الله يؤدب شعبه ويسند نبيه
– تأديب ضرورى (ع1 – 9)
1- ثم قال الرب لي و إن وقف موسى و صموئيل أمامي لا تكون نفسي نحو هذا الشعب اطرحهم من أمامي فيخرجوا. 2- و يكون إذا قالوا لك إلى أين نخرج أنك تقول لهم. هكذا قال الرب الذين للموت فإلى الموت و الذين للسيف فإلى السيف و الذين للجوع فإلى الجوع و الذين للسبي فإلى السبي. 3- و أوكل عليهم أربعة أنواع يقول الرب. السيف للقتل و الكلاب للسحب وطيور السماء و وحوش الأرض للأكل و الإهلاك. 4- و ادفعهم للقلق في كل ممالك الأرض من أجل منسى بن حزقيا ملك يهوذا من أجل ما صنع في أورشليم. 5- فمن يشفق عليك يا أورشليم و من يعزيك و من يميل ليسأل عن سلامتك. 6- أنت تركتني يقول الرب إلى الوراء سرت فأمد يدي عليك و أهلكك. مللت من الندامة. 7- و أذريهم بمذراة في أبواب الأرض اثكل و أبيد شعبي لم يرجعوا عن طرقهم. 8- كثرت لي أراملهم أكثر من رمل البحار جلبت عليهم أم الشبان ناهباً في الظهيرة. أوقعت عليها بغتة رعدة و رعبات. 9- ذبلت والدة السبعة أسلمت نفسها غربت شمسها إذ بعد نهار خزيت و خجلت. أما بقيتهم فللسيف أدفعها أمام أعدائهم يقول الرب.
ع1: نتيجة إصرار الشعب على خطاياهم يمنع الله إرميا من الصلاة لأجلهم، ولئلا يظن أنه بسبب ضعفه أو خطاياه يقول له ولا حتى الأنبياء العظماء فى شعب الله مثل موسى الذى تشفع فى شعبه لئلا يهلكهم الله (خر32: 11-14) ومثل صموئيل (1صم7: 5-11) فهو تشجيع لإرميا الذى يذكر عنه الكتاب المقدس أنه شفيع دائم فى أولاد الله (مكابيين الثانى 15) ويقرر الله أنه لابد أن يطرح شعبه ويطردهم من مدنهم تأديباً لهم على خطاياهم لعلهم يتوبون.
احترس من أن تخسر شفاعة القديسين فيك لتماديك فى الخطية وتبريرها فيحزن عليك ملاكك الحارس فمهما كانت أخطاؤك لا تيأس ولا تحزن، بل قدم توبة أمام أب أعترافك فيقبلك الله.
ع2: يقول الله لإرميا إن سألوك إلى أين نذهب عندما نخرج من مدننا فتعلن لهم قضاء الله الذى يظهر فى :
- الموت بالسيف وبكل طريقة.
- المرض بسبب الجوع والذى قد يؤدى إلى الموت.
- السبى كعبيد فى مملكة بابل.
ع3: يؤكد الله عقابه الشديد لهم بسبب إصرارهم على الخطية ويظهر هذا العقاب فى :
- الموت بالسيف ويعنى هلاكهم لعدم توبتهم.
- الكلاب تسحب جثثهم بعد موتهم رمزاً لإذلالهم بسبب خطاياهم.
- الطيور الجارحة تأكل جثثهم رمزاً للشياطين التى تهاجمهم بالأفكار الشريرة والعبادات الوثنية.
- الوحوش تأكل جثثهم رمزاً للشهوات الشريرة التى تدمر حياتهم.
ع4: بالإضافة للعقوبات السابقة يضربهم الله بالقلق عندما تسبيهم بابل وتنقلهم إلى بلاد متفرقة فى مملكتها كل هذا بسبب تماديهم فى الشرور التى تميز فيها منسى الملك وهو أشر ملوك مملكة يهوذا وحكم لمدة طويلة، وأدخل عبادة الأوثان فى مملكته وانتشر الفجور أيامه فاستمر اليهود فى أيام إرميا فى هذه الخطايا.
ع5: ستكون أورشليم فى حالة بؤس شديد بعد أن تدمرها بابل ولم تجد من جيرانها من يشفق عليها ويعينها ولا من مدن يهوذا لأنها ستكون دمرت مثلها ولن ينقذها الله لأنها متمردة عليه وعاصية لكلامه.
ع6: بسبب ترك أورشليم ومملكة يهوذا لله والحياة معه واستبداله بعبادة الأوثان فالله يسمح لها بهذا العقاب ويعلن الله ضيقه من ندامتها المزيفة فهى غير صادقة فى عبادتها وتتظاهر بالتوبة والندم ولكنها مصرة على الشر.
