نهاية هامان
(1) كشف شر هامان (ع1-6):
1- فجاء الملك و هامان ليشربا عند استير الملكة. 2- فقال الملك لاستير في اليوم الثاني ايضا عند شرب الخمر ما هو سؤلك يا استير الملكة فيعطى لك و ما هي طلبتك و لو الى نصف المملكة تقضى. 3- فاجابت استير الملكة و قالت ان كنت قد وجدت نعمة في عينيك ايها الملك و اذا حسن عند الملك فلتعطى لي نفسي بسؤلي و شعبي بطلبتي. 4- لاننا قد بعنا انا و شعبي للهلاك و القتل والابادة و لو بعنا عبيدا و اماء لكنت سكت مع ان العدو لا يعوض عن خسارة الملك. 5- فتكلم الملك احشويروش و قال لاستير الملكة من هو و اين هو هذا الذي يتجاسر بقلبه على ان يعمل هكذا.6- فقالت استير هو رجل خصم و عدو هذا هامان الردي فارتاع هامان امام الملك و الملكة.
ع1: حضر الملك ووزيره هامان إلى قصر الملكة أستير فى الوليمة الثانية التى صنعتها بعد الوليمة الأولى التى كانت فى اليوم السابق؛ ليأكلا ويشربا الخمر فى ضيافة أستير.
كانت مشاعر الثلاثة الحاضرين الوليمة غير عادية، إذ أن أستير كانت ترفع صلوات حارة لله؛ ليعطيها نعمة عند كشفها لمؤامرة هامان، ولينقذها الله هى وشعبها من الموت. أما الملك فكان مشتاقاً أن يعرف طلبة ورغبة أستير؛ لأن هذه هى أول مرة تطلب منه طلباً، وأعدت له وليمتين، فماذا تريد يا ترى ؟! وثالث شخصية هى هامان الذى كان مغموماً بالأمس بسبب ذله أمام مردخاى، إذ كان يقود الفرس الذى يركبه وينادى أمامه فى المدينة بإكرامه وتعظيمه، وهو الآن يترقب يا ترى ما هى طلبة أستير من الملك وهل ستكون لها علاقة به أم لا ؟! وكان مشغولاً فى التفكير فى كيفية تنفيذ مؤامرته بإبادة اليهود، بعد تعظيم مردخاى اليهودى.
إن هذه الوليمة ترمز للصليب؛ لأنها انتهت بخلاص شعب الله وتقييد الشيطان. فالملك الذى يشرب خمر الفرح هنا يرمز للآب الذى سُر بفداء البشرية على الصليب عن طريق بذل ابنه الوحيد عنها. اما هامان فقد شرب خمر غضب الله، فهو هنا يرمز للشيطان الذى قيده المسيح على الصليب.
ع2: أظهر الملك لأستير فى الوليمة الثانية فى كلامه معها ما يلى :
- اهتمامه بسؤال وطلبة أستير التى تود أن تعلنها فى الوليمة الثانية يرمز لاهتمام الله بكل طلباتنا منه.
- ناداها بالملكة ليبين لها مكانتها عنده، فهى ليست مثل باقى الشعب، مشجعاً لها لتطلب بدالة. وهذا يرمز لأبوة الله وتشجيعه لنا، إذ أعطانا نعمة البنوة.
- وعدها أن يحقق طلبتها مهما كانت حتى إلى نصف المملكة. وهذا يرمز إلى استعداد الله أن يعطينا أكثر مما نطلب أو نفتكر.
ع3: ألهم الله أستير التى صامت وصلت هى وكل شعبها ليتدخل الله، فتكلمت أستير باتضاع. وكانت طلبتها تشمل أمرين :
- إنقاذ نفسها من الهلاك.
- إنقاذ شعبها كله من الموت. وهذا يظهر أمومة أستير وتحملها مسئولية إنقاذ شعبها، أى لم تطلب قط من أجل نفسها، بل طلبت أيضاً من أجل شعبها، ولكنها قدمت نفسها أولاً؛ لتثير اهتمام الملك وتظهر له أن زوجته التى يكرمها والملتصقة به معرضة للموت؛ حتى يتحرك بشهامة الرجل وقوة الملك فينقذها هى وشعبها.
إن أستير هنا ترمز للكنيسة ولأمنا العذراء التى تشفع فى أولادها وترعاهم بأمومتها.
ع4: أظهرت أستير فى كلامها ثلاثة مخاطر تحتاج إلى تدخل الملك لإيقافها وهى :
- تعرضها هى وشعبها للبيع.
