سمو حكمة الله فى مخلوقاته تظهر جهل أيوب
مقدمة
تكلم أيوب عن أن الله ظلمه؛ مع أنه يراعى كل الخليقة، فرد الله عليه هنا فى هذا الأصحاح بأنه يعتنى بكل خلائقه، وإن كان أيوب قد فعل بعض الصلاح، فالله كامل فى صلاحه، وأظهر الله لأيوب عنايته ببعض المخلوقات التى يعرفها أيوب، هذا بخلاف باقى المخلوقات التى لا يدركها أيوب، والبشر ومعهم أيوب يهتمون بالحيوانات الأليفة، ويهملون الحيوانات الوحشية، أما الله فيعتنى بالكل. فالله يعتنى بأيوب، وبكل خلائقه، وبهذا أفحم أيوب وأسكته.
(1) الغزال والحمار والثور (ع1-12):
1- أتعرف وقت ولادة وعول الصخور أو تلاحظ مخاض الأيائل. 2- أتحسب الشهور التي تكملها أو تعلم ميقات ولادتهن. 3- يبركن و يضعن أولادهن يدفعن أوجاعهن. 4- تبلغ أولادهن تربو في البرية تخرج و لا تعود إليهن. 5- من سرح الفراء حرا و من فك ربط حمار الوحش.
6- الذي جعلت البرية بيته و السباخ مسكنه. 7- يضحك على جمهور القرية لا يسمع زجر السائق. 8- دائرة الجبال مرعاه و على كل خضرة يفتش. 9- أيرضى الثور الوحشي أن يخدمك أم يبيت عند معلفك. 10- أتربط الثور الوحشي برباطه في التلم أم يمهد الاودية وراءك. 11- أتثق به لأن قوته عظيمة أو تترك له تعبك. 12- أتأتمنه إنه يأتي بزرعك و يجمع إلى بيدرك.
ع1: وعول : جمع وعل وهو “التيس الجبلى” أى ذكر الماعز الجبلى.
مخاض : آلام الولادة.
الأيائل : جمع أيل وهو الوعل.
يسأل الله أيوب السؤال السادس عشر عن أحد الحيوانات البرية، وهو الوعل، فيقول له : أتعرف ميعاد ولادة الوعل ؟ وكيف تتمخض به أمه؛ لتلده ؟ لأن هذه الأم تلد بين الصخور، فتحرص على قتل الثعابين قبل أن تلد؛ لئلا تضر ابنها، المولود الجديد. فالله يرشدها كيف تلد، وأين تلد؛ لتحمى أطفالها. أما أيوب فيجهل كل هذا.
ع2: إن الإنسان بعقله يحسب لزوجته فترة حملها، أما الوعول فمن يحسب لها مدة حملها، وميعاد ولادتها، إلا الله نفسه، الذى يرعاها ويحفظها.
ع3: إن إناث الوعول تجلس على الأرض، وتتمخض بآلام الولادة، وتلد أطفالها، ثم تذهب عنها هذه الآلام، ولا تحتاج إلى مساعدة أحد. أما النساء فيحتجن إلى مساعدة فى الولادة. هذه هى حكمة الله التى تساعد الوحوش، التى ليس لها أحد يهتم بها.
ع4: تربو : تتربى وتنمو.
بعد ولادة أطفال الوعول، ترضع هذه الأطفال وتأكل فى البرية، وتتعلم المشى دون مساعدة، ثم تنطلق وتترك أمهاتها، وتعتمد على نفسها تماماً. أما أطفال الإنسان فيحتاجون إلى رعاية كثيرة. وهنا يسأل الله أيوب هل تعرف كيف أرعى الوعول وإناثها وأولادها ؟ بالطبع لا. فلماذا تتذمر على الله الخالق والراعى بكل خلائقه ؟
ع5: الفراء : ابن الحمار الوحشى الصغير.
