تنبيه أورشليم حتى تتوب
(1) مكانة أورشليم عند الله (ع1-3):
1- و صارت إلي كلمة الرب قائلا. 2- اذهب و ناد في أذني أورشليم قائلا هكذا قال الرب قد ذكرت لك غيرة صباك محبة خطبتك ذهابك ورائي في البرية في أرض غير مزروعة. 3- إسرائيل قدس للرب أوائل غلته كل آكليه يأثمون شر يأتي عليهم يقول الرب.
ع1، 2: تبدأ هنا كلمات النبوة التى أمر الله إرميا أن يقولها للشعب فى أورشليم، فقد كان الكلام فى الأصحاح الأول إما أوامر لإرميا كخادم، أو رؤى يعلنها للشعب. ويظهر فى حديث الله مع شعبه هنا ما يلى :
- أنه عتاب محبة يهمس به فى أذنى عروسه التى أحبها، أذنى أورشليم، إذ يعتبر أورشليم وشعبها كعروس له يحبها جداً.
إن لاحظت شيئاً غير سليم على أحد أحبائك، فعاتبه بلطف بينك وبينه، وامدحه أولاً قبل أن تظهر أخطاءه، وشجعه للتغلب عليها، وبين له تمسكك وثقتك به، فتكسب قلبه، لأنه إن لم تكسبه أولاً فلن يسمح لك بنقده.
- غيرة صباك :
يمتدح الله أورشليم، أى شعبه بنى إسرائيل فى غيرتهم المقدسة نحوه عندما تركوا عبادة الأوثان فى مصر وعبدوه وحده فى برية سيناء. هذه هى غيرة أورشليم فى صباها قبل أن تسكن فى أرض الميعاد.
- محبة خطبتك :
يشبه أورشليم بعروس خطبها لنفسه وكيف أحبته بعبادتها له فى خيمة الاجتماع فى سيناء. فكانت مخطبوبته فى سيناء، ثم أصبحت عروسه باستمرار عبادتها له فى كنعان وفى هيكل سليمان.
- ذهابك ورائى فى البرية :
يقصد ترك بنى إسرائيل مصر بكل خيراتها وخروجهم إلى برية سيناء القاحلة التى لا زرع فيها، وذلك لتعبد الله بعيداً عن أوثان مصر.
يلاحظ هنا أن الله يمتدح شعبه ويركز على فضائلهم متناسياً أخطائهم فى هذه الفترة، مثل التذمر وعدم الطاعة.
ع3: يظهر الله محبته لأورشليم ومكانتها عنده بقوله عنها :
- قدس للرب : فكل بنى إسرائيل هم شعب الله، مثل هارون المكرس بخدمته والذى يضع صفيحة ذهبية على عمامته مكتوب عليها “قدس للرب”، فهم شعبه وهو يرعاهم بمحبته.
- أوائل غلته : كانت الشريعة توصى شعب الله بتقديم البكور له، أى أوائل المحاصيل، فبنو إسرائيل هم أول الشعوب التى آمنت وعاشت لله لتكون باكورة للعالم كله حين يؤمن البشر من كل مكان بالمسيح. فهذا امتياز أن تتمتع أورشليم بالالتصاق بالله قبل باقى الشعوب.
- كل آكليه يأثمون : إن كان بنو إسرائيل يخطئون ويسمح الله للأمم، مثل مملكة أشور وبابل أن يسبوهم، فهذا تأديب لإسرائيل ولكن فى نفس الوقت الله لا يرضى عن شر الأمم الذين يسيئون إلى شعبه، بل يعاقبهم بالدمار، كما حدث لأشور ثم بابل.
(2) رعاية الله لأورشليم (ع4-8):
4- اسمعوا كلمة الرب يا بيت يعقوب و كل عشائر بيت إسرائيل. 5- هكذا قال الرب ماذا وجد في آبائكم من جور حتى ابتعدوا عني و ساروا وراء الباطل و صاروا باطلا. 6- و لم يقولوا اين هو الرب الذي أصعدنا من أرض مصر الذي سار بنا في البرية في أرض قفر و حفر في أرض يبوسة وظل الموت في أرض لم يعبرها رجل و لم يسكنها إنسان. 7- و أتيت بكم إلى أرض بساتين لتأكلوا ثمرها و خيرها فأتيتم و نجستم أرضي و جعلتم ميراثي رجسا. 8- الكهنة لم يقولوا أين هو الرب وأهل الشريعة لم يعرفوني و الرعاة عصوا علي و الأنبياء تنبأوا ببعل و ذهبوا وراء ما لا ينفع.
