الفخارى والتخلص من إرميا
(1) الفخارى المحب (ع1-6):
1- الكلام الذي صار إلى إرميا من قبل الرب قائلاً. 2- قم انزل إلى بيت الفخاري و هناك أسمعك كلامي. 3- فنزلت إلى بيت الفخاري و إذا هو يصنع عملاً على الدولاب. 4- ففسد الوعاء الذي كان يصنعه من الطين بيد الفخاري فعاد و عمله وعاء آخر كما حسن في عيني الفخاري أن يصنعه. 5- فصار إلي كلام الرب قائلاً. 6- أما أستطيع أن أصنع بكم كهذا الفخاري يا بيت إسرائيل يقول الرب هوذا كالطين بيد الفخاري أنتم هكذا بيدي يا بيت إسرائيل.
ع1، 2: قم : تعنى الإسراع فى تنفيذ الأمر. وترمز للقيامة مع المسيح.
انزل : كان الفخارون فى الغالب يعملون مصانعهم فى الوديان ليجدوا الطين المناسب لعملهم، لذا قال له انزل أى انزل إلى الوادى المنخفض. ويرمز النزول إلى الاتضاع.
أمر الله إرميا بالذهاب إلى بيت الفخارى أى الذى يعمل فى صنع الفخار ليسمع كلام الله الذى يقدم وسيلة إيضاح لكلامه وهى صنع الفخار.
وحتى يستطيع الإنسان أن يسمع صوت الله، ينبغى أن يكون معه فتتجدد حياته ويستطيع أن يتضع ويسمع ويفهم كلام الله.
ع3، 4: الدولاب : الجهاز الذى يشكل عليه الطين ليصنع الأوانى الفخارية.
عندما ذهب إرميا إلى بيت الفخارى وجده يصنع آنية فخارية على الدولاب ثم لاحظ أن الإناء قد فسد، ولم يقل أن الفخارى قد أفسده، لأن الفخارى يرمز إلى الله والآنية الفخارية إلى البشر الذين يفسدون حياتهم بأنفسهم بابتعادهم عن الله، ولكن الله بمحبته يعيد تشكيل الطين مرة أخرى ويُصلح الآنية التى فسدت فهى وإن فسدت ولكنها مازالت بين يديه فإن تابوا ورجعوا إليه يجدد طبيعتهم ويصنعهم آنية للكرامة بحسب مسرته وما يحلو فى عينيه، كما جدد الجنس البشرى، بفدائه من خلال سر المعمودية.
ع5، 6: إذ رأى إرميا عمل الفخارى كوسيلة إيضاح قال له الله إنى أستطيع مثل هذا الفخارى أن أعيد تشكيلكم بعدما أفسدتم حياتكم بالخطية وأجددكم. فهو يعطى رجاء لشعبه حتى يتوبوا ويرجعوا إليه فيعيدهم إلى بنوتهم الأولى له وحياتهم النقية.
ثق فى قوة الله القادرة على تجديد حياتك مهما كانت خطاياك كثيرة أو متكررة فهو أبوك الذى يحبك وأنت دائماً بين يديه فارجع إليه بالتوبة واطلب معونته فيصلح حياتك.
(2) أبوة الله للكل (ع7-10):
7- تارة أتكلم على أمة و على مملكة بالقلع و الهدم و الإهلاك. 8- فترجع تلك الأمة التي تكلمت عليها عن شرها فأندم عن الشر الذي قصدت أن أصنعه بها. 9- و تارة أتكلم على أمة وعلى مملكة بالبناء و الغرس. 10- فتفعل الشر في عيني فلا تسمع لصوتي فأندم عن الخير الذي قلت إني أحسن إليها به.
ع7: يعلن الله عن خطته بالتعامل مع البشر فإذا وجدهم فى سلوك شرير يقرر أنه سيهلكهم ويقلعهم كالأشجار، أى يقتلهم. وهذا ليس قراراً نهائياً بل هو إعلان عن غضبه على شرورهم لعلهم يتوبون فيخلصوا من هذا الغضب وهذا يبين محبة الله الذى يريد أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون ولا يريد هلاك أحد.
ع8: إن رجعت هذه الأمة عن سلوكها الشرير وتابت فالله لا يعاقبها فالمقصود بالشر الذى كان سيوقعه الله بها أى عقابها.
ع9: الحالة الأخرى هى أن يعد الله الأمه بالخير والبنيان والبركات، والمقصود بالغرس الثبات كما تثبت الشجرة فى الأرض.
ع10: “فى عينى” : أى شر يعمله الإنسان هو فى حق الله وتحدى له.
“اندم” : يتكلم الله بمفاهيم البشر وهى التراجع عما قرروه ولكن فى الحقيقة الله يعلم كل شئ قبل أن يكون ولا يندم على شئ بل هو يعرف أنه لم يعطهم الخير بسبب شرورهم. فاستخدام الله لهذه الألفاظ مثل استخدام الشخص الكبير لألفاظ مناسبة للأطفال عندما يتحدث معهم، لا لأنه لم يعرف لغة الكبار بل ليكون مفهوماً من الأطفال.
