حلم مردخاى ومؤامرة الخصيان وعزل الملكة وشتى
مقدمة :
هذا الأصحاح أعيدت إليه جزء من تتمة السفر وهى الآيات من (ع1-17) ووضعت فى مكانها وهى الموجودة فى تتمة السفر فى كتاب الأسفار القانونية الثانية (ص11، 12) وقد تم وضع ترقيم جديد للآيات المضافة مع الإبقاء على الترقيم القديم بين قوسين.
(1) حلم مردخاى (ع1-11) :
1- وكان فى السنة الثانية من ملك أرتحشستا الأكبر فى اليوم الأول من شهر نيسان أن مردكاى بن يائير بن شمعى بن قيش من سبط بنيامين رأى حلماً. 2- وهو رجل يهودى مقيم بمدينة شوشن رجل عظيم من عظماء بلاط الملك. 3- وكان من جملة أهل الجلاء الذين أخذهم نبوكد نصر ملك بابل من أورشليم مع يكنيا ملك يهوذا. 4- وهذا حلمه. رأى كأن أصواتاً وضوضاء ورعوداً وزلازل واضطراباً فى الأرض. 5- ثم إذا بتنينين عظيمين متهيأن للاقتتال. 6- وقد تهجيت كل الأمم بأصواتهما لتقاتل شعب الأبرار. 7- وكان ذلك اليوم يوم ظلمة وهول وشدة وضنك ورعب عظيم على الأرض. 8- فاضطرب شعب الأبرار خوفاً من شرورهم متوقعين الموت. 9- وصرخوا إلى الله. وفيما هم يصرخون إذا بينبوع صغير قد تكاثر حتى صار نهراً عظيماً وفاض بمياه كثيرة. 10- ثم أشرق النور والشمس فارتفع المتواضعون وافترسوا المتجبرين. 11- فلما رأى مردكاى ذلك ونهض من مضجعه كان يفكر فى ماذا يريد الله أن يفعل. وكان ذلك لا يبرح من نفسه وهو يرغب أن يعرف ما معنى الحلم.
ع1: نيسان : يقابل شهر مارس وأبريل.
أرتحشستا الأكبر المذكور هنا هو نفسه الملك أحشويروش زوج الملكة أستير ويتأكد هذا من مراجعة (ع13) مع (ص6: 2) فنجد أن أرتحشستا الذى تآمر عليه الخصيان هو نفسه أحشويروش. وأحشويروش كلمة فارسية معناها رئيس الحكام، وهو يطلق على ملوك كثيرين من ملوك فارس. ونجد فى ترجمة الآباء اليسوعيين نص هذه الآية وهو “وكان فى السنة الثانية من ملك أحشويروش العظيم” مما يؤكد أن أرتحشستا هو أحشويروش. وقد حكم أحشويروش هذا من عام 485-465 ق.م.
فى السنة الثانية لهذا الملك وفى اليوم الأول من شهر نيسان حلم مردكاى بن يائير بن شمعى بن قيش حلماً. ومردكاى هذا هو مردخاى بن قيس والد شاول الملك، مع ملاحظة إغفال عدد كبير من الآباء لمردخاى فى ذكر نسبه والتركيز على نسل شاول البنيامينى، ولكن تختلف بعض الحروف من ترجمة إلى أخرى. ونلاحظ التدقيق فى تحديد ميعاد الحلم لأهميته، التى ستظهر من خلال أحداث هذا السفر، إذ يعلن عمل الله لإنقاذ شعبه الملتجئ إليه.
ع2: شوشن : مدينة فى عيلام وتسمى أيضاً سوسة وتقع شرق بابل وهى العاصمة الشتوية لمملكة مادى وفارس.
يوضح شخصية مردخاى أنه يهودى الجنس وكان يعمل فى البلاط الملكى للملك أحشويروش، بل كان له مركزاً كبيراً بين البلاط الملكى؛ إذ كان مسئولاً عن حراسة أبواب القصر الملكى (ع12) الموجود فى شوشن العاصمة الملكية.
ويظهر هنا تدبير الله الذى أعطى أحد أولاده، وهو مردخاى، مركزاً كبيراً فى البلاط الملكى، إذ سيستخدمه فى خطة خلاص شعبه، عندما يثور الأشرار عليه. فالله يدبر خلاص أولاده قبل أن يحدث بسنوات كثيرة، ويطمئن أولاده أيضاً قبل أن تأتى عليهم الضيقات، كما أعطى الحلم هنا لمردخاى قبل أن يحاول الاشرار إهلاكهم.