ع4: يوجه الله كلامه بالنبوة إلى كل اليهود فى :
- بيت يعقوب : أى مملكة يهوذا التى عاصمتها أورشليم.
- كل عشائر بيت إسرائيل : باقى الأسباط الذين كونوا المملكة الشمالية، ثم سباها أشور وبقى بعضها فى مملكة إسرائيل، والبعض الآخر تشتت فى العالم بواسطة الأشوريين.
فالكلام موجه لشعب الله فى كل مكان وزمان.
ع5: جور : ظلم.
وراء الباطل : وراء الأوثان الباطلة التى عبدوها.
صاروا باطلاً : سلكوا فى شهوات وخطايا لا تجدى شيئاً.
يعاتب الله شعبه لأنه لم يظلمهم، بل رعاهم بمحبته، ومع هذا تركوه وعبدوا الأوثان، وانغمسوا فى الشهوات الشريرة.
ع6: ظل الموت : تعرض الشعب لمخاطر الموت سواء بيد الأعداء، أو الحيوانات المفترسة، ولكن الله حفظهم ودافع عنهم.
تناسى شعب الله قوته التى أنقذتهم من عبودية مصر بالضربات العشر وبشق البحر الأحمر، وكيف رعاهم بالمن والسلوى والماء من الصخرة، وظللهم بالسحابة، وهداهم بعمود النار ليلاً، مع أن برية سيناء لا يستطيع إنسان أن يعيش فيها لأجل جفافها واستحالة الحياة بها، خاصة لشعب كبير تعداده حوالى 2 مليون، وحارب عنهم الأعداء مثل عماليق.
ع7: رجساً : نجساً بعبادة الأوثان التى نجسوا بها أرض الميعاد.
أدخل الله شعبه فى أرض كنعان الخصبة المملوءة ببساتين الفاكهة وكل الخيرات، فأكلوا وشبعوا، ولكنهم انحرفوا عن الله بعبادة الأوثان، فنجسوا الأرض التى طهرها لهم الله.
الله مستعد أن يحفظك فى الضيقات مهما كانت صعبة ويعولك فيها كما عال شعبه فى برية سيناء القاحلة، ثم يعطيك خيرات روحية كثيرة فى الكنيسة؛ لتشبع بها فلا تنجسها بأفكارك الرديئة أو بعبادتك المظهرية أو بكبريائك. لا ترد على محبة الله بالشر، بل أحفظ وصاياه واشكره على عطاياه.
ع8: يظهر الله هنا زيغان كل فئات الشعب عنه وهم :
- الكهنة : تمموا الطقس مظهرياً ولم يربطوا الشعب بمحبة الله والتوبة عن خطاياهم.
- أهل الشريعة : وهم المعلمون الروحيون الذين انشغلوا عن عبادة الله، وبالتالى لم يعلموا الشعب، بل علموهم تعاليم منحرفة عن الله.
- الرعاة : أى الرؤساء والملوك الذين تكبروا ولم يحفظوا وصايا الله، فأزاغوا الشعب وراءهم فى خطايا كثيرة.
- الأنبياء : بدلاً من أن يتنبأوا بكلام الله صاروا أنبياء كذبة يتنبأون للآلهة الوثنية مثل “بعل” فكانت نبواتهم خاطئة ومضلة للشعب.
ومن هذا يظهر صعوبة الوضع الروحى؛ إذ انحرفت كل فئات الشعب، ولم يبق إلا إرميا ليعلن صوت الله.
