أليهو يعلن عظمة الله ومعاملاته مع البشر
مقدمة :
تعرض أيوب لاتهامات من أصدقائه، كانت اتهامات زور بأنه شرير جداً، ويستحق التجارب التى أتت عليه، ولم يكن عندهم دليل على اتهاماتهم، فدافع أيوب عن نفسه بأنه بار، ولم يفعل هذه الشرور، وأنه ليس من الضرورى أن تكون الضيقات عقاباً للشر.
أما أليهو فلم يتهم أيوب، بل إذ كان صامتاً طوال الحوارات الماضية، واجه أيوب بكلمات خاطئة قالها عن الله، ولأن أيوب كان محارباً بالبر الذاتى، فهو رجل صالح ومستقيم وليس له مثيل فى البر فى كل المحيطين به، ولكنه كان يشعر – بكبرياء – أنه بار؛ لذا دعاه أليهو للاتضاع. وهذا كل ما قصده الله من التجارب التى حلت بأيوب.
(1) الله وحده بار (ع1-4):
1- و عاد أليهو فقال. 2- اصبر علي قليلا فأبدي لك انه بعد لأجل الله كلام. 3- احمل معرفتي من بعيد و انسب برا لصانعي. 4- حقا لا يكذب كلامي صحيح المعرفة عندك.
ع1، 2: استكمل أليهو كلامه مع أيوب فى حديث رابع، ومن لباقة أليهو – ليجذب مسامع أيوب لكلامه – قال له أصبر قليلاً، أى لن أطيل الكلام، وأعطنى فرصة لأعرفك أن كل كلامى من أجل الله، وليس لى غرض شخصى. فأليهو رسول من الله يتكلم بكلام الله وبالتالى كلامه سليم وحق.
ع3، 4: أوضح أليهو لأيوب أنه يحمل معرفة من بعيد، أى أنه بحث واستقصى عن الحقائق التى سيقولها، فكلامه ليس سطحياً، بل عميقاً، وقد يكون غير متاح، أو معروف للكثيرين. والخلاصة أن أليهو بذل جهداً كبيراً للوصول إلى الحقائق التى سيقولها. وهذا أيضاً دعاية سليمة لجذب مسامع أيوب.
إن غرض أليهو من كلامه هو اثبات أن الله بار. واضاف أليهو أن كلامه صدق ليس فيه كذب، أو مبالغة، أو أى خطأ، وأن الحقائق التى يقولها صحيحة. ويقول لأيوب إن الكلام الصحيح يقدم لك الآن، وهو عندك لتقبله وتخضع له، فهو كلام الله. وأليهو هنا يشبه بولس الرسول، الذى أثبت بره، ليس تكبراً ولكن ليقبل سامعوه رسالته وتبشيره، ويؤمنون بالمسيح
(2كو11: 23).
ليتك تصلى قبل أن تتكلم، فيعطيك الله نعمة وتقدم كلامك بطريقة لبقة، فتجذب سامعك للاستماع إليك. لا تكن غضوباً ولا مندفعاً. إظهر محبتك لمن يسمعك، فتستطيع أن تجذبه لسماع كلامك من أجل الله.
(2) معاملات الله مع الأبرار والأشرار (ع5-15):
5- هوذا الله عزيز و لكنه لا يرذل احدا عزيز قدرة القلب. 6- لا يحيي الشرير بل يجري قضاء البائسين. 7- لا يحول عينيه عن البار بل مع الملوك يجلسهم على الكرسي ابدا فيرتفعون.
8- إن اوثقوا بالقيود ان اخذوا في حبالة الذل. 9- فيظهر لهم افعالهم و معاصيهم لأنهم تجبروا.
10- و يفتح آذانهم للإنذار و يأمر بأن يرجعوا عن الإثم. 11- إن سمعوا و اطاعوا قضوا أيامهم بالخير و سنيهم بالنعم. 12- و إن لم يسمعوا فبحربة الموت يزولون و يموتون بعدم المعرفة. 13- أما فجار القلب فيذخرون غضبا لا يستغيثون إذا هو قيدهم. 14- تموت نفسهم في الصبا و حياتهم بين المابونين. 15- ينجي البائس في ذله و يفتح اذانهم في الضيق.
ع5: أعلن أليهو لأيوب أن الله قوى، بل كامل فى قدرته، ولكن فى نفس الوقت لا يحتقر أحداً مهما كان ضعيفاً، أو صغيراً. فلأنه كامل فى قدرته، فهو لا يخاف على نفسه، بل على العكس قادر أن يفيض حباً على أضعف الضعفاء، ولذا فلا تنزعج يا أيوب لضعفك الحالى، فالله لن يتركك، أو يهملك.
