الكذب وعبادة الأوثان سبب خراب أورشليم
(1) بكاء النبى (ع1، 2):
1- يا ليت رأسي ماء و عيني ينبوع دموع فأبكي نهارا و ليلا قتلى بنت شعبي. 2- يا ليت لي في البرية مبيت مسافرين فأترك شعبي و أنطلق من عندهم لأنهم جميعا زناة جماعة خائنين.
ع1: فى حزن إرميا على شعبه أخذ يبكى عليهم، بل تمنى أن يظل يبكى بلا توقف، فيود أن تتحول رأسه إلى ماء وعيناه إلى ينبوع، فيبكى دواماً على الهالكين من شعبه لأجل شرهم. ويسمى أورشليم “بنت شعبى” إذ أن وضعها الطبيعى هى أن تكون عروس لله، ولكنها انحرفت فى الشر لذلك سيهلك أبناؤها.
ع2: مبيت مسافرين : فندق.
إذ لم يحتمل النبى منظر شعبه الغارق فى الخطية والذى سيهلك، تمنى أن يبتعد فى الصحراء ويجد مكاناً يقيم فيه حتى لا يرى الزنا المنتشر وسط شعبه، سواء الزنا المادى، أو الزنا الروحى بعبادة الأوثان وخيانة الله.
إن دموعك من أجل خطاياك، أو خطايا الآخرين غالية جداً عند الله؛ لأنها تعنى محبتك لله والآخرين وتوبتك ورفضك للشر، فأترك مشاعرك تنطلق أثناء الصلاة، واعترف بخطاياك كل يوم أمام الله، وصلى لأجل من يخطئ حولك.
(2) الكذب والمكر (ع3-9):
3- يمدون ألسنتهم كقسيهم للكذب لا للحق قووا في الأرض لأنهم خرجوا من شر إلى شر و إياي لم يعرفوا يقول الرب. 4- احترزوا كل واحد من صاحبه و على كل أخ لا تتكلوا لأن كل أخ يعقب عقبا و كل صاحب يسعى في الوشاية. 5- و يختل الإنسان صاحبه و لا يتكلمون بالحق علموا ألسنتهم التكلم بالكذب و تعبوا في الافتراء. 6- مسكنك في وسط المكر بالمكر أبوا أن يعرفوني يقول الرب. 7- لذلك هكذا قال رب الجنود هأنذا أنقيهم و أمتحنهم لأني ماذا أعمل من أجل بنت شعبي. 8- لسانهم سهم قتال يتكلم بالغش بفمه يكلم صاحبه بسلام و في قلبه يضع له كمينا. 9- أفما أعاقبهم على هذه يقول الرب أم لا تنتقم نفسي من أمة كهذه.
ع3: قسيهم : جمع قوس المستخدم فى الحرب لرمى السهام.
يشبه ألسنة شعبه بالقسى التى ترمى السهام فى الحرب تعبيراً عن حدة كلامهم وشرهم وسقوطهم فى الكذب، الذى يجرحون به مشاعر من حولهم ويضايقونه. وشعروا أن الكذب يعطيهم قوة ومكاسب مادية، فتمادوا فيه ورفضوا التوبة.
ع4: يعقب عقباً : العقب هو قدم الإنسان من الخلف، ويعقب أى يسعى وراءه ويتعقبه ليسقطه ويحقق مكاسبه الشخصية.
الوشاية : إشاعة كلام زور عند الآخرين عن شخص معين.
ينبه الشعب إلى عدم الإخلاص الذى انتشر بينهم وكثرة الكذب، فلا يستطيع الإنسان أن يضمن أخاه، فالكل أصبحوا مخادعين. وأيضاً كل واحد يتعقب الآخر فى أنانية، ويبحث عن مصلحته حتى لو كان على حساب الآخرين، ويثير إشاعات وإفتراءات على الأبرياء ليحقق مكاسبه.
ع5: يختل : يخدعه مستغلاً غفلته.
يظهر تماديهم فى الكذب والخداع، فيستغل الواحد طمأنينة الآخر له، فيخدعه ويهاجمه ويدبر مكائد يتعب فيها ليحقق شروره. وبدلاً من أن يتعب لاقتناء الفضائل، يتعب أضعافاً لاقتناء الشر.
