بلدد يوبخ أيوب على شره
(1) اتهام أيوب بالكبرياء والعناد (ع1-4):
1- فاجاب بلدد الشوحي و قال. 2- الى متى تضعون اشراكا للكلام تعقلوا و بعد نتكلم.
3- لماذا حسبنا كالبهيمة و تنجسنا في عيونكم. 4- يا ايها المفترس نفسه في غيظه هل لاجلك تخلى الارض او يزحزح الصخر من مكانه.
ع1، 2: أشراكاً : جمع شرك، أى فخ، أو مصيدة.
ينتقد بلدد فى بداية كلامه الثانى أيوب وصديقيه أليفاز وصوفر، بأن كلامهم غير سليم، وكأنهم يضعون أشراكاً لا تمسك شيئاً أثناء كلامهم، ولا يصلون إلى أية نتيجة.
وسنلاحظ أن بلدد فى خطابه الثانى قد ازداد قسوة عن خطابه الأول، مثل صديقه أليفاز. بينما نرى أيوب يزداد ثباتاً فى إيمانه وإحساساً بالله الذى سيعطيه راحة بعد هذه الحياة.
يتهم بلدد أيضاً أيوب وصديقيه بالجهل، ويطلب منهم أن يفكروا بالمنطق حتى يستطيع أن يتفاهم معهم. وهذا معناه أن بلدد لم يفهم شيئاً مما قاله أيوب، ويتهم أيوب وصديقيه بأن كل كلامهم فارغ وبلا معنى.
ع3: يواصل بلدد اتهاماته لأيوب وصديقيه، فيوبخهم بأنهم اعتبروه بلا فهم كالبهيمة؛ مع أن أيوب لم يقل هذا، بل قال لأصدقائه أنهم مخادعين وغير حكماء وقساة.
ع4: عاتب أيوب الله بأنه يفترسه ويصوب سهامه نحوه (ص16: 9؛ 12)، فيرد عليه بلدد هنا بأنه يفترس نفسه فى غضبه، أى أن الله لم يفترس أيوب، بل افترس أيوب نفسه.
ويضيف بلدد فى توبيخه لأيوب، فيتهمه بالكبرياء ويقول له : هل نخلى الأرض ونغير قوانين الله، أو نزحزح الصخر من مكانه لأجلك. أى أنه إذا كان من المستحيل تغيير نظام الأرض، أو زحزحة الصخر، كذلك لا يمكن تغيير قوانين الله، التى تقضى بضرورة عقاب الشرير بالمصائب المختلفة. ولكنك يا أيوب ترفض الاقتناع والخضوع لله.
لا تندفع فى حكمك على الآخرين واتهامهم بالخطايا؛ لئلا تكون أنت نفسك ساقطاً فى الخطية وحكمك غير سليم. لكن على العكس اتضع وارفع قلبك بالصلاة لله، واخضع لأب اعترافك والمرشدين الروحيين، فتحمى نفسك من الضلال.
(2) عقاب الأشرار (ع5-21):
5- نعم نور الأشرار ينطفئ و لا يضيء لهيب ناره. 6- النور يظلم في خيمته و سراجه فوقه ينطفئ. 7- تقصر خطوات قوته و تصرعه مشورته. 8- لان رجليه تدفعانه في المصلاة فيمشي إلى شبكة. 9- يمسك الفخ بعقبه و تتمكن منه الشرك. 10- مطمورة في الأرض حبالته و مصيدته في السبيل. 11- ترهبه أهوال من حوله و تذعره عند رجليه. 12- تكون قوته جائعة و البوار مهيأ بجانبه. 13- يأكل أعضاء جسده يأكل أعضاءه بكر الموت. 14- ينقطع عن خيمته عن اعتماده ويساق إلى ملك الأهوال. 15- يسكن في خيمته من ليس له يذر على مربضه كبريت. 16- من تحت تيبس أصوله و من فوق يقطع فرعه. 17- ذكره يبيد من الأرض و لا اسم له على وجه البر. 18- يدفع من النور إلى الظلمة و من المسكونة يطرد. 19- لا نسل و لا عقب له بين شعبه و لا شارد في محاله. 20- يتعجب من يومه المتأخرون و يقشعر الأقدمون. 21- إنما تلك مساكن فاعلي الشر و هذا مقام من لا يعرف الله
ع5، 6: واصل بلدد كلامه القاسى نحو أيوب، معلناً له مجموعة عقوبات تأتى على الأشرار : 1- انطفاء نوره بمعنى إنه إن كان له نور، أى فضيلة وسلوك حسن ولو قليل، فهو سيزول مثل لهيب نار يضئ، أو سراج معلق فى أعلى الخيمة، هذا كله نور مؤقت ولابد أن ينطفئ. هكذا أيضاً نور الأشرار لابد أن ينتهى؛ لأنه ليس نابعاً من قلب نقى، بل هو مظهر خارجى فقط.