ع3: تبين هذه الآية أن مردخاى كان من ضمن المسبيين الذين أخذهم نبوخذنصر من أورشليم واليهودية ونقلهم إلى بابل مع الملك يكنيا الذى يدعى أيضاً يهوياكين. وهو ابن الملك يهوياقيم وقد حكم على مملكة يهوذا ثلاثة شهور، ثم سباه نبوخذنصر وملَّك عمه صدقيا مكانه، الذى كان آخر ملوك يهوذا قبل السبى. وقد سُبى يكنيا عام 597 ق.م. ولعل مردخاى كان طفلاً فى وقت السبى عمره بضعة شهور، أو بضعة سنوات وقد سُبى مع أبيه وأمه.
وقد عاش مردخاى فترة حكم المملكة البابلية، ثم فترة حكم المملكة الفارسية، ولعل الله أعده فى وظائف مختلفة، فوصل فى نهاية حياته ان يكون له مركزاً كبيراً فى بلاد المملكة الفارسية.
ولا يذكر لنا الكتاب المقدس بالتحديد وقت تملك أستير ولكن هناك برديات تقول أن أحشويروش هذا تزوج بزوجة واحدة هى وشتى؛ لذا يرى بعض العلماء أن أستير قد ملكت فترة صغيرة، ثم عادت وشتى إلى مكانها كملكة. وهذا يتفق مع تدبير الله الذى أتى بأستير وأطال فى عمر مردخاى حتى يتمم خلاص شعبه.
وإن كان مردخاى قد حلم فى السنة الثانية لأحشويروش، أى عام 484 ق.م، ثم اكتشف مؤامرة الخصيان المذكورة فى (ع12-17) وبعد ذلك تملكت أستير فترة صغيرة وظهر شر هامان، ثم أهلكه الملك وعين مردخاى مكانه كوزير أول له، كل هذا قد حدث فى أوائل حكم أحشويروش. ولا نعرف هل عاش مردخاى بعد هذا أم مات؛ وبالتالى يكون عمر مردخاى وقت أحداث هذا السفر يتراوح ما بين 117-125 سنة تقريباً وهذا يبين قوة الله الذى أطال فى عمر مردخاى حتى هذا السن، كما أطال فى عمر سمعان الشيخ حتى رأى المسيح وحمله على ذراعيه (لو2: 29).
ع4-6: تنينين : مثنى تنين وهو ثعبان ضخم، أى وحش كبير.
هذا الحلم كان إعلاناً إلهياً لمردخاى بالأمور التى ستحدث حتى يعد الله قلبه لها فلا ينزعج، فالله يطمئنه ويسانده بهذا الحلم. فقد رأى فى هذا الحلم أصواتاً قوية، واهتزت الأرض حوله إعلاناً لعظمة وخطورة ما سيحدث. ثم رأى تنينين، أى وحشين كبيرين، وقف كل منهما مقابل الآخر. ورأى أن جميع الأمم وقفت ضد شعب الله؛ لتهلكه. هذا الحلم سيأتى تفسيره بعد أن يحدث وذلك فى نهاية السفر فى الأصحاح العاشر (ص10: 4-13).
ع7، 8: هول : فزع.
ضنك : ضيق شديد.
ظهر فى الحلم يوماً صعباً مظلماً لشعب الله، امتلأت قلوبهم فيه بمشاعر الفزع والضيق الشديد، وكان خوف عظيم عندهم من الأمم المحيطة بهم الذين يريدون إهلاكهم.
ع9، 10: المتجبرين : مفردها متجبر، أى قوى جداً.
فى هذه الضيقة العظيمة لم يكن أمام شعب الله إلا أن يصرخ إليه بصلوات حارة. فتدخل سريعاً وظهر فى الحلم ينبوع صغير فاضت منه المياه بغزارة، حتى تحول إلى نهر كبير، ثم زال الظلام وظهرت الشمس بنورها العظيم، ونال شعب الله الضعيف كرامة كبيرة، أما الأمم الأشرار فقد هلك منهم الكثيرون.
ع11: لا يبرح : لا يفارق.
بعد استيقاظ مردخاى من الحلم تعجب وتحيَّر فى معناه. وكانت أحداث الحلم تتكرر فى ذهنه كثيراً وهو يود أن يعرف معناه. ولكنه تأكد من اقتراب ضيقة عظيمة عليه هو وشعبه وأن الله سينجيهم منها ويستأصل أعداءهم. كل هذا كان تمهيداً إلهياً حتى لا ينزعج مردخاى مما سيحدث له هو وشعبه، بل يكون ثابتاً فى إيمانه متمسكاً بالله، ويطمئن من حوله أيضاً، وخاصة أستير التى ستصير ملكة.