السؤال السابع عشر الذى يسأله الله لأيوب هو عن الحمار الوحشى. وهذا الحيوان لا يمكن التحكم فيه، فهو منطلق فى البرية لا يستطيع أحد أن يضبطه، فيقول الله لأيوب من أطلق هذا الحمار الوحشى وصغاره فى البرية ؟
ع6: السباخ : القفر والأرض الموحشة، أو الأرض المالحة الغير صالحة للزراعة. الحمار الوحشى ينطلق فى البرارى والقفار ولا يمكن التحكم فيه.
ع7: زجر : غضب وانتهار.
إذا حاول الفلاحون السيطرة على الحمار الوحشى واستخدامه لمساعدتهم فى الأعمال الزراعية؛ فإنه يضحك عليهم ويجرى بعيداً، فهو ليس مثل الحمار الأليف الذى يمكن تربيته فى الحقل. وإذا حاول الفلاح أن يربطه بعربة، أو محراث فإنه يفشل فى هذا تماماً، ولا يطيع الحمار الوحشى أية تعليمات.
ع8: إن الحمار الوحشى ينطلق بين الجبال يبحث عن الحشائش وأية نباتات خضراء؛ ليأكلها. فهو لا يتغذى مثل الحمار الأليف على طعام يقدمه له الفلاح، بل الله يوفر له طعامه فى البرارى والجبال. فى كل هذا يسأل الله أيوب؛ من يدبر ويرعى هذا الحمار الوحشى إلا الله ؟!
ع9، 10: التلم : خط فى الأرض يصنعه المحراث، ويمكن ربط الحيوان بحبل فى وتد عند بداية التلم.
معلفك : المكان الذى يعده الفلاح ويضع به الطعام للبهائم.
السؤال الثامن عشر يسأله الله لأيوب عن الثور الوحشى، فيقول له هل تستطيع أن تتحكم فى الثور الوحشى ؟ فتربطه فى حظيرة البهائم مثل الحيوانات الأليفة ليأكل من معلفك ؟ أو تستطيع أن تستخدمه فى خدمتك فى الأعمال الزراعية ؟
ثم يعود الله فيسأل أيوب : هل تستطيع أن تربط الثور الوحشى عند أتلام الحقل ؟ أو تربطه بالمحراث ليجره ويصنع لك هذه الأتلام ؟ وهل تستطيع أن تربطه بأية آلة زراعية (قضابية)؛ ليمهد أراضى الأودية، ويجعلها مستوية؛ حتى يسهل زراعتها ؟
ع11، 12: بيدر : مكان واسع يجمع فيه حصاد، أو ثمار الحقل.
ثم يسأله الله هل تستغل القوة المتميزة للثور الوحشى؛ لأنه أقوى من الثور العادى، فتستخدمه فى جمع محاصيلك ونقلها إلى بيدرك ؟ بالطبع لا؛ لأنه لا يمكن أن يخضع لك، إذ هو منطلق مثل الحمار الوحشى، ولا يخضع للإنسان.
وإن كان آدم قديماً يتحكم فى كل الحيوانات، بعد السقوط فقد الإنسان هذه القدرة بالنسبة للحيوانات المتوحشة، ولكن الله أعطاه نعمة، فاستطاع أن يستأنس الحيوانات الأليفة ويربيها ويستخدمها لخدمته ويأكل منها.
إن الثور الوحشى كان موجوداً قديماً فى فلسطين (عد23: 22؛ مز92: 10). وهناك رأى بأنه هو الحيوان المعروف بوحيد القرن.
إن شعرت أنك وحيد وليس من يسأل عنك ويهتم بك، فالتجئ إلى الله القادر أن يرعاك؛ لأنه يهتم بكل الحيوانات والمخلوقات، فثق أنه يهتم بك أنت رأس الخليقة كلها.
