عظمة مردخاى وإنقاذ اليهود
مقدمة :
يخبرنا هذا الاصحاح فى (ع1-18) فى النسخة البيروتية التى بين أيدينا بأمر الملك أحشويروش لمردخاى وأستير بإصدار أمر ملكى لإنقاذ اليهود وإلغاء أمر هامان الشرير الذى كان يريد إبادة اليهود.
وبهذا فإن الآيات من 1-13 فى الأصحاح الثامن فى النسخة البيروتية تظل كما هى. وبعدها وضعنا الآيات من (ع14-37) المأخوذة من الأصحاح (ص16: 1-24) من تتمة سفر أستير بالأسفار القانونية الثانية، وهى تحوى أمر الملك أحشويروش الذى كتبه مردخاى وأستير لإنقاذ اليهود. ثم أكملنا الأصحاح الثامن بالآيات (ع14-17) الموجودة بالنسخة البيروتية، وهى تحوى انطلاق رسائل الملك إلى كل البلدان وعظمة مردخاى وفرح اليهود. وتم إعادة ترقيم الآيات (ع14-17) فصارت (ع38-41).
(1) تكريم أستير ومردخاى (ع1، 2) :
1- في ذلك اليوم اعطى الملك أحشويروش لأستير الملكة بيت هامان عدو اليهود و أتى مردخاي إلى أمام الملك لأن أستير أخبرته بما هو لها. 2- و نزع الملك خاتمه الذي اخذه من هامان وأعطاه لمردخاي و أقامت أستير مردخاي على بيت هامان.
ع1: بعد أن تخلص الملك من هامان وقتله، أراد أن يكرم أستير التى نبهته لمؤامرة هامان عدو اليهود والمتآمر ضد الملك، فوهبها بيت هامان، وهو غالباً قصر كبير ليكون تحت سلطانها. وهذا يظهر أن أستير قد نالت ثقته ومحبته.
وعندما شعرت أستير بمحبة الملك لها، أرسلت إلى مردخاى ليحضر إلى القصر الملكى، ثم أخبرت الملك بأن مردخاى الذى أنقذ حياته، بفضح مؤامرة الخصيان لإهلاكه، هو قريبها، فهو ابن عمها، بل هو الذى تولى تربيتها، فهو فى مكانة والدها. وبهذا شعر الملك بإخلاص مردخاى وإخلاص أستير له وإنه أصبح فى جو من الاستقرار، بدلاً من الخداع والمؤامرات التى كانت أيام هامان.
إن منح الملك أستير بيت هامان يرمز إلى تملك أولاد الله فى الملكوت مكان الشياطين الذين سقطوا؛ لأن أستير ترمز للكنيسة وهامان يرمز للشيطان والملك يرمز إلى الله، وهذا يبين محبة الله لأولاده المؤمنين به وحافظى وصاياه، فهو يريد أن يكرمهم ويعطيهم مكاناً عظيماً فى ملكوته مع ملائكته القديسين.
تظهر هنا أيضاً حكمة أستير التى اختارت الوقت المناسب؛ لتخبر الملك بقرابتها إلى مردخاى والذى بالطبع استأذنته قبل أن تخبر الملك. فوافق هذا الشيخ الحكيم على إخبار الملك، الذى ابتهج بزوجته المخلصة وبمردخاى الذى أنقذ حياته. وعبر عن ثقته فى مردخاى بتكريمه وتعظيمه كما سيظهر فى الآية التالية.
تظهر هنا نتيجة وليمة أستير التى تم فيها فضح مؤامرة هامان وصلبه. وهذه الوليمة ترمز إلى الصليب الذى به قيد المسيح إلهنا الشيطان، فهنا تظهر نتيجة الصليب وهى قيامة المسيح وصعوده؛ ليعطينا مكاناً فى السماء بدلاً من الشياطين الساقطة؛ لنملك معه إلى الأبد. فكما نجت أستير من الموت، ثم استولت على بيت هامان، هكذا نجت الكنيسة من الموت الأبدى، بتقييد الشيطان والغفران الممنوح لها فى الصليب، وأيضاً أعد لها المكان فى الملكوت لتملك إلى الأبد.
ع2: كرم الملك مردخاى بأن نزع خاتمه من يده والذى كان قد أعطاه لهامان واسترده منه قبل صلبه، الآن يهبه لمردخاى، وهذا معناه ثقته الكاملة فى مردخاى؛ لأن أى شئ يختم بخاتم الملك يصير نافذاً فى كل المملكة.
بعد ذلك أقامت أستير مردخاى على بيت هامان، أى قصره وكل ممتلكاته من حقول، أو كروم وخلافه. وقد يكون قد حوله إلى قصر لإقامته وإدارة بعض شئون المملكة فيه. وقد أصبح الرجل الثانى بعد الملك، بل هو المتصرف فى كل شئ؛ لأن الملك أعطاه هذا السلطان، فصار هو الملك الحقيقى.
إن الملك يرمز للآب الذى أعطى كل السلطان للابن، الذى يرمز إليه مردخاى. والكنيسة، التى يُرمز إليها بأستير، أقامت المسيح على كل الممتلكات التى كان يمتلكها الشيطان، أى نفوس البشر. فأصبح للمسيح – الذى يرمز إليه مردخاى – سلطاناً على قلوب المؤمنين بخاتم الملك، الذى يرمز إلى الروح القدس، فيثبتهم فى الحياة مع الله، ثم يأخذهم إلى ملكوت السموات.