إن حنان الله عجيب، فهو يهتم بك ويحبك من قبل تأسيس العالم ويعد كل الظروف لتصير مساعدة لك على خلاص نفسك. فاطمئن وتمسك به فى صلوات دائمة وأشكره كل يوم على رعايته ومحبته.
(2) مؤامرة الخصيان (ع12-17):
12- وكان حينئذ يقف بباب الملك مع بجتان وتارش خصّى الملك وهما حاجبا البلاط.
13- فبعد أن وقف على نواياهما وتقصى مدققاً علم أنهما يحاولان أن يلقيا أيديهما على الملك أرتحشستا فأطلع الملك على ذلك. 14- فألقاهما تحت العذاب فأقرا فأمر بأن يساقا إلى الموت.
15- وكتب الملك ما وقع فى سفر أخبار الأيام وكذلك مردكاى كتب ذكر الأمر. 16- ثم أمره الملك أن يقيم ببيت الملك وأمر له بهبات لأنه أطلعه على ذلك. 17- وكان هامان بن همداتا الأجاجى له عند الملك كرامة عظيمة فأراد أن يؤذى مردكاى وشعبه بسبب خصى الملك المقتولين.
ع12، 13: حاجبا البلاط : حارسان مسئولان عن حراسة مخدع الملك ومكان جلوسه واستقبلاته. ووظيفة حاجب البلاط وظيفة ذات رتبة عالية تعادل اليوم ما يقرب من مرتبة وزير.
يذكر هنا مردخاى قصة حدثت بعد فترة، عندما تملكت أستير، وسيشار إلى ذلك فى (ص2: 21-23) وسبب ذكرها هنا أنها مرتبطة بالحلم السابق ذكره فى (ع1-11). وهذه الحادثة الآتية هامة؛ لأنه سيبنى عليها أحداث السفر كله، حيث يظهر الله قوته فى خلاص شعبه.
علم مردخاى – الذى كان يشغل وظيفة كبيرة فى البلاط الملكى كما ذكرنا، وهى رتبة تعادل وزير أول، أو وزير متقدم يقف بجوار الملك، أو مع حاجبا البلاط، إذ أن وظيفته قريبة من وظيفتهما – بوجود مؤامرة يدبرها هذان الحاجبان لقتل الملك. فاهتم بالأمر وتقصى الحقائق، إذ أن له خبرة كبيرة وحكمة متميزة واستطاع أن يتأكد من المؤامرة المدبرة، ولعله فهم أن هامان الذى كان يشغل مرتبة رئيس وزراء، أى الرجل الثانى بعد الملك، وراء هذه المؤامرة، لكنه لم يخف وكان أميناً فى عمله للمحافظة على حياة الملك.
وبجتان المذكور هنا هو نفسه المدعو “بجتانا” أو “بغثانا” فى (ص6: 2).
والخصى هنا مقصود به ليس فقط خصياً من الناحية الجسدية، أى منزوع الأعضاء التناسلية، بل كان يحتل وظائف عالية فى قصور الملوك، كما ذكر عن فوطيفار خصى فرعون (تك39: 1) وكما ذكر الخصى الحبشى، الذى كان وزيراً لكنداكة ملكة الحبشة، الذى قابله فيلبس المبشر (أع8: 27).
بعدما تأكد مردخاى من المؤامرة المدبرة، تقدم بشجاعة إلى الملك ولم يخف من سطوة هامان ولا معاونيه المنتشرين فى القصر، وأعلم الملك بمؤامرة هذين الخصيين وذلك عن طريق أستير، كما سيظهر من (ص2: 21-23).
ع14: أمر الملك أحشويروش فى الحال بالقبض على هذين الحاجبين وأمر بتعذيبهما بأنواع العذاب المختلفة حتى أقرا فى النهاية بجريمتهما التى كان يدبرانها، فأمر الملك بقتلهما.
ع15: لأهمية هذا الحدث فى حياة الملك، أمر أحشويروش بكتابة ذكر هذه المؤامرة واكتشافها بواسطة مردخاى فى كتاب أخبار أيام ملوك فارس، وكذلك كتب أيضاً مردخاى تفاصيل هذا الحدث فى كتاب خاص عنده. وكل ما حدث يبين أمانة مردخاى الشديدة، حتى أنه عرض نفسه للموت بيد هامان ومعاونيه، وكذلك دقته بكتابة كل شئ بالتفصيل، حتى لا يأتى وقت ويحاول الأشرار تشويه الحقائق، أو محو ذكر هذا الحدث من كتاب أخبار هذا الملك؛ لأن هامان كان له سلطان عظيم داخل القصر الملكى.