(2) النعامة والفرس والطيور الجارحة (ع13-30):
13- جناح النعامة يرفرف أفهو منكب راوف أم ريش. 14- لأنها تترك بيضها و تحميه في التراب. 15- و تنسى أن الرجل تضغطه أو حيوان البر يدوسه. 16- تقسو على أولادها كأنها ليست لها باطل تعبها بلا اسف. 17- لأن الله قد أنساها الحكمة و لم يقسم لها فهما. 18- عندما تحوذ نفسها إلى العلاء تضحك على الفرس و على راكبه. 19- هل أنت تعطي الفرس قوته و تكسو عنقه عرفا. 20- أتوثبه كجرادة نفخ منخره مرعب. 21- يبحث في الوادي و ينفز بباس يخرج للقاء الأسلحة. 22- يضحك على الخوف و لا يرتاع و لا يرجع عن السيف. 23- عليه تصل السهام و سنان الرمح و المزراق. 24- في وثبه و رجزه يلتهم الأرض و لا يؤمن أنه صوت البوق. 25- عند نفخ البوق يقول هه و من بعيد يستروح القتال صياح القواد و الهتاف. 26- امن فهمك يستقل العقاب و ينشر جناحيه نحو الجنوب. 27- أو بأمرك يحلق النسر و يعلي وكره. 28- يسكن الصخر و يبيت على سن الصخر و المعقل. 29- من هناك يتحسس قوته تبصره عيناه من بعيد.
30- فراخه تحسو الدم و حيثما تكن القتلى فهناك هو
ع13: منكب : كتف.
رؤوف : رقيق.
السؤال التاسع عشر الذى يوجهه الله لأيوب هو عن النعامة، فيقول إن جناح النعامة يرفرف ولكنه غير قادر على رفعها عن الأرض. فكتفها رقيق وضعيف، ولكنه يحمل ريش كبير، ذو منظر بهى، فرغم أنها طائر؛ لأن لها جناحين ولكنها عاجزة عن الطيران.
ع14-16: وهناك ضعف آخر فى النعامة، وهى أنها تضع بيضها فى التراب، أى تدفنه وتغطيه بتراب خفيف، وتتركه ليفقس وحده. فعندما تشرق عليه الشمس، ترتفع حرارته، فيفقس. ولكنه بوضعه فى الأرض يكون من السهل أن تدوس عليه أقدام الحيوانات، فتكسره. وحينئذ لا تنزعج النعامة لموت صغارها، سواء كانوا داخل البيض، أو بعد فقسه وخروجهم منه.
إن النعامة هنا تمثل الأنانية والقسوة؛ لأن مشاعرها تتنافى مع الأمومة الموجودة فى باقى الحيوانات، فهى ترمز للإنسان الأنانى أو غير الخدوم، الذى لا يساعد غيره.
ع17، 18: فالنعامة بتصرفها السئ مع بيضها وصغارها تبدو فى غباء شديد. فالله حرمها من الحكمة، التى أعطاها لحيوانات أخرى مثل القرد والكلب والفأر …
لكن الله برعايته يحفظها، فتضع بيضاً كافياً، ويفقس البيض، وتتكاثر النعامة. بل يميزها عن باقى الحيوانات عندما ترفع رأسها إلى السماء وتقفز، فيعطيها قوة لتصير قفزتها كبيرة تصل إلى حوالى ثمانية أمتار. فهى بهذا تسبق الفرس وراكبه، أى تضحك عليه؛ لتميزها عنه. وهكذا نرى الله الذى يرعى جميع مخلوقاته، فإن كانت حكمتها ناقصة ولكن يميزها بخفة الحركة وسرعة الجرى، فلا يلحق بها أعداؤها، ويحفظ بيضها الذى تضعه بغباء قريباً من سطح الأرض، فلا يتلف ويفقس فى معظم الأحوال وتحيا صغارها.
ع19: عرفاً : الشعر الذى يغطى ويرتفع فوق رقبة الفرس.