إن مردخاى اسمه “الإنسان المتواضع” وكذلك سلوكه، فقد ظل منزوياً فى باب الملك، ولم ينل كرامة فترة طويلة. وبعد ذلك بدأ تكريمه. كما عاش يوسف المحب لله ثلاثة عشر عاماً فى الآلام، فى بيت فوطيفار والسجن، وبعد ذلك تم تكريمه وإقامته على عرش مصر. وكذلك داود الذى لم ينل عظمة الملك بعد مسحه ملكاً، وظل فترة طويلة مطارداً من شاول، وبعد موته صار ملكاً.
لقد تم تكريم مردخاى على مراحل هى :
- عندما ركب فرس الملك وطاف أمامه هامان فى شوارع المدينة شوشن القصر
(ص6: 11). - عندما اعترفت به أستير الملكة أنه ابن عمها، والذى اعتنى بتربيتها ورعايتها، فارتفع جداً فى نظر الملك (ع1).
- عندما أعطاه الملك خاتمه، وبالتالى جعله الرجل الثانى فى المملكة وله كل السلطان (ع2).
- عندما أقامته أستير على بيت هامان (ع2).
- عندما لبس اللباس الملكى والتاج (ع39(15)).
من الجدير بالملاحظة أن مردخاى لم يكرم إكراماً كافياً عند إنقاذه حياة الملك بفضح مؤامرة الخصيان، حتى أن الملك نفسه تعجب عندما قرأ ذلك فى سفر أخبار الملوك. وهذا غالباً كان بإيعاز من هامان بطريقة غير مباشرة، قد تكون عن طريق أحد أعوانه من مشيرى الملك والله سمح بهذا ليظهر اتضاع مردخاى واحتماله ولكن فى النهاية الله سيكرمه إكراماً يفوق كل توقع.
لا تتعلق بماديات العالم ومراكزه فكلها ستتركها قهراً عندما تموت، كما ترك هامان كل ممتلكاته وسلطانه. بل كن متضعاً مثل مردخاى، وأعمل الخير مثله لكل من حولك، كما فعل الخير لشعبه، فتنال تكريماً عظيماً عند الله. احتمل ما يمر بك من آلام، فهذا غالى جداً عند الله ولابد أن يكافئك بأمجادٍ عظيمة.
(2) طلبة أستير لإنقاذ شعبها (ع3-8) :
3- ثم عادت أستير و تكلمت أمام الملك و سقطت عند رجليه و بكت و تضرعت إليه أن يزيل شر هامان الاجاجي و تدبيره الذي دبره على اليهود. 4- فمد الملك لأستير قضيب الذهب فقامت أستير و وقفت أمام الملك. 5- و قالت إذا حسن عند الملك و إن كنت قد وجدت نعمة أمامه واستقام الأمر أمام الملك و حسنت أنا لديه فليكتب لكي ترد كتابات تدبير هامان بن همداثا الاجاجي التي كتبها لإبادة اليهود الذين في كل بلاد الملك. 6- لأنني كيف استطيع أن أرى الشر الذي يصيب شعبي و كيف أستطيع أن أرى هلاك جنسي. 7- فقال الملك أحشويروش لأستير الملكة و مردخاي اليهودي هوذا قد أعطيت بيت هامان لأستير أما هو فقد صلبوه على خشبة من أجل أنه مد يده الى اليهود. 8- فاكتبا أنتما إلى اليهود ما يحسن في أعينكما بإسم الملك و أختماه بخاتم الملك لأن الكتابة التي تكتب بإسم الملك و تختم بخاتمه لا ترد.
ع3، 4: لم تكتف أستير بنجاتها هى ومردخاى من الموت وبالتخلص من هامان عدوها لكن كان قلبها منشغلاً بإنقاذ شعبها؛ لأن الأمر الملكى الذى أصدره هامان بإبادة اليهود كان قائماً وسينفذ بعد تسعة أشهر من هذا الوقت؛ لذا أرادت إزالة هذا الأمر، وهو شئ فى غاية الصعوبة؛ لأن ملوك فارس لا يتراجعون عن أوامرهم. ولكنها رفعت صلوات إلى الله كما نتخيل وتقدمت لتدخل إلى الملك دون أن يستدعيها معرضة حياتها للموت للمرة الثانية؛ لتطلب من الملك إلغاء الأمر بإبادة اليهود. وهذا يبين أمرين :
- إيمان أستير القوى بالله، الذى لن يتركها، بل سيستخدمها لإنقاذ شعبه.
- استعدادها لبذل حياتها من أجل الله وإنقاذ شعبها.
تقدمت أستير بإتضاع شديد وتأثر قلبى، إذ سجدت أمام الملك وكانت تبكى؛ لأجل إنقاذ شعبها المحكوم عليه بالموت. وهى ترمز للكنيسة التى تلتجئ إلى الله فى ضيقاتها بالسجود والدموع والتضرع إلى الله لينقذها. بالإضافة إلى اتضاع أستير، ظهر أيضاً تأثر قلبها ومحبتها لشعبها.
وكذلك أيضاً ظهرت حكمتها؛ عندما قالت للملك أن يزيل شر هامان فى الأمر الذى أصدره بإبادة اليهود ولم تقل له أن يزيل الأمر الذى أصدره هو – أى الملك – فنسبت الشر إلى هامان، ولذا قبل الملك طلبتها، بل ونسب الخطأ لنفسه باستغلال هامان لثقة الملك فيه. وقدم اعتذاراً فى الخطاب الذى أرسله لإلغاء الأمر الأول (ع14-37).
نرى أن أستير لم تبكِ عندما دخلت فى المرة الأولى لمقابلة الملك وذلك لفضح مؤامرة هامان وإنقاذ نفسها. أما الآن ففى دخولها للمرة الثانية إلى الملك، نجد أنها بكت وسقطت عند رجليه وتضرعت، فهى ترمز للكنيسة التى تبكى وتتضرع بلجاجة أمام الله فى اتضاع شديد لإنقاذ أولادها من حروب الشياطين، وذلك فى صلواتها المختلفة. وأستير هنا أظهرت اتضاعها فى سقوطها على الأرض وتضرعها رغم أنها كانت فى أمان وغير معرضة للهلاك.