تنازل عن حقوقك، واطرد الأفكار الردية، ولا تنساق وراء الاستفزازات التى تقابلك، حتى تحتفظ بسلامك، وتوجه طاقتك للعمل الإيجابى، أى الاقتراب إلى الله ومحبة الآخرين، فتحقق فائدتك وفائدة من حولك.
ع6: يعاتب شعبه مبيناً انغماسهم فى الكذب، فيقول لهم أنهم سكنوا “وسط المكر” وإذ انغمسوا فى الشر رفضوا بهذا معرفة الله، فمعرفة الخطية هى طرد لله من القلب، والعكس صحيح فمعرفة الله تطرد الخطية.
ع7: إذ يرى الله إصرارهم على الكذب والخداع، لا يجد وسيلة لإنقاذهم إلا أن يسمح بتأديبهم عن طريق الهجوم البابلى لعلهم يتوبون. ويخاطب أورشليم بأبوة منادياً لها أنها ابنة شعبه، لعله يحرك محبتها من نحوه. فالضيقة تمتحن الإنسان وتظهر له نتيجة خطيته فيتوب ويتنقى منها.
ع8: يشبه لسانهم الكاذب بسهم يقتل الآخرين؛ لأنه يتكلم بكلام محبة للصديق وفى نفس الوقت يدبر له مؤامرة لقتله، أو استغلاله، كما حدث من يهوذا الإسخريوطى عندما سلم المسيح للموت بقبله.
ع9: يشهدهم الله على أنفسهم، بل يشهد العالم كله أن شعبه المصر على الكذب يستحق العقاب والانتقام من شره، فهو لا ينتقم من أولاده الذين يحبهم، ولكنه يكره شرورهم، وينتقم منها بالضيقات مظهراً شناعتها حتى يكرهها أولاده.
(3) هدف التجربة (ع10-16):
10- على الجبال ارفع بكاء و مرثاة على مراعي البرية ندبا لأنها احترقت فلا انسان عابر و لا يسمع صوت الماشية من طير السماوات إلى البهائم هربت مضت. 11- و أجعل أورشليم رجما و ماوى بنات آوى و مدن يهوذا أجعلها خرابا بلا ساكن. 12- من هو الإنسان الحكيم الذي يفهم هذه و الذي كلمه فم الرب فيخبر بها لماذا بادت الأرض و أحترقت كبرية بلا عابر. 13- فقال الرب على تركهم شريعتي التي جعلتها أمامهم و لم يسمعوا لصوتي و لم يسلكوا بها. 14- بل سلكوا وراء عناد قلوبهم و وراء البعليم التي علمهم إياها آباؤهم. 15- لذلك هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل هأنذا أطعم هذا الشعب أفسنتينا و أسقيهم ماء العلقم. 16- و أبددهم في أمم لم يعرفوها هم و لا آباؤهم و أطلق وراءهم السيف حتى أفنيهم.
ع10: يظهر إرميا النبى حزنه على أورشليم وبلاد اليهودية التى حولها من أجل خرابها المقبل عليها بواسطة البابليين الذين أحرقوها، فتحولت إلى أرض مهجورة لا يعبر فيها إنسان ولا ماشية ترعى فيها، وحتى الطيور تبتعد عنها لأنها صارت خربة. إنه يعلن نبوته هذه، ليس ليتوجع قلبه فقط، بل لعله يحرك قلوب شعبه، فيخافوا من الدمار المقبل عليهم، ويرجعوا إلى الله.
ع11: بنات آوى : حيوان أكبر من الثعلب وأصغر من الذئب يعوى دائماً، ويتصف بالخداع والمكر، ويعيش فى الأماكن المهجورة.
يواصل وصف أورشليم واليهودية فيقول أنها ستصير أكواماً من الحجارة والتراب، وتنتشر فيها الحيوانات المفترسة، مثل بنات آوى، ولا يسكن فيها إنسان.
ع12: يتساءل الله باحثاً عن إنسان روحى يحبه، فيكشف له حكمته من الضيقة التى سيسمح بها لمملكة يهوذا، فيفهم ويعلن حكمة الله للآخرين لعلهم يتوبون. وهذا الحكيم والإنسان الروحى هو إرميا النبى، وعدد قليل من الذين عاشوا مع الله وسط شرور مملكة يهوذا.