إن تركت هذه الأمة الله وفعلت الخطايا أمامه ورفضت طاعة وصاياه فلا يحسن الله إليها ولا يعطيها بركات.
إن كل إساءة تسىء بها للآخرين هى موجهة لله لأن كل البشر هم صورته وحتى لو كانت الخطية فى فكرك وفى قلبك فهى تحدى لله. إرجع إليه بالتوبة فهو مستعد أن ينسى كل خطاياك.
(2) الفخاى المؤدب (ع11-17):
11- فالآن كلم رجال يهوذا و سكان أورشليم قائلاً هكذا قال الرب هأنذا مصدر عليكم شراً و قاصد عليكم قصداً. فارجعوا كل واحد عن طريقه الرديء و أصلحوا طرقكم و أعمالكم.
12- فقالوا باطل لأننا نسعى وراء أفكارنا و كل واحد يعمل حسب عناد قلبه الرديء. 13- لذلك هكذا قال الرب. أسالوا بين الأمم. من سمع كهذه ما يقشعر منه جداً عملت عذراء إسرائيل.
14- هل يخلو صخر حقلي من ثلج لبنان أو هل تنشف المياه المنفجرة الباردة الجارية. 15- لأن شعبي قد نسيني. بخروا للباطل و قد أعثروهم في طرقهم في السبل القديمة ليسلكوا في شعب في طريق غير مسهل. 16- لتجعل أرضهم خراباً و صفيراً أبدياً كل مار فيها يدهش و ينغض رأسه.
17- كريح شرقية أبددهم أمام العدو أريهم القفا لا الوجه في يوم مصيبتهم.
ع11: أصلحوا طرقكم : سيروا فى طريق الله وابعدوا عن طرق الشر.
ينذر الله شعبه بالعقاب لأجل خطاياهم فقد صدرت قرارات إلهية بعقابهم لعلهم يخافون ويرجعون إليه فيرفع عنهم هذا العقاب.
ع12: للأسف كانت إجابة شعب الله عليه سيئة فاستهانوا بكلامه واعتبروه باطلاً أى بلا قيمة وأصروا على التمادى فى أفكارهم وأعمالهم الشريرة أى أنهم رفضوا التوبة واستمروا فى الخطية.
ع13: تعجب الله لرفض شعبه لكلامه، ويشهد عليهم شعوب العالم التى تطيع آلهتها الوثنية أما شعب الله الذى كان ينبغى أن يكون محباً وملتصقاً به فقد رفضه وتمادى فى شره ويشبهه بالعذراء التى ليس لها إلا عريسها لأنها غير مرتبطة بأى رجل.
ع14: يعاتب الله شعبه بأنه أحبه فأعطاه الماء فى صورة الثلج على قمم الصخور فى الجبال المرتفعة مثل لبنان وعندما يذوب الثلج يتحول إلى مياه جارية تجرى باستمرار وتسقى الإنسان والحيوان والنبات. فالله يعطيهم بركاته السماوية فلماذا لا يعبدونه ويشكرونه ؟ لماذا تحولوا إلى عبادة الأوثان ؟
ع15: السبل القديمة : طرق الآباء الذين عاشوا مع الله وحفظوا وصاياه.
شعب : طرق ملتوية فى الصحراء بين الجبال فيعسر المرور بها.
غير مُسهل : طريق صعب لا يمكن السير فيه وهو طريق عبادة الأوثان والشر.
يستكمل الله عتابه لشعبه الذى أهمل بركاته ونسى نعم الله عليه الذى أخرجه بقوة عجيبة من أرض مصر وحفظه فى برية سيناء وأطعمه من السماء وسقاه من الصخرة. ترك الله صانع الخيرات وذهب ليبخر للباطل أى عبادة الأوثان وأعثر الأشرار بقية الشعب فابتعدوا عن طرق الآباء المستقيمة وصاروا فى طرق وعرة تهلكهم وهى طرق عبادة الأوثان.
ع16، 17: ينغض : يهز رأسه بإستهزاء وحسرة.
أريهم القفا : اتخلى عنهم.
نتيجة إصرار شعب الله على الخطية ينذرهم الله بهذه العقوبات حتى يتوبوا وهى :
- تهدم مُدنهم وتصير أرضهم خراباً وقد تم ذلك على يد بابل وهذا يرمز إلى ضياع الممتلكات والشهوات التى تعلق بها الإنسان الشرير، ولا يسكن فيها أحد بل يُسمع فيها صفير الرياح أى صوتها الشديد الذى يتحرك بقوة لعدم وجود أسوار أو مبانى.