ع16: تقديراً لأمانة مردخاى وإنقاذه لحياة الملك، أمر أحشويروش بإكرام مردخاى عن طريق :
- أن يقيم مردخاى إقامة كاملة بالقصر الملكى؛ إذ شعر أحشويروش أن وجود مردخاى بجواره يحافظ على حياته، فهو أمين على حياة الملك؛ لدرجة أن يعرض نفسه للهلاك بيد الخصيان حاجبى البلاط، فاستأمنه أن يقيم بجواره.
- أمر أيضاً الملك بإعطاء مردخاى هدايا وعطايا مختلفة.
ع17: هامان بن همداتا الأجاجى : هامان اسم أحد الآلهة الوثنية فى عيلام ومعنى الاسم هام، أو مشهور. ولقبه بالأجاجى لعله يرجع إلى آجاج ملك عماليق، الذى قتله صموئيل النبى، ويرمز للشر (1صم15: 33). ومعنى هذا أن هامان من نسل الأشرار، الذين يعادون اليهود؛ لأن شعب عماليق كانوا دائماً ضد اليهود.
ونلاحظ أن شاول استحيا آجاج (1صم15: 9) ولكن غضب عليه صموئيل وقتل آجاج. وتمر الأيام ويقوم هامان، الذى من نسل آجاج؛ ليهلك مردخاى، الذى من نسل شاول كما سيظهر فى (ص3: 6). وهكذا نرى أن التهاون مع خطية صغيرة يعرض الإنسان لهلاك عظيم؛ لأن هامان كان يريد قتل ليس فقط مردخاى، بل كل شعب اليهود.
كان هامان ذا مرتبة عظيمة فى القصر الملكى، وعظمه الملك أحشويروش فصار بمثابة رئيس الوزراء، أى الرجل الثانى بعد الملك أحشويروش. فصار له سلطان كامل فى القصر الملكى وكل المملكة، حتى أن الملك سمح أن يسجد جميع من فى القصر له، كما سيظهر فى (ص3: 2).
وواضح من هذه الآية أن هامان اغتاظ من مردخاى؛ لأنه كشف مؤامرة الخصيين لقتل الملك. وهذا معناه أن هامان كان مسانداً لهذين الخصيين، اللذين كانا لهما مركزاً كبيراً فى القصر، أى بمثابة وزيرين، أو بمعنى أصح أن هامان غالباً كان هو المدبر لمؤامرة قتل الملك ولكنه استتر وراء هذين الخصيين، ولعله كان يود بهذه المؤامرة أن يجلس على عرش المملكة، ولكن لأنه لم يقع فى خطأ ظاهر فى هذه المؤامرة، فلم يمسه أذى من الملك. وبهذا صارت عداوة بين هامان ومردخاى؛ لأن مردخاى اهتم بالمحافظة على حياة الملك وكان أميناً فى عمله كحارس للملك.
كن أميناً فى عملك من أجل الله واطلب معونته، حتى لا يهتز قلبك من الأشرار. وثق أن الله يقدر تعبك ويكافئك عليه ويحميك فى كل خطواتك.
(3) وليمة أحشويروش [ع18-26(1-9)] :
18(1)- و حدث في أيام أحشويروش هو احشويروش الذي ملك من الهند الى كوش على مئة وسبع و عشرين كورة. 19(2)- انه في تلك الأيام حين جلس الملك احشويروش على كرسي ملكه الذي في شوشن القصر. 20(3)- في السنة الثالثة من ملكه عمل وليمة لجميع رؤسائه وعبيده جيش فارس و مادي و امامه شرفاء البلدان و رؤساؤها. 21(4)- حين أظهر غنى مجد ملكه و وقار جلال عظمته أياما كثيرة مئة و ثمانين يوما. 22(5)- و عند انقضاء هذه الايام عمل الملك لجميع الشعب الموجودين في شوشن القصر من الكبير إلى الصغير وليمة سبعة أيام في دار جنة قصر الملك.
23(6)- بانسجة بيضاء و خضراء واسمانجونية معلقة بحبال من بز و ارجوان في حلقات من فضة واعمدة من رخام و اسرة من ذهب وفضة على مجزع من بهت و مرمر و در و رخام اسود.
24(7)- و كان السقاء من ذهب و الآنية مختلفة الأشكال و الخمر الملكي بكثرة حسب كرم الملك. 25(8)- و كان الشرب حسب الأمر لم يكن غاصب لأنه هكذا رسم الملك على كل عظيم في بيته أن يعملوا حسب رضا كل واحد. ع26(9)- و وشتي الملكة عملت أيضا وليمة للنساء في بيت الملك الذي للملك أحشويروش.