- هذا البيع ليس فقط بيع كعبيد وإلا احتملت هى وشعبها، ولكن هذا البيع للهلاك والإبادة، فهى تستطيع أن تحتمل فقد حريتها، ولكن الموضوع أصعب، فهى معرضة للموت هى وشعبها.
- إن هذه الإبادة ستسبب خسارة للملك وهى فقدان زوجته، ثم فقدان أيدى عاملة تخدم المملكة وتؤدى إلى نجاحها، خاصة وأن اليهود كانوا أمناء فى أعمالهم ومجتهدين لإرضاء الله، فنالوا مناصب هامة فى المملكة نتيجة لأمانتهم.
اقتبست أستير عبارة “القتل والهلاك والإبادة” من نفس منطوق حكم الملك المذكور فى (ص3: 13) وهذا يبين مدى الحكمة التى وهبها الله لأستير، فأظهرت شناعة هذا الأمر وشر من دبره وأوقع الملك فيه.
ع5: تعجب أحشويروش الملك فى غضب شديد وسأل أستير الملكة، من هو هذا الإنسان وأين يوجد الذى يفكر فى قلبه أن يهلك زوجتى الملكة وكل شعبها ؟ وشعر أن هذه جرأة وشر عظيم أن يفكر إنسان فى إهلاك الملكة. ويتضح من هذا أن الملك كان تركيزه كله فى زوجته المحبوبة أستير، الإنسانة الوديعة التى أحبها وتحرك فيه غيظ الرجل على من يريد ليس فقط الإساءة إلى زوجته، بل إهلاكها، وتمادى هذا الإنسان فى الشر لدرجة تفكيره فى إهلاك شعبها أيضاً، فتماديه فى الشر تعدى كل الحدود. ولعل تركيزه فى زوجته المحبوبة أنساه الأمر الذى وقعه بإبادة اليهود.
نظر الملك بحب وإشفاق نحو زوجته الجميلة، وفى نفس الوقت بقلب مملوء بالغيظ والميل للإنتقام من هذا الرجل المتجاسر ليفعل كل هذا فى زوجته. وانتظر بلهفة أن يعرف من أستير من هو هذا الإنسان.
كل هذا يؤكد أن الله أعطى أستير نعمة وحكمة فى عينى الملك، الذى رأى محبتها له فى الوليمتين، وانجذب إلى وداعتها ولطفها، فتعاطف معها جداً، بل صار بكل جوارحه معها ضد من يعاديها.
ع6: أجابت أستير الملك بشجاعة وقوة نالتها من الله تختلف عن طبيعتها الهادئة الوديعة وضعفها الذى كان ظاهراً أمام الملك عند دخولها إليه. فوصفت الرجل الذى يريد قتلها – هى وشعبها – بأنه خصم أى يقف ضدها وعدو، لأنه يريد إهلاكها، وثالثاً أنه ردئ لأن قلبه امتلأ بكل هذا الشر، ونطقت باسمه وقالت هامان.
نرى هنا حكمة أستير العجيبة التى وهبها الله لها، فقد أدانت هامان بشكل محدد وواضح حتى أنه لم يجد عنده فرصة أن يدافع عن نفسه. وفى نفس الوقت لم تنسب أى خطأ للملك أحشويروش، فاجتذبت قلبه إليها، فكان معها ضد هامان. وساعدها الله بأمور أخرى كما سنرى فى الآيات التالية.
نرى هنا مواجهة أستير لهامان بشروره أمام الملك، لأنها لا تخاف منه، إذ أنها اعتمدت على الله وحتى لا تعطيه فرصة للخداع والكذب فى محاولة للتخلص من هذه المواجهة.
أمام هذه المفاجأة خاف هامان جداً ولم يستطع أن ينطق بكلمة واحدة، إذ أن أستير فضحت شروره كلها، خاصة وأنه كان منكسر القلب وفى ذل شديد بعد طوافه أمام مردخاى فى شوارع المدينة منادياً بإكرامه، فكان مردخاى فى عظمة وهو فى ذل. ثم فضحت أستير مؤامرته فسقط قلبه سقوطاً عظيماً. وهذا يرمز لما فعله المسيح على الصليب بفضح الشيطان وتقييده وإظهار شره (كو2: 15).
نلاحظ هنا أهمية طاعة أستير لمردخاى فى عدم إظهار جنسها وكان هذا من المؤكد بإرشاد إلهى، حتى لا يحاول هامان إبادة اليهود مع استثناء الملكة، أو يبيد بعضاً منهم لأنهم عشيرة مردخاى. فأظهر هامان شره الشنيع فى محاولته إبادة شعب كامل، فوقع فى مصيبة، إذ ظهر أن الملكة تنتمى لهذا الشعب، وهو بالتالى استصدر أمراً من الملك بإهلاكها، فجاء شره على رأسه.