وبهذا التوبيخ الذى قدمه بلدد لإظهار عقاب الأشرار يمنع أيوب من الاعتراض على الاتهام الأول المذكور فى (ع3، 4).
وكلام بلدد يعنى أن المصائب التى حلت بأيوب حتى يكاد يموت من قسوة المرض، هذا شئ طبيعى لأنه عاقبة الأشرار.
وانطفاء النور لا يعنى فقط زوال الفضيلة والمظهر الحسن، بل يعنى أيضاً فشله فى نجاحات الحياة وموته السريع.
ع7-10: المصلاة : المصيدة.
حبالته : مصيدة مصنوعة من الحبال تمسك بعقب الحيوان وتلتف حوله وبجذب الحبل يتعلق الحيوان من رجله ويسهل التحكم فيه.
مطمورة : مدفونة.
2- التردد : العقوبة الثانية التى يضيفها بلدد أن الشرير – ويقصد أيوب – يعاقبه الله أيضاً بأنه يكون متردداً فى قرارته. فيقول أن خطواته تصير قصيرة؛ لأنه يخاف أن يتقدم فى حياته فلا ينجح ولا يحقق ما يتمناه.
3- تخلى الله عنه : العقوبة الثالثة للشرير هى ترك الله له لأفكاره ومشورته الخاصة، فتبعده عن الله وتسقطه فى خطايا ومشاكل بلا حصر. فهو لا يطلب الله ولا ينال إرشاد من أحد فيعانى متاعب كثيرة. وبالطبع كل مشوراته مادية، شهوانية ليس لها علاقة بالله، فلا يحقق هذه الشهوات، وإن حقق شيئاً منها تزول سريعاً، بالإضافة إلى أن الله يلقيه فى العذاب الأبدى نتيجة شره ومشوراته الخاطئة. فهكذا تصرعه مشورته أى يتعذب إلى الأبد.
4- سقوطه فى مشاكل : العقوبة الرابعة للشرير هى سقوطه فى مشاكل لسلوكه الشرير. هذه المشاكل يشبهها بلدد بالمصلاة والتى إن حاول القيام والتخلص منها يعود ويسقط فى فخ آخر؛ لأن أفكاره دائماً ردية، أى أنه لا ينجو من غضب الله، وينتقل من خطية لأخرى، فيندفع بنفسه نحو الشر الذى تعوده. وإن حاول التخلص بعد ذلك من الخطية لا يستطيع؛ لأن قلبه قد تعلق بها، فكأنه يمشى إلى شبكة. ويشبه أيضاً بلدد المشاكل بالحبالة المدفونة والمخبأة فى الأرض لاصطياد الحيوانات، فيسقط الشرير فى مشاكل مختفية لا يتوقعها، وإن سار فى طريقه العادى يتعرض لفخاخ كثيرة.
مما سبق يظهر أن الشيطان يضع فخاخاً كثيرة، بأنواع مختلفة لإسقاط البشر، يسقط فيها بسهولة الأشرار، أما الأبرار فينجيهم الله.
ع11:
5- الخوف : لسقوط الشرير فى خطايا كثيرة يفقد سلامه، وعندما يسمع عن مشاكل المحيطين به ينزعج ويرتعب ويشعر أنه سيسقط فيها.
وهو من ناحية أخرى لا يثق فيمن حوله ويظن أن الكل سيسئ إليه. وهو بهذا يشير إلى أيوب الذى أعتبر أصدقاءه ضده. وإذ يحيا فى خوف وذعر، يفقد القدرة على الحركة والتقدم، أى أن الخوف يكاد يشله.
وخوف الشرير فى حياته هو عربون لخوفه وارتعابه إلى الأبد فى العذاب المعد له.
ع12، 13: البوار : الخراب والهلاك.
6- الضعف : العقوبة السادسة للشرير هى أن تكون قوته ضعيفة جداً، ويعبر عنها هنا بأنها جائعة، أى قوة هزيلة لا تستطيع أن تفعل شيئاً. وما يظنه فى نفسه قوة يكتشف أنه جائع إليها، أى لا يعتمد عليه.