نلاحظ هنا استجابة الملك السريعة لأستير، فمد لها قضيب الذهب. وهذا يثبت محبته وثقته فيها، فيستثنيها عن كل مملكته ويستقبلها فى أى وقت. والملك هنا يرمز لله الذى يرحب بكنيسته فى أى وقت، وقضيب الذهب يرمز للصليب، فبصليب المسيح تجد الكنيسة لها مكاناً وقدوماً أمام الآب، فتصلى وتستجاب طلبتها وتنال خلاصها.
ع5: تكلمت أستير بلطف وحكمة فقدمت طلباتها مشفوعة بثلاثة وسائل جميلة هى :
- إذا حسن عند الملك : أى رأى الملك أن هذا الأمر صالح وحسن وأعجب به.
- وجدت نعمة أمامك : إن كان لى دالة عند الملك ونعمة فى عينيه حتى يقبل طلبتى.
- استقام الأمر أمام الملك : أى رآه الملك مستقيماً وسليماً.
نرى أن أستير قد نسبت الكتابة إلى هامان وليس للملك، فهامان الشرير أراد إهلاك اليهود، ولم تشر إلى أن هذا أمر الملك كحسن مجاملة وعدم تقديم لوم له. فهى لبقة وحكيمة، وتعلمنا كيف لا نلوم الآخرين عندما نطلب منهم شيئاً.
إن أستير أيضاً ترمز للمسيح فى تعريض حياتها للخطر والموت فى مقابلتها للملك بدون أن يستدعيها – كل هذا – لتنقذ شعبها من الهلاك، كما مات المسيح على الصليب ليوفى الدين عن كنيسته وينقذها من الهلاك.
إن هامان قد مات ولكن آثار شروره مازالت باقية وتحتاج أن تزال، وهى كتاباته لإهلاك اليهود، فاحرص ألا تكون لك تصرفات تؤذى الآخرين بسبب أعمال سابقة لك، أو بعدما تموت تترك آثاراً مؤذية تتعب الباقين بعدك.
ع6: أضافت أستير أمراً هاماً وهو إثارة عاطفة الملك نحو طلبها، وأظهرت له كيف ترى شعبها يهلك وتصمت ! لتجتذب الملك ويضع نفسه مكانها ويشعر بخطورة هلاك شعبها، فينقذ الشعب لأجلها. وهذا يؤكد حكمتها، بالإضافة لمحبتها لشعبها.
كانت أستير متضعة، فلم تشعر أنه من العار، أو إنقاص لها أن تنتسب لهذا الشعب الفقير المعرض للهلاك. وهى هنا أيضاً ترمز للمسيح الذى تنازل بتجسده؛ ليصير إنساناً مثلنا حتى يرفعنا إليه ويخلصنا من خطايانا.
إن أستير مثال لنا فى إحساسها بشعبها حتى نشعر بمن حولنا وبمشاكلهم ونسعى إلى رفعها عنهم.
ع7: برر الملك نفسه فى عينى زوجته أستير ووزيره مردخاى من جهة محبته ورعايته لليهود؛ بقوله أنه عندما علم بمؤامرة هامان أمر بصلبه وأعطى بيته لأستير، فهو جاد فى استبعاد من يهدد حياة اليهود.
لكن المشكلة مازالت قائمة؛ لأن الأمر الملكى قد صدر ووصل إلى كل الأقاليم بإهلاك اليهود، فالملك فى حيرة، كيف يخلص اليهود، الذين منهم زوجته ووزيره مردخاى ؟!
أعطى الملك السلطان لمردخاى وأستير أن يكتبا ما يشاءا؛ لإنقاذ اليهود، ويختمانه بخاتم الملك ويرسلا هذا الأمر إلى كل الأقاليم. وطمأنهما بأن أوامر ملوك فارس لا ترد؛ أى أن إنقاذ اليهود أمر حتمى ومؤكد. وهذا يبين ثقة الملك ومحبته لمردخاى وأستير.
إن فكرة أوامر ملوك فارس لا تُرد تحمل معنى الكبرياء؛ لأنه ليس هناك إنسان معصوم من الخطأ، فلماذا لا ترد أوامر هؤلاء الملوك ؟ ومن أجل هذا الكبرياء حدثت هذه المشكلة، ولكن الله تدخل وأعطى حكمة لمردخاى وأستير، فكتب أمراً لا يسئ إلى الملك، وفى نفس الوقت ينقذ شعب الله، كما سنرى فى الآيات التالية.
إن شعرت أن كلامك غير سليم لا تتكبر وتعاند، بل اعتذر عنه وتنازل عن قرارك الخاطئ، بهذا تكون إنساناً قوياً، وخاضعاً لله، فيحترمك الناس وتحيا فى سلام.
