الذل والدمار لرفض الشعب للله
(1) إذلال اليهود (ع1-3) :
1- في ذلك الزمان يقول الرب يخرجون عظام ملوك يهوذا و عظام رؤسائه و عظام الكهنة و عظام الأنبياء و عظام سكان أورشليم من قبورهم. 2- و يبسطونها للشمس و للقمر و لكل جنود السماوات التي أحبوها و التي عبدوها و التي ساروا وراءها و التي استشاروها و التي سجدوا لها لا تجمع و لا تدفن بل تكون دمنة على وجه الأرض. 3- و يختار الموت على الحياة عند كل البقية الباقية من هذه العشيرة الشريرة الباقية في كل الأماكن التي طردتهم إليها يقول رب الجنود.
ع1: فى ذلك الزمان : وقت هجوم بابل على مملكة يهوذا.
حتى ينبه إرميا شعبه للتوبة والرجوع عن عبادة الأوثان، مثل عبادة الشمس والسماوات، يعلن لهم أن جيوش بابل عندما تهجم عليهم ستنبش قبور آبائهم، وتخرج عظامهم، وتلقيها فى كل مكان أمام ما يدعونه آلهة كالشمس والسماوات التى لن تفيدهم شيئاً. وسيسمح الله بهذا الإذلال؛ لأنهم لم يطيعوه ولعلهم يتوبون، وسيتم هذا بقبور عظماء اليهود من الأنبياء والرؤساء والملوك والكهنة تحقيراً لليهود.
ع2: دمنة : روث، أى فضلات البهائم.
عندما يخرج البابليون عظام الأموات تكون أمام الشمس والقمر والسماوات التى عبدوها والتى لم تفدهم شيئاً، وتصير عظامهم محتقرة، مثل روث الحيوانات الملقى على الأرض.
عندما يسمح الله لك بالتحقير من الآخرين، راجع نفسك لعله يدعوك إلى التوبة والتمسك به، فينقذك من أيديهم وتزداد علاقتك به، فلا تخشى من قولهم، ولا تنزعج من تحقيرهم، فهو بلا قيمة، والله سيكرمك فى السماوات فوق الكل.
ع3: سيتمنى الباقون من اليهود الموت بعد موت الكثيرين منهم من كثرة الضيق، ليتخلصوا من الذل الذى صاروا فيه، وذلك لعدم ارتباطهم بالله الذى كان ينبغى أن يرجعوا إليه، فيقبلهم وينقذهم.
(2) رفض التوبة (ع4-12) :
4- و تقول لهم هكذا قال الرب هل يسقطون و لا يقومون أو يرتد أحد و لا يرجع.
5- فلماذا ارتد هذا الشعب في أورشليم ارتدادا دائما تمسكوا بالمكر أبو أن يرجعوا. 6- صغيت و سمعت بغير المستقيم يتكلمون ليس أحد يتوب عن شره قائلا ماذا عملت كل واحد رجع إلى مسراه كفرس ثائر في الحرب. 7- بل اللقلق في السماوات يعرف ميعاده و اليمامة و السنونة المزقزقة حفظتا وقت مجيئهما أما شعبي فلم يعرف قضاء الرب. 8- كيف تقولون نحن حكماء و شريعة الرب معنا حقا إنه إلى الكذب حولها قلم الكتبة الكاذب. 9- خزي الحكماء ارتاعوا و أخذوا ها قد رفضوا كلمة الرب فآية حكمة لهم. 10- لذلك اعطي نساءهم لآخرين و حقولهم لمالكين لأنهم من الصغير إلى الكبير كل واحد مولع بالربح من النبي إلى الكاهن كل واحد يعمل بالكذب. 11- و يشفون كسر بنت شعبي على عثم قائلين سلام سلام و لا سلام. 12- هل خزوا لأنهم عملوا رجسا بل لم يخزوا خزيا و لم يعرفوا الخجل لذلك يسقطون بين الساقطين في وقت معاقبتهم يعثرون قال الرب.
ع4، 5: يعاتب الله شعبه بحقيقة هى أن كل من يسقط فى الطريق، أو فى أى شئ خاطئ عليه أن يعود ويرجع إلى الصواب، وهذا هو التصرف المنطقى. فلماذا إذن يتمادون فى خطاياهم ويثبتون فى الشر اعتماداً على الكلام الماكر والمخادع للأنبياء الكذبة.
ع6: مسراه : طريقه.
يشبه تماديهم فى الشر بفرس يتقدم فى الحرب ولا يريد أن يرجع عن طريقه، فهذا هو نظام الحرب؛ الجهاد للنهاية حتى الموت، هكذا هم أيضاً تقدموا فى الشر، ومصرين عليه حتى الموت، ولا يريدون الرجوع والتوبة.
