بلدد يعلن أنه من يتبرر أمام الله
مقدمة :
بعد أن أعلن أيوب أنه يريد أن يحاكم أمام الله، إذ يئس من فهم أصدقائه له، قال له بلدد لآخر مرة كلمات قليلة، أعلن فيها أن كل الخليقة لا تستطيع أن تتبرر أمام الله، فكيف يطلب أيوب أن يحاكم أمام الله ؟ فبالطبع سيظهر شره. ويوضح بلدد فكرتين يجب أن ينتبه إليهما كل إنسان هما : 1- عظمة الله. 2- ضعف الإنسان.
ونلاحظ أن بلدد لم يشر إلى نجاح الأشرار، أو عقابهم. لعله أقتنع بكلام أيوب واتفق معه فى كل ما يقوله فى هذا الأمر. ولكن أوضح فقط ضعف الإنسان وخطيته أمام الله العظيم القدوس؛ حتى يقود أيوب للاتضاع والاعتراف بخطأه أمام الله.
(1) هيبة الله (ع1-3):
1- فأجاب بلدد الشوحي و قال. 2- السلطان و الهيبة عنده هو صانع السلام في أعاليه.
3- هل من عدد لجنوده و على من لا يشرق نوره.
ع1، 2: أعلن بلدد عدة أمور عن الله هى :
- الله خالق كل الخليقة وله السلطان المطلق، فينبغى أن تخضع له كل الخليقة، وبالتالى لا يصح أن يعترض أيوب على أعماله.
- الله له هيبة ومخافة، فينبغى أن تخشع أمامه كل الخلائق، فهو القدوس الذى يشعر أمامه كل إنسان بضعفه وخطيته.
- حيث أن الله خالق كل الخلائق، فله الحق فى وضع كل الشرائع التى يخضع لها كل البشر.
- إذا أطاعت الخلائق شرائع الله، ستحيا فى سلام مع بعضها البعض ومع الله نفسه صاحب السلطان الكامل عليها.
- الله خالق الأرض وخالق السموات أيضاً، وهى المشار إليها بكلمة “أعاليه” (ع2). فكل ما يعلو عنا هو أيضاً تحت سلطان الله وملكاً له، بكل ما تحويه من خلائق روحية، أى الملائكة.
- يوجه أيوب إلى أنه فاقد سلامه مع الله ومع أصدقائه، ويدعوه للخضوع لله، فيستعيد سلامه.
ع3: يتساءل بلدد هل يمكن حصر، أو معرفة جنود الله ؟ ويقصد ملائكته، فهم كثيرون، فلا يمكن معرفة عددهم. وكانت قوة الملوك تقاس بعدد جنودهم، فإن كان ملك يصعب حصر جنوده لكثرتهم، فهذا دليل على أنه ملك عظيم جداً .. هذا هو الله ملك الملوك.
والله تظهر أيضاً قوته فى أنه يشرق بشمسه على كل البشر وهذا يبين :
- رحمة الله وبركاته التى يهبها لكل البشر، فهو كامل فى صلاحه وجوده.
- إن خطايا البشر كلها مكشوفة أمام الله، فبنوره يعلن أنه يرى كل البشر، ويستطيع أن يدينهم ويحاسبهم.
- كل إنسان فى نور الله يكتشف خطاياه، ويستطيع أن يتوب عنها أمام الله.
- الله لطيف جداً فى معاملته مع البشر، فهو يشرق بنوره عليهم. ومن أراد أن يتوب يقبله، ومن يرفض فهو مسئول عن نفسه، أى أن الله لا يجبر أحداً على الحياة معه، لكن يدعو الكل بلطف لمحبته والحياة معه.
إن كان الله هو ملك الملوك وله السلطان عليك وعلى كل البشر، فينبغى أن تخافه وتبتعد عن الخطية؛ لأن كل شئ مكشوف أمام عينيه، فهذا يقودك للتوبة والنقاوة، وحينئذ تستطيع أن ترى الله وتتمتع بمحبته وجماله.
(2) كل الخليقة غير نقية أمامه (ع4-6):
4- فكيف يتبرر الإنسان عند الله و كيف يزكو مولود المرأة. 5- هوذا نفس القمر لا يضيء والكواكب غير نقية في عينيه. 6- فكم بالحري الإنسان الرمة و ابن ادم الدود
ع4: يستنكر بلدد على أى إنسان من الجنس البشرى أن يتبرر أمام الله لما يلى :
- أن الله قدوس وكامل، وبالتالى أى إنسان إذا وقف أمام الله سيكون فيه ضعف وخطية ونقص.
- إذا ناقش أى إنسان الله، فلن يستطيع أن يبرر نفسه. كما يقول المزمور “لكى تتبرر فى أقوالك وتزكو فى قضائك” (مز51: 4).
- إن أى إنسان مولود بالخطية، إذ أخطأ آدم وحواء قديماً، وصارت الخطية فى طبيعة الجنس البشرى. ولكن المسيح رفع الخطية بفدائه، وأعطانا الطبيعة الجديدة فى المعمودية.
ونفس هذه الآية قالها أيوب (ص15: 14)، وهذا يؤكد أن بلدد قد أتفق أخيراً مع كلام أيوب.
ع5: يؤكد بلدد أن كل المخلوقات فيها ضعف ونقص أمام الله. فالقمر جسم مظلم ولا يضئ من ذاته، بل هو انعكاس نور الشمس عليه. وكذلك الكواكب مظلمة تضئ بانعكاس نور الشمس عليها.
القمر يرمز للكنيسة والكواكب للمؤمنين، فنورهم يأتى من شمس البر، الذى هو المسيح.
ع6: الرمة : الجثة المتعفنة النتنة.
أخيراً يقول بلدد إن كانت الأجرام السماوية فيها نقص وضعف ومظلمة، فكم يكون الإنسان الضعيف الذى يموت ويتحول جسده إلى جثة نتنة ويأكلها الدود، فيتحول هذا الإنسان، الذى كان عظيماً إلى كمية من الدود. فهذا الإنسان العظيم صار دوداً، ضعيفاً، وقذراً ويداس بالأقدام. فكيف يتجاسر أى إنسان ويبرر نفسه أمام الله !؟.
تذكر أنك ستوضع فى القبر ويأكلك الدود؛ حتى تتضع أمام الله، عند أقدام الكل وترفض كل شهوة ردية، فتحيا فى نقاوة وتتمتع بعشرة الله.