ع7: مذراة : عصا خشبية لها خمسة أصابع تستخدم فى فصل الحبوب عن القش فيطير القش مع الهواء بعيداً عن الحبوب.
أبواب الأرض: العالم كله.
أثكل: أقتل بنين شعبى.
يهدد الله شعبه بأنه سيبعثره فى مدن العالم بواسطة بابل التى تملك على العالم وتنقلهم إلى بلاد مختلفة تابعة لها، ويشبه هذا بالفلاح الذى يذرى القش ليبعده ويفصله عن حبوب القمح أو الشعير. ويضيف أيضاً أنه سيقتل أبناء مملكة يهوذا فتصير كالأم الثكلى أى التى فقدت بنيها.
ع8: رعبات : جمع رعبة أى أمر مخيف جداً
يعلن الله أنه سيقتل الكثيرين من رجال يهوذا فيكثر عدد الأرامل لدرجة أن يصبح من الصعب حصرهن مثل استحالة حصر رمل البحار، وسيهجم الموت على الأم التى لها أبناء شبان فجأة فيقتل أبناءها ويسبب لها رعباً وخوفاً عظيمين، هذا ما حدث على يد بابل التى قتلت الشباب وتركت أمهاتهم بلا أبناء.
ع9: يستكمل كلامه عن أمهات مملكة يهوذا اللاتى فقدن أبناءهن الشبان فى الحرب ويشبهها بامرأة أصبحت فى ضعفها كالمرأة الذابلة لأنها فقدت كل أبنائها حتى لو كانوا كثيرين وبلغوا سبع بنين أى فقدت الأمة اليهودية كل رجالها واستسلمت للحزن وصارت فى ضيق يعبر عنه بالظلام مع أن عمرها ليس كبيراً ولكنها فقدت حيويتها كما يفقد النهار ضوءه ويأتى الليل بظلامه. وكانت فى خزى وعار وذل وضعف بسبب موت الرجال الذين هم سندها. فهى ترمز للنفس التى تهاونت وتمادت فى الخطية فصارت عاجزة وغير قادرة على مواجهة الحياة. كل هذا يقوله الله على لسان إرميا لينبه شعبه ويعودوا من فجورهم وشهواتهم وعبادتهم الوثنية فيتوبوا ويقبلهم الله.
(2) مساندة الله لإرميا (ع 10 – 11)
10- ويل لي يا أمي لأنك ولدتني إنسان خصام و إنسان نزاع لكل الأرض. لم اقرض و لا أقرضوني و كل واحد يلعنني. 11- قال الرب إني أحلك للخير إني أجعل العدو يتضرع إليك في وقت الشر و في وقت الضيق.
ع10: بدأ إرميا التنبؤ منذ كان صغيراً فى وسط جيل شرير فوبخ الشعب ليتوب وكذلك قياداته سواء الكهنة أو الأنبياء أو الرؤساء ولم يقبل كلامه ويتوب إلا عدد قليل جداً ومنه تلميذه باروخ النبى الذى كان يسجل نبوات معلمه. أما باقى الشعب فشعروا بضيق من كلام أرميا بل حسبوه عميلا لبابل عندما دعاهم للخضوع للسبى البابلى وعدم الالتجاء إلى مصر فوقفوا خصوماً له وقاوموه وتنازعوا معه بل حاولوا قتله مرات كثيرة. مع أنه لم توجد أى معاملات مادية بينه وبينهم فلم يعطهم سلفيات أو يستلف منهم شيئاً لأن هذه المعاملات المادية هى التى تحدث نزاعات بين البشر فلم يطالب بدين ولم يطالبه أحد بديون ولكن الكل يلعنه لأنه يوبخهم ويحدثهم عن مستقبل فظلم لهم وليس خيراً مثل الأنبياء الكذبة وكان نزاعه مع كل سكان أرض مملكة يهوذا أى كل شعبه.
يظهر من هذه الآية ضيق إرميا من مقاومة الناس لنبواته حتى أنه ينادى أمه الجسدية، فهو يتوجع وأقرب شخص له هى أمه معلناً لها مدى أوجاعه النفسية بسبب خدمتهم.
لا تتنازل عن إعلان الحق مادام الله قد أرشدك إلى هذا حتى لو رفض الناس كلامك واحتمل إساءاتهم لأنهم يقامونك بجهل وصل لأجلهم.
ع11: يرد الله على إرميا المتوجع من إساءات شعبه إليه ويعده أن يحله من قيود السجن الذى ألقى فيه ومن قيود الآلام النفسية التى يعانيها بسبب إضطهاد شعبه له.