(3) إبطال مؤامرة هامان (ع9-38) :
9- فدعى كتاب الملك فى ذلك الوقت فى الشهر الثالث أى شهر سيوان فى الثالث والعشرين منه وكتب حسب كل ما أمر به مردخاى إلى اليهود وإلى المرازبة والولاة ورؤساء البلدان من الهند إلى كوش مئة وسبع وعشرين كورة إلى كل كورة بكتابتها وكل شعب بلسانه وإلى اليهود بكتابتهم ولسانهم. 10- فكتب باسم الملك أحشويروش وختم بخاتم الملك وأرسل رسائل بأيدى بريد الخيل ركاب الجياد والبغال بنى الرمك. 11- التى بها أعطى الملك اليهود فى مدينة فمدينة أن يجتمعوا ويقفوا لأجل أنفسهم ويهلكوا ويقتلوا ويبيدوا قوة كل شعب وكورة تضادهم حتى الأطفال والنساء وأن يسلبوا غنيمتهم. 12- فى يوم واحد فى كل كور الملك أحشويروش فى الثالث عشر من الشهر الثانى أى شهر آذار. 13- صورة الكتابة المعطاة سنة فى كل البلدان أشهرت على جميع الشعوب أن يكون اليهود مستعدين لهذا اليوم لينتقموا من أعدائهم. 14- أرتحشستا العظيم المالك من الهند إلى الحبشة إلى القواد والرؤساء فى المئة والسبعة والعشرين إقليماً التى فى طاعتنا سلام. 15- إن كثيرين يسيئون اتخاذ المجد الممنوح لهم فيتكبرون. 16- ويجتهدون لا أن يظلموا رعية الملوك فقط ولكن إذ لا يحسنون تحمل المجد الممنوح لهم يتآمرون على الذين منحوه لهم. 17- ولا يكتفون بأن لا يشكروا على الأنعام وأن ينابذوا الحقوق الإنسانية بل يتوهمون أنهم يستطيعون أن يفروا من قضاء الله المطلع على كل شئ. 18- وقد بلغ من حماقتهم أنهم يحاولون بمكايد أكاذيبهم أن يسقطوا الذين سلمت إليهم المناصب وهم يجرونها بالتحرى ويفعلون كل ما يستأهلون به شكر الجميع. 19- ويخدعوا باحتيال مكرهم مسامع الرؤساء السليمة الذين يقيسون طباع غيرهم على طباعهم. 20- وهذا أمر مختبر من التواريخ القديمة ومما يحدث كل يوم أن دسائس البعض تفسد خواطر الملوك الصالحة. 21- فلذلك ينبغى أن ينظر فى سلم جميع الأقاليم. 22- فلا ينبغى أن يظن أننا نأمر بأشياء متباينة عن خفة عقل بل ذلك ناشئ عن اختلاف الأزمنة وضروراتها التى حملتنا على إبراز الحكم بحسب مقتضى نفع الجميع.
23- ولكى تفهموا كلامنا بأوضح بيان فإن هامان بن همداثا الذى هو مكدونى جنساً ومشرباً وهو غريب عن دم الفرس وقد فضح رحمتنا بقساوته بعد أن آويناه غريباً. 24- وبعدما أحسنا إليه حتى كان يدعى أباً لنا وكان الجميع يسجدون له سجودهم لثنيان الملك. 25- قد بلغ من شدة عتوه أنه أجتهد أن يسلبنا الملك والحياة. 26- لأنه سعى بدسائس جديدة لم تسمع بإهلاك مردخاى الذى انما نحن فى الحياة من أمانته وإحسانه وبإهلاك قرينة ملكنا أستير وسائر شعبها. 27- وكان فى نفسه أنه بعد قتلهم يترصد لنا فى خلوتنا ويحول مملكة الفرس إلى المكدونيين. 28- ونحن لم نجد قط ذنباً فى اليهود المقضى عليهم بالموت بقضاء أخبث البشر بل بعكس ذلك وجدنا أن لهم سنناً عادلة.
29- وهم بنو الله العلى العظيم الحى إلى الأبد الذى بإحسانه سلم الملك إلى آبائنا وإلينا وما برح محفوظاً إلى اليوم. 30- وحيث ذلك فاعلموا أن الرسائل التى وجهها باسمنا هى باطلة. 31- وبسبب تلك الجريمة قد علق أمام أبواب هذه المدينة شوشن هو صاحب تلك المؤامرة وجميع أنسبائه على خشبات فنال بذلك جزاء ما استحق من قبل الله لا من قبلنا. 32- فليعلن هذا الأمر الذى نحن منفذوه الآن فى جميع المدن ليباح لليهود أن يعملوا بسننهم. 33- وينبغى لكم أن تعضدوهم حتى يستمكنوا من قتل الذين كانوا متأهبين لقتلهم فى اليوم الثالث عشر من الشهر الثانى الذى يدعى آذار. 34- فإن ذلك اليوم الذى كان لهم يوم حزن ونحيب قد حوله لهم الله القدير إلى فرح.
35- وأنتم أيضاً فانظموا هذا اليوم بين سائر أيام الأعياد الأخرى وعيدوه بكل فرح حتى يعلم فيما بعد. 36- إن كل من يطيع الفرس بأمانة يثاب على أمانته ثواباً وافياً ومن يرصد لملكهم يهلك بجنايته. 37- وكل إقليم أو مدينة يأبى أن يشترك فى هذا العيد فليهلك بالسيف والنار لا الناس فقط، بل البهائم أيضاً ليكون إلى الأبد عبرة للاستخفاف والعصيان. 38(14) فخرج البريد ركاب الجياد والبغال وأمر الملك يحثهم ويعجلهم وأعطى الأمر فى شوشن القصر.
ع9، 10: سيوان : هو الشهر الثالث فى السنة العبرية الدينية ويقابل النصف الثانى من شهر مايو والنصف الأول من شهر يونيو.
المرازبة : جمع مرزبان وهو أمير أو حاكم كبير على مقاطعة أيام الفرس.
الرمَك : الخيل الأصيلة الجيدة.