لأجل هذا كل أولاد الله الذين أحبوه وآمنوا به صاروا أقوياء، ولم يعودوا يحتاجون إلى شئ، وصاروا قادرين على عمل الرحمة مع كل إنسان، ولا يحتقرون أحداً.
ع6: إن كان أيوب أظهر أن الأشرار يتنعمون فى الحياة، ولا يعاقبهم الله (ص21: 7)، فيرد أليهو هنا بأن الله يترك الأشرار يحيون لعلهم يتوبون، ولكن غير موافق على شرهم. وإن لم يتوبوا ينتظرهم العذاب الأبدى. ولكن على العكس يهتم الله بالبائسين، أى الضعفاء، فيعزيهم ويقويهم. ويمكن أن ينصفهم وينقذهم من أيدى الأشرار بعد حين. ولكن على أى الأحوال يشعرهم بوجوده معهم، فتطيب قلوبهم.
ع7: يبين أليهو أن الله يعتنى بالأبرار ويهتم بهم، ويمكن أن يرفعهم من الذل إلى السلطان والملك، مثلما فعل مع داود، فرفعه من وراء الغنم ليجعله ملكاً، ودانيال العبد يجعل الملك يسجد أمامه، أما موسى راعى الغنم، فيصير سيداً لفرعون، ويوسف العبد السجين يصير ملكاً على مصر.
بالإضافة إلى أنه يجعل للأبرار، مكانة عظيمة فى السماء مع الملائكة، هناك يصيرون ملوكاً بالحقيقة إلى الأبد.
وعناية الله تظهر فى أن عينه على أولاده الأبرار تحرسهم من كل شر، وتشبعهم بحبه وتقودهم فى طريقهم إلى الملكوت. فقد قال الله “إن عينى عليك” (مز32: 8).
ع8-10: حبالة : شبكة من الحبال لصيد الحيوانات.
يواصل أليهو حديثه عن الأبرار، فيؤكد عناية الله لهم حتى لو تعرضوا لتجارب تصل إلى وضع القيود فى أيديهم وإلقائهم فى سجون، أو وضع لهم الشيطان مصيدة، وأسقطهم فى عبودية وذل، كما حدث مع يوسف الصديق، عندما بيع عبداً، ثم ألقى فى السجن. وكما ألقى بولس فى السجن هو وسيلا، وكذلك أرميا الذى ألقى فى السجن والجب، وأيوب نفسه تعرض لذل الشديد من خلال تجاربه.
هذه الضيقات التى تمر بالأبرار هدفها تنبيههم إلى خطاياهم التى سقطوا فيها، ولم يتوبوا عنها، أو بسبب تسلطهم بكبرياء على غيرهم ولم ينتبهوا، كما حدث مع أيوب عندما سقط فى البر الذاتى. بهذا يفتح الله آذان الأبرار المغلقة عن سماعه؛ لانشغالهم المؤقت بالعالم، فيسمعوا بهذه الضيقات إنذار الله ليتوبوا؛ لأن الله يريد أن كل أولاده يرجعون عن آثامهم. هذا هو الغرض من تجارب أيوب التى أراد أليهو إعلانها له، فرغم أنه بار، ولكنه سقط فى البر الذاتى، وينبهه الله بهذه التجارب ليتوب. وأليهو هنا لا يهاجم أيوب، ولا يقف ضده ولكن يدعوه بحكمة ولطف للتوبة.
ع11، 12: أضاف أليهو أن هؤلاء الأبرار إن انتبهوا وسمعوا صوت الله من خلال تجاربهم ينالوا بركاته فى حياتهم، فيرفع الله الضيقات عنهم، ويتمتعوا بنعمه. وهذا الكلام تشجيع من أليهو لأيوب؛ حتى لا يتضايق من اتهامات أصدقائه له. وإذا تاب أيوب فسيتمتع ببركات كثيرة، وهذا ما حدث فعلاً، كما سيظهر فى الأصحاح الأخير من هذا السفر.
من ناحية أخرى، إن أصر هؤلاء الأبرار على خطاياهم التى نبههم الله إليها، ولم يتوبوا، يتعرضوا للهلاك، المعبر عنه بحربة الموت، ويهلكوا لأنهم رفضوا معرفة الله، أى رفضوا الرجوع إليه بالتوبة. والله لا يتسرع فى إهلاك هؤلاء الأبرار، بل يسمح لهم بضيقات متنوعة، ويطيل أناته عليهم سنيناً طويلة ليتوبوا.