أنظر يا أخى لئلا تكون ساقطاً فى شر مثل هامان، أو منخدعاً ومنقاداً للأشرار مثل أحشويروش، فتظهر ضيقك من الشر، وفى نفس الوقت أنت ساقط فيه. اقبل كلام الله لنفسك وراجع أفكارك وتصرفاتك لتتوب حتى لا ينفضح شرك فى يوم الدينونة.
(2) مذلة هامان وصلبه (ع7-10):
7- فقام الملك بغيظه عن شرب الخمر الى جنة القصر و وقف هامان ليتوسل عن نفسه إلى استير الملكة لأنه راى ان الشر قد أعد عليه من قبل الملك. 8- و لما رجع الملك من جنة القصر إلى بيت شرب الخمر و هامان متواقع على السرير الذي كانت أستير عليه قال الملك هل ايضا يكبس الملكة معي في البيت و لما خرجت الكلمة من فم الملك غطوا وجه هامان. 9- فقال حربونا واحد من الخصيان الذين بين يدي الملك هوذا الخشبة أيضا التي عملها هامان لمردخاي الذي تكلم بالخير نحو الملك قائمة في بيت هامان ارتفاعها خمسون ذراعا فقال الملك اصلبوه عليها. 10- فصلبوا هامان على الخشبة التي اعدها لمردخاي ثم سكن غضب الملك
ع7، 8: جنة القصر : الحديقة الملحقة بقصر الملكة.
يكبس : يقتحم ويتحرش.
اغتاظ الملك جداً من هامان الذى وثق فيه ثقة تفوق ثقته فى كل العاملين فى القصر، فأعطاه مكانة فوق الكل، وتعجب كيف يتجاسر على أن يسئ إليه بهذه الوحشية، برغبته أن يقتل الملكة زوجته، فخرج من صالة الطعام التى كان جالساً فيها يشرب الخمر. وخرج إلى الحديقة وهو يفكر كيف انخدع بكلام هامان، فجعله يوقع على أمر بإبادة اليهود، الذين هم شعب الملكة. وكان الملك لا يعلم حتى هذه الساعة أن أستير يهودية ولا هامان. فكان الملك فى حيرة ماذا يفعل بهامان، وفى ارتباكه وغيظه لم يستشر أحد مشيريه السبعة فيما يفعل بهامان خاصة وأنه لم يستشرهم فى قراره بإبادة اليهود. هذا القرار الذى أظهر شر هامان وغباء الملك.
أثناء هذا دخلت الملكة إلى حجرة نومها الملحقة بصالة الطعام، وكانت تصلى فى قلبها؛ ليتمم الله عمله وينقذها هى وشعبها. وجلست على سريرها، ولعلها مدت رجليها على السرير وظلت تطلب معونة الله الذى اعتمدت عليه بكل قلبها.
أما هامان فشعر أن الاتهام واقع عليه ولا مجال للدفاع عن نفسه، وأن غضب الملك لابد أن يصيبه، فيهلكه. فوقف فى حيرة للحظات، ولكنه إذ وجد الملكة قد دخلت إلى حجرة نومها شعر أن الأمل باقى له أن تسامحه الملكة وتترجى الملك أن يصفح عنه. فاندفع داخلاً إلى حجرة نوم الملكة، وهذا بالطبع ممنوع تماماً – بل أكثر من هذا إذ وجدها جالسة على السرير، أو نائمة أسرع وصعد على سريرها ووقع عند قدميها طالباً الغفران.
تعجب حراس الملك الواقفين فى صالة الطعام لتجاسر هامان أن يدخل إلى حجرة نوم الملكة، بل رأوه أيضاً واقعاً على سريرها، فاغتاظوا جداً، وخاصة وأنهم لم يكونوا محبين له؛ لأجل كبريائه وسيطرته وعنفه. وأنهم رأوا فى غضب الملك أن الشر لابد أن يقع على هامان الذى إفتضح أمره فى محاولته قتل الملكة وشعبها.
عاد الملك وحوله حراسه الذين خرج بعضهم معه إلى الحديقة، ودخل إلى صالة الطعام ونظر باحثاً عن هامان والملكة، ولعله سأل الحراس الواقفين فى صالة الطعام، فقالوا له إن الملكة قد دخلت لتستريح على سريرها وهامان قد دخل إليها وهو الآن فوق سريرها.
