث سنوات ونصف وذلك حتى يدعو الناس للتوبة وعبادة الله وترك عبادة الأوثان، وعندما رجع الكثيرون منهم إلى الله صلَّى مرة ثانية فنزل المطر وأنبتت الأرض وأثمرت وزالت المجاعة. وهكذا تظهر أهمية صلوات القديسين واهتمام الله بالإستجابة لها.
? الصلاة قوة تحرك العالم كله وتستدرّ مراحم الله خاصة لو صدرت من قلب تائب نقى محتاج لله فى تضرع وإيمان. فلا تتوانَ بل أسرع إلى الله فى كل احتياجاتك وألحّ عليه مهما عظمت طلبتك واثقًا من محبته ورحمته.
(4) إفتقاد الضالين (ع19، 20):
19أَيُّهَا الإِخْوَةُ، إِنْ ضَلَّ أَحَدٌ بَيْنَكُمْ عَنِ الْحَقِّ فَرَدَّهُ أَحَدٌ، 20فَلْيَعْلَمْ أَنَّ مَنْ رَدَّ خَاطِئًا عَنْ ضَلاَلِ طَرِيقِهِ، يُخَلِّصُ نَفْسًا مِنَ الْمَوْتِ، وَيَسْتُرُ كَثْرَةً مِنَ الْخَطَايَا.
ع19، 20: ينبه المؤمنين أن يهتموا ببعضهم البعض، فلو ابتعد أحدهم عن الإيمان أو انحرف فى خطايا شديدة فليسرعوا للإهتمام به ودعوته للتوبة باتضاع ومحبة فيخلصوه من الهلاك الأبدى ولا تنفضح خطاياه أمام الكنيسة بل يعود عضوًا حيًا فيها.
يظهر هنا أهمية الخدمة، فالله هو المخلص ولكنه يفرح بخدمتنا الروحية لبعضنا البعض ويباركها ويكِّملها. وقد أكد القديس اغريغوريوس هذا المعنى بقوله “إن كان الذى يخلص إنسانًا من الموت الجسدى مع أنه سوف يموت يومًا يستحق المكافأة فكم يستحق من يخلص نفسًا من الموت الأبدى”.
تؤكد هذه الآيات إمكانية هلاك المؤمن وترد على البدع البروتستانتية التى تقول عكس هذا، ويؤكد بولس الرسول نفس المعنى بقوله “أما البار فبالإيمان يحيا وأن ارتد لا تُسَرّبه نفسى” (عب10: 38) ويقول أيضًا “تمموا خلاصكم بخوف ورعدة” (فى 2: 12). ثم يثبت ذلك بأدلة واقعية حينما يقول “لأن كثيرين يسيرون ممن كنت أذكرهم لكم مرارًا والآن أذكرهم أيضًا باكيًا وهم أعداء صليب المسيح” (فى3: 18).
? إهتم بخلاص من حولك وخاصة أهل بيتك وأقربائك وأصدقائك وإن لم يقبلوا كلامك المباشر فقدم لهم محبة واهتمام وصلِ لأجلهم.