- يتعجب ويستهزأ كل إنسان يمر بهذه المدن الخربة التى هلكت بسبب شرورها. وهذا يرمز لإستهزاء الشياطين بنا عندما نصر على الشر فنلقى فى العذاب الأبدى.
- يتبدد سكان يهوذا كمن تطاردهم ريح حارة شديدة هى الريح الشرقية فيهربون لئلا يختنقوا بحرارتها، وهذا يرمز لقسوة حروب الشياطين التى تصيب البعيدين عن الله والمتهاونين فتبددهم وتهلكهم.
- أصعب عقاب هو تخلى الله عنهم فيبعد وجهه أى رعايته لهم ويتركهم يعانون من الضيقات لأنهم رفضوا تبعيته ومُصرين على ذلك، فتكون الضيقات عنيفة جداً عليهم وهذا يرمز للعذاب الأبدى.
عندما ترى الضيقات تحل بك أو بالآخرين فاعلم أنها إنذارات من الله حتى ترجع عن خطاياك وعندما تطلب معونة الله تنفتح عينيك فترى بركاته وتشكره فتحيا نفسك فيك.
(3) التخلص من إرميا (ع18-23):
18- فقالوا هلم فنفكر على إرميا أفكاراً لأن الشريعة لا تبيد عن الكاهن و لا المشورة عن الحكيم و لا الكلمة عن النبي هلم فنضربه باللسان و لكل كلامه لا نصغ. 19- أصغ لي يا رب واسمع صوت أخصامي. 20- هل يجازى عن خير بشر لأنهم حفروا حفرة لنفسي اذكر وقوفي أمامك لأتكلم عنهم بالخير لأرد غضبك عنهم. 21- لذلك سلم بنيهم للجوع و ادفعهم ليد السيف فتصير نساؤهم ثكالى و أرامل و تصير رجالهم قتلى الموت و شبانهم مضروبي السيف في الحرب.
22- ليسمع صياح من بيوتهم إذ تجلب عليهم جيشاً بغتة. لأنهم حفروا حفرة ليمسكوني و طمروا فخاخا لرجلي. 23- و أنت يا رب عرفت كل مشورتهم علي للموت لا تصفح عن إثمهم و لا تمح خطيتهم من أمامك بل ليكونوا متعثرين أمامك في وقت غضبك عاملهم
ع18: لا تبيد : لا تفارق.
نضربه باللسان : نمسك عليه كلمة تدينه ونعاقبه ونقتله.
قاوم الشعب إرميا النبى لأنه تنبأ بخراب أورشليم وبهلاكهم وقالوا أنه ليس نبياً لأن كلمة الله لا تفارق النبى أما إرميا فلا يتكلم بكلام الله بل بالسوء على الشعب وكذلك هو ليس حكيماً وليس عنده الشريعة ولا الشورة. ثم حاولوا اصطياده بكلمة خطأ يقولها فيعاقبونه عليها وبالتالى اعلنوا بطلان كلامه فلا يسمع له أحد أى أنهم عندما يظنون أن كلامه خاطئ باصطياد كلمات عليه يجعلون الشعب يشكون فيه ولا يسمعون لكلامه. وهم بهذا لا يقاومون إرميا فقط بل بالاولى الله الذى أرسله ويرفضون كلامه.
ع19: يستنجد إرميا بالله ليدافع عنه ضد من يقفون خصماً له ويقاومونه فيسمع افتراءاتهم ويرد عليهم.
ع20: يتعجب إرميا أن شعبه رد على محبته بالشر إذ كان يقف أمام الله يطلب رحمة لشعبه أما هم فجازوا خيره بالشر وأرادوا قتله.
ع21: ثكالى : أمهات مات أولادهن.
بروح النبوة يتكلم إرميا عما سيحدث لشعبه وليس بروح الانتقام لما يقولونه عنه ومحاولتهم الإنتقام منه وذلك لأن أبوته واضحة طوال هذا السفر (إر14 : 17) (إر9: 1)
(إر8: 21). فيتنبأ بموت الشباب والرجال وتصير النساء ثكالى وأرامل.
ع22: حاول الشعب قتل إرميا بإسقاطه فى حفرة أو إيقاعه فى شباكهم بإصطياده بكلمة أو محاولة قتله بأى شئ لذا ينتقم الله منهم بعدله الإلهى فتهجم عليهم بابل، وتصدر صرخات من كل بيوتهم لموت الكثيرين منهم.
ع23: يطلب إرميا العدل الإلهى لشرور شعبه لأجل مشورتهم فيعاقبون بالهلاك. وهذا ليس فقط نبوة بل إعلان للشعب لعلهم يتوبون فيربح نفوسهم لأنه يحبهم. لا تقاوم من يوبخك فقد تكون رسالة من الله على لسانه حتى لو أكثر التوبيخ واللوم وإن كان كلامه خاطئاً فالتمس له العذر ولا تنتقم منه ولا تسىء إليه.