(3) عدم جدوى عبادة الأوثان (ع9-13):
9- لذلك أخاصمكم بعد يقول الرب و بني بنيكم أخاصم. 10- فأعبروا جزائر كتيم و انظروا و ارسلوا الى قيدار و انتبهوا جدا و انظروا هل صار مثل هذا. 11- هل بدلت أمة آلهة و هي ليست آلهة أما شعبي فقد بدل مجده بما لا ينفع. 12- أبهتي أيتها السماوات من هذا و اقشعري و تحيري جدا يقول الرب. 13- لأن شعبي عمل شرين تركوني أنا ينبوع المياه الحية لينقروا لأنفسهم آبارا آبارا مشققة لا تضبط ماء.
ع9: يدعو الله شعبه فى أورشليم وكل اليهودية للوقوف أمام المحكمة ويكون خصماً لهم، فيرفع دعواه ضدهم، وليس فقط ضدهم، بل وضد بنيهم لأنهم علموا أولادهم الشر.
ع10، 11: كتيم : قبرص.
قيدار : قبائل تسكن فى شبه جزيرة العرب.
يُشهد الله على شعبه أمم العالم سواء التى تقع فى الشمال الغربى مثل جزيرة كريت، أو فى الجنوب مثل قبائل قيدار التى تعبد آلهتها الوثنية ولا تغيرها بآلهة غير معروفة، أما شعب الله فقد غيروا إلههم الحقيقى، وعبدوا ما ليست آلهة، وهى الأوثان التى لا تفيدهم شيئاً بل تضرهم وتحرمهم وتفصلهم عن الله.
ع12، 13: ابهتى : اندهشى.
اقشعرى : ارتعدى.
يشهد الله على شعبه، ليس فقط الأمم الوثنية بل الطبيعة مُمثلة فى السماء، فينادى السموات أن تندهش وترتعد وتتحير من تصرفات شعبه الغريبة والغير معقولة بعبادتهم للأوثان، وبهذا سقطوا فى خطيتين كبيرتين هما :
- تركوا الله مصدر حياتهم الذى لا يمكن أن يعيشوا بدونه، فهو يشبه ينبوع المياه الحية بعمل روحه القدوس فيهم.
- بحثوا عن سند آخر يعتمدون عليه فى حياتهم، وهو الآلهة الوثنية الغير مفيدة، ويشبهها بآبار مشققة يتسرب منها الماء فتصير جافة، فمهما حفر الإنسان آباراً من هذا النوع لا يجد ماء يرويه، بل يجد فقط الطين والرمال، فتتسخ حياته بها.
ترمز السموات أيضاً للملائكة الذين يشهدون على شعبه بالانحراف عن إلههم وسعيهم وراء أصنام لا تنفع، فيبذلون جهدهم كل حياتهم بلا جدوى.
لا تضيع وقتك فى مشاهدات، أو مناقشات غير مجدية وتهمل علاقتك بالله، أى صلواتك وقراءاتك وارتباطك بالكنيسة، فتتعب وتخسر محبة الله ورعايته.
(4) عبادة الأوثان أذلتها (ع14-19):
14- أعبد اسرائيل أو مولود البيت هو لماذا صار غنيمة. 15- زمجرت عليه الأشبال أطلقت صوتها و جعلت أرضه خربة أحرقت مدنه فلا ساكن. 16- و بنو نوف و تحفنيس قد شجوا هامتك. 17- أما صنعت هذا بنفسك إذ تركت الرب إلهك حينما كان مسيرك في الطريق. 18- و الآن ما لك و طريق مصر لشرب مياه شيحور و ما لك و طريق آشور لشرب مياه النهر. 19- يوبخك شرك و عصيانك يؤدبك فاعلمي و انظري إن تركك الرب إلهك شر و مر و إن خشيتي ليست فيك يقول السيد رب الجنود.
ع14: يتساءل الله سؤال استنكارى عن شعبه فيقول هل هو عبد لمن يذلونه، سواء مصر أو بابل ؟ أى هل اشترته مصر، أو بابل عبداً، أو هو ابن العبد الذى ولد فى بيت سيده، وفى الحالتين فهو عبد سواء اشتراه سيده أو ولد فى بيته. والدليل الذى يقدمه هو أن شعب الله قد صار غنيمة يتحكم فيها أعداؤه. فهو بهذا يعاتبهم لماذا صاروا عبيداً للأمم التى تستغلهم ؟ والسبب بالطبع هو ابتعادهم عن الله وسقوطهم فى خطايا كثيرة، فهى دعوة للتوبة والرجوع لله.
