إجابة إرميا على صدقيا
(1) صدقيا يطلب مشورة (ع1، 2):
1- الكلام الذي صار إلى إرميا من قبل الرب، حين أرسل إليه الملك صدقيا فشحور بن ملكيا و صفنيا بن معسيا الكاهن قائلا : 2- “اسأل الرب من اجلنا لان نبوخذراصر ملك بابل يحاربنا لعل الرب يصنع معنا حسب كل عجائبه فيصعد عنا”.
ع1: أقام نبوخذ راصر، ملك بابل، “متنيا” ملكاً على مملكة يهوذا وأسماه “صدقيا”، وذلك بعد السبى البابلى الأول لمملكة يهوذا، وكان عمره 21 سنة ومَلَكَ مدة 11 سنة، وهو آخر ملوك مملكة يهوذا وبعده سُبيت مملكة يهوذا وتم تدمير أورشليم وما حولها.
فى بداية مُلك “صدقيا” أرسل رسالة إلى ملك بابل يؤكد فيها ولاءه له (إر29: 3)، ثم فى السنة الرابعة لملكه ذهب بنفسه إلى بابل (إر51: 59).
وفى أواخر ملكه، شجعه رؤساء يهوذا على التمرد على ملك بابل، لأنه قد مَلك ملك جديد على مصر ووعد بنى إسرائيل بحمايتهم، إذ كان يريد أن يجعل مملكة يهوذا درعاً واقياً لمصر فى وجه ملوك بابل، بالإضافة إلى محاولة مصر استعادة بعض أراضيها التى اغتصبها ملك بابل.
ففكر “صدقيا” أن يتمرد على ملك بابل، خاصة وأنه قد تحالف مع ملوك البلاد المحيطة به حتى يتصدوا لملك بابل، وهم ملوك أدوم وموآب وبنى عمون وصور وصيدا. وكان “صدقيا” يقصد بالتمرد على ملك بابل التخلص من دفع الضرائب له.
أما سلوك “صدقيا” الملك فكان شريراً إذ أدخل عبادة الأوثان فى هيكل الله، وانتشر الظلم فى مملكته أى سلك بفساد ولم يطع وصايا الله كما يظهر من (ع11، 12).
لم يعتمد “صدقيا” على الله، واعتمد على قوة مصر بالإضافة إلى أنه لم يتعلم من التاريخ إذ أنه من حوالى قرن ونصف أيام “أشعياء النبى”، وعدت مصر وعوداً كثيرة بحماية يهوذا ضد الأشوريين ولم تعمل شيئاً.
كان جيش بابل قد حاصر أورشليم فى السنة التاسعة لمُلك “صدقيا”، ولم يستطع دخولها لقوتها ولأن ملك مصر تحرك بجيوشه نحوها فتركتها، بابل إلى حين (إر37: 5) ثم عادت فحاصرتها مرة أخرى.
فى السنة الحادية عشرة لمُلك “صدقيا” ولما طال الحصار، نفذ الطعام من أورشليم فهرب منها “صدقيا” مع بعض رجاله، ولكن جيوش بابل قبضت عليه وأرسلته إلى نبوخذ نصر إلى بابل وسجنه فيها حتى مات هناك (2مل25: 1-7) ونهب نبوخذنصر خزائن أورشليم وأحرق بيت الرب ودمر المدينة وقتل الكثيرين والباقين أخذهم سبايا (2أى36: 11-21) (أر39: 1-14) وكان ذلك عام 587 ق.م.
أرسل الملك “صدقيا” اثنين من الكهنة التابعين له وكانا يكرهان “إرميا”، إذ غالباً والد “فشحور” الكاهن هو “ملكيا” الذى كان قد ألقى “إرميا” فى الجب، و”فشحور” هذا غير “فشحور” رئيس الكهنة المذكور فى الأصحاح السابق.
ع2: أخبر “صدقيا” “إرميا” بمحاصرة ملك بابل لأورشليم ونيته فى أن يحاربها، وطلب منه أن يسأل الله ولم يكن يريد أن يعرف صوت الله وإرشاده بل كان يتمنى أن يصنع الله معجزة وينقذه من بابل، لأنه كان قد اعتمد على مصر ومُصر على التمرد ضد بابل. فلم يكن مستعداً للخضوع لكلام الله بل كان مُغرضاً ويريد أن يعطيه الله ما سبق واتفق فيه مع عظمائه.