ع18(1): أحشويروش : هو ابن الملك داريوس الذى أمر باستكمال بناء الهيكل أيام زربابل والنبيان حجى وزكريا. وأحشويروش هو والد أرتحشستا لونجيمانوس، الذى فى أيامه عاد عزرا، ثم نحميا إلى أورشليم. وكلمة أحشويروش هى النطق الرومانى لإسم الملك، أما باليونانية فيسمى زركسيس وبالفارسية أردشير ولعل المقصود بها أرتحشستا، كما هو موجود فى (ع1).
امتدت المملكة الفارسية، فشملت معظم العالم وانقسمت إلى مئة وعشرين منطقة أيام داريوس والد أحشويروش ووضع عليها رؤساء دعاهم مرازبة (دا6: 1). وقام أحشويروش بغزوات للبلاد المحيطة، فاستطاع أن يغزو مصر ويصل إلى السودان، بل أيضاً إلى شمال الحبشة التى تسمى كوش. ومن ناحية أخرى امتدت مملكته حتى الهند. وغزا أيضاً اليونان ولكن بعد ذلك دُمِّرَ أسطوله فى موقعة سلاميس. وكان رجلاً شهوانياً وكان سريعاً لإراقة الدماء. كما يظهر من الآيات التالية فى هذا الاصحاح، ثم مات مقتولاً عام 465 ق.م.
ع19-21(2-4): قام أحشويروش بغزوات كثيرة للبلاد المحيطة ليوسع مملكته، ثم استقر فى ملكه، وكان ذلك فى السنة الثالثة من ملكه، أى عام 482 ق.م. ويظن بعض علماء الكتاب أنه كانت هناك مؤامرة وفتنة بين معاونيه واستطاع أن يخمد هذه الفتنة. بعد ما استقرت الأمور وكان ذلك فى السنة الثالثة عمل وليمة عظيمة لرؤساء جيشه وللشرفاء، أى عظماء البلاد التابعة له، والتى كان عددها مئة وسبع وعشرين كما ذكر فى ع18(1).
كانت هذه الوليمة عظيمة جداً، وامتدت لفترة طويلة جداً وهى 180 يوماً، أى ستة شهور. ومدة هذه الوليمة لم يذكر التاريخ مثلها، أى تظل الولائم لمدة نصف عام. كل هذا لإظهار غنى الملك وعظمته، وهذا يؤكد بالطبع كبرياء أحشويروش هذا، خاصة أنه كان مستقراً ولا داعى لإظهار هذا المجد.
وليس من الضرورى أن يكون الحاضرون فى هذه الولائم نفس الأشخاص لمدة مئة وثمانين يوماً، بل يمكن أن تكون هذه الولائم مرتبة؛ لتكون كل يوم لمجموعة خاصة من الرؤساء التابعين للإمبراطورية.
ع22(5): بعد إقامة ولائم الرؤساء لمدة مئة وثمانين يوماً، وهى غالباً كانت داخل قاعات القصر الملكى، أظهر الملك أيضاً عظمته بإقامة ولائم لكل الشعب الساكنين فى عاصمة إمبراطوريته وهى مدينة شوشن القصر. واختار أكبر مكان متسع فى العاصمة وهى جنة الملك، أى الحدائق المتسعة التابعة للقصر الملكى. وامتدت الولائم لمدة سبعة أيام ودعى إليها كل الشعب كباراً وصغاراً، أى شملت هذه الموائد الأطفال أيضاً.
ع23(6): أسمانجونية : زرقاء.
بز : كتان أبيض أو حرير.
أرجوان : قماش لونه أحمر غامق، وهو اللون الذى يستخدم فى ملابس الملوك قديماً.
مجزع : ألوان مختلفة متوازية، أو مستديرة.
بهت : نوع من الرخام الأبيض اللامع.
مرمر : نوع من الرخام لونه أصفر شفاف.
در : نوع من الرخام لونه أبيض مثل لون اللؤلؤ أى ليس لامعاً.
أحاط الملك مكان الوليمة فى حدائق قصره بأقمشة ثمينة لونها أبيض وأخضر وأزرق، أى كأنها خيام، قماشها جميل. وربطت هذه الأقمشة بحبال من الكتان أو الحرير الأبيض، أو القماش الأحمر الغامق. وربطت هذه الحبال فى حلقات من الفضة. أما الأعمدة التى أقيمت لتربط بها هذه الأقمشة فكانت من الرخام. وهذا يبين كيف أن المكان كان محاطاً بأقمشة غالية، أو خيام على أعلى مستوى تليق بغنى الملك.
أما أماكن جلوس المدعوين فى الولائم، فكانت أسرة مصنوعة من الذهب والفضة، إذ كانوا قديماً فى الولائم يجلس كل واحد على سرير ويتكئ على ذراعه ويمد جسمه ويأكل بيده الأخرى من المائدة؛ ليعطى نفسه أكبر مقدار من الراحة والتمتع بالطعام الشهى.
أما أرضية المكان فعملت من الرخام المجزع من ألوان مختلفة هى الأبيض اللامع وغير اللامع والأسود والأصفر الشفاف.
أى أن الملك اهتم بكل تفاصيل الوليمة؛ الأرضيات وأماكن الجلوس والحواجز التى تحيط بالوليمة؛ لتكون أفخر ما يمكن وتليق بعظمة الملك. إن كان هذا من أجل عامة الشعب، فكم تكون تجهيزات قاعات القصر لاستقبال رؤساء البلاد فى الولائم التى استمرت مئة وثمانين يوماً ؟!
ع24، 25(7، 8): السقاء : أوعية الشرب مثل الكوب أو الكأس.
قدم الملك فى هذه الولائم أنواعاً كثيرة من الخمر؛ حتى يطلب كل واحد من المدعوين ما يريد من أنواع الخمر، وكذلك الكمية التى يريدها. فلم يُجبر أحداً من المدعوين على شرب نوع معين من الخمر، بل كان كرم الملك ظاهراً فى تلبية رغبات المدعوين حسبما أرادوا. فأمر رؤساء السقاة التابعين له، أى “كل عظيم فى بيته” أن يهتموا ويلبوا كل الرغبات.
وكان الخمر من أجود الأنواع بما يليق بالملك ويقدم فى أوانى من الذهب. كل هذا يبين اهتمام الملك أن يظهر عظمته أمام كل مملكته وخاصة الساكنين فى عاصمته.
نلاحظ هنا أن الملك لم يجبر أحداً من المدعوين على شرب الخمر؛ فلو شرب أحدهم كثيراً حتى السكر يكون هو المسئول عن نفسه. وهذا يبين أن الوليمة كانت تظهر كرم الملك وكذلك وقار عظمته (ع21 (4)). والذى يؤكد وقار هذه الوليمة أنه لم تحضر فيها النساء ولم يكن هناك رقص مثل وليمة بليشاصر حفيد نبوخذنصر (دا5: 2)، أو وليمة هيرودس التى رقصت فيها ابنة هيروديا (مت14: 6).
ع26(9): وشتى : كلمة فارسية معناها المرأة الجميلة وهى كما ذكرنا أنها فى الأغلب كانت الزوجة التى استمرت على عرش المملكة طوال حياة أحشويروش، ولكنها نفيت فترة صغيرة حوالى خمس سنوات وحلت محلها أستير، لإتمام خلاص شعب الله، ثم عادت وشتى إلى مكانها مرة ثانية.
كانت الولائم السابقة يدعى إليها الرجال. أما النساء فعملت لهن الملكة وشتى زوجة الملك أحشويروش وليمة فى قصرها الذى أسكنها فيه الملك.
ولم يذكر كم من الأيام استمرت وليمة النساء، ولكن غالباً ما كانت تمكث لأيام كثيرة؛ لإظهار كرم الملك وعظمته، إذ أرادت الملكة وشتى أيضاً أن تظهر عظمتها فى هذه الوليمة.
لا تنشغل برأى الناس وإظهار كرامتك أمامهم، بل ابحث عن محبة الله وعش معه فى الخفاء باتضاع. بهذا يخاف منك إبليس ويبتعد عنك، وتتمتع بسعادة لا يعبر عنها فى الأرض، ثم فى السماء.
(4) عزل الملكة وشتى [ع27-39 (10-22)] :
ع27(10)- في اليوم السابع لما طاب قلب الملك بالخمر قال لمهومان و بزثا و حربونا و بغثا وابغثا وزيثار و كركس الخصيان السبعة الذين كانوا يخدمون بين يدي الملك احشويروش.
28(11)- أن يأتوا بوشتي الملكة إلى أمام الملك بتاج الملك ليري الشعوب و الرؤساء جمالها لأنها كانت حسنة المنظر. 29(12)- فابت الملكة وشتي أن تأتي حسب أمر الملك عن يد الخصيان فاغتاظ الملك جدا و اشتعل غضبه فيه. 30(13)- و قال الملك للحكماء و العارفين بالأزمنة لأنه هكذا كان أمر الملك نحو جميع العارفين بالسنة و القضاء. 31(14)- و كان المقربون إليه كرشنا و شيثار وادماثا و ترشيش و مرس و مرسنا و مموكان سبعة رؤساء فارس و مادي الذين يرون وجه الملك ويجلسون أولا في الملك. 32(15)- حسب السنة ماذا يعمل بالملكة وشتي لانها لم تعمل كقول الملك أحشويروش عن يد الخصيان. 33(16)- فقال مموكان أمام الملك و الرؤساء ليس إلى الملك وحده أذنبت وشتي الملكة بل إلى جميع الرؤساء و جميع الشعوب الذين في كل بلدان الملك احشويروش.