ع15: زمجرت : صوت الأسود والأشبال.
يشبه هجوم مصر وأشور وبابل على بنى إسرائيل بزمجرة الأشبال وتهيؤها للإنقضاض على فريستها ثم هجومها فأخربت أرضهم، وأحرقت مدنهم بالنار.
ع16: نوف وتحفنيس : مدن مصر يُكنى بها عن مصر كلها.
شجوا هامتك : كسروا رأسك.
يستكمل الله استنكاره لذل شعبه وهجوم أعدائه مثل الأشبال عليه، فيضيف أن مصر قد كسرت رأس شعبه، أى حطمت قوته وأذلته.
ع17: يعلن الله أن سبب كل هذه المصائب هو تركهم لعبادته أثناء طريق حياتهم، وانشغالهم بالشهوات وعبادة الأوثان، وأن هذا الإنحراف كان بإرادة شعبه، ولم يجبرهم عليه أحد، فأتت عليهم كل هذه المتاعب.
ع18: شيحور : النهر الملوء طمياً، أى نهر النيل فى مصر.
النهر : المقصود به نهر الفرات الذى فى بابل.
يعاتب الله شعبه لالتجائهم إلى مصر التى يكنى عنها بمياه النيل، أو التجائهم إلى بابل التى يكنى عنها بنهر الفرات، فكان الأجدر بهم فى ضيقهم أن يلتجئوا إلى الله وليس إلى البشر. ومصر ترمز للخصب والخيرات، أى الشهوات المادية، أما بابل فترمز للكبرياء لأجل افتخارها بعظمتها.
ع19: يؤكد الله أن سبب الذل والخراب الذى سيعانيه شعبه هو خطيتهم وعصيانهم لله، وعدم مخافتهم له، وتماديهم فى شرورهم، وعبادتهم للآلهة الغريبة. ويعلن الله قوته فى قوله أن اسمه رب الجنود فهو الذى سمح بإذلالهم حتى يتوبوا، وهو قادر على إذلالهم وقادر أيضاً على إنقاذهم إن تابوا.
لا تتهاون مع خطاياك التى تعودتها، أو تقبل خطايا غريبة يعرضها العالم عليك، فتغضب الله وتخرب نفسك. فلا تتناسى مخافته والعذاب الذى ينتظرك إن تماديت فى هذا الشر. ارجع سريعاً فهو يحبك ومستعد أن يقبل توبتك، ويرفع عنك كل هذه الأتعاب التى جلبتها على نفسك. إن اللذة المؤقتة تخلف مراراً فى داخلك، فلا تنخدع بها.
(5) التمادى فى عبادة الأوثان (ع20-30):
20- لانه منذ القديم كسرت نيرك و قطعت قيودك و قلت لا أتعبد لأنك على كل أكمة عالية و تحت كل شجرة خضراء أنت اضطجعت زانية. 21- و أنا قد غرستك كرمة سورق زرع حق كلها فكيف تحولت لي سروغ جفنة غريبة. 22- فإنك و إن اغتسلت بنطرون و اكثرت لنفسك الأشنان فقد نقش إثمك أمامي يقول السيد الرب. 23- كيف تقولين لم أتنجس وراء بعليم لم أذهب انظري طريقك في الوادي اعرفي ما عملت يا ناقة خفيفة ضبعة في طرقها. 24- يا أتان الفرا قد تعودت البرية في شهوة نفسها تستنشق الريح عند ضبعها من يردها كل طالبيها لا يعيون في شهرها يجدونها. 25- احفظي رجلك من الحفا و حلقك من الظمأ فقلت باطل لا لأني قد أحببت الغرباء ووراءهم أذهب. 26- كخزي السارق إذا وجد هكذا خزي بيت اسرائيل هم و ملوكهم ورؤساؤهم و كهنتهم و أنبياؤهم. 27- قائلين للعود أنت أبي و للحجر أنت ولدتني لأنهم حولوا نحوي القفا لا الوجه و في وقت بليتهم يقولون قم و خلصنا. 28- فأين آلهتك التي صنعت لنفسك فليقوموا ان كانوا يخلصونك في وقت بليتك لأنه على عدد مدنك صارت آلهتك يا يهوذا.29- لماذا تخاصمونني كلكم عصيتموني يقول الرب. 30- لباطل ضربت بنيكم لم يقبلوا تأديبا آكل سيفكم أنبياءكم كأسد مهلك.