لعل صدقيا تذكر ما حدث أيام “حزقيا” الملك، الذى طلب من أشعياء كلام الله فشجعه وأرسل الله ملاكه فقتل 185 ألفاً من جيش أشور وهرب الباقون، ولكن هناك فارق كبير بين “صدقيا” و”حزقيا”، لأن “حزقيا” كان يتقى الله وخاضعاً له، أما “صدقيا” فسلك فى الشر واعتمد على مصر.
إن كنت تريد معونة الله وترغب فى سماع صوته، فكن مستعداً للخضوع لإرشاده، وتب عن خطاياك، واثبت فى الكنيسة وأسرارها حينئذ يحفظك الله ويقود حياتك ويرشدك فى كل خطواتك.
(2) إجابة أرميا على صدقيا (ع3-7):
3- فقال لهما إرميا : هكذا تقولان لصدقيا : 4- هكذا قال الرب إله إسرائيل هأنذا أرد أدوات الحرب التي بيدكم التي أنتم محاربون بها ملك بابل و الكلدانيين الذين يحاصرونكم خارج السور، وأجمعهم في وسط هذه المدينة. 5- و أنا أحاربكم بيد ممدودة و بذراع شديدة، و بغضب و حمو و غيظ عظيم. 6- و أضرب سكان هذه المدينة، الناس و البهائم معا بوبأٍ عظيم يموتون. 7- ثم بعد ذلك قال الرب : أدفع صدقيا ملك يهوذا و عبيده و الشعب و الباقين في هذه المدينة من الوبأ و السيف و الجوع ليد نبوخذراصر ملك بابل و ليد اعدائهم و ليد طالبي نفوسهم، فيضربهم بحد السيف لا يترأف عليهم و لا يشفق و لا يرحم.
ع3: أرسل “إرميا” كلام الله إلى “صدقيا” على يد الكاهنين اللذين أرسلهما إليه ليسألاه.
ع4: لم يوافق كلام الله أغراض “صدقيا” بل أعلن غضبه عليه لأنه لا يريد أن يتوب، فقال له :
- إن الأسلحة الحربية التى بيد جنوده لن تنفعه ولن يستطيعوا الدفاع عن أنفسهم وعن أورشليم، بل سترتد الأسلحة التى بيدهم ضدهم لأن الله نفسه ضدهم أى أنهم سينهزمون فى هذه الحرب.
- الكلدانيون أى البابليون الأعداء المحاصرون أورشليم سيدخلون فى وسطها ويدمروها.
ع5: يعلن الله بوضوح أنه هو الذى يؤدبهم فهو إله إسرائيل فهو إلههم الذين عصوا وصاياه وسيمد يده وذراعه أى يوجه غضبه وتأديبه الشديد لهم لأنهم مُصرون على خطاياهم وبإعلانه هذا التأديب يود أن يخافوه ويتوبوا حتى يرحمهم.
ع6: لأن الله أصبح ضد شعبه فيستخدم لتأديبهم ليس فقط جيوش بابل بل أيضاً الأمراض التى تنتشر بينهم كوبأ فتضعف وتقتل كثيرين.
ع7: غضب الله يأتى عليهم أيضاً بالجوع عندما تحاصر جيوش بابل أورشليم فينفذ الطعام.
ومن ينجو من الوبأ والجوع، يقتله جيش بابل وهذا يشمل أولاد الملك وعبيده وعظماءه وشعبه فيموت الكثيرون بالسيف.
لا تُصر أو تستبيح أو تتهاون فى خطية ما لأنك بهذا تتحدى الله، وحينئذ بمحبته لك يوجه غضبه ضدك ليؤدبك حتى تتوب، فإرجع سريعاً لتنقذ نفسك من متاعب كثيرة فترى وجه الله الذى أخفيته بتهاونك بالخطية.
(3) نصيحة للشعب (ع8-10):
8- و تقول لهذا الشعب : هكذا قال الرب : هأنذا أجعل أمامكم طريق الحياة و طريق الموت.
9- الذي يقيم في هذه المدينة يموت بالسيف و الجوع و الوبأ. و الذي يخرج و يسقط إلى الكلدانيين الذين يحاصرونكم يحيا و تصير نفسه له غنيمة. 10- لأني قد جعلت وجهي على هذه المدينة للشر لا للخير، يقول الرب ليد ملك بابل تُدفع فيحرقها بالنار.
ع8: كان كلام الله محدداً فى نصيحته لمملكة يهوذا على كل واحد من الشعب أن يختار إما أن يحيا بالإستسلام لجيوش بابل وهذا يعنى الخضوع لتأديب الله للتوبة عن الخطايا، أو اختيار طريق الموت الذى يظهر فى مقاومة البابليين فيقتلوه، وهذا معناه مقاومة كلام الله والنتيجة الهلاك.