ع13، 14: فجار القلب : المتمادين فى الشر داخل قلوبهم ولهم مظهر البر، أى المرائين.
يذخرون : يدخرون.
المأبونين : الرجال الذين يمارسون الشذوذ الجنسى، وكانوا يكرسون أنفسهم فى معابد الأوثان إرضاءً للآلهة بهذا الشذوذ.
يضيف أليهو – بخصوص المرائين الذين يتظاهرون بالبر وقلوبهم مستجيبة للشر – أن الله بعدما يطيل أناته عليهم؛ ليتوبوا ولكنهم يرفضون التوبة، هم بهذا يجمعون غضباً إلهياً شديداً ضدهم. وللأسف لا ينتبهون إلى إنذارات الله بواسطة الضيقات؛ ليتوبوا، ولا يصرخون إلى الله ويلتجئون إليه. فهؤلاء المرائين، يتعرضون للموت وهم صغار فى السن، وينتظرهم عذاب شديد فى الحياة الأخرى، كما ينتظر المأبونين أيضاً. والله يبغض خطية الشذوذ الجنسى؛ لذا أحرق سدوم وعمورة التى سقطت فى هذه الخطية (تك19: 24).
ع15: فى النهاية يظهر أليهو محبة الله للبار الذى يعانى من الآلام؛ لذا يصفه بالبائس. فيعلن أن البار وإن تعرض لآلام وضيقات وذل، فالله ينجيه منها، ويفتح آذانه الداخلية؛ ليسمع صوته، فيعرف أن التجربة وسيلة لإبعاده عن الخطية، وتنبيهه؛ ليتوب عنها. وكذلك يعزيه الله بكلمات مشجعة يشعر بها فى قلبه، وهكذا يظهر حنان الله، الذى يسمح بالتجربة لإتمام غرض رجوع البار إلى الله، ثم يرفع الضيقة ويعزى قلبه.
لا تنزعج من الضيقات، فهى وإن كانت عكس ماترغبه وكذلك تؤلم حياتك، لكنها ستشفى أوجاعك، أى خطاياك، وتخلصك منها، وهى مؤقتة، ستنتهى وينجيك الله منها، بل يعزى ويفرح قلبك ببركات لا يمكن أن تنالها إلا من خلال الضيقة.
(3) إنذار أيوب ليتوب (ع16-21):
16- و أيضا يقودك من وجه الضيق إلى رحب لا حصر فيه و يملأ مؤونة مائدتك دهنا.
17- حجة الشرير اكملت فالحجة و القضاء يمسكانك. 18- عند غضبه لعله يقودك بصفقة فكثرة الفدية لا تفكك. 19- هل يعتبر غناك لا التبر و لا جميع قوى الثروة. 20- لا تشتاق إلى الليل الذي يرفع شعوبا من مواضعهم. 21- احذر لا تلتفت إلى الإثم لأنك اخترت هذا على الذل.
ع16: مؤونة : خزين احتياطى.
قبل أن يحذر أليهو أيوب؛ ليتوب، يبشره فى هذه الآية بأن الله سيخرجه من ضيقاته إلى حياة متسعة ليس فيها حصر، أو ضغوط. فهو يشبه الضيقة بمكان مغلق؛ جدرانه تضغط على الإنسان، والله ينجيه منها، فيخرجه إلى مكان متسع، ينطلق فيه بحرية، بلا ضغوط. ويهبه الله أيضاً خيرات كثيرة، يعبر عنها بمائدة مملوءة بأطعمة دسمة، بل يكون لديه أطعمة احتياطية مخزونة كثيرة مملوءة دهناً، أى دسماً، فيكون له خيرات تكفيه وتفيض عنه. وبهذا يعود أيوب إلى مجده الأول، بل وأكثر منه، فيريحه الله ويعزيه بوفرة.
ع17-19: صفقة : من تصفيق، ويقصد بها ضربة شديدة.
التبر : الذهب.
ينبه أليهو أنه تكلم كلاماً خاطئاً على الله، فهو بهذا سار فى طريق الشر، وبالتالى يستحق ما جاء عليه كشرير. وإن لم يتب، فالحكم الإلهى سيمسك به ويعاقب.
