أيوب يعلن نجاح ومجد الأشرار
(1) أيوب يستعطف أصدقاءه لسماعه (ع1-5):
1- فأجاب أيوب و قال. 2- اسمعوا قولي سمعا و ليكن هذا تعزيتكم. 3- احتملوني و أنا أتكلم و بعد كلامي استهزئوا. 4- أما أنا فهل شكواي من إنسان و إن كانت فلماذا لا تضيق روحي. 5- تفرسوا في و تعجبوا و ضعوا اليد على الفم.
ع1، 2: يتكلم أيوب بروح الود والصداقة والحب، فيترجى أصدقاءه أن يسمعوهِ. فهى مقدمة لطيفة ولبقة من أيوب يستميل بها أصدقاءه لسماعه. وابتعد أيوب عن الردود المنطقية الشديدة على كلام ِأصدقائه القاسى، واستخدم أسلوباً جديداً فى الحوار باتضاع وحب.
كان أيوب يتمنى أن يسمع كلمات تعزية من أصدقائه، ولكنه سمع كلاماً قاسياً، ولم يعد له رجاء أن يسمع منهم كلمة مساندة له. ولم يبق له تعزية إلا أن يسمعه أصدقاؤه باهتمام.
قول أيوب لأصدقائه “اسمعوا قولى سمعاً” يعنى اسمعونى بتدقيق لتفهموا ما أقصده، وليس مجرد سماع الأذن، فلا تقاطعونى، ولا ترفضوا كلامى من قبل أن تسمعوه.
ع3: يستكمل أيوب كلامه، فيترجى أصدقاءه أن يسمعوه ولا يقاطعوه؛ لعلهم يفهمون ما يقصده، فهو له رجاء هذه المرة أن يكسبهم.
فى نفس الوقت يعلن أيوب استعداده لسماعهم؛ حتى لو كان كلامهم قاسياً ويحوى استهزاءً به. وهذا يظهر اتضاع أيوب واستعداده لسماع كلام أصدقائه القاسى.
ع4: يعلن أيوب أنه لا يشتكى من إنسان، مثل السبئيين أو الكلدانيين الذين نهبوا أملاكه؛ لأنه يعلم أن الله قد سمح بهذا، وهو متقبل كل شئ من يد الله. ولكن شكواه مرفوعة إلى الله الذى تركه. وهو لا يطيق أن يتركه الله، فإن كان يسمح له بالضيقات لكنه يطلب شيئاً واحداً، وهو أن يظل يشعر بوجود الله معه.
ولأن شكوى أيوب ليست من إنسان ولكن بسبب إحساسه أن الله قد تركه، فهذا هو السبب فى ضيق روحه؛ لأنه فوق طاقة أيوب أن يشعر بتخلى الله عنه. هكذا يشعر كل أولاد الله القديسين، لأن حياتهم هى فى عشرتهم لله.
ع5: يستعطف أيوب أصدقاءه، فيجذبهم إلى النظر إليه وهو مريض مرضاً شديداً؛ ليشعروا بآلامه، فيتأثروا بمنظره ويتعجبوا لتغير شكله عما كان سابقاً فى صحة وقوة وغنى ومجد، فيحزنوا عليه، ويتعاطفوا معه فى كلامهم. وقد يعزونه بكلمات طيبة.
وإن تأثر أصدقاء أيوب بحالته الصحية الصعبة، فلن يستطيعوا أن يكلموه بأى كلام قاسى، بل يضعوا أيديهم على أفواههم، أى يصمتوا؛ لأن حالته كانت صعبة ومؤثرة جداً فى نظر من يرونه.
ليتك تنصت باهتمام إلى كلام المتألمين؛ لتشعر بهم وبعدما تتعاطف معهم تستطيع أن تتكلم، فيكون كلامك مفيداً لهم. وإن لم تتكلم ونظرت إلى المتألم برفق، فإن عينيك تعلن مشاعر طيبة أفضل من الكلام، فتكسب وتعزى أحباءك المتألمين.
(2) نجاح الأشرار (ع6-15):
6- عندما أتذكر ارتاع و أخذت بشري رعدة. 7- لماذا تحيا الأشرار و يشيخون نعم ويتجبرون قوة. 8- نسلهم قائم أمامهم معهم و ذريتهم في أعينهم. 9- بيوتهم آمنة من الخوف وليس عليهم عصا الله. 10- ثورهم يلقح و لا يخطئ بقرتهم تنتج و لا تسقط. 11- يسرحون مثل الغنم رضعهم و أطفالهم ترقص. 12- يحملون الدف و العود و يطربون بصوت المزمار. 13- يقضون أيامهم بالخير في لحظة يهبطون إلى الهاوية. 14- فيقولون لله ابعد عنا و بمعرفة طرقك لا نسر.