ع9: أعلن أن الذى سيبقى فى أورشليم سيموت إما بالجوع أو الوبأ أو بسيف الأعداء، أما من سيخرج من أورشليم ويسلم نفسه لبابل فأنه يحيا ولا يموت.
ظهر كلام “إرميا” كأنه خائن للوطن وموالى لبابل، ولكن فى الحقيقة من يعرف أنه نبى الله سيفهم أن هذا هو أمر الله، ليس لأن بابل تصرفها حسن بل لأن الخضوع لعبودية بابل هو قبول لتأديب الله وبداية التوبة، فيغفر الله خطاياهم.
ع10: يقرر الله أنه غضب على أورشليم فيسمح لها بالشر أى التأديب بتدميرها وحرقها بواسطة بابل.
هذا الكلام قاله الله للشعب وكانت آمالهم إما أن يخضعوا له ويصدقوه فينقذوا أنفسهم أو يخالفوه فيهلكهم.
لا تتذمر على الضيقات بل اقبلها من يد الله، وحاسب نفسك لتتوب عن خطاياك القديمة وأعلم أن مراحمه كثيرة جداً وهو يريد خلاصك.
(4) دعوة توبة للقصر الملكى ولأورشليم (ع11-14):
11- و لبيت ملك يهوذا تقول اسمعوا كلمة الرب. 12- يا بيت داود، هكذا قال الرب، اقضوا في الصباح عدلاً و أنقذوا المغصوب من يد الظالم لئلا يخرج كنار غضبي فيحرق و ليس من يطفئ من أجل شر أعمالكم. 13- هأنذا ضدك يا ساكنة العمق صخرة السهل، يقول الرب، الذين يقولون من ينزل علينا و من يدخل إلى منازلنا. 14- و لكنني أعاقبكم حسب ثمر أعمالكم يقول الرب و أشعل ناراً في وعره فتأكل ما حواليها
ع11: يقصد ببيت ملك يهوذا الأسرة المالكة وعبيد الملك ومشيريه وعظماءه أى من يساعدون الملك فى حكم البلاد. وهؤلاء عليهم مسئولية كبيرة لأنهم يشاركون الملك فى الحكم فإن كان الحكم سليماً يكافئوه أو فاسداً فيعاقبوه.
ع12: ليست مسئولية الموجودين فى قصر الملك أن يكونوا عادلين فى حياتهم الخاصة فحسب بل أيضاً يجرون العدل فى كل المملكة فلا يسكتون على الظلم والاغتصاب بل ينصفون المظلوم. وكان بيت الملك يظلمونه ويوافقون على ظلم الإنسان لأخيه فأنذرهم الله بعقابه كنار تحرقهم لأجل خطاياهم وقد حدث هذا فعلاً إذ أحرق البابليون بيت الرب وقصر الملك وقصور العظماء.
اهتم أن تقوم بمسئولياتك فى رعاية وإرشاد من حولك بكل طاقتك فتوبخ وتنذر المخطئ وتعاقبه إذا كان لك سلطان عليه، حتى تجرى العدل وتشيع النقاوة وتجذب الكل للحياة مع الله ولكن إن أصروا على خطاياهم فسوف يهلكون، أما أنت فتخلص لأنك كنت أميناً فى واجبك من نحوهم.
ع13: ساكنة العمق : كانت أورشليم على قمة الجبل فلقبها بساكنة العمق وليس بالسهل المنبسط.
صخرة السهل : أورشليم التى فوق الجبل أى الصخرة ومحاطة بالصخور من ثلاث جوانب ما عدا الشمالى.
تكبرت أورشليم وظنت أنها فى مأمن من مهاجمة الأعداء لأنها كائنة على جبل، حتى أنها نادت من يستطيع أن يهجم على مدينتنا وينزل بقوته علينا ومن يستطيع أن يدخل منازلنا، إذ ظنوا بكبرياء أنهم فى مأمن من الأعداء. ولعلهم ظنوا أنه ما دام هيكل الله فى مدينتهم فلا يستطيع أى عدو أن يهاجم أورشليم، ونسوا أن خطاياهم فصلتهم عن الله وحرمتهم من حمايته.
وعرة : البرية المحيطة بأورشليم حيث تنمو الأشجار.
يعلن الله أنه بغضبه يؤدبهم، فيحرقهم بنار البابليين هم ومدينتهم أورشليم والبرارى والغابات المحيطة بهم.