ع20: نيرك : خشبة مستعرضة توضع على رقاب الحيوانات ويخرج منها خشبة فى نهايتها الآلة الزراعية، وتربط برقاب الحيوانات بواسطة حبل، فهى تمثل الثقل والتعب الذى تعانيه الحيوانات فى جر الآلات الزراعية.
أكمة : تل حيث يقدمون عبادة للأوثان.
يشبه الله شعبه بحيوانات استغلها الناس فى أداء أعمالهم، ففك الله قيود عبادتهم، عندما كانوا فى مصر، وأعطاهم الحرية ليعبدوه فى برية سيناء، ثم فى كنعان، ولكنهم عادوا فاستعبدوا أنفسهم للآلهة الوثنية التى عبدوها فوق الآكام، أو تحت ظلال الأشجار. ويسمى عبادة الأوثان زنا؛ لأنه ابتعاد شعبه كعروس عن عريسها والتصاقها بآخر هو الوثن، هذا هو الزنا الروحى. وقد ارتبطت أيضاً عبادة الأوثان فى كثير من الأحيان بالزنا الجسدى لإرضاء الآلهة.
ع21: سورق : أجود أنواع الكروم.
سروغ : فروع.
جفنة : كرمة.
يعاتب الله شعبه ويشبههم بشجرة عنب من أجود الأنواع قد غرسها الله عندما علمهم الحق فى برية سيناء بوصاياه وشرائعه، فكيف انحرفوا عنه وأصبحوا كرمة غريبة تعطى ثماراً ردية ؟ أى لماذا تركوا عبادته والسلوك بالحق إلى عبادة الأوثان والسلوك فى الشر ؟!
ع22: نطرون : ملح قلوى يوجد فى الأرض مختلط بالأتربة، ويستخدم مثل الصابون فى التنظيف، ويستخرج من نبات الأشنان.
الأشنان : نبات إذا أحرق يصير رماده صالحاً للتنظيف كصابون جيد.
يوبخ الله أورشليم بأن اهتمامها بمظاهر العبادة، أو مظاهر العظمة والأخلاق لن يفيدها شيئاً، فكل أنواع المنظفات التى من أشهرها النطرون والأشنان لن تزيل عنها خطيتها؛ لأنها منقوشة فى الحجر أمام الله، ولا يمكن أن تُمحَى إلا بالتوبة والرجوع إليه.
ع23: الوادى : وادى هنوم الذى يقدمون فيه ذبائح بشرية للآلهة الوثنية، أى أطفالهم لإرضاء الأوثان.
ناقة : أنثى الجمل ومن طبيعتها أن تتحرك يميناً ويساراً بخفة، فترمز للإنسياق وراء الآلهة الغريبة.
ضبعة : أنثى الضبع التى تنبش فى الأرض لتأكل الجثث المتعفنة فترمز للبحث عن الشهوات الشريرة الدنيئة.
أنكرت أورشليم عبادتها للأوثان وتنجسها بهم، فيرد عليها الله مشهداً عليها ما فعلته فى وادى هنوم بتقديم أطفالها ذبائح للآلهة الوثنية. ويشبهها بناقة تجرى يميناً ويساراً وراء الآلهة الوثنية، وكالضبعة فى بحثها عن الشهوات الدنسة.
ع24: أتان : أنثى الحمار.
الفرا : الحمار الوحشى.
تعودت البرية : الانطلاق فى كل اتجاه فى الصحراء، ويرمز لانطلاق الأنثى وراء كل رجل.
تستنشق الريح : تعبير عن عدم فائدة كل ما تصنعه، فهى لا تستنشق رائحة جميلة، بل الريح الذى بلا رائحة.
عند ضبعها : عند بحثها كالضبعة عن الجثث الميتة وترمز للبحث عن الشهوات الدنيئة.
