الاتكال على الله مخلصنا من الخطية
(1) سيطرة الخطية (ع1 – 4):
1- خطية يهوذا مكتوبة بقلم من حديد برأس من الماس منقوشة على لوح قلبهم و على قرون مذابحكم. 2- كذكر بنيهم مذابحهم و سواريهم عند أشجار خضر على آكام مرتفعة. 3- يا جبلي في الحقل اجعل ثروتك كل خزائنك للنهب و مرتفعاتك للخطية في كل تخومك. 4- و تتبرأ وبنفسك عن ميراثك الذي أعطيتك إياه و أجعلك تخدم أعداءك في أرض لم تعرفها لأنكم قد أضرمتم نارا بغضبي تتقد إلى الأبد.
ع1: يعلن أن خطية سبط يهوذا ويقصد المملكة الجنوبية كلها محفورة فى قلوبهم فهى مكتوبة بقلم من حديد أى قوى قادر أن يحفر فى الحجارة وكذلك له رأس من الماس وهو معدن قوى قادر أن يحفر أيضاً فى المعادن. والخلاصة أن الخطية ثابتة فيهم وفى قلبهم أى فى مشاعرهم ونياتهم الداخلية وليس مجرد انزلاق فى خطية سطحية.
وتظهر خطيتهم أيضاً على مذابحهم أى العبادات الوثنية والذبائح المقدمة على مذابح الأوثان.
ع2: كذكر نبيهم: كلام معتاد كما يذكر الإنسان أبناءه هكذا صار كلامهم عن عبادة الأوثان التى اعتادوها.
سواريهم: جمع سارية وهى خشبة طويلة تغرس فى الأرض لتقدم عندها عبادة لإلهة الخصوبة وهى إحدى الآلهات الوثنية.
آكام : تلال
تعود سبط يهوذا أن يعبدوا الأوثان بإقامة مذابح أو سوارى لها كذلك كانوا يقدمون عبادة الأوثان تحت الأشجار الخضراء ويقدمون هذه العبادات أيضاً فوق الآكام. والخلاصة أن هذه الآية تعلن انتشار العبادات الوثنية بين شعب الله فى كل مكان.
ع3: تخومك : حدودك
ينذر الله شعبه بالتدمير والنهب عندما يهجم عليهم أعداؤهم فيسلبون ثرواتهم ويأخذونها من مدنهم الحصينة مهما كانت قوية كالجبل الشامخ لأنهم عبدوا الأوثان فوق هذه الجبال وفى كل مكان.
ع4: وهكذا يتنازل شعب الله عن أرضه وميراثه فيتركهما أى يتبرأ منهما ويذهب إلى السبى فالسبب الحقيقى للسبى ليس قسوة الأعداء بل خطية يهوذا، لنا سمح الله للأعداء أن يهجموا عليه. ولما تم السبى ذهب شعب الله ليصير عبداً يخدم البابليين وكان هذا غضباً من الله بسبب خطية يهوذا التى أشعلت غضب الله ضدهم والذى يستمر إلى الأبد إن لم يتوبوا عن خطاياهم فغضب الله يستمر على الخطاه الذين لم يتوبوا ويكمل فى يوم الدينونة حيث يذهبون إلى العذاب الأبدى.
الخطية هى التى تفصلك عن الله وتحرمك من بركاته وتجلب عليك كل غضب فلا تنخدع بلذتها فهى زائلة وتخلف فى داخلك مرارة عظيمة وإن سقطت أسرع بالتوبة لتنقذ نفسك لأن إلهنا رؤوف ورحوم.
(2) الإتكال على الله ( ع 5 – 8) :
5- هكذا قال الرب ملعون الرجل الذي يتكل على الإنسان و يجعل البشر ذراعه و عن الرب يحيد قلبه. 6- و يكون مثل العرعر في البادية و لا يرى إذا جاء الخير بل يسكن الحرة في البرية أرضاً سبخة و غير مسكونة. 7- مبارك الرجل الذي يتكل على الرب و كان الرب متكله. 8- فإنه يكون كشجرة مغروسة على مياه و على نهر تمد أصولها و لا ترى إذا جاء الحر و يكون ورقها أخضر و في سنة القحط لا تخاف و لا تكف عن الأثمار.