34(17)- لأنه سوف يبلغ خبر الملكة إلى جميع النساء حتى يحتقر أزواجهن في أعينهن عندما يقال إن الملك أحشويروش أمر أن يؤتى بوشتي الملكة إلى أمامه فلم تأت. 35(18)- و في هذا اليوم تقول رئيسات فارس و مادي اللواتي سمعن خبر الملكة لجميع رؤساء الملك و مثل ذلك احتقار و غضب. 36(19)- فإذا حسن عند الملك فليخرج امر ملكي من عنده و ليكتب في سنن فارس و مادي فلا يتغير أن لا تأت وشتي أمام الملك أحشويروش و ليعط الملك ملكها لمن هي أحسن منها.
37(20)- فيسمع أمر الملك الذي يخرجه في كل مملكته لأنها عظيمة فتعطي جميع النساء الوقار لأزواجهن من الكبير إلى الصغير. 38(21)- فحسن الكلام في أعين الملك و الرؤساء و عمل الملك حسب قول مموكان. 39(22)- و أرسل كتبا إلى كل بلدان الملك و إلى كل بلاد حسب كتابتها والى كل شعب حسب لسانه ليكون كل رجل متسلطا في بيته و يتكلم بذلك بلسان شعبه
ع27، 28(10، 11): فى اليوم السابع للوليمة – وغالباً يقصد وليمة الشعب المقامة فى حدائق الملك – شرب أحشويروش كثيراً من الخمر حتى طاب قلبه وشعر بنشوة الخمر، وتحركت فيه شهوته نحو النساء. فأراد أن يظهر لكل الشعب عظمة جمال زوجته وشتى، فأرسل إليها السبعة خصيان عبيد الملك المقربين إليه ليحضروها. ولم يكن مدركاً لخطئه نتيجة الخمر الذى شربه. وأخطاؤه كانت هى :
- لم يحفظ حياء امرأته ويحافظ عليها، بل أراد إظهار جمالها أمام عدد كبير من المخمورين، ويعرضها لنظرات وكلمات سيئة، فلم يكن أميناً عليها كزوج مهتم بها.
- لم تكن عادة الفرس إظهار زوجاتهم ليتفرج عليهن الآخرون، بدليل أن الولائم الملكية كانت للرجال فقط. أما النساء فعملت لهن وشتى وليمة خاصة داخل القصر.
- لم يكن حكيماً فى أمره هذا؛ لأنه نسى أنه يمكن أن ترفض، أو غالباً سترفض؛ حتى لا تكون مجرد جسد يشتهيه المخمورون المدعوون فى الوليمة. وبهذا عرَّض كلامه للنقض والرفض، فأهان نفسه وأهان الأوامر الملكية.
ع29(12): عندما وصل الأمر الملكى على يد الخصيان السبعة إلى الملكة وشتى، تضايقت جداً، وشعرت أنها لا يمكن أن تكون محط أنظار الشهوانيين المدعوين فى الوليمة. ولعل كرامتها ثارت عليها، فرفضت كلام الملك، مع علمها أن هذا الرفض مثير جداً للملك ولا يُقبل أبداً بين ملوك فارس.
فعاد الخصيان السبعة إلى الملك؛ ليخبروه برفض الملكة وشتى أن تحضر إلى الوليمة. فاغتاظ جداً، وزاد غيظه تأثره بالخمر التى شربها. ولعله أظهر غضبه بصيحات، أو شتائم أمام المدعوين والرؤساء المحيطين به.
ع30-33(13-16): اغتاظ الملك وسقط فى حيرة وهو مخمور ماذا يفعل للملكة وشتى وكيف يظهر غضبه من نحوها، إذ شعر بضعفه أمام كل المدعوين. فسأل حكماءه المحيطين به فى مجلسه فى الوليمة، وهم القادرون على معرفة الأزمنة، أى التوقعات المنتظرة، سواء بالتنجيم، أو بأى طرق شيطانية من السحر وخلافه. وكان فى مقدمتهم رؤساء مادى وفارس السبعة، الذين يمثلون مجلس الحكم للمملكة كلها، وهم العارفون بشرائع مملكة فارس ونظامها وقوانينها، وأيضاً هم المختصون بإصدار الأوامر فى كل المملكة تحت سلطان الملك.