والله إذا غضب سيضربه بشدة ولا يستطيع الإفلات من يده بأية وسيلة. فإن كان فى بعض الأحكام يمكن للإنسان أن يدفع فدية فيطلق سراحه، ولكن إذا وقع فى يد الله وحكم عليه أنه شرير، فلابد أن ينفذ الحكم، مهما كان الإنسان غنياً، فالله لن يهتم بغناه، حتى لو كان يملك ذهباً كثيراً، أو له أية قوة عالمية، فهى بلا قيمة أمام الله، ولا تستطيع أن تفكه من يد الله، وبالتالى فالحل الوحيد الآن هو الإسراع إلى التوبة.
ع20، 21: يقصد أليهو بالليل الموت، فهو يحذر أيوب من الاستياق إلى الموت، هذا الذى يمكن أن يزيل شعوباً من أماكنها، مثلما تفعل الأوبئة وتقتل شعوباً؛ فلا توجد بعد. لأن الموت يا أيوب سيوقفك أمام الله الديان العادل، فيحكم على خطاياك، ويعاقبك بالعذاب إلى الأبد. فانتبه يا أيوب لا تفضل الإثم – وهو الكلام الخاطئ على الله – عن احتمال الذل، وهو احتمال التجارب التى أتت عليك، بل على العكس اقبل آلام التجربة؛ لتتوب، فيسامحك الله ويباركك، ويفيض عليك بخيراته.
اقبل توجيهات المحيطين بك حتى لو كانت توبيخات، فهى صوت الله لك لتتوب وتنقذ حياتك من العذاب الأبدى. فالله يحبك ويريدك أن ترجع إليه، وسيعوضك عن كل ما احتملته من أجله.
(4) قدرة الله (ع22-33):
22- هوذا الله يتعالى بقدرته من مثله معلما. 23- من فرض عليه طريقه أو من يقول له قد فعلت شرا.24- اذكر ان تعظم عمله الذي يغني به الناس. 25- كل إنسان يبصر به الناس ينظرونه من بعيد. 26- هوذا الله عظيم و لا نعرفه و عدد سنيه لا يفحص. 27- لأنه يجذب قطار الماء تسح مطرا من ضبابها. 28- الذي تهطله السحب و تقطره على أناس كثيرين. 29- فهل يعلل أحد عن شق الغيم أو قصيف مظلته. 30- هوذا بسط نوره على نفسه ثم يتغطى بأصول اليم. 31- لأنه بهذه يدين الشعوب و يرزق القوت بكثرة. 32- يغطي كفيه بالنور و يأمره على العدو. 33- يخبر به رعده المواشي أيضا بصعوده.
ع22، 23: بدأ هنا أليهو الحديث عن عظمة الله وشرح جوانبها، فإن كان الله عظيماً بهذا المقدار، فلا يصح يا أيوب مجادلته، إذ ينبغى الخضوع له فى كل شئ. وعلى العكس فإن من حقك أن تتمتع بالتأمل فى عظمة تدابيره لك وتقبلها، فتفرح بها.
فقدرة الله عالية جداً ولا تصل إليها أية قدرة بشرية؛ لأن قدرته غير محدودة، وبالتالى ينبغى أن تخضع له كل البشرية.
وهو أعظم معلم فى الكون كله، وهو كامل فى علمه ولا يستطيع أحد أن يعلمه شيئاً، أو يضيف إلى علمه شيئاً، وبالتالى ينبغى قبول كل تدابيره فى حياتنا؛ حتى لو كانت معاكسة، أى فى شكل ضيقات، فإن المقصود بها تعليمنا وإصلاح طرقنا.
وحيث أن الله كامل فى قدرته وعلمه، فلا يستطيع إنسان أن يجبره على شئ، أو يمسك عليه شراً؛ لأنه بار وقدوس، ولا يفعل الشر أصلاً.
ع24، 25: يطلب أليهو من أيوب ألا ينسى تمجيد أعمال الله، التى يتغنى بها ويسبحه من أجلها كل إنسان، فبدلاً من أن تتذمر عليه يا أيوب ينبغى عليك أن تسبحه.
والله فى حنانه أنعم على الإنسان بحواس خارجية هى الخمسة حواس، وحواس داخلية هى العقل والعاطفة؛ ليستطيع بها إدراك الله ورؤيته. وينظر أعماله، أى يرى الله البعيد والأسمى منه جداً فى أعماله وخلائقه المنظورة فيمجده.