ثم يطمئنه لأنه قال فى نفسه إن كان شعبى يضطهدنى هكذا فماذا سيفعل بى الإعداء البابليون؟ فيجيبه الله بأنه سيجعل الأعداء يعاملونه حسناً. بل يترجونه أن يفعل ما يريد وهذا ما حدث فعلاً إذ أكرمه البابليون وتركوا له حرية البقاء فى أورشليم أو الذهاب إلى بابل. والمقصود بوقت الشر والضيق هو وقت هجوم بابل على مملكة يهوذا.
(3) السبى (ع 12 – 14)
12- هل يكسر الحديد الحديد الذي من الشمال و النحاس. 13- ثروتك و خزائنك أدفعها للنهب لا بثمن بل بكل خطاياك و في كل تخومك. 14- و أعبرك مع أعدائك في أرض لم تعرفها لأن نارا قد أشعلت بغضبي توقد عليكم.
ع12: يكلم الرب شعبه على فم إرميا ويقول له إن كنتم تظنون أنكم أقوياء مثل الحديد فهل تستطيعون أن تكسروا الحديد والنحاس الآتى من الشمال أى مملكة بابل؟ بالطبع لا بل ستهزمكم وتدمركم بابل.
ع13: تخومك : حدودك
يستكمل الله كلامه مع شعبه الذى سينهزم أمام بابل ويقول لهم أن بابل ستنهب كل ثروتك وكل ما فى خزائنك من ذهب أو فضة أو مقتنيات غالية وستحتل أرضك إلى كل حدودك لأنك أخطأت كثيراً إلى الله. فيأخذ العدو كل مقتنياتك مجاناً وليس مقابل شئ بل بسبب خطاياك.
ع14: وبعد أن تنهب بابل كل مقتنيات مملكة يهوذا ستقبض على أغنياء العظماء والشباب وترسلهم كعبيدإلى بابل وكل مدن مملكتها لأنه بسبب خطاياهم اشتعلت نار غضب الله ضدها.
كن متضعاً واعتمد على الله ولا تعتمد على قوتك الشخصية فى مقاومة من يسئ إليك وكل ثروتك وعلاقاتك ومركزك لن يفيدك إن كنت لا تحفظ وصايا الله، فارجع إليه بالتوبة واتكل عليه فيحفظك من كل الشر.
(4) طلب معونة الله ( ع 15 – 18)
15- أنت يا رب عرفت اذكرني و تعهدني و انتقم لي من مضطهدي. بطول أناتك لا تأخذني اعرف احتمالي العار لأجلك. 16- وجد كلامك فأكلته فكان كلامك لي للفرح و لبهجة قلبي لأني دعيت باسمك يا رب إله الجنود. 17- لم اجلس في محفل المازحين مبتهجا. من أجل يدك جلست وحدي لأنك قد ملأتني غضبا. 18- لماذا كان وجعي دائما و جرحي عديم الشفاء يأبى أن يشفى أتكون لي مثل كاذب مثل مياه غير دائمة.
ع15: إذ ازدادت الضيقات والإهانات والتهديدات من الأشرار على إرميا تضرع إلى الله قائلاً:
- آنت وحدك يا الله الذى تعرف خفايا قلبى وأنى أحبك وأحب شعبى وأريد خلاصهم فإن كان الأشرار يظنوننى خائناً فى بلادى أو قاسياً عليهم فأنت تعرف أنى أعمل كل هذا لمصلحتهم.
- يطلب من الله أن لا ينساه ويتركه وحده وسط المضطهدين بل يهتم به ويتعهده بمراحمه ويخلصه من أيديهم.
- تعب إرميا من اضطهاد الأنبياء الكذبة له حتى أنه طلب من الله أن ينتقم منهم ليس حقداً وكراهية لهم بل ليؤدبهم فيتوقفوا عن تعاليمهم الكاذبة فيتوبوا ولا يعودون يسيئون إليه.
- إن كان ارميا قد أعلن ضيقه لامه من المشاكل التى تمر به فى (ع10) فليس معنى هذا أنه يريد أن يموت بل يريد أن يكمل رسالته ويتنبأ كما يوصيه الله لجذب شعبه للتوبة فيطلب من الله أن يطيل أناته عليه ولا يجعله يموت لأنه أعلن آلامه وضيقه من الاضطهادات بل يسنده ويعطيه فرصة ليكمل خدمته.
- ذكر إرميا الله بأنه احتمل إهانات كثيرة لأجله ليلتمس الله العذر له فى ضيقه من كثرة الآلام فيسنده ويقويه.