ولعل أحشويروش كانت حيرته شديدة، إذ كان مغتاظاً لكسر كرامته أمام المدعوين، ولكنه فى نفس الوقت يحب وشتى ولا يريد أن تبعد عنه. فهو من جهة لا يستطيع التنازل عن أمره ومن جهة أخرى يحب امرأته وشتى ويريد تخليصها وعدم معاقبتها، بل ولعله بعدما انتبه قليلاً من الخمر شعر أنها معذورة فيما عملته وأن أمره كان غير سليم.
كان سؤال الملك للرؤساء؛ ماذا ترون أن يعمل مع الملكة وشتى بما يتفق مع قوانين المملكة الفارسية ؟
ع34، 35(17، 18): تقدم مموكان وهو أحد رؤساء مملكة فارس وقال للملك؛ إن ما فعلته الملكة وشتى، ليس فقط خطأ فى حق الملك، بل أيضاً خطأ فى حق رؤساء فارس وكل الشعب الفارسى؛ لأن جميع الزوجات الفارسيات سيقلدن وشتى ويعصين أزواجهن، فلا يستطيع أى رجل فارسى أن يقود بيته؛ لتمرد زوجته عليه.
لعل مموكان هذا كان بينه وبين الملكة وشتى مشاكل، أو نزاعات، أو من ناحية أخرى قد يكون متكبراً جداً، كرجل متسلط فى بيته، فثار لكرامة الرجل، وبالغ فى إظهار خطأ الملكة؛ حتى جعله إساءة لكل شعب فارس، ولكل الرجال فى المملكة الفارسية، واعتبره تصرفاً سيهدم جميع بيوت فارس.
وكانت إجابة مموكان ليس فيها استناد على أى قانون فارسى، بل هو إثارة وتضخيم لتصرف الملكة ولم يلتمس لها أى عذر. وغالباً تضايق الملك من هذا الرأى المحرج ولكنه لم يستطع التراجع عن الأخذ برأى مموكان، لئلا يظهر ضعف الملك.
ع36، 37(19، 20): ثم أضاف مموكان، فطلب من الملك أن يصدر أمراً فى الحال بنفى الملكة وشتى من القصر، ولا تعود تظهر أمام الملك، ويكتب هذا الأمر فى أوامر المملكة الفارسية، وتبلغ به جميع البلاد الخاضعة لفارس.
واستكمل مموكان كلامه، بأنه بهذا تحترم جميع الزوجات الفارسيات أزواجهن، فتستقر جميع البيوت الفارسية. وبهذا أظهر اهتمامه بالملك وبكل الشعب الفارسى. مع أنه غالباً – كما ذكرنا – كان قلبه مملوءً شراً، وانتهز فرصة تغير قلب الملك بالخمر وأحرجه بأدلة وإقناعات؛ ليصدر أمره بمعاقبة وشتى وعزلها من الملك.
ع38، 39(21، 22): يتكلم بلسان شعبه : يعلن أمر الملك بلغة كل شعب من الشعوب الخاضعة لفارس.
أعلن الملك ورؤساؤه موافقتهم على رأى مموكان؛ لأنه كان مقنعاً وحسن المنطق، رغم أنه كما قلنا قد يكون معارضاً لمشاعر الملك ومحبته لزوجته وشتى. وأمر الملك بإصدار الأمر وكتابة الرسائل الملكية؛ لتصل إلى كل بلاد المملكة وتعلن بلغة الشعوب الخاضعة لفارس، فيعرفوا قرار الملك بعزل الملكة وشتى من الملك.
ورغم شر مموكان، أو شهوة أحشويروش وانغماسه فى الخمر واللذات المادية وتغير عقله بالخمر، اغتاظ، ثم حسن اقتراح مموكان لديه وأمر بعزل الملكة وشتى.ولكن كان كل هذا بسماح من الله، الذى يحب ويرعى شعبه المؤمن به، أى شعب اليهود، فعزل وشتى كان هو الخطوة التى مهدت لمجئ أستير وتملكها؛ حتى تخلص شعبها بالصوم والصلاة من الهلاك الذى دبره الشيطان لإهلاكهم، كما سيظهر فى الأصحاحات التالية.
وكان هذا الأمر الملكى المرسل لكل بلدان المملكة الفارسية يعلن أن كل رجل لابد أن تطيعه زوجته وإلا تعرض نفسها للطلاق، فهى ليست أفضل من الملكة وشتى التى عزلت وأبعدت عن بيتها، أى طلقها الملك بسبب عدم طاعتها. إن إلهك الذى يحبك يحول كل شئ لخيرك، فمهما اضطربت الدنيا حولك، فثق أن الله يقودها لخيرك مادمت متمسكاً به بإيمان واتضاع.