ع26: إن الله الذى ندركه من أعماله نعرف عنه القليل، ولكن إدراك جوهره وكل ما فيه أمر مستحيل على الإنسان؛ لأن الله أعظم منه، فعظمته غير محدودة، فكيف للإنسان المحدود أن يدرك كل ما فيه.
ومن ناحية أخرى لا يمكن معرفة عمر الله، أى عدد سنين عمره، لأنه أزلى لا بداية له وأبدى لا نهاية له، فعظمته تفوق كل العقول.
ع27-29: قطار الماء : قطرات المطر.
تسح : تنزل وتتساقط بتواصل واستمرار.
تهطله : تنزله بغزارة.
تقطره : تصبه على شكل قطرات.
الله أعماله فى الطبيعة كثيرة وفائقة للعقل، ومنها أنه يجذب قطرات المطر من الضباب الذى فى السماء، فتنزل على الأرض كنعمة إلهية؛ لتروى الإنسان والحيوان والزروع. والمطر ينزل على البشر الساكنين فى الأرض، إما كقطرات قليلة، أو كقطرات كثيرة، أو بغزارة مثل السيول. فكيف يحدث كل هذا ؟ هل تفهم سره يا أيوب ؟ فلم يكن قديماً يعرفون كيف تتم عملية البخر لمياه البحار والأنهار وتحولها إلى سحب، وكذلك عملية تكثيف الماء، فيتحول من بخار إلى قطرات سائلة وهى الماء.
ثم أضاف أليهو سؤالاً لأيوب وقال له، هل تفهم كيف ينشق الغيم – أى السحب – وذلك عن طريق البرق؟ أو كيف يحدث الرعد بصوته القوى من خلال مظلة السماء التى هى السحب؟ فإن كنت يا أيوب لا تستطيع تفسير ما يحدث فى الطبيعة، فمن الصعب أيضاً أن تفهم سبب الضيقات التى تمر بك. فيلزمك أن تخضع لله، وتقبل هذه التجارب، ولا تتذمر عليها؛ لأن تدابير الله معك ومع غيرك وفى الطبيعة تفوق عقلك.
ع30: اليم : البحر.
أصول اليم : السحاب الذى إذا تكثف ماؤه ينزل كقطرات تعوض البحر كل ما فقده بالتبخير.
إن الله منير فى ذاته، “مبسط نوره على نفسه” يعنى أن النور نابع منه ولا يحتاج إلى نور خارجى لينيره. ولأن الإنسان لا يحتمل رؤية نور الله، فالله يخفى نوره، ويعبر أليهو عن هذا بأنه يتغطى ويختفى وراء السحاب، فهو فى مجده السماوى نوره عجيب، يظهر بعضه لملائكته. والقليل منه للبشر بحسب احتمالهم من خلال أعماله الظاهرة لهم.
ع31: إن الله بهذه الأمطار يدين الشعوب عندما ينزلها عليهم بكثرة فى شكل سيول؛ كما حدث فى الطوفان أيام نوح (تك7: 6).
وإذا أراد الله أن يرزق الناس خيراً كثيراً، ينزل عليهم المطر بكميات مناسبة، ليس أقل، أو أكثر من احتياجهم، فتنمو الزروع، وترتوى الحيوانات، فتزداد ممتلكات الإنسان وخيراته.
ع32: إن البروق هى أنوار لامعة قوية تظهر فى السماء، فيعبر عنها أليهو بأنها أنوار تغطى كفى الله؛ لتظهر عظمته ونورانيته، وفى نفس الوقت يستطيع الله أن يوجه بروقه كالسهام إلى أعدائه، أى الأشرار، فتصعقهم وتهلكهم، وهى تسمى بالصواعق.
ع33: الله يرسل الرعد؛ مقترناً بظهور البرق. والمواشى، وهى الحيوانات التى يربيها الإنسان تفهم من الرعد أن هناك عواصف قادمة، أو أمطار، فتجرى مسرعة؛ لتختبئ فى حظائرها؛ لئلا يصيبها أذى. ويبقى أن يفهم الإنسان من أعمال الله هذه أن يختبئ من وجه غضبه، ويتعلم من الضيقة؛ ليرجع إلى الله. هذه هى الخلاصة التى يقدمها أليهو لأيوب أن يخضع لله ويتوب عن خطاياه. عندما ترى ظواهر قوية فى الطبيعة تأمل فيها؛ لتكتشف عظمة الله وتمجده وكذلك تخافه، فتبتعد عن كل خطية.