كن مصغياً لصوت الله الذى يناديك لمراجعة أفكارك وكلامك وتصرفاتك، حتى لو كنت معتاداً عليها، أى مر عليك سنوات طويلة. اطلب الله باتضاع، واخضع لأب اعترافك، ولا تحتد على من يعاقبك، أو تهمل كلامه.
ع7: اللقلق : طائر كبير له منقار ورجلان وعنق طويل وأحمر؛ وهو من الجوارح، أى التى تنقض على فريستها.
السنونة : طائر صغير طويل الجناحين سريع الطيران من الطيور الأليفة وصوتها جميل.
يوجه الله نظر شعبه إلى أن الحيوانات مثل الطيور ترجع عن طيرانها فى وقت محدد اعتادته، ولكن بنى شعبه لا يريدون الرجوع عن خطاياهم مع أنهم أفضل المخلوقات وأكثرها حكمة، فمن الطبيعى أن يرجعوا إلى وضعهم السليم وهو الحياة مع الله.
ع8: يؤكد لهم إصرارهم على خداع أنفسهم بكلام الكتبة الكذبة، ظانين أنهم حكماء باقتنائهم للكتاب المقدس، ووجود الهيكل فى مدينتهم أورشليم، ولكن كل هذا لا يكفى إن لم يتوبوا.
ع9: يظهر النهاية المؤسفة لمن يظنون أنفسهم حكماء، أى سكان أورشليم، عندما يهجم جيش بابل ويأخذهم أسرى، وهذا نتيجة طبيعية لمن يرفض طاعة كلام الله والتوبة.
ع10: مولع : متعلق ومرتبط بشدة.
يبين الله سبب أساسى لعدم توبتهم وهو تعلقهم بالمال والماديات، وقد سقط فى هذه الخطية الشعب كله، حتى قياداته، مثل الكهنة والأنبياء الكذبة، والنتيجة هو سقوطهم تحت الهجوم البابلى وأخذ نسائهم وحقولهم منهم، أى تجردهم من كل الماديات والشهوات التى عاشوا لها؛ كل هذا لعلهم فى النهاية يرجعون إلى الله.
ع11: عثم : فساد.
من أسباب عدم توبتهم هوعدم معالجة خطاياهم، بل التمسك بالشر داخلهم وتصديقهم كلام الأنبياء الكذبة أن لهم سلام والله راضى عنهم، مع أن خطاياهم أفسدتهم، ويحتاجون للشفاء منها بالتوبة.
ع12: رجساً : شهوات نجسة وانحرافات.
تمادوا فى الشر والشهوات الدنيئة ببجاحة، ولم يخجلوا من أفعالهم الرخيصة، فكان لابد من معاقبتهم بالسبى.
(3) عنف الدمار (ع13-17) :
13- نزعا أنزعهم يقول الرب لا عنب في الجفنة و لا تين في التينة و الورق ذبل و أعطيهم ما يزول عنهم. 14- لماذا نحن جلوس اجتمعوا فلندخل إلى المدن الحصينة و نصمت هناك لأن الرب إلهنا قد أصمتنا و أسقانا ماء العلقم لأننا قد أخطانا إلى الرب. 15- انتظرنا السلام و لم يكن خير و زمان الشفاء و إذا رعب. 16- من دان سمعت حمحمة خيله عند صوت صهيل جياده ارتجفت كل الأرض فأتوا و أكلوا الأرض و ملأها المدينة و الساكنين فيها. 17- لأني هأنذا مرسل عليكم حيات أفاعي لا ترقى فتلدغكم يقول الرب.
ع13: الجفنة : الكرمة، أى شجرة العنب.
لكثرة خطايا شعبه قرر الله أن يطردهم من بلادهم ويقتلهم بيد البابليين، كما تجمع حبات العنب من الكرمة وثمار التين من شجرته، وعطاياه لهم تؤخذ منهم، وذلك لأنهم لم يجتمعوا حول الله ويعبدوه، بل عبدوا الأوثان وساروا فى شهواتهم الردية.
ع14: علقم : مرّ وهو غالباً نبات الحنظل.
خاف اليهود عند سماعهم بهجوم جيوش بابل، فأسرعوا إلى مدنهم الحصينة ليحتموا فيها، وجلسوا فى خوف وصمت، ولم يكن لهم قوة ليحاربوا الأعداء ويدافعوا عن أنفسهم، بل فى يأس صمتوا منتظرين الموت، والله تركهم فى يأس وصمت لأنهم لم يطلبوه.
ع15: انتظر اليهود أن يأتيهم السلام والشفاء من ضيقتهم الصعبة، كما خدعهم أنبياؤهم ولكنهم للأسف وجدوا بدل السلام حرباً، وبدل الشفاء دماراً ومصائب وقتلاً، لأنهم اعتمدوا على كذب أنبيائهم، ورفضوا طاعة الله على فم إرميا.