ع16: وسط كل هذه الآلام عزى الله إرميا بتذوقه حلاوة كلام الله، ويعلن النبى ذلك بقوله أن كلام الله لذيذ جداً حتى أنه أخفاه فى قلبه، وتأمل فيه فصار مصدراً عظيماً لفرحه وسط الآلام، ويعبر عن تعمقه فى التأمل بأنه أكل كلام الله. ويضيف أن هذه النعمة أعطيت له أى التلذذ بكلام الله لأن اسمه دعى عليه أى أعطاه الله نعمة النبوة فأدخله إلى أعماق كلامه وهو أعظم ثروة فى العالم، وتصير ثروات شعبه المتمادى فى الشر بلا قيمة وقد نهبت بواسطة بابل، أما كلام الله فلا يستطيع أحد أن ينزعه من إرميا لأنه كلام الله رب الجنود أى الله القوى القادر أن يثبت كلامه فى أولاده ويمنعهم به.
لا تكتفى بقراءة الكتاب المقدس كل يوم بل اهتم أن تتأمل فى معانيه وتختار آية لتحفظها وتجعلها تدريباً تطبقه فى حياتك.
ع17: عاش ارميا فى التقوى ورفض مجالس المستهزئين وكلامهم الباطل وجلس وحده يتأمل كلام الله ويحزن على شعبه البعيد وعلى مستقبلهم السيئ أى سبيهم، وكان قلبه يمتلئ ضيقاً وحزناً وغضباً من أجل تماديهم فى الشر ويصلى لينجيهم منه.
ع18: يتساءل إرميا فى ضيقه من الآلام ويعاتب الله الذى يتركه بقلب مجروح وأوجاع نفسية لعدم توبة شعبه بالإضافة إلى الإهانات والاضطهادات المستمرة له ويقول له أن تركك لى كانك إله كاذب تعد أولادك بإنقاذهم من الضيق ولكنك تتركنى للآلام. ثم يعاتب الله فيشبهه كنبع ماء ولكنه غير دائم فيأتى إليه الإنسان ولا يجد ماء أى تعزية. وهنا يعاتب إرميا الله طالباً سرعة تدخله لينقذه ممن يضطهدونه.
(5) وعود الله لارميا (ع 19 – 21)
19- لذلك هكذا قال الرب. إن رجعت أرجعك فتقف أمامي و إذا أخرجت الثمين من المرذول فمثل فمي تكون. هم يرجعون إليك و أنت لا ترجع إليهم. 20- و أجعلك لهذا الشعب سور نحاس حصيناً فيحاربونك و لا يقدرون عليك لأني معك لأخلصك و أنقذك يقول الرب.
21- فأنقذك من يد الأشرار و أفديك من كف العتاة.
ع 19: يلتمس الله العذر لارميا فى تألمه وعدم احتماله الاضطهادات، ولكنه يدعوه إلى الرجوع إلى إيمانه الثابت به، حينئذ يرجع إليه الله سلامه وطمأنينته فهو يقدر ضعفه البشرى لكنه يعده بالسلام والفرح إن عاد إلى اتكاله عليه، والمقصود بوقوف إرميا أمام الله هو وقوف الصلاة والشعور بحضرة الله الدائمة معه فيطمئن قلبه وحينئذ يستطيع أن يتكلم بشجاعة ويعلن نبواته مهما كانت اضطهادات الأشرار له وإخراج الثمين من المرذول أى اللحم الجيد الدسم من العظام أو الأغشية التى لا تؤكل يقصد به إرجاع النفوس الغالية إلى الله والتى كانت مرذولة بسبب شرها فالله يشجع النبى أن يتشدد ويستكمل خدمته لطلب توبة نفوس شعبه بهذا يكون فمه مثل فم الله أى أنه يعلن الحق الإلهى ويظهر أبوة الله التى تريد خلاص الجميع. وبهذا يرجع الشعب إلى الحياة النقية التى يحياها إرميا فى الأيمان ويتركون عبادة الأوثان ولا يرجع إرميا ليوبخهم ثانية على شرورهم.
ويمكن أن يكون المقصود بعدم رجوع إرميا إليهم أنه لن يوبخهم ثانية لأن السبى سيهجم عليهم فيرجعون هم إلى إرميا طالبين إنقاذهم.
ع20: يطمئن الله إرميا بأنه رغم اضطهاد شعبه له فهو سيسنده ويجعله قوياً مثل الأسوار النحاسية التى تحيط بالمدن فلا يستطيع أحد اختراقها فهم سيواصلون اضطهاداتهم لكنهم لن يقدروا أن يوقفوا نبواته أو يضعفوه.
ع 21: وهكذا تتجلى قوة الله أنه رغم قوة الأشرار الذين يضطهدون إرميا ويعبر عنهم بأنهم عتاة أى أقوياء جداً ولكن الله ينقذه من أيديهم فتظهر قوة الله التى هى فوق الكل.
ارجع إلى الله بالتوبة وتمسك بإيمانك فتنال قوة إلهية تسندك فلا يستطيع أحد أن يقهرك وتقدر أن تستمر فى حياة النقاوة وخدمة الله.