غضب الملك جداً وصاح هل وصلت وقاحة هامان إلى هذا الحد، أن يدخل إلى حجرة زوجتى ليضطجع على سريرها ! إلى هذه الدرجة وصل شره أن يشاركنى فى زوجتى بالاضطجاع معها ! ولعل الملك صاح معلناً أن هذا الرجل لا يمكن أن يعيش. وهنا تقدم الحراس بسرعة إلى هامان الذى كان قد قام من على السرير فى فزع وخرج إلى صالة الطعام، بعد أن رآه الملك بوضوح خارجاً من حجرة نوم زوجته، ورأى عينى الملك مملوءة شراً وهو ينطق بكلمات الغضب الكامل عليه. فأسرع الحراس بتنفيذ أمر الملك وغطوا وجه هامان إعلاًناً عن بدء خطوات إعدامه والتخلص منه.
عجيب هو الله الذى جعل الأحداث تتحرك بهذه السرعة، ليوضح شر هامان الذى ملأ به قلبه مدة طويلة ضد مردخاى وشعب اليهود، وشره أيضاً فى غضبه عند كشف مردخاى لمحاولة قتل الملك عن طريق اثنين من الخصيان (ص1: 12-17) وغضبه معناه أنه كان وراء هذه المؤامرة للتخلص من الملك، كما ذكرنا. كل هذا الشر أتى على رأسه وتجمعت الادلة ضده فى :
- محاولته قتل الملكة.
- محاولته إبادة شعب اليهود.
- تجاسره على الدخول إلى حجرة نوم الملكة.
- انطراحه فوق سريرها.
وهكذا أيضاً فى يوم الدينونة ستنفضح كل أعمال الشيطان وتأتى على رأسه وعلى رؤوس كل الأشرار الذين تبعوه، فيعاقبوا بالهلاك الأبدى.
نرى أيضاً أن هامان فى التجائه إلى الاعتذار لأستير ومحاولة استرضائها يرمز للشيطان المخادع، الذى يتحول من العنف إلى الليونة ليسقط أولاد الله، فيخيفهم، ثم يعود فيحاول إظهار إشفاقه عليهم بتقديم الشهوات المختلفة.
إن هامان الذى قال عنه الملك أنه قد دخل ليكبس الملكة معى يرمز للشيطان الذى يتجاسر فيحاول انتزاع النفس البشرية التى هى عروس المسيح ومكانها فى أحضانه، فيريد اغتصابها ويدخل إلى مخدعها الخاص ليقع عليها، ويأخذها لنفسه فريسة من أحضان الله.
ع9، 10: تقدم حربونا وهو أحد السبعة خصيان الذين يخدمون بين يدى الملك، وهو عالم بأمور المملكة ومخلص للملك، وكان يعرف ما يدور فى بيت هامان ويعى جيداً ما يشعر به الملك، وقد كان قلبه ضد هامان، فأظهر أمام الملك شراً جديداً من شرور هامان وهو محاولته أن يصلب مردخاى على خشبة عظيمة جداً، أعدها ووضعها فى بيته وارتفاعها خمسون ذراعاً، أى حوالى خمسة وعشرين متراً. ومدح حربونا مردخاى الذى أحبه الملك، فشهد أنه رجل مخلص يعمل الخير؛ لأنه أنقذ الملك منذ مدة قريبة من محاولة اغتياله بواسطة الخصيان فى قصره.
هذا الخبر أيضاً جعل قلب الملك يزداد غيظاً على هامان، فأمر أن يحضروا هذه الخشبة من بيته ويصلبوه عليها، فأسرعوا ونفذوا أمر الملك. وهكذا انتهت أخيراً حياة هامان وتخلصت الأرض من شروره، وأنقذ الله شعبه من الهلاك.
نرى هنا قوة الله التى تقلب كل تدابير البشر، فبدلاً من إصدار الملك أمراً بصلب مردخاى، أمر بإكرامه فى شوارع المدينة كلها. وهامان الذى ظن أنه يستحق وحده الإكرام وهو المدعو الوحيد مع الملك فى وليمتى أستير، والذى كان ينبغى أن يأمر الملك بإكرامه فى شوارع المدينة. أصدر الله عليه أمراً ملكياً بصلبه على نفس الخشبة التى أراد صلب مردخاى عليها، فنال جزاء كبريائه وشره.
أخيراً سكن غضب الملك، وهذا يرمز إلى راحة وسكن غضب الله عن البشرية بعد موت المسيح على الصليب، الذى حمل خطايانا، ثم بقيامته نال كل المؤمنين الإكرام والعظمة. انتبه يا أخى لحيل الشيطان الذى يخيفك بشروره، أو يخادعك بحبه وإشفاقه عليك. وتمسك بوصايا الله وجهادك الروحى وخضوعك لإرادة أب اعترافك، فيسقط الشيطان صريعاً باتضاعك أمام الله.