السؤال العشرون الذى يسأله الله لأيوب هو عن الفرس. فقد انتقل الله إلى الحيوانات الأليفة. فيقول لأيوب هل الفرس القوى – الذى هو من أهم الوسائل الحربية – تعطيه قوة من عندك، أو تحمى رقبته بالشعر ؟
ع20: توثبه : تجعله يقفز.
ويضيف الله فى سؤاله لأيوب : هل أنت تجعله يقفز، أو تعطيه نفخ من أنفه قوياً يرعب من حوله ؟ بالطبع لا؛ لأن الله وحده هو خالقه ومعطيه هذه القوة.
ع21-23: ينفز : يتهلل.
تصل : صوت السهام داخل الجعبة التى تحفظ فيها.
المزراق : الحربة، أو الرمح القصير.
والفرس يتحرك بحرية فى الوادى، ويتهلل بقوة أثناء الحرب، وينطلق ليقابل الأعداء، مهما كانت أسلحتهم.
فالفرس شجاع ينطلق ويهاجم فى الحرب. فهو شجاع لا يخاف أحداً ولا يخشى الأسلحة المضادة، أو الموجهة نحوه، سواء كانت سهام، أو رماح، بل يهجم بشجاعة على الأعداء.
ع24، 25: رجزه : غضبه.
يستروح : يشم رائحته من بعيد.
إن الفرس يقفز كرجل غاضب بسرعة، فيقطع مسافات طويلة فى وقت قليل، كأنه يلتهم الأرض. وعندما يسمع صوت البوق يفرح بالقتال، كأنه لا يصدق أذنيه من شدة شوقه للحرب. فيظهر فرحه كمن يضحك، فهو يشم رائحة القتال وهتاف الحرب من بعيد، فيجرى نحوه.
كل هذا وهبه الله للفرس، أما أنت يا أيوب فلم تفعل شيئاً من هذا.
ع26: العقاب : من الطيور الجارحة. وهو طائر قوى شجاع يصطاد فريسته بنفسه.
السؤال الحادى والعشرون يسأله الله لأيوب عن الطيور، فيقول له هل بحكمتك تجعل طائر العقاب يطير إلى أعلى ويهاجر فى جماعات نحو الجنوب ؟ مع أن ليس له بوصلة، أو من يوجهه إلى الجنوب؛ ليجد الدفء، بل الله هو الذى يوجهه.
ع27، 28: النسر : أكبر الطيور الجارحة، نظره حاد جداً، يتغدى على الحيوانات الميتة (الجيفة)، ويستطيع الطيران لمسافة قد تصل لعدة كيلو مترات.
وكره : عشه وهو يصنعه من فروع الشجر فى أعالى الجبال.
المعقل : الحصن، أو الملجأ، ويقصد به وكر النسر بين الصخور.
ثم يسأل الله أيوب هل أنت تأمر النسر فيحلق عالياً، ويعمل وكره فى أعالى الجبال بين الصخور، فيسكن النسر على سن الصخر وفى الشقوق الصخرية، فى أماكن لا يصل إليها أحد. هناك يحمى بيضه وصغاره ؟!
ع29، 30: يحسو : يلحس.
يتميز النسر بحدة البصر، فيرى الجيفة عن بعد كبير. فينتفض عليها بقوة ويأكلها. أما صغار النسر فتلحس الدم النازف من الفريسة. فهو يأكل جثث الحيوانات الميتة. والسؤال لأيوب هل أنت الذى أعطيته قوة هذين الجناحين العريضين اللذين يصل طولهما إلى 280سم، وكذلك حدة البصر ؟ بالطبع لا، فالله وحده هو خالق هذه الطيور ومعطيها طعامها. أنظر إلى مواهبك التى وهبك الله إياها واستغلها لمجد الله، واشكره لتحيا فى سعادة. إن كان الله يهتم بكل خلائقه – كما ظهر فى هذا الإصحاح والأصحاح السابق – فاطمئن؛ لأن الله يرعاك ولا ينساك أبداً، ويدبر كل احتياجاتك ويحميك.
