تحقق حلم مردخاى العظيم
(1) عظمة مردخاى (ع1-3):
1- و وضع الملك أحشويروش جزية على الأرض و جزائر البحر. 2- و كل عمل سلطانه وجبروته و إذاعة عظمة مردخاي الذي عظمه الملك أما هي مكتوبة في سفر أخبار الأيام لملوك مادي وفارس. 3- لأن مردخاي اليهودي كان ثاني الملك أحشويروش و عظيما بين اليهود و مقبولا عند كثرة إخوته طالبا الخير لشعبه و متكلما بالسلام لكل نسله.
ع1: جزية : ضريبة.
قرر الملك أحشويروش ضريبة على جميع البلدان التابعة لمملكته. وتم تنفيذ هذا الأمر، وغالباً هذه الضريبة كانت إضافية غير الضرائب المعتادة فى المملكة الفارسية، المذكورة فى (عز4: 13)، وهذا يدل على تسلط أحشويروش واستقرار المملكة وخضوعها له، وذلك بمعونة مردخاى وزيره الحكيم، وانتهاء المؤامرات التى كانت تدبر ضد الملك.
ع2: فى نهاية سفر أستير تقرر لنا هذه الآية أن سلطان وقوة أحشويروش الذى ملك على كل مملكة مادى وفارس لم يذكر فى سفر أستير إلا القليل منها؛ لأن السفر يهتم بخلاص شعب الله. ولكن تفاصيل جبروت أحشويروش تم تدوينه فى سفر أخبار ملوك مادى وفارس، وهو سفر تاريخى خاص بالمملكة الفارسية، ليس له علاقة بالكتاب المقدس، ولكن نفهم من هذا أن أحشويروش كان ملكاً قوياً له سلطات عديدة، ولكن الله استخدمه كأداة صغيرة لإنقاذ شعبه من الهلاك.
أيضاً ذكر سلطان مردخاى على المملكة الفارسية؛ لأنه كان الرجل الثانى فى المملكة بعد أحشويروش. وتفاصيل هذا السلطان لم تذكر هنا فى هذا السفر؛ لأن غرض السفر هو إنقاذ شعب الله واستقرارهم فى حياتهم الدينية والاجتماعية. وانتشار عظمة وسلطان مردخاى تم تدوينه أيضاً فى سفر أخبار ملوك مادى وفارس، لأنه جزء من عظمة الملك أحشويروش.
ع3: تتكلم هذه الآية عن أسباب عظمة مردخاى الذى احتل أكبر مركز فى المملكة الفارسية يمكن أن يحتله إنسان غير فارسى الأصل، إذ كان الرجل الثانى بعد الملك أحشويروش، وبالتالى فهو المتصرف الحقيقى فى شئون المملكة؛ لانشغال الملك برفاهيته. ومن المهم أن نتذكر حالة مردخاى قبل هذا، إذ كان محتقراً من هامان ومحكوماً عليه بالموت بسبب بره وعدم سجوده إلا لله. ولكن من أجل إيمانه وصبره رفعه الله إلى هذا المركز العظيم. وأسباب عظمة مردخاى هى :
- عظيماً بين اليهود : كان فخوراً بانتسابه لليهود، فكان يدعى مردخاى اليهودى، أى لم يكن مترفعاً عنهم، أو متناسياً أصله اليهودى وناسباً نفسه للفرس أصحاب المملكة، فهو يشعر بالولاء لجنسه.
- مقبولاً عند كثرة أخوته : من أجل صفاته الحميدة ومحبته لشعبه واتضاعه كان مقبولاً ومحبوباً من معظم شعبه. وكان مقبولاً من جميع فئات اليهود لاتساع قلبه ومحبته للكل.
- طالباً الخير لشعبه : انشغل مردخاى بعمل الخير لشعبه وليس اكتناز الأموال لنفسه، أو لأسرته، أى كان هدفه من مركزه العظيم عمل الخير لشعبه وليس لنفسه، إذ كان باذلاً ومضحياً.
- متكلماً بالسلام لكل نسله : كان قلبه غفوراً للمخطئين، يصنع سلاماً مع الكل قدر طاقته، فكسب أكبر عدد منهم وكان قدوة لشعبه وكل من يعرفه. بهذه الصفات جميعاً كان مردخاى رمزاً للمسيح الذى اجتمعت فيه كل الفضائل.
إن كنت تعانى من بعض الضيقات، فاصبر عليها واثبت فى إيمانك، عالماً أن الله قريب منك ويقدر كل أتعابك وسيباركك بعد هذا ببركات عظيمة تفوق عقلك، ليس فقط فى السماء، بل وعلى الأرض أيضاً.
(2) تفسير حلم مردخاى (ع4-13):
4- و قال مردكاي أن هذا كله إنما كان من قبل الله. 5- و قد ذكرت حلما رأيته يشير إلى ذلك فلم يسقط منه شيء. 6- ينبوع صغير ازداد فصار نهرا ثم انقلب فصار نورا و شمسا و فاض بمياه كثيرة فهذا هو أستير التي اتخذها الملك زوجة و شاء أن تكون ملكة. 7- و التنينان أنا و هامان. 8- و الأمم المجتمعون هم الذين طلبوا أن يمحوا اسم اليهود. 9- و شعبي هو إسرائيل الذي صرخ إلى الرب فأنقذ الرب شعبه و خلصنا من جميع الشرور و صنع آيات عظيمة و معجزات في الأمم.