ع16: حمحمة أو صهيل : أصوات الخيل.
تقع دان شمال أورشليم، فمن هناك هجمت جيوش بابل بفرسانها المسلحين، وأصوات الخيل القوية، وخربوا أورشليم واليهودية.
ع17: لا ترقى : لا يستطيع المتخصص فى جمع الثعابين أن يجمعها مستخدماً الرقية، أى أعمال الشياطين.
أفاعى : نوع سام جداً من الثعابين.
يوضح الله قوة البابليين التى لا يستطيع اليهود مقاومتها، ويشبهها بثعابين تلدغهم بسمومها ولا يمكن مقاومة أو صد هذه الثعابين بكل طرق السحرة الذين يجمعون الثعابين.
عندما تسمع تهديدات الله للأشرار، أسرع إلى التوبة فتخلص نفسك، وتستعيد سلامك مهما كانت الضيقات التى تحيط بك، وثق فى حنان الله الذى يطلب خلاصك باللطف، أو الإنذار.
(4) حزن النبى (ع18-22) :
18- من مفرج عني الحزن قلبي في سقيم. 19- هوذا صوت استغاثة بنت شعبي من أرض بعيدة ألعل الرب ليس في صهيون أو ملكها ليس فيها لماذا أغاظوني بمنحوتاتهم بأباطيل غريبة.
20- مضى الحصاد انتهى الصيف و نحن لم نخلص. 21- من أجل سحق بنت شعبي انسحقت حزنت أخذتني دهشة. 22- أليس بلسان في جلعاد أم ليس هناك طبيب فلماذا لم تعصب بنت شعبي
ع18: سقيم : مريض.
إذ رأى النبى كل الدمار الذى سيحل فى مملكة يهوذا، حزن جداً وتوجع قلبه، وعبَّر عن ذلك بإعلان حاجته لمن يرفع عنه هذا الحزن لهلاك شعبه.
ع19: منحوتاتهم : تماثيل الآلهة الوثنية.
يعبر النبى عن آلام شعبه الذين سيتم سبيهم إلى بلاد بعيدة ويصرخون من ذلّ العبودية، ويتساءل أين الله ملك اليهود الذى يحميهم ؟ لماذا تركهم للسبى والذل ؟ .. فيرد عليه الله أنا تركتهم لأنهم تركونى بعبادتهم للأوثان.
ع20: ينتظر الفلاح موعد الحصاد وهو شهرى أبريل ومايو ليفرح بجمع محاصيله. ويعبر هنا عن انتظار شعب الله لينقذهم من البابليين، ومرت شهور الحصاد ومازال التخريب البابلى مستمراً لمملكة يهوذا، فقال الشعب فى نفسه لعله ينقذنا فى الصيف عند جمع المحاصيل الصيفية فى شهرى يوليو وأغسطس، ولكن للأسف لم ينقذهم الله، وذلك لأنهم لم يتوبوا عن خطاياهم، فحلَّ بهم كل هذا الدمار.
ع21: يعود النبى ويعبر عن أحزان قلبه كأب لهذا الشعب، إذ يرى ذلهم فيتألم داخله ويحزن، بل يتعجب لأجل الدمار الشامل الذى حدث لهم ولهيكل الله، رغم أنه يعلم أن كل هذا بسبب شرورهم ولكنه لا يستطيع إيقاف مشاعره كإنسان، وتألمه لأجلهم.
ع22: بلسان : شجرة ارتفاعها أكثر من أربعة أمتار تعطى رائحة عطرية، وإذا ضربت ساقها بآلة حادة يخرج منها سائل لزج يشبه اللبن، يتجمد سريعاً، ويستخدم كمرهم لعلاج الأمراض، وكان غالى الثمن وهو الذى يسمى نبات البلسم.
جلعاد : منطقة تقع شرق نهر الأردن وتمتد إلى بلاد العرب.
إذ يرى النبى جرحى كثيرين من شعبه وذلاً شديداً، يصرخ طالباً الدواء والطبيب لإنقاذهم، ويعطى مثالاً للأدوية، نبات البلسان، المشهور فى علاج أمراض كثيرة حتى يداوى جراحات الكثيرين ثم تربط جراحاتهم حتى تشفى. ويقصد بالطبيب والدواء ليس فقط الدواء المادى، بل بالأحرى الروحى، أى يستنجد بالله ليقود شعبه للتوبة ويسامحهم ويرفع غضبه عنهم.
ليتك تشعر بالبعيدين عن الله والمتألمين وتصلى لأجلهم، وتسعى لردهم للكنيسة حتى يستريحوا من خطاياهم ومتاعبهم، عالماً أن صلاتك تفيدهم كثيراً والله يفرح بهم.