ولأنه ضعيف فالخراب ينتظره سريعاً، أى لا يستطيع أن يدافع عن ممتلكاته وإن بقيت معه تتلف. والبوار يأكله حتى يفنيه، ويهجم عليه الموت بكل قدراته، أى المرض والفقر وابتعاد الناس عنه. والبكر هو الأقوى وله نصيب ضعفين عن باقى الأبناء. والمقصود ببكر الموت، أن أقوى قدرات الموت تهجم على الشرير لتخربه. وبالطبع يقصد بلدد فى كل هذا أيوب وما حدث له من ضيقات.
ع14، 15: ملك الأهوال : الأهوال جمع هول وهو المصيبة الفظيعة ويقصد بملك الأهوال الموت، أو الشيطان.
يذر : ينثر ويُرش.
مربضه : مكان راحته واستقراره ونومه.
7- عدم الاستقرار : العقوبة السابعة للشرير هى أن يفقد مكان سكناه وهى الخيمة هنا، ولا يكون له مكان استقرار، أو أى ممتلكات يعتمد عليها، وبعد أن يتجرد من كل شئ يؤخذ إلى الموت.
ويمكن أن ترمز الخيمة إلى جسد هذا الإنسان الشرير، فانقطاعه عن جسده يكون بموته، ويترك كل ما اعتمد عليه من شهوات مادية. ويجد نفسه فى طريق الموت وهو مخيف جداً للأشرار؛ لأنهم لم يفعلوا الصلاح فى حياتهم، فينتظرهم العذاب الأبدى، الذى يفوق كل تخيل فى فظاعته.
وحتى مسكن الشرير يسلب منه ويستولى عليه غيره ويسكن فيه. لأن هذا الشرير قد ظلم غيره وامتلك ممتلكات كثيرة بالظلم. وفى النهاية يتعرض للهلاك. ويقصد برش الكبريت على مكان استقراره اشتعال النار فى مسكنه وهلاكه، كما حدث مع أهل سدوم وعمورة. ولعل بلدد يشير إلى النار التى أكلت الغنم والغلمان التى لأيوب (ص1: 16). وقد يقصد بسكن “من ليس له” فى خيمته، بسكن الخطية فيه، فالله خلق الإنسان نقياً والخطية غريبة عنه ولكن لشره سكنت فيه؛ لذلك يساق إلى الموت.
ع16-19: البر : الأرض، أو اليابسة تمييزاً لها عن البحر.
عقب : أى خلف ويقصد به أبناء يأتون بعد أبيهم ويتحدثون عنه.
شارد : ضال وتائه.
8- فقدان ذكره : العقوبة الثامنة هى نسيان نسبه وعائلته، فلا يكون له اسم معروف بين الناس، خاصة وأنه بانتهاء حياته ينتهى ذكره ونسله أيضاً يهلك، فلا يعود أحد يتكلم عنه.
وإن كان الشرير قد يبس أصله، أى ليس له حياة نقية على الأرض، فتيبس فروعه، أى لا يكون له مكان فى الأبدية.
وينتقل الشرير من النور، أى الحياة على الأرض بكل ضجيجها إلى الظلمة، أى الموت ويطرد من المسكونة، أى أن الأرض التى يسكنها البشر تتخلص منه بموته؛ لأنه ملأ الأرض شراً، فهو غير محبوب من الناس.
ويطرد من المسكونة يقصد بها أيضاً انقطاع تلذذه بالحياة، مثل أن يسقط فى المرض، أو القلق، أو الهم، فلا يعود يتذوق حلاوة الدنيا.
والخلاصة لا يكون هناك نسل يذكر اسمه، فينقطع ذكره فى الأرض كلها.
ع20، 21: خلاصة القول أن الشرير يعاقب عقوبات كثيرة يتعجب من هولها كل البشر، سواء القدماء، أى الشيوخ الذين عاشوا حتى رأوا حياته، وكذلك المتأخرون أيضاً يتعجبون، وهم النسل الآتى بعده ورأوه فى نهاية حياته، أو سمعوا عنه بعد موته.
وهذا التعجب لا يقتصر على عقوبات الشرير فى الأرض ولكن يمتد بالأكثر إلى الأبدية، حيث العذاب الدائم.
هذه العقوبات هى المحكوم بها من الله على مساكن الأشرار ومكانتهم فى الأرض، فكل هذا لابد أن يبيد ويهلك. تأمل نتائج الخطية حتى تبتعد عنها، بل وترفضها بكل ما يتصل بها، فيتكون فى داخلك مخافة الله، فتحيا فى نقاوة وتتمتع بمحبته.