10- و أمر أن يكون سهمان احدهما لشعب الله و الآخر لجميع الأمم. 11- فبرز السهمان أمام الله في اليوم المسمى منذ ذلك الزمان لجميع الأمم. 12- و ذكر الرب شعبه و رحم ميراثه. 13- لذلك يحفظ هذان اليومان من شهر آذار اليوم الرابع عشر و الخامس عشر من هذا الشهر بكل غيرة و فرح فيجتمع الشعب جماعة واحدة في كل أجيال شعب إسرائيل فيما بعد
ع4، 5: عندما نال مردخاى كل هذه العظمة أرجع مصدرها إلى الله وليس لقوته، أو تقواه، فهو يعرف حياة الشكر جيداً.
وتذكر حلماً كان قد حلمه منذ مدة طويلة، عندما كان مجرد بواباً عند الملك، ولم يفهم معنى الحلم وقتذاك (ص1: 4-11) ولكن بعد تحققه أدرك أن الحلم كان إعلاناً إلهياً حيث تحقق كله. وسيشرح لنا فى الآيات التالية تفسير هذا الحلم.
ع6: الشخصية الهامة فى أحداث هذا السفر هى أستير التى ظهرت فى الحلم رمزياً فى شكل عين ماء، فاضت منها المياه حتى صارت نهراً كبيراً، وفاضت منه مياه كثيرة، ثم تحول هذا النهر إلى نور وشمس أضاءا المكان كله. فأستير كانت فتاة صغيرة يتيمة رباها مردخاى بعد موت والديها، ولكن الله أعطاها جمالاً وجذب قلب أحشويروش الملك إليها من بين جميع فتيات مملكته، فاتخذها زوجة وأصبحت الملكة على مملكة فارس. واستخدمها الله فى الوقت المناسب عندما صامت وصلت هى ومردخاى وشعبها اليهود، فسمع الله لكلامها وفضحت مؤامرة هامان لإهلاكها هى وجنس اليهود كله، فأمر أحشويروش بقتل هامان وإنقاذ شعب اليهود من الموت، بل وقتل كل من يعاديهم.
وأستير هنا ترمز للكنيسة التى تبدو ينبوعاً صغيراً، ولكن بفعل الروح القدس فيها تصير نهراً عظيماً، وتروى أولادها المؤمنين، وتهبهم الاستنارة الروحية برأسها المسيح الذى هو شمس البر.
ع7-9: أما التنينان اللذان ظهرا فى الحلم فى الأصحاح الأول، فهما رمزان لهامان ومردخاى والأمم هم جميع الشعوب الذين أثارهم هامان ضد اليهود فى محاولة لإبادة شعب الله. وشعب الأبرار هم اليهود الذين كان محكوماً عليهم بالموت عن طريق هامان، ولكن الله بتدخله أنقذ شعبه مستخدماً أستير ومردخاى، وصنع آيات ومعجزات عظيمة، بتسلط اليهود مساندين من السلطة المدنية، وإبادة أعداء اليهود، وقتل هامان وأبنائه وأسرته.
ع10-12: وقف أمام الله مجموعتان، هما شعب اليهود يقابلهم جميع شعوب العالم، التى حاولت إهلاك اليهود بقيادة هامان، وذلك فى يوم 13 آذار، حيث كان مقرراً إهلاك اليهود. ولكن لأجل صوم وصلوات وصراخ شعب الله إليه مد يده وأنقذهم برحمته.
ويظهر هذا الحلم قيمة شعب الله المؤمنين به، إذ يمثلون نصيباً، وباقى الأمم كلها تمثل نصيباً آخر، ولأجل صلوات الشعب جعل النصيب الصغير – وهو اليهود – يتسلط على النصيب الكبير وهم الأمم. وهذا ما سيحدث فى نهاية الأيام عندما يدين أولاد الله باقى العالم؛ لأنهم آمنوا بالمسيح الذى رفضه العالم.
ويرمز السهمان أيضاً إلى اليهود والأمم اللذين كانا متعارضين فى العهد القديم فى الإيمان، ولكن فى اليوم المسمى، أى يوم فداء المسيح للبشرية، اتحد اليهود مع الأمم فى الإيمان، فكان هناك مسيحيون من أصل يهودى وأممى، وسوف يظلان متحدين فى ملكوت السموات ومجتمعين حول المسيح.
ع13: يقرر كاتب السفر وهو مردخاى فى نهاية السفر، بعد تفسيره للحلم العظيم، بأن عيد الفوريم – وهو يومى الرابع عشر والخامس عشر من شهر آذار – صار عيداً سنوياً لليهود على مدى أجيالهم، يشكرون فيه فضل الله ورحمته، الذى أنقذهم من الهلاك.
وعلى مدى الأجيال أنقذ الله شعبه اليهود مرات كثيرة، فأضافوا تذكار هذه الأحداث. فهم مازالوا يعيدون هذا العيد إلى يومنا هذا. ومن ضمن الأيام التى أنقذ فيها الله شعبه بعد أيام أحشويروش، إنقاذه لهم أيام المكابيين، كما نلاحظ ذلك، إذ عيدوا فى اليوم السابق للفوريم عند انتصارهم على نيكانور أحد أعداء اليهود (المكابيين الثانى 15: 37). ثق أن لك قيمة كبيرة عند الله مهما بدا ضعفك، أو قوة المحيطين بك. لأنك أنت ابنه وهو يحبك وقد مات لأجلك، ويقدم لك وحدك أغلى شئ فى الوجود كل يوم على المذبح، وهو جسده ودمه الأقدسين.