يعيون : يتعبون.
فى شهرها : الشهور المناسبة للتزاوج عند الحيوانات.
يشبه الله أورشليم أيضاً بأنثى الحمار الوحشى التى تعودت الإنطلاق فى الصحراء، أى أنها تجرى وراء الآلهة الوثنية التى للأمم المحيطة بها، وهى عندما تتمادى فى شهوتها لا تشبع أبداً بل كأنها تشم الريح، وتبحث كالضبعة عن الجثث الميتة، أى تجرى وراء إشباع شهواتها الشريرة، وهى كالزانية التى لا يتعب كل من يطلبها فى البحث عنها؛ لأنها تعرض نفسها عليه وهى مستعدة للزنا طوال فترة التزاوج، أى شهور التزاوج. وبهذا يوبخها الله على جريها وراء عبادة الأوثان وطلبها المستمر للشهوات الدنسة.
ع25: فقلت باطل : رفضت تنبيه الله وتحذيره.
يستكمل تشبيهها بالزانية التى تجرى وهى حافية القدمين وراء كل رجل وأصبحت ظمآنة للشهوة التى لا تشبع منها. فالخطية تفقد الإنسان كرامته، أى لبس الحذاء، وتجعله لا يشبع أبداً، بل يشعر بالحرمان واشتعال الشهوة المتزايد داخله.
ولكن عندما حذَّر الله أورشليم من الحفا والظمأ رفضت كلامه، وأعلنت ببجاحة محبتها للزنا مع كل إنسان غريب، وهذا ينطبق على عبادة الأوثان المختلفة، وكذلك التمادى فى الشهوات والزنا الذى ارتبط بهذه العبادات وانتشر فى حياتهم.
ع26: يشبههم بالسارق الذى يتلذذ بما يسرقه ولكن يكون خزيه عظيماً عند القبض عليه. هكذا، ليس فقط الشعب فى أورشليم، ولكن أيضاً كل فئاته سواء الكهنة، أو الملوك، أو الأنبياء.
ع27: العود : الأوثان المصنوعة من الخشب، أى سيقان، أو أعواد النباتات.
الحجر : الأصنام المصنوعة من الحجارة.
تمادى شعب الله فى خطاياهم، فعبدوا الأوثان المصنوعة من الخشب، أو الحجارة ودعوها آباء وأمهات ورعاة لهم لتحفظهم فى حياتهم؛ وبهذا تركوا الله وأعطوه ظهورهم. وعند وقوعهم فى تجارب ولا تنجدهم آلهتهم الوثنية، يطلبون من الله أن ينقذهم متناسين أنهم تمردوا وعصوا عليه، فلا يعرفونه إلا لاحتياجهم.
ع28: يستهزئ الله بهم ويقول لهم ادعوا آلهتكم الوثنية التى أصبحت كثيرة جداً كعدد مدن مملكة يهوذا، إذ اختارت كل مدينة إلهاً أو أكثر لها من الآلهة الوثنية. فيقول لهم اطلبوها لتنقذكم إن كانت تستطيع، وهى بالطبع لا قوة لها؛ لأنها مجرد تماثيل.
ع29: يواصل الله توبيخه لهم لأنهم وقفوا خصماً له وعصوه بعبادتهم للآلهة الوثنية.
ع30: يعلن الله بأسف أن التأديب غير نافع لهم، فهم لم يرجعوا بالتوبة لله، إذ عندما أرسل إليهم أنبياءه ليوبخوهم على شرورهم، قاموا عليهم وقتلوهم بالسيف، أو بأية طريقة أخرى فكانوا كالأسود المفترسة للأنبياء الصالحين الذين أرسلهم الله لإرجاعهم إليه.
لا تقاوم إنذارات الله لك وتوبيخاته التى تأتيك على لسان أب اعترافك، أو مرشديك، أو كل من حولك، فهو يريد خلاصك. أطع وصاياه واخضع لكنيسته واتضع أمام الكل فتجد راحتك وخلاصك.