بعدما أعد مردخاى صيغة الأمر الملكى لإنقاذ اليهود وختمه بخاتم الملك، دعا الكتبة العاملين عند الملك وهم متميزين ليس فقط بحسن الكتابة، بل بالقدرة أيضاً على الترجمة باللغات المختلفة فكتبوا هذا الأمر الملكى الجديد، ثم أرسل هذا الأمر إلى اليهود وإلى جميع المسئولين فى الإمبراطورية الفارسية، سواء المرازبة، أو الولاة، أو رؤساء البلدان. وكان ذلك فى اليوم الثالث والعشرين من الشهر الثالث وهو شهر سيوان، أى أن الأمر الملكى الجديد صدر بعد شهرين ونصف تقريباً من الأمر الملكى الذى كتبه هامان. وصدر الأمر الجديد قبل ثمانية أشهر ونصف من ميعاد إهلاك اليهود، الذى تحول – كما سنرى – إلى يوم لإكرام وتمجيد اليهود. بهذا أرسلت الأوامر إلى جميع بلدان الإمبراطورية الفارسية وعددها مئة وسبعة وعشرين بلداً، تمتد من الهند شرقاً إلى كوش، أى الحبشة غرباً. وحمل هذه الرسائل موظفو البريد التابعون للملك، الذين يركبون على الخيل والبغال التى تسرع فى جريها لتصل إلى أقصى البلاد التابعة للمملكة.
ع11، 12: آذار : الشهر الثانى عشر من السنة العبرية الدينية وهو يقابل النصف الثانى من شهر فبراير والنصف الأول من شهر مارس.
احتوى الأمر الملكى الجديد خلاصاً لليهود وإنقاذاً لحياتهم، بل أعطاهم قوة أكبر وبركات، فهو يشمل :
- اجتماع اليهود فى كل مدينة واستعدادهم للدفاع عن أنفسهم ضد أعدائهم وذلك بمساندة الدولة لهم.
- أعطى اليهود الحق فى إهلاك وإبادة أعدائهم فى كل أرجاء المملكة هم ونسائهم وأطفالهم.
- سمح لليهود أيضاً بالاستيلاء على غنائم وممتلكات هؤلاء الأعداء بعد إبادتهم.
نلاحظ أن نص الأمر الملكى الجديد يساند اليهود ضد أعدائهم، وجاء عكس الأمر الأول وبنفس صيغته، الذى كان ينص على إبادة اليهود هم ونسائهم وأطفالهم وسلب غنائمهم، أى أن الأمر كان قاسياً مثل الأمر الأول ولكن لصالح اليهود ضد أعدائهم، وإن كان اليهود تصرفوا برحمة، فلم يبيدوا النساء والأطفال الذين لأعدائهم، ولم ينهبوا بيوتهم، بل تركوها للنساء والأطفال (ص9: 10، 15، 16).
ونص الأمر الملكى أن يتم تنفيذ هذا الأمر فى اليوم الثالث عشر من شهر آذار وكان مازال باقياً على هذا الميعاد أكثر من ثمانية أشهر، أى أنها فرصة كافية ليستعد اليهود لذلك، بالإضافة إلى فرصة الأعداء أن يتراجعوا عن موقفهم ويتصالحوا معهم؛ حتى لا يهلكوا. وكذلك كانت فرصة كافية لاستعداد حكام كل بلاد المملكة لهذا اليوم العظيم لإكرام اليهود، بدلاً من إهلاكهم، فالأمر كان يحتاج إلى ضبط الأمن بشدة، وإلا تعرضت المملكة لحرب داخلية يكون لها آثار مدمرة للمملكة. وبالطبع تدخل الله لصالح شعبه، فأفنوا أعداءهم الذين أصروا على عداوتهم لليهود، وخلص شعبه واستقر الأمن فى بلاد الإمبراطورية كلها.
ع13: يعطينا الكتاب المقدس هنا صورة من الأمر الملكى الجديد الذى كتبه مردخاى وختمه بختم الملك. ومحتوى هذا الأمر المذكور فى الآيات التالية موجود فى تتمة أستير فى الأسفار القانونية الثانية إصحاح “16” وهو يحمل معانى كثيرة هامة، سنراها فى الآيات التالية.
ع14: فى بداية الرسالة يكتب مرسل هذه الرسالة وهو الملك أرتحشستا، أى أحشويروش، والمرسل إليهم وهم القادة والرؤساء المتولون على شعوب الإمبراطورية الفارسية، ثم فاتحة الرسالة وهى إهداؤهم السلام، الذى هو أفضل عطية تعطى للبشر.
ع15، 16: يصف الأمر الملكى هامان الشرير بأنه متكبر وهذا الكبرياء أسقطه فى خطأين هما :
- ظلم رعية الملوك، أى اليهود التابعين للملك أحشويروش، دون أى خطأ من اليهود. فاليهود هنا يرمزون للمسيح الذى ظلمه اليهود دون خطأ منه وصلبوه، ولكنه قام بقوة لاهوته من الأموات، كما استعاد اليهود حياتهم بالأمر الملكى الجديد.
- تمادى هامان فى الشر لدرجة أنه تآمر على الملك أحشويروش الذى منحه السلطان. إذ أن هامان بمؤامرته ضد اليهود شمل قتل الملكة زوجة أحشويروش، ومردخاى الذى أنقذ حياة الملك. بالإضافة إلى أن أصابع الاتهام تتجه نحو هامان، الذى كان غالباً وراء مؤامرة الخصيان التى دبرت لاغتيال الملك أحشويروش وكشفها مردخاى.
ع17: ينابذوا : يرفضوا بشدة ويعادوا.
وجه الأمر الملكى أخطاء أخرى إلى هامان هى :
- عدم شكر الملك أحشويروش على عطاياه وسلطانه الذى منحه له، حتى أنه جعله أباً له وأعطاه خاتمه وجعله الرجل الثانى بعد الملك.
- معارضة الحقوق الإنسانية الممنوحة للبشر بظلمه لليهود الأبرياء.
- إهمال العدل الإلهى وتوهم إمكانية الهروب من عقاب الله للأشرار.
ع18، 19: أضاف الأمر الملكى إلى الخمسة أخطاء السابقة لهامان ثلاثة أخطاء جديدة هى :
- غباء هامان الذى حاول قتل مردخاى بصلبه على خشبة، مع أن مردخاى هذا كان بمثابة وزير عند الملك أحشويروش وأميناً فى عمله، بالإضافة إلى جهده الزائد فى التحرى والبحث عن الأشرار الذين يحاولون قتل الملك. وقد نجح فى هذا وأبلغ الملك وأنقذ حياته، فقتل الخصيين، وهو على كل هذا يستحق الشكر وليس الموت.
- استخدام الخداع والمكر والكذب لإقناع الملك بأن اليهود أشرار ومردخاى يستحق الموت. وهذا يخالف الحقيقة.
- سلوك هامان بالشر جعله يظن أن كل الناس طبيعتهم شريرة مثله، فأساء الحكم على مردخاى المخلص للملك وظنه حسوداً ومتكبراً ومتآمراً ضد هامان.
ع20-22: بعد أن شرح الأمر الملكى شرور هامان بطريقة مستترة، أى لم يذكر إسمه، ويظهر هنا معنى هام وهو حكمة الملك وعدم خطأه. وكانت هذه حكمة من مردخاى وأستير، اللذان لم ينسبا خطأ للملك فى أمره الأول بيد هامان لإبادة اليهود، بل على العكس قدما له أعذاراً كافية وتبريرات تظهر فيما يلى :
- أنه من المعروف تاريخياً وجود أشرار يفسدون أفكار الملوك ويخدعونهم.
- أن الملك أحشويروش يهتم بسلام المملكة، ولذا ظن صدق هامان الذى خدعه بأن اليهود يقلقون المملكة.
- حكمة الملك أحشويروش، فعندما يصدر أمراً ملكياً جديداً عكس الأمر الأول، فهذا لإظهار خداع هامان الذى كان الوزير الأول وبمثابة أب للملك واستغل مركزه لخداع الملك، ولكن بعد أن تبين الملك الحقيقة وهى براءة اليهود أصدر أمره بعدم إهلاكهم، بل بتكريمهم وقتل أعدائهم.
ع23، 24: مشرباً : ميولاً وطباعاً.
فى هذا الجزء من الأمر الملكى أوضح كلامه السابق أنه عن هامان بن همداثا، فتكلم عنه باحتقار، إذ وصفه بأنه مكدونى؛ لأن المكدونيين الساكنين نواحى اليونان كانوا يتميزون بالصراعات الدائمة بعضهم مع بعض ومع من حولهم، مما جعلهم ضعفاء ومحتقرين من الفرس. فرغم أن هامان من نسل أجاج العماليقى الذين كانوا يسكنون فى برية سيناء ونواحى شبه جزيرة العرب، إلا أن الأمر الملكى يتكلم عنه باحتقار، فيصفه بأنه مثل المكدونيين، ويقول عنه أنه مكدونى الجنس والطباع، أى غريب عن طباع الفرس المتميزة. وقد أكرمه الملك إذ قبله فى مملكته، بل وكرمه فى قصره وجعله فى سلطان عظيم تحت يد الملك مباشرة، حتى أن كل المملكة كانت تسجد له وتكرمه باعتباره الرجل الثانى بعد الملك.
رغم كل هذا الإكرام من الملك ظهر شر هامان، الذى سبق ذكره وسيؤكده فى الآيات التالية.
ع25-27: عتوه : جبروته.
أضاف الملك أن هامان من شدة جبروته أراد أن يخلع الملك عن عرشه، بل ويقتله أيضاً؛ لأنه فهم أنه كان وراء مؤامرة الخصيان التى كان هدفها اغتيال الملك.
كذلك دبر هامان مؤامرات شنيعة لم يسمع بمثلها، إذ أنه حاول إهلاك مردخاى الذى أنقذ حياة الملك، أى أن الملك مدين بحياته لمردخاى. ويتطاول هامان أيضاً فأراد أن يقتل استير الملكة شريكة الملك وزوجته، بالإضافة إلى إبادة كل شعبها.
ثم أظهر الملك فى النهاية مدى شر هامان، الذى نوى التخلص من أستير ومردخاى المخلصين للملك، وذلك بأنه كان ينتهز فرصة يكون فيها الملك وحده ويقتله ويتملك بدلاً منه، فيحول مملكة الفرس إلى اليونانيين، أى المكدونيين.
بهذا أظهر الملك شرور هامان وخداعه الذى أدى إلى صدور الأمر الملكى بإبادة اليهود، وبالتالى تطلب الأمر إصدار أمر ملكى جديد لإزالة شرور هامان؛ لينجى اليهود من الموت، ويحفظ للمملكة قوتها، ويبيد أعداء اليهود، فيستقر الأمن فى المملكة. أى أن استعراض شرور هامان كان مقدمة لصدور قرارات جديدة.
الملك هنا يرمز لله فى كونه اعتبر إساءات هامان لأستير ومردخاى ولليهود إساءة له شخصياً، وكذلك الله يعتبر إساءات الشيطان نحونا إساءة له، فيتحرك ويدافع عنا إذا التجأنا إليه.
ع28، 29: سنناً : شرائع.
أعلن الملك أنه قد فحص فى أمر اليهود، فلم يجدهم أشراراً وخبثاء كما أدعى هامان، بل على العكس وجد لهم شرائع دينية عادلة، وأن إلههم هو الله العظيم الحى إلى الأبد.
ثم نسب الملك الفضل فى تملكه هو وآبائه على مملكة الفرس إلى الله إله اليهود، ومازال يحفظ له الملك ويكشف مؤامرات أعدائه مثل هامان. وهذا الاعتراف ساعد فى أن كثيرين من الأمم تهودوا بعدما رأوا قوة الله وحمايته لشعبه المظلوم (ع41).