ع13: يعلن الله سبب الضيقة وهو رفض شعبه لوصاياه وشريعته، وانسياقهم وراء الأوثان والشهوات الشريرة.
تستطيع أن تصير حكيماً وتفهم مقاصد الله من الأحداث التى تمر بك إن سلكت بالاتضاع أمامه، وطلبت إرشاده دائماً، وعشت حياة التوبة والنقاوة. وإذ تنال هذه الحكمة تثبت فى الإيمان وتدعو الآخرين ليتمتعوا بعشرة الله، ويخلصوا من الشر.
ع14: البعليم : جمع بعل، وهو إله وثنى للكنعانيين يسمى إله الخصب والمزارع وانتشر فى بلادها المختلفة ودعته كل مدينة باسمها مثل بعل فغور. وإذ عاش اليهود بين الكنعانيين عبدوا أيضاً البعليم.
يستكمل الله سبب الدمار المقبل عليهم وهو عنادهم أى إصرارهم على الشر، وتمسكهم بعبادة الأوثان ومن أشهرها عبادة البعليم التى تسلموها من آبائهم، أى أن شعب الله قد رفضوه على مر السنوات وعبدوا الأوثان، فاستحقوا هذا التأديب.
ع15: أفسنتينا : نبات ينمو فى فلسطين وعصيره مر وسام.
يعلن الله قوته ويسمى نفسه رب الجنود، ويعلن ارتباطه الخاص بشعبه، فيقول إله إسرائيل، أى أنه الإله القوى والمحب الذى سيؤدب شعبه؛ ويستعير أسماء نباتات مكروهة تنمو فى فلسطين وعصيرها مر، وسام إشارة إلى شدة تأديبه.
ع16: عندما سيهجم البابليون لن يدمروا مملكة يهوذا فقط، بل سينقلون الشعب ويبعثرونه فى العالم لإلغاء قوميتهم وانتمائهم، بعد أن يقتلوا الكثيرين منهم بإضعافهم وتخويفهم.
(4) رثاء أورشليم (ع17-22):
17- هكذا قال رب الجنود تأملوا و أدعوا النادبات فيأتين و أرسلوا إلى الحكيمات فيقبلن. 18- و يسرعن و يرفعن علينا مرثاة فتذرف أعيننا دموعا و تفيض أجفاننا ماء. 19- لأن صوت رثاية سمع من صهيون كيف أهلكنا خزينا جدا لأننا تركنا الأرض لأنهم هدموا مساكننا. 20- بل اسمعن أيتها النساء كلمة الرب و لتقبل آذانكن كلمة فمه و علمن بناتكن الرثاية و المراة صاحبتها الندب. 21- لأن الموت طلع إلى كوانا دخل قصورنا ليقطع الأطفال من خارج و الشبان من الساحات. 22- تكلم هكذا يقول الرب و تسقط جثة الانسان كدمنة على وجه الحقل و كقبضة وراء الحاصد و ليس من يجمع.
ع17، 18: النادبات : نساء متخصصات فى إثارة مشاعر الحزانى لأجل انتقال أحبائهم فتنادى بكلمات تحرك القلوب وتبكى الكل.
الحكيمات : النساء المتميزات فى الفهم والعقل وتمييز الأمور.
يدعو النبى للبكاء على أورشليم، وإعلان كلمات الحزن، أى الرثاء عليها، مستخدماً المتخصصات فى ذلك وهن النادبات والحكيمات، حتى يحرك مشاعر الكل بالبكاء عليها، لعل هذا يرجعهم إلى الله بالتوبة.
ع19: صهيون : معناها حصن، ويطلق اسمها على الجبل الذى بنيت عليه أورشليم، فالمقصود بصهيون أورشليم.
يظهر الله حزن شعبه عندما هجم عليهم جيش بابل، فهربوا من أمامهم فى خزى، وأخذوا يندبون حالهم فى حزن.
ع20، 21: ينادى نساء اليهود ليرثين أورشليم ويعلمن بناتهن كيف يحزن عليها، لأن جيش بابل قد هجم على بيوتهن فقفزوا من النوافذ، وقتلوا من فى البيوت، وكذلك الأطفال الذين يلعبون حول البيوت والشباب الذين يعملون ويتحركون فى الساحات، أى هجم الموت على الجميع.