ع5: ذراعه: قوته لأن الذراع يعمل بها الإنسان وتظهر بها قوته.
يحذر الله مملكة يهوذا من الإتكال على البشر وقوتهم فهؤلاء يفقدون معونة الله ويكونون ملعونين منه لأنهم حادوا عنه ورفضوه.
ع6: العرعر: نبات جاف ليس له ثمار ويظهر فى الصحراء.
البادية : الصحراء.
الحرة : الأرض الحارة أى الذى ليس بها أى نباتات أو أثمار ويعنى عدم وجود ثمر فى الإنسان.
سبخة : أرض مالحة غير صالحة للزراعة.
اتكل شعب الله على البشر مثلما حاولوا الاتكال على مصر ليتحصنوا من أشور وبابل بدلاً من أن يتكلوا على الله فصاروا شعباً جافاً وبلا ثمر مثل نبات العرعر فى الصحراء فإذا أعطت النباتات ثماراً وخيراً لا يعطى هو ويسكن فى أرض غير عامرة بالسكان، مثل الأرض السبخة، أو الشديدة الحرارة. والمعنى أن غير المتكل على الله لا يتمتع بثمار روحية فى حياته ويصير مرذولاً من الناس ويفقد أيضا البركات المادية.
ع7: على العكس من يتكل على الله ينال بركات كثيرة فى حياته سواء روحية أو مادية.
ع8: شبه الإنسان المتكل على الله بثمرة مغروسة بجوار مجرى مياه فتمد جذورها فى الأرض فتجد مياه تكفيها فلا تعانى من الجو الحار أو الجفاف الذى يحل بكل النباتات لأنها مغروسة بجوار مجرى المياه. ومجرى المياه هنا مقصود به الله الذى يتكل عليه أولاده فلا يضطربون من ضيقات الحياة.
أطلب الله قبل كل عمل فتشعر بمعونته ولا يعود قلبك يضطرب مهما حلت بك الضيقات لأنه ينقذك منها بل ويتمجد فيك من خلالها.
(3) مكافأة الأبرار والأشرار (ع 9-13):
9- القلب اخدع من كل شيء و هو نجيس من يعرفه. 10- أنا الرب فاحص القلب مختبر الكلى لأعطي كل واحد حسب طرقه حسب ثمر أعماله. 11- حجلة تحضن ما لم تبض محصل الغنى بغير حق في نصف أيامه يتركه، و في آخرته يكون أحمق. 12- كرسي مجد مرتفع من الابتداء هو موضع مقدسنا. 13- أيها الرب رجاء إسرائيل كل الذين يتركونك يخزون الحائدون عني في التراب يكتبون لأنهم تركوا الرب ينبوع المياه الحية.
ع9: يحذر الله أولاده فى مملكة يهوذا حتى لا يسيروا فى الشر بقلوبهم الردية فيصير قلبهم نجيساً، أى مراً.
أطلب الله قبل كل عمل فتشعر بمعونته ولا يعود قلبك يضطرب مهما حلت بك الضيقات.
ع10: يعلن الله عن نفسه أنه هو العارف بخفايا القلوب ولذا يعاقب شعبه الشرير بالسبى لعلهم يتوبون ويكافئ أولاده المطيعين بالسلام والفرح.
ع11: حجلة: طائر برى له ساقان طويلان ومنقار أحمر كان يعيش فى فلسطين ويضع بيضه فى أعشاش على الأرض وليس على الشجر.
كان طائر الحجلة يحتضن وينام على بيض طيور أخرى فإذا فقس البيض فإنه يعطى أفراخاً غريبة عنه ما تلبث أن تتركه فلا يستفيد شيئاً من كل تعبه. وهذا الطائر يشبه من يحصل على أموال بطريقة غير مشروعة فهى تضيع منه بعد ذلك سواء بفقدانها أو بموته فلا يستفيد شيئاً مما حصل عليه.
يبدو أن هذه الآية كانت مثلاً يردده الناس واستخدمها الله هنا لينهى عن محبة المال وتحصيله بطرق غير مشروعة مثل السرقة والاستغلال.