ع30، 31: أعلن الملك أن الأمر الملكى الذى كتبه هامان باطل، وهو الذى يقضى بهلاك اليهود. وأكد بطلان هذا الأمر بأن هامان الذى كتبه قد تم صلبه على خشبة، بل وأيضاً لانتشار شره وتأثيره على عائلته قد تم صلب أنسبائه؛ للتخلص من كل ما له علاقة بالشر، إذ أن قلوبهم كانت غالباً قد امتلأت بالشر على اليهود، مثل هامان. ويذكر لنا (ص9: 14) أن أبناءه العشرة قد تم صلبهم أيضاً.
يوضح الملك أن صلبه لهامان وأسرته هو قضاء الله عليه وليس فقط عقاب الملك له؛ لأنه قد أخطأ فى حق البشر الأبرياء، أى اليهود الذين حاول إهلاكهم بلا ذنب منهم.
ع32: شمل هذا الأمر الملكى إعلان القرار فى كل بلدان المملكة ببطلان الأمر الملكى الأول، الذى كتبه هامان لإهلاك اليهود.
وشمل هذا القرار أيضاً السماح لليهود بممارسة شريعتهم بحرية كما يريدون.
وهكذا نرى التسلسل المنطقى داخل الأمر الملكى فشمل ما يلى :
- إظهار شر هامان واستخدامه السئ لثقة الملك فيه، فأراد إبادة شعب برئ هم اليهود (ع15-19).
- توضيح براءة اليهود مما نُسب إليهم من تهم وإخلاصهم وبيان أنهم أهل للثقة، بل وأصحاب فضل على الملك؛ إذ أنقذوا حياته وذلك عن طريق مردخاى (ع28، 29).
- نوال هامان عقابه بصلبه هو وكل عائلته التى شاركته هذا الشر (ع31).
- إبطال أمر إبادة اليهود والسماح لهم بالحياة الكريمة داخل المملكة الفارسية (ع30).
- السماح لليهود بممارسة شعائرهم الدينية (ع32).
ع33: شمل الأمر الملكى أيضاً توصية الولاة والمسئولين فى كل بلدان المملكة أن يساندوا اليهود للقضاء على كل من كان يريد الإساءة إليهم فى هذا اليوم، أى تعضيدهم فى إبادة أعدائهم.
وهكذا بمعونة الله وبالصلاة والصوم انقلبت الأوضاع تماماً، فبدلاً من إبادة اليهود وتسلط الأعداء عليهم، يهلك الأعداء، ويعيش اليهود حياة كريمة.
هذا الانقلاب فى الأوضاع يرمز لما حدث بالصليب، فتم تقييد الشيطان وتحرير أولاد الله من عبوديته عكس ما كان قبلاً، إذ كان الشيطان يتسلط على أولاد الله ويأخذهم للجحيم.
إن الولاة والمسئولين فى بلدان المملكة يرمزون للقديسين الذين يعضدون المؤمنين فى حربهم ضد الشيطان بصلواتهم أمام الله، فيتسلطوا على الشياطين، بدلاً من تسلط الشياطين عليهم.
ع34-36: قرر الملك أن يكون اليوم الذى صدر فيه الأمر السابق المكتوب بيد هامان لإهلاك اليهود – وتحول بعد الأمر الملكى الجديد – هو يوم لإكرام اليهود، أى تحول من يوم حزن لليهود إلى يوم فرح. وأمر الملك الولاة التابعين له فى المملكة باعتبار هذا اليوم عيداً ضمن الأعياد الرسمية المعروفة فى المملكة.
وإعلان هذا العيد يعنى ليس فقط فرح لليهود، بل أيضاً إعلان أن كل من يطيع الفرس يكافأ من أجل أمانته مكافأة عظيمة.
من العجيب أن ينسب الملك هذا الخلاص لله القدير إله اليهود الذى خلصهم من الموت. ولكن يبطل التعجب إذا عرفنا أن كاتب صيغة الأمر هو مردخاى ولكن أيضاً من العجيب أن يوافق الملك على هذه الصياغة.
فى النهاية صار عيد خلاص اليهود عيداً رسمياً فى المملكة يعيد به اليهود والأمم. وهذا يرمز للخلاص الذى تم فى أورشليم بالمسيح الفادى والقائم من الأموات؛ ليعطى خلاصاً وفرحاً للمؤمنين به من اليهود والأمم.
ع37: شمل الأمر الملكى أيضاً أن كل بلد أو إقليم لا يخضع لهذا الأمر الملكى يعرض نفسه للهلاك، ويشمل هذا الهلاك الناس والبهائم، أى إبادة كاملة. وبالطبع من يقاوم الأمر هم الأمم الذين يعادون اليهود، فيعرضون أنفسهم للهلاك.
نلاحظ أن الإبادة تشمل البهائم أيضاً، أى إبادة للناس وممتلكاتهم، فتصير أرضهم قفراً لشرهم. كما أن الملك يعتبرونه متسلطاً على الناس والبهائم، لأنه بمثابة إله عندهم.
هذا الهلاك الذى يحل بأعداء اليهود يرمز للهلاك الذى سيلحق بالشياطين الذين هم أعداء المؤمنين، وذلك بإلقائهم فى العذاب الأبدى.
ع38(14): تمت كتابة الأمر الملكى الجديد باللغات المختلفة التى تتكلم بها البلدان التابعة للمملكة الفارسية، وخرج موظفوا البريد راكبوا الخيل والبغال مسرعين لتوصيل الأوامر إلى كل الولاة والمسئولين فى المملكة.