ع22: يعبِّر عن كثرة القتلى بأنه ستلقى جثثهم فى الحقول مثل فضلات الإنسان، أو الحيوان، أو مثل قبضة يد من المحصول الذى يجمعه الفلاح، فتسقط منه وراءه ولانشغاله بجمع المحصول لا يهتم بالقليل الذى يسقط. هكذا سيكون هناك قتلى كثيرون ولا يجمع جثثهم أحد عند هجوم بابل.
ليتك تبكى على خطاياك التى سببت لك آلاماً كثيرة حتى لا تكررها، وتحترس منها فيما بعد، وتطلب غفران الله، فتنال مراحم إلهية كثيرة.
(5) الحكمة الحقيقية (ع23، 24):
23- هكذا قال الرب لا يفتخرن الحكيم بحكمته و لا يفتخر الجبار بجبروته و لا يفتخر الغني بغناه. 24- بل بهذا ليفتخرن المفتخر بأنه يفهم و يعرفني أني أنا الرب الصانع رحمة و قضاء و عدلا في الأرض لأني بهذه أسر يقول الرب.
ع23: ينبه الله شعبه حتى لا يتكلوا على حكمتهم، أو قوتهم، أو غناهم، فكلها أمور بشرية زائلة، ولكن يتكلوا على الله باتضاع، فيحميهم؛ لأنه ماذا نفعتهم حكمتهم وقوتهم وغناهم أمام الهجوم البابلى ؟! .. بالطبع لم تنفع شيئاً لأجل خطاياهم وابتعادهم عن الله.
ع24: يوضح أن المجد والافتخار هو بمعرفة الله والحياة معه، فيحميه الله ويملأه سلاماً ويخلصه من كل شر ويفرح به.
اشكر الله على كل عطاياه فهى منه وليست منك، واطلبه قبل كل عمل فيكون معك، ويزداد اتكالك عليه وتمتعك بعشرته.
(6) عقاب الكل (ع25، 26):
25- ها أيام تأتي يقول الرب و أعاقب كل مختون و أغلف. 26- مصر و يهوذا و أدوم و بني عمون و موآب و كل مقصوصي الشعر مستديرا الساكنين في البرية لأن كل الأمم غلف و كل بيت إسرائيل غلف القلوب
ع25: يعلن الله أنه قريباً سيعاقب مملكة يهوذا من أجل شرهم، وهم وإن كانوا مختونين بالجسد ولكن قلوبهم مازالت مملوءة بالشر، ثم بعد ذلك سيعاقب الأمم الوثنيين غير المختونين بالجسد لأجل شرهم، فسبب العقاب والتأديب دائماً هو الخطية. والله يطيل أناته على الأشرار لعلهم يتعظون بتأديب غيرهم من الأشرار فيرجعون إليه.
ع26: مصر : كانت الإمبراطورية الأولى فى العالم، وبعد قيام المملكة الأشورية بدلاً منها كانت لا تزال قوية، وظن اليهود أن الإلتجاء إليها ينقذهم من أى شر.
يهوذا : مملكة يهوذا أى المملكة الجنوبية لليهود.
أدوم : نسل عيسو الذين يعيشون فى جبال سعير.
بنى عمون : نسل لوط وهم جيران اليهود.
موآب : نسل لوط وهم أيضاً جيران لليهود.
مقصوصى الشعر مستديراً : كان الرجال قديماً يقصون شعورهم من جميع جوانب رؤوسهم ويتركون دائرة من الشعر أعلى رأسهم إرضاءً لبعض الآلهة الوثنية، فهذا يعنى أنهم أتباع هذا الإله الوثنى.
يعلن الله غضبه على الأمم الوثنية مثل مصر وأدوم وبنى عمون وموآب لأجل ميول قلوبهم الشريرة، وكذلك على اليهود لأجل شرهم مع أنهم مختونون بالجسد.
إن مظهر حياتك فى الكنيسة واتصافك بالصفات الخارجية الحميدة لا يكفى لخلاص نفسك. فلا تهتم برأى الناس، بل نقى قلبك بالتوبة لتحيا مع الله وتتمتع بخلاصه.