(6) عتاب الله وعقابه (ع31-37):
31- أنتم أيها الجيل انظروا كلمة الرب هل صرت برية لإسرائيل أو أرض ظلام دامس لماذا قال شعبي قد شردنا لا نجيء إليك بعد. 32- هل تنسى عذراء زينتها أو عروس مناطقها أما شعبي فقد نسيني أياما بلا عدد. 33- لماذا تحسنين طريقك لتطلبي المحبة لذلك علمت الشريرات أيضا طرقك. 34- أيضا في أذيالك وجد دم نفوس المساكين الأزكياء لا بالنقب وجدته بل على كل هذه. 35- و تقولين لأني تبرات ارتد غضبه عني حقا هأنذا أحاكمك لأنك قلت لم أخطئ. 36- لماذا تركضين لتبدلي طريقك من مصر أيضا تخزين كما خزيت من أشور. 37- من هنا أيضا تخرجين ويداك على رأسك لأن الرب قد رفض ثقاتك فلا تنجحين فيها
ع31: يواصل الله توبيخه لشعبه الذين رفضوا كلامه، ويتساءل مستنكراً عن سبب ابتعادهم عنه قائلاً هل صرت فى نظركم برية جافة قاحلة بلا حياة، أو صرت مكاناً مظلماً ظلاماً شديداً ؟ ولماذا شردتم، أى ابتعدتم عنى ورفضتم الرجوع إلىّ ؟ فأنا كنت دائماً نوراً لكم وحياة كما رعيتكم فى برية سيناء وفى كنعان.
ع32: يعلن الله أنه زينة شعبه وثياب البر التى تكسوهم، ومن المنطقى أن تهتم العروس بزينتها ومناطقها، أى ثيابها وكل ما يتصل بها مما يلبس على الوسط، فلماذا نسيت أورشليم كعروس لله عريسها الذى هو زينتها وبهاءها ؟
ع33: يعاتب أورشليم أنها تسعى وراء عبادة الأوثان كما تسعى العروس نحو من تحبه، أو الزانية وراء من يطلبونها وتحبهم. فأورشليم قد طلبت المحبة الشريرة، أى محبة عبادة الأوثان والشهوات الردية، بل علمت أبناءها وبناتها هذا الشر، ويقصد بالشريرات بناتها.
ع34: يضيف خطية أخرى وجدت فى أورشليم وهى الظلم، الذى يعبر عنه بدم نفوس المساكين الأذكياء. وخطايا أورشليم واضحة لا تحتاج إلى تنقيب، أو بحث، بل ظاهرة فى كل بيوتها وشوارعها.
ع35: زاد شر أورشليم أنها لم تعترف بخطاياها، بل حاولت تبرير نفسها، وادعت أنها بريئة من كل شر لأجل هذا لميعاقبها الله حتى الآن. لذا يرد عليها الله بأنها أن يحاكمها الله ويعاقبها.
ع36: يعاتب الله أورشليم أيضاً على جريها للاستعانة بمصر، كما جرت قديماً للإستعانة بأشور، فهجمت عليها ودمرت مدنها وسبت كل المملكة الشمالية، فلماذا تجرى الآن نحو مصر ؟ فيدعوها للتوبة والرجوع إليه بدلاً من الالتجاء للبشر لينقذوها من مصائبها، أو الاحتماء من بابل التى تهددها.
ع37: يداك على رأسك : عند السبى يخرج الأسرى واضعين أيديهم على رؤوسهم، وقد يحدث هذا أيضاً فى حالة الحزن الشديد عند موت الأحباء.
يعلن الله عقابه لأورشليم من أجل عصيانها أنها ستسبى وتخرج من بلادها كما يخرج الأسرى فتكون فى حزن وذل شديدين، ولن ينفعها من وثقت بهم مثل مصر وأشور “ثقاتك”، وهذا ما حدث فعلاً بعد سنوات عند هجوم بابل وسبيها لأورشليم واليهودية؛ لأنها لم تسمع لصوت الله على لسان إرميا النبى، ولم تتب عن خطاياها. تذكر أن نفسك عروس للمسيح، وفرحها وعظمتها أن تلتصق به، وتتزين بالفضائل التى يهبها لها. فأعطِ وقتاً كافياً للوجود مع الله، وأزل خطاياك بالتوبة، فتحتفظ بجمالك كعروس مُزَّينة لعريسها.