وكان الأمر الملكى يدفع هؤلاء الموظفين للإسراع؛ حتى يستطيع الولاة أن يوقفوا العداء ضد اليهود، بل ويستميلوا الناس لإكرام اليهود؛ حتى لا تحدث مشاحنات وشغب داخل بعض البلاد بين اليهود وأعدائهم، أو تتصاعد الأمور، فتحدث حرب داخلية فى المملكة. أى كانت الشهور المقبلة فرصة لسيطرة الولاة على بلادهم واستعدادهم لليوم الثالث عشر من آذار؛ لإكرام اليهود وإهلاك أعدائهم إن بقى منهم عدد قليل لم يخف أمر الملك.
عجيب هو الله القادر أن يحول الشر إلى خير، فلا تقلق من أى أمور معاكسة، فالله قادر أن يحميك من هذه الأحداث، بل يحولها إلى خيرك. تفرغ أنت للصلاة وللأمانة فى عملك واطمئن؛ لأن الله يحميك.
(4) فرح ومجد اليهود (ع39(15) – 41(17)) :
39(15)- وخرج مردخاى من أمام الملك بلباس ملكى أسمانجونى وأبيض وتاج عظيم من ذهب وحلة من بز وأرجوان وكانت مدينة شوشن متهللة وفرحة. 40(16)- وكان لليهود نور وفرح وبهجة وكرامة. 41(17)- وفى كل بلاد ومدينة كل مكان وصل إليه كلام الملك وأمره كان فرح وبهجة عند اليهود وولائم ويوم طيب وكثيرون من شعوب الأرض تهودوا لأن رعب اليهود وقع عليهم.
ع39(15): بعد إصدار الأمر الملكى بإكرام اليهود، وبعد التخلص من هامان الشرير، أعلن الملك قراره بتولى مردخاى السلطة فى المملكة، أى يكون الرجل الثانى بعد الملك، وذلك فى عدة مظاهر تظهر سلطانه وهى :
- خرج مردخاى بلبس ملكى أسمانجونى وهو اللون الأزرق الذى يرمز للسماء، فهو عظيم من قبل الله السماوى.
- كان أيضاً لباس مردخاى أبيضاً رمزاً للبهاء والنقاوة.
- كان على رأسه تاج عظيم من الذهب يرمز لكرامة أولاد الله وتملكهم على أنفسهم، بل يعطيهم الله نعمة ومهابة فى أعين من حولهم.
- وأيضاً كان مردخاى يلبس ملابس من البز وهو نوع من الثياب الفاخرة تظهر عظمته ومجده.
- كانت ملابسه أيضاً من الأرجوان وهو اللون الأحمر وهى ملابس الملوك. ويرمز اللون الأحمر إلى دم المسيح الفادى.
كل هذه المظاهر التى ظهر بها مردخاى تؤكد محبة الملك له وتعظيمه فى كل المملكة وهذا يرمز لرضا الله الآب عن الابن المتجسد، الذى يرمز إليه مردخاى.
كان مظهر مردخاى كله يرمز للمسيح القائم من الأموات فى مجد عظيم منتصراً على الشيطان وشوكة الموت.
تهللت العاصمة الفارسية مدينة شوشن، عندما خرج إليها مردخاى بمجده، وعلموا بالأمر الملكى الذى يقضى بإكرام اليهود. وهكذا نرى فرح وتهليل المدينة بسبب مجد مردخاى، كما أن المسيح المنتصر على الشيطان هو سبب تهليل وبهجة المؤمنين به. والكنيسة تتمجد مع المسيح الممجد، فبقيامته وصعوده أعد مكاناً للكنيسة فى الملكوت لتتمجد معه.
ع40(16): انتشر الخبر بصدور الأمر الملكى الجديد، المنقذ لليهود من الموت، بل وتسلطهم على أعدائهم وتعضيد الولاة لهم، بالإضافة إلى نوال مردخاى عظمة وسلطان لا يصل إليها أحد فى المملكة، إذ صار الرجل الثانى بعد الملك. كل هذا كان تأثيره قوياً فى اليهود فيما يلى :
- نور : إذ نالوا حياة جديدة من بعد الموت الذى كان محكوماً عليهم به، فاستضاءت حياتهم بالرب الذى أنقذهم.
- فرح وبهجة : بهذا التغير العجيب، إذ تمتعوا بلذة الحياة الجديدة، الممنوحة لهم من الله.
- كرامة : كبيرة بسبب مساندة الدولة لهم ومجد مردخاى أحد أبناء جنسهم.
ع41(17): بوصول الأمر الملكى إلى بلدان المملكة الفارسية حدثت عدة أمور :
- تأثير قوى داخل نفوس اليهود بالفرح والبهجة.
- أقام اليهود ولائم للفرح؛ دعوا إليها أهل جنسهم، وأيضاً الأمم المحيطين بهم. وهذه الولائم ترمز لوليمة التناول من جسد الرب ودمه، التى فيها كمال الفرح لكل من يؤمن به.
- إذ رأت الأمم مجد اليهود وقوة إلههم المساندة لهم، التى أنقذتهم، ثم أكرمتهم، بل صار لهم سلطان لإبادة كل من يعاديهم، خافوا جداً وعظموا اليهود.
- رأى الكثير من الأمميين أن فى الالتصاق باليهود مجد ونعمة كبيرة، والتعبد لإلههم يعطى قوة، فتقدموا وانضموا لليهود، أى اختتنوا وصاروا يهوداً. وهذا يرمز لمجد الكنيسة فى نهاية الأيام، عندما ينتشر الإيمان، ويشعر أهل العالم أنه مجد عظيم لهم إذا انضموا للكنيسة.
إن كل ما تصبر عليه من الألم يتحول إلى بركة وفرح فى حياتك. وهذا الفرح يظهر عليك ويؤثر فيمن حولك، فيشتاقوا أن يحيوا مثلك ويحبوا إلهك.