15- من هو القدير حتى نعبده و ماذا ننتفع إن التمسناه.
ع6: بشرى : جسدى.
عندما يتذكر أيوب اليوم الذى ضاعت فيه أملاكه ومات أبناؤه ينزعج وتأخذ القشعريرة بجسده؛ لأنه يوم مخيف ولم يكن يتوقعه أبداً.
ع7: ويزداد إحساسه بالألم عندما يرى قوة الأشرار تتمثل فيما يلى : 1- استمرار جبروتهم وسلطانهم نتيجة مراكزهم حتى نهاية حياتهم، أى حتى يشيخون، خاصة وأن أبناءه قد ماتوا فى سن الشباب.
ع8: يواصل أيوب كلامه عن رخاء الأشرار وتمتعهم بالحياة، فيقول 2- يرون نسلهم أمامهم : ويتمتعون بهم، فى الوقت الذى فقد فيه أيوب أبناءه وبناته. فهو يرى راحتهم وفى نفس الوقت شقاوته.
ومعنى رؤية نسلهم؛ أن الأشرار يكونون مستمرين فى قوتهم على مدى الأجيال، بالإضافة إلى فرحهم أن لهم نسل مرتبط بهم.
ع9: 3- الأمان : يتمتع أيضاً الأشرار بالأمان فى مساكنهم، فلا يعتدى عليهم أحد. وفى نفس الوقت عانى أيوب من مهاجمة السبئيين والكلدانيين له، ونزول النار على أغنامه وعبيده، وسقوط البيت على أبنائه. وهذا يعنى أن أيوب يعانى من تأديب الله، فى حين لا يشعر الأشرار بأى تأديب من عصا الله. والله يسمح أحياناً بتأديب أولاده الأبرار؛ لأنهم سيتجاوبون سريعاً، فينقيهم من كل شر. أما الأشرار فأحياناً يتركهم؛ لأنهم رفضوا التجاوب معه، فلا يستمر فى تنبيههم، بل يتخلى عنهم لفترة قد تكون طويلة؛ ليعانوا من متاعب شرهم، لعلهم يتوبون.
ع10: 4- تزايد الأملاك : لأن الأشرار هدفهم هو الماديات، فيتركهم الله؛ ليشبعوا بها، فينجح ثورهم فى تلقيح البقر؛ لينجب نسلاً، والبقرات يكتمل حملها وتلد ولا يسقط منها أى جنين قبل ميعاده. أى أن أملاكهم من الماشية تزداد. وعلى الجانب الآخر عانى أيوب من فقدان ماشيته كلها.
والله فى أحيان كثيرة لا يعطى أولاده الأبرار كثرة الماديات؛ حتى لا يشغلهم عن الروحيات وهى الأهم، ولأنهم مستنيرون يفهمون هذا ويتمتعون بالتعزيات الروحية التى تفوق العقل.
ع11، 12: 5- الفرح الأرضى : من كثرة بنيهم يتركونهم يتحركون فى كل مكان حولهم، مثل الغنم التى يسرحها صاحبها، فتلعب فى المرعى وتأكل وتشرب، بل تعبر عن فرحها بالرقص. وهذا يعنى انغماسهم فى اللذات الأرضية وأفراح العالم. والأبناء ينطلقون فى هذا الفرح المادى؛ لأن أباءهم منغمسون أيضاً فى الطرب والغناء، واستخدام كل الآلات الموسيقية، والتنعم بالشهوات المختلفة.
ع13: 6- الرفاهية : يتمتع الأشرار بالخيرات المادية طوال حياتهم، وهذا هو ما يطلبونه، ويزداد انشغالهم باللذات المادية المتنوعة، كلما تقدموا فى الأيام. ولكن فجأة تنتهى حياتهم دون إنذار؛ لأن الله حذرهم من قبل مرات كثيرة ولكنهم رفضوا وصاياه، فيأتى عليهم الموت فجأة وهذا أمر صعب جداً؛ لأن الموت ينقلهم إلى العذاب الأبدى.
ع14، 15: ينخدع الأشرار بنجاحهم المادى ويغمضون أعينهم عن حياتهم الأبدية؛ لذا يرفضون وصايا الله وينغمسون فى اللذات. وهم يرفضون طرق الله لما يلى :
- لأنهم يشعرون بعدم احتياجهم إليها، إذ حققوا أغراضهم، وهى اللذات المادية.
- يرفضون وصايا الله لئلا تعطلهم عن لذاتهم وشهواتهم الشريرة، التى أحبوها أكثر من الله.
إنهم يتناسون الله، فيصبح مجهولاً لهم، كما رفض فرعون أن يطلق شعب الله وقال “من هو الرب حتى أسمع لقوله” (خر5: 2). وبقولهم “من هو الله حتى نعبده” يقصدون :
- الاستهانة بالله والاستهزاء به، كأنه شخص غير معروف.
- عدم فهم عبادة الله، فيظنون أنها فروض ثقيلة، ولا يعرفون أنها لذة بالوجود فى عشرته.
- تبين كبرياءهم وعدم حاجتهم لله، إذ يقولون “ماذا ننتفع إن التمسناه”.
إن إهمالك لصلواتك وقراءاتك تنسيك محبة الله، فيصير بالتدريج مجهولاً لك، وتقل أهميته فى حياتك، فتفقد لذة الحياة مع الله وتخسر أبديتك. أعطِ وقتاً كافياً للصلاة والقراءة كل يوم قبل اهتماماتك الأخرى.
(3) هلاك الأشرار (ع16-21):
16- هوذا ليس في يدهم خيرهم لتبعد عني مشورة الأشرار.17- كم ينطفئ سراج الأشرار ويأتي عليهم بوارهم أو يقسم لهم أوجاعا في غضبه. 18- أو يكونون كالتبن قدام الريح و كالعصافة التي تسرقها الزوبعة. 19- الله يخزن إثمه لبنيه ليجازه نفسه فيعلم. 20- لتنظر عيناه هلاكه و من حمة القدير يشرب. 21- فما هي مسرته في بيته بعده و قد تعين عدد شهوره.
ع16: رغم كل هذه الخيرات التى ذكرها أيوب عن الأشرار، ورغم كل النجاح الذى حققوه، يرفض أيوب بشدة أن يتمتع بهذه الخيرات، أو يشترك معهم فيها، لأن هذه الخيرات :
- تشغلهم عن الله فيبعدون عنه.
- ينسبونها لأنفسهم، فيظنون أنها من عمل أيديهم ولا يشكرون الله عليها.
- لا يستخدموها فى مساعدة المحتاجين، إذ أن خيرهم ليس فى يدهم للغرض الإلهى وهو مساعدة الآخرين، بل لإشباع شهواتهم فى أنانية.
والخلاصة أن أيوب يطلب من الله أن يبعد عنه مشورة الأشرار، التى تسقطه فى كل هذه الخطايا السابقة.
ع17، 18: بوارهم : فسادهم وخرابهم.
العصافة : الأوراق الصغيرة الجافة المحيطة بالثمرة التى على النبات، أو الشجر. وهى جافة ويسهل تفتيتها بالرياح ونثرها.
يسأل أيوب أصدقاءه كم مرة رأوا انطفاء نور الأشرار، أو رأوا خرابهم، ونظروا الأشرار يتألمون من قبل الرب، أو وجدوهم مشتتين فى الأرض، مثل التبن المتطاير فى الهواء، أو العصافة التى تخطفها الرياح والزوابع وتفتتها وتنثرها فى كل مكان.
هذه الأمور قليلة الحدوث؛ لأن الأشرار فى معظم الأحيان ناجحون ومنغمسون فى شهواتهم الشريرة. ولكن الله يسمح بتأديب أولاده بالآلام؛ لينقيهم من كل شر وينميهم فى طريق الكمال.
ع19، 20: حمة : الجزء الأخير من ذيل العقرب وينتهى بإبرة يغرسها فى فريسته ويصب سمه فيها.
يعلن أيوب أن الشرير مهما نجح فى الحياة، فإن الله يخزن له إثمه وخطاياه ويُعاقَبْ بها أبناءه الذين يسيرون فى الشر مثل أبيهم.
وعندما يرى الشرير عقاب أولاده الأشرار أمام عينيه يتألم، ولعل هذا يجعله يتوب، ولكن إن لم يتب، فينتظره مجازاته الأبدية فى عذاب نار جهنم.
وعندما يتأمل الشرير فى نهاية حياته، أو فى الحياة الأخرى، فإنه يرى بعينيه هلاكه، أى عذابه ويأتى عليه غضب الله، الذى يشبهه بسم العقرب المميت، أى يعاين الموت الأبدى، ولا يستطيع الهروب منه.
ع21: يتعجب أيوب عندما ينظر إلى الشرير، فيقول أين فرحه ومسرته ؟ إن كل ما يحاول أن يحققه فى حياته لا شئ؛ لأن عمره محدود وصغير، ويعبر عنه بعدة شهور، وقد حددها الله وعينها، فهو لن يعيش فترة طويلة، لكن حياته الأبدية كلها فى العذاب. فأين مسرته؟ إنها لا توجد. وبالتالى لا يتمنى أيوب أن يشابه الشرير؛ لأن حياته سيئة.
أنظر نتيجة خطيتك؛ لترفضها وتكرهها. ولحياة الأشرار ونهايتهم؛ لتبتعد ليس فقط عن خطيتك، بل وعن مصادرها أيضاً.
(4) الموت نهاية الأشرار والأبرار (ع22-26):
22- االله يعلم معرفة و هو يقضي على العالين. 23- هذا يموت في عين كماله كله مطمئن وساكن. 24- أحواضه ملآنه لبنا و مخ عظامه طريء. 25- و ذلك يموت بنفس مرة و لم يذق خيرا. 26- كلاهما يضطجعان معا في التراب و الدود يغشاهما.
ع22: يستنكر أيوب على أصحابه أنهم مصرين على فكرة غريبة، وهى أن الشرير لابد أن يموت صغيراً، والبار يعيش فى راحة سنيناً طويلة. ويقول لهم هل تفرضون على الله معرفتكم ؟ هل الله محتاج أن تعلموه معرفة ؟
إن الله هو الذى يدبر العالم ويحكم على العالين، أى المتكبرين والعظماء وذوى الحكمة البشرية. إن الله أعلى من الكل، ويعمل ما يراه وليس ما تفرضونه عليه من كلام، فيمكن أن يعيش الشرير فى نجاح عمراً طويلاً، ويمكن أيضاً أن يموت البار صغيراً فى السن، بعد أن يعانى شقاءً كثيراً يحتمله من أجل الله.
ع23، 24: يوضح أيوب أن الشرير يمكن أن يموت وهو فى صحة كاملة وهو فى هدوء وطمأنينة. فهو لا يستعد للموت، الذى يأتيه فجأة وهو متمتع بالصحة، وكذا الخيرات الكثيرة، التى يعبر عنها بالأحواض الملآنة لبناً. ويبين صحته الجيدة بقوله أن مخ عظامه طرى، أى نخاعه سليم وفى حيوية الشباب، أى لم تؤثر الشيخوخة على جسده بالضعف.
ع25: ثم يتكلم عن البار ويقصد نفسه، إنه يموت بنفس مرة، أى متألمة، ويعانى من تجارب كثيرة؛ لأن أيوب كان يموت كل يوم من كثرة الآلام التى يعانيها.
ع26: إن الإثنين؛ الشرير والبار، أو من عاش فى الخيرات المادية، ومن تألم فى الجسد، كلاهما يموتان ويأكل الدود جسديهما، ويدخلان فى الحياة الأخرى، ويحاسب كل منهما على حسب أعماله.
إن كان الموت هو نهاية حياة كل البشر على الأرض، فاستعد يا أخى للحياة الأبدية بالسلوك بالبر، والالتصاق بالله، لكى تتمتع معه فى السماء.
(5) مجد الشرير على الأرض (ع27-34):
27- هوذا قد علمت أفكاركم و النيات التي بها تظلمونني. 28- لأنكم تقولون أين بيت العاتي و أين خيمة مساكن الأشرار. 29- أفلم تسالوا عابري السبيل و لم تفطنوا لدلائلهم. 30- انه ليوم البوار يمسك الشرير ليوم السخط يقادون. 31- من يعلن طريقه لوجهه و من يجازيه على ما عمل. 32- هو إلى القبور يقاد و على المدفن يسهر. 33- حلو له مدر الوادي يزحف كل إنسان وراءه و قدامه ما لا عدد له. 34- فكيف تعزونني باطلا و أجوبتكم بقيت خيانة
ع27، 28: العاتى : الجبار.
قال أيوب لأصدقائه إن أحاديثكم المادية تظهر ظلمكم لى؛ إذ تتهموننى بالشر، ومن أجل شرى جاءت علىَّ هذه المصائب، وتدللون على فكرتكم بقولكم : أين بيت العاتى ؟ وتقصدون عظمتى وممتلكاتى التى ضاعت، وتقولون : أين مساكن الأشرار ؟ حيث سقط البيت على أبنائى وبناتى. وهذا كله ظلم؛ لأنى سلكت بالبر طوال حياتى، ولكن الله سمح لى بهذه المصائب لأحتملها من أجله.
ع29، 30: دلائلهم : أدلتهم.
البوار : الفساد.
السخط : الغضب الشديد.
إذ يثق أيوب فيما يقوله أنه ليس شرطاً أن يعاقب الشرير فى هذه الحياة، أو يكافأ البار على الأرض، يقول لأصدقائه : حتى تتأكدوا من كلامى، اسألوا أى إنسان يسير فى الطريق فسيؤكد لكم كلامى.
والمقصود بعابر السبيل هو إنسان متزن يعرف أن الحياة ستنتهى فى الأرض، وينظر إلى الحياة الأخرى، فهو عابر سبيل فى طريقه إلى السماء. فإن كان الإنسان متأكداً من تغربه عن العالم وطلبه للسماويات، فسيكون متزناً وأحكامه سليمة، وسيعطيكم أدلة على كلامه من أحداث الحياة. لم يقل لهم اسألوا القديسين كما قال لأليفاز (ص5: 1) لأن الموضوع بسيط وواضح، يعرفه أى إنسان.
الحقيقة التى يعرفها كل الناس أن الشرير سيعاقب فى يوم الفساد والغضب الإلهى، أى يوم الدينونة، فالنجاح مؤقت للأشرار ولابد أن ينتظرهم العقاب الإلهى فى اليوم الأخير.
ع31: يضيف أيوب أن الشرير الذى سيعاقب فى يوم الدينونة يسير فى الشر أيام حياته، ولا يستطيع أحد أن يعلن له شره فى وجهه؛ لأنه لا يقبل، بل يسئ لمن يوبخه. وبالطبع إن كان لا يستطيع أحد أن يوبخ الشرير، فلا يستطيع أحد أن يعاقبه على شره.
قد يقصد أيوب بالشرير أنه الشيطان، أو ضد المسيح، أى من يصر على الشر ويتمادى فيه؛ لأنه يتكلم بصيغة المفرد بعد أن كان يتكلم عن الشر بصيغة الجمع، أى الأشرار.
ع32، 33: مدر الوادى : كتل الطين الموجودة فى الوادى، حيث تدفن الأجساد.
نهاية حياة الشرير هى الموت وهو يهتم بإقامة مقبرة عظيمة له، ويسهر على تجهيزها وعمل نصب تذكارى، أو أعمدة عندها، أو يكتب عليها كلمات تمجيد له، بالإضافة إلى اهتمام البعض بتحنيط الأجساد، مثل قدماء المصريين. كل هذا ليعطى فخامة لنفسه، حتى بعد الموت.
ويحاول الشرير الاهتمام بالطين الذى يدفن فيه، فيضع بعض الروائح، أو الزينة، مثل الورود. وينسى أن كل البشر سيموتون، فقد سبقه الكثيرون، ويزحف خلفه أيضاً الكثيرون.
ع34: حيث أن جميع البشر سيموتون، يقول أيوب لأصدقائه أنكم تعزوننى باطلاً بقولكم إن من يتوب يبتعد عنه الموت. إنكم بكلامكم هذا تخونوننى وتخدعوننى، لأن الكل سيموتون، وينبغى احتمال الأتعاب والأمراض حتى نصل إلى الموت.
بكلمات ِأيوب هذه تنتهى الجولة الثانية من الحوار بينه وبين أصدقائه، التى فيها كانوا قساة عليه، واتهموه بخطايا كثيرة محددة. وحاول الدفاع عن نفسه بأنه سلك فى البر، ثم تبدأ الجولة الثالثة والأخيرة فى الحوار بين أيوب وأصدقائه، وكانت أكثر قسوة من جهة الأصدقاء على أيوب. لا يتعلق قلبك بالأمجاد الأرضية التى تحققها؛ لأنها متغيرة وزائلة، ولكن تمسك بصلواتك وعمل الخير. فهذا ما يبقى لك، ويحفظك ويمتعك بعشرة الله.