ع12: على الجانب الآخر يعلن الله أن مكانه المقدس فى بيته عظيم ومرتفع عن كل الأرضيات التى ينشغل بها أهل العالم ويضيعون حياتهم فيها.
ع13: من يترك الله القدوس يفقد طهارته وسموه ويفقد مكانه السماوى الأبدى وتلتصق حياته بالتراب الذى أخذ منه فيكتب فيه أى يموت وتنتهى حياته فى الأرضيات الزائلة.
ويوجه إرميا نظر شعب الله إلى أن رجاءهم هو الله ليخرجوا من ضيقاتهم المادية وانشغالهم بالخطية والأرضيات فهو ينبوع الماء الحى الحقيقى وليس الغنى والمال.
لا تنسى أنك ابن السماء لأن أباك سماوى فلا تنشغل بالماديات الزائلة ولا تنزعج من ضيقات الحياة لأن الله قادر أن ينقذك منها فتظل شبهة كل حين.
(4) الله مخلصنا من الخطية (ع 14 – 18):
14- اشفني يا رب فأشفى خلصني فأخلص لأنك أنت تسبيحتي.15- ها هم يقولون لي أين هي كلمة الرب لتات. 16- أما أنا فلم أعتزل عن أن أكون راعيا وراءك و لا اشتهيت يوم البلية أنت عرفت ما خرج من شفتي كان مقابل وجهك. 17- لا تكن لي رعبا أنت ملجأي في يوم الشر. 18- ليخز طاردي و لا أخز أنا ليرتعبوا هم و لا أرتعب أنا أجلب عليهم يوم الشر و اسحقهم سحقاً مضاعفاً.
ع14: يتكلم إرميا كخادم عن شعبه فيعلن أنه خاطئ محتاج لشفاء الله وأيضاً باتضاع يعلن حاجته الشخصية للشفاء وبهذا يكون قدوة لشعبه فى الرجوع لله بالتوبة.
يطلب من الله أن يشفيه من جراحات الخطية وينقذه من كل أتعابه حتى يظل يسبح الله ويتمتع بالصلاة الدائمة معه.
ع15: فى الوقت الذى يقدم فيه إرميا توبة أمام الله، ينكر الشعب وجود الله وعمله فيقولون عنه أنه لا ينفذ كلامه ولا يعاقب من يخطئ بل يسخرون ويقولون أين هى كلمة الله لتأت وتنفذ إن كانت صادقة.
ع16: لم اعتزل : لم اتخَلَّ عن مكانى كراعٍ للشعب.
ولكن إرميا لم يتأثر بكلام الشعب المتشكك فى عمل الله وظل يرعى شعبه وينبههم ليتوبوا وفى كل هذا هو يتبع الله ويستتر فيه فالله هو قائده فى كل خدمته.
وبروح الأبوه لم يتمنى أن يأتى غضب الله على شعبه ليعاقبهم عن خطاياهم فيعلموا أن كلمته صادقة ويرد على سخريتهم.
ولكن يود أن يطيل الله أناته حتى يتوب شعبه ويشهد الله على نفسه أنه أعلن فى صلواته لله التوبة لشعبه بالإضافة أن الله يعرف قلبه ومشاعره وأبوته نحو الشعب.
ع17: يطلب إرميا لنفسه ولكل الشعب حنان الله ورحمته فلا يجازيهم عن خطاياهم بالخوف والضيقة لأنه هو ملجأهم فى كل ضيقاتهم.
ع18: يوم الشر يوم الضيقة.
بإيمان يطلب معونة الله الذى يطمئنه، وفى نفس الوقت يخيف أعداءه ويهزمهم ويسحقهم أمامه، فحتى لو حلت الضيقة به من الأعداء فالله قادر أن يخلصه من أيديهم ويسحقهم، وتحقق هذا فى حفظ الله ارميا فى الإيمان طوال حياته أما من ضايقوه من الشعب فارتعبوا أمام بابل، والبابليون أيضاً زالت ممكلتهم بعد سنوات على يد مملكة مادى وفارس.
كن واثقاً فى قوة إلهك الذى يحميك مهما ثارت عليك حروب الشياطين ومهما سقