أليهو يمهد لكلامه
مقدمة :
بعد الثلاثة جولات من الحوار التى تمت بين أيوب وأصدقائه تكلم أخيراً الصديق الرابع لأيوب، وهو شاب يدعى أليهو الذى صمت طوال الحوارات السابقة، احتراماً لأيوب وأصدقائه الشيوخ. واستمر حديث أليهو لمدة ستة اصحاحات من (ص 32- 37).
وكلام أليهو يظهر فيه:
- توبيخه لأصدقاء أيوب الثلاثة؛ لأنهم اتهموه باتهامات كثيرة خاطئة.
- عتابه لأيوب لأنه برر نفسه أكثر من الله.
- أعلن لأيوب أن الله بحكمته ومحبته سمح له بهذه التجارب لمنفعته.
ولم يستطع الأصدقاء، أو أيوب أن يردوا على أليهو لأجل حكمته وكلامه المملوء بالحق. وكذلك الله لم يوجه خطأ لأليهو، مثلما وبخ الله أيوب وأصدقاءه الثلاثة.
وقد يبدو لأول وهلة أن أليهو متكبر؛ لأنه وبخ أيوب وأصدقاءه ولكنه فى الحقيقة متضع جداً؛ إذ أنه سكت مدة طويلة؛ حتى أنهى أيوب وأصدقاءه حوارهم.
(1)غضب أليهو على أيوب وأصدقائه (ع1- 5):
1- فكف هؤلاء الرجال الثلاثة عن مجاوبة أيوب لكونه بارا في عيني نفسه. 2- فحمي غضب اليهو بن برخئيل البوزي من عشيرة رام على أيوب حمي غضبه لأنه حسب نفسه أبر من الله.
3- وعلى أصحابه الثلاثة حمي غضبه لأنهم لم يجدوا جوابا و استذنبوا أيوب. 4- و كان أليهو قد صبر على أيوب بالكلام لأنهم اكثر منه أياما. 5- فلما رأى أليهو انه لا جواب في أفواه الرجال الثلاثة حمي غضبه.
ع1: بعد حديث أيوب الطويل فى الجولة الثالثة، الذى استمر من (ص 26- 31)، صمت أصدقاؤه الثلاثة؛ لأنهم شعروا فى أحاديث أيوب، خاصة فى حديثه الأخير، أنه بار فى عينى نفسه، وبالتالى لا فائدة من الحوار معه. إذ أنهم اتهموه باتهامات كثيرة، وبرأ أيوب نفسه منها.
وفى الترجمة السبعينية والسريانية والعربية القديمة والكلدانية نجد ” لكونه باراً فى أعينهم”. أما فى ترجمة سيماخوس فنجد نص هذه الأية ” لكونه ظهر باراً أكثر منهم”. وهذا معناه أن أصدقاءه الثلاثة اقتنعوا بأن أيوب بار؛ لذا لم يجدوا كلاماً أخر يقولونه له، فصمتوا، وكان صمتهم شهادة على بر أيوب.
ع2: أليهو كلمة عبرية معناها ” الله هو يهوة، وبرخئيل معناه ” الله يبارك. فهذا يبين أن أليهو من عائلة تتقى الله، وتهتم بتسمية أبنائها بأسماء تدل على إيمانها وحياتها البارة.
بعد أن عرفنا السفر بشخصية أليهو، فهو شخص مبارك ورسول من الله لإعلان صوته، وهو وسيط بين الله وأيوب. فهو يرمز للمسيح الذى توسط بين السمائيين والأرضيين.
ولقب بالبوزى يشير على أنه من نسل بوز بن ناحور أخو ابراهيم (تك22: 21). وهذا يؤكد أن أليهو من أسرة مباركة وله قرابة بإبراهيم.
أليهو غضب بشدة على أيوب، إذ رآه قد برر نفسه أكثر من الله؛ لأن أيوب لم يبرر نفسه فقط أمام أصدقائه، ولكن أشهد الله على بره، بل وأكثر من هذا عاتب الله واعتبره قاسياً. خاصة وأن أيوب لم يهتم بإثبات بر الله ويمجده، فيهتم الله بتبرير أيوب. ولكن حنان الله جعله يحتمل أيوب، وفى نهاية السفر برر الله أيوب ونسب الخطأ لأصدقائه الثلاثة.
ع3: غضب أيضاً أليهو على أصدقاء أيوب الثلاثة؛ لأنهم لم يقدموا ردوداً كافية مقنعة لكلام أيوب، بل انهالوا باتهامات كثيرة عليه بقسوة وكانت اتهامات زور، ومن أجل أن حوار الأصدقاء الثلاثة كان غير مجدى، لم يتدخل أليهو فى الحوار احتراماً لهم لكبر سنهم، ولاقتناعه بعدم فائدة الحوار، ومن أجل اتضاعه إذ هو أصغر منهم. فصمت طوال الجولات الثلاثة للحوار، ولكن أخيراً أشار إليه الله أن يتكلم؛ ليعلن الحق فتكلم.
ع4، 5: يؤكد السفر هنا أن أليهو قد صبر على أيوب وأصدقائه الثلاثة فترة طويلة، رغم أنه كان يسمع أخطاء كثيرة فى كلامهم، ولكن احتراماً لهم صمت هذه المدة.
? ليتك تحترم كبار السن، حتى لو كانوا أقل منك مركزاً، فهذا يعلمك الاتضاع وتسعد به قلوب من حولك ويفرح الله بتصرفاتك.
(2) توبيخ أليهو لأصدقاء أيوب (ع6- 16)
6- فأجاب أليهو بن برخئيل البوزي و قال أنا صغير في الأيام و انتم شيوخ لأجل ذلك خفت و خشيت أن ابدي لكم رأيي. 7- قلت الأيام تتكلم و كثرة السنين تظهر حكمة. 8- و لكن في الناس روحا و نسمة القدير تعقلهم. 9- ليس الكثيرو الأيام حكماء و لا الشيوخ يفهمون الحق.
10- لذلك قلت اسمعوني أنا أيضا ابدي رأيي. 11- هأنذا قد صبرت لكلامكم أصغيت إلى حججكم حتى فحصتم الأقوال. 12- فتأملت فيكم و إذ ليس من حج أيوب و لا جواب منكم لكلامه. 13- فلا تقولوا قد وجدنا حكمة الله يغلبه لا الإنسان. 14- فانه لم يوجه إلي كلامه و لا أرد عليه أنا بكلامكم. 15- تحيروا لم يجيبوا بعد انتزع عنهم الكلام. 16- فانتظرت لأنهم لم يتكلموا لأنهم وقفوا لم يجيبوا بعد.
ع6، 7 أكد أليهو سبب صمته أثناء حوار أيوب مع أصدقائه؛ لأنه شاب وهم شيوخ، وبالتالى عندهم حكمة نالوها من خبرة السنين، وهذا يبين:-
- وجود فارق سنى واضح بين أليهو من ناحية وأيوب وأصدقائه الثلاثة من ناحية أخرى.
- احترام أليهو لخبرة السنين التى يتمتع بها الشيوخ.
وقد جرى العرف فى الشرق قديماً أن يصمت الصغار عندما يتكلم الكبار.
ع8، 9:بعد أن أظهر أليهو احترامه لحكمة الشيوخ، عاد، فأعلن أن الخبرة وحدها ليست مصدراً للحكمة، بل يعلو عليها عمل روح الله فى الإنسان، فهو المصدر الحقيقى للحكمة، وبالتالى قد يكون صغير السن أكثر حكمة من الشيوخ.
ع10- 12: حج : أقنع بالحجج والأدلة القوية.
اعتمد أليهو على أن روح الله هو المتكلم فيه، فطلب من أيوب وأصدقائه أن يسمعوه وينصتوا باهتمام لكلامه؛ لأنه صمت طويلاً، مستمعا لحواراتهم فلم يجد أدلة مقنعة، وكلام من الله، سواء فى أفواه الأصدقاء الثلاثة، أو على فم أيوب؛ لأن الأصدقاء تكلموا بالخبرة، وبأفكارهم الشخصية، وليس بروح الله، فقد كان غرضهم إظهار شر أيوب، وكذلك أيوب فقد اهتم بالدفاع عن نفسه وليس إظهار مجد الله. ومن كان له غرض فى نفسه لا يستطيع أن يسمع صوت الله فى داخله، وكلامه لا يفيد سامعيه.
ع13، 14: كلم أليهو الأصدقاء الثلاثة وقال لهم : لا تقولوا أننا وجدنا حكمة فى كلام أيوب لا نستطيع أن نقاومها، لكنكم عجزتم عن الرد عليه؛ لأنكم لم تطلبوا حكمة الله. ولا تقولوا أيضاً أننا وجدنا حكمة الشيوخ عندنا؛ لأنه إن كنتم قد وجدتموها فلماذا لم تظهروها، وتردوا رداً مقنعاً على أيوب ؟
وقال أليهو إن أيوب لم يوجه كلامه إلىًّ، فأنا لست طرفاً فى الحوار معكم. كذلك أنا لن أرد على أيوب بكلامكم، ولكن سأعلن صوت الله لأيوب. وهكذا بين أليهو أن الحوار بين أيوب وأصدقائه الثلاثة غلب عليه الميول الشخصية لكل واحد، وليس إظهار حق الله وتمجيده؛ لذا لم يكن الحوار مجدياً.
ع15، 16 أخيراً وجه أليهو حديثه للناس السامعين، الذين كانوا حاضرين كل هذه الحوارات وإلينا نحن قراء هذا السفر، فيخبرنا أن الأصدقاء الثلاثة لم يجدوا كلمة يردون بها على أليهو، إذ علموا أن كلامه صحيح، فصمتوا وتحيروا لا يجدون جواباً، وانتظروا ليسمعوا كلام الحكمه منه. وهذا يبين قوة حكمة الله على فم أليهو، التى تعطيه مهابة فى أعين سامعيه.
? ليتك تصلى قبل أن تتكلم مع أى أحد؛ ليعطيك الله حكمة من عنده، فيكون كلامك قوياً ويبنى سامعيك، ويؤثر فيهم، بل يؤثر فيك أنت أيضاً.
(3) أليهو لا يتسطيع أن يكتم ما بداخله ( ع17- 22)
17- فأجيب أنا أيضا حصتي و ابدي أنا أيضا رأيي. 18- لأني ملآن أقوالا روح باطني تضايقني. 19- هوذا بطني كخمر لم تفتح كالزقاق الجديدة يكاد ينشق. 20- أتكلم فافرج افتح شفتي و أجيب. 21- لا احابين وجه رجل و لا أملث إنسانا. 22- لأني لا اعرف الملث لأنه عن قليل يأخذني صانعي.
ع 17- 20 : حصتى: نصيبى
كالزقاق: إناء جلدى تحفظ فيه الخمر
إذ صمت الأصدقاء الثلاثة، أعلن أليهو بإتضاع أنه سيتكلم مثلهم ويقول نصيبه من الكلام؛ لأن أعماقه قد امتلأت بكلام كثير، حبسه طوال الفترة السابقة احتراماً للشيوخ. ويشبه أعماقه بزقاق جديدة امتلأت بخمر جديدة. والخمر الجديدة لها تفاعلات قوية تؤثر على جلد الزقاق. ومن تأثير الخمر الجديدة يكاد الزقاق ينشق. وهذا تعبير عن ضرورة أن يتكلم أليهو، بعد صمت طويل على أخطاء كثيرة سمعها فى الحوار، فهو مشتاق أن يعلن صوت الله؛ ليمجده، ويجذب نفوس سامعيه إلى الله.
وأليهو هنا يشبه أرميا، الذى عندما حاول الصمت لم يستطع؛ لأن كلام الله كان فى داخله كالنار، فتكلم بقوة مع كل فئات الشعب (إر20: 9) وكذلك شعر أيضاً داود
(مز39: 3).
ع 21، 22: أملث: أنافق، أو أتملق، أو أصنع رياء والإسم منها ملث.
فى نهاية هذه المقدمة لكلام أليهو نجد أن أليهو يشعر بحضرة الله ومخافته، إذ يقول أنه يمكن أن يموت قريباً، أى يرى الله الديان، الذى سيحاسبه ولذا فهو يقول الحق، ولا يحابى، أو ينافق إنساناً، أو يتملقه؛ لأنه ليس لديه غرض شخصى من كلامه؛ سواء فى جانب أيوب، أو جانب أصدقائه. بهذه الكلمات القوية يمهد أليهو بخطابه الطويل، الذى يبدأ فى الأصحاح المقبل. إن كنت ترى الله أمامك، وتحرص أن تفكر فيه، ستنغرس مخافة الله داخلك، فلا تتكلم إلا بكلام الله ولا تخاف إنساناً، وتتخلص من أى أغراض شخصية، فيمتلئ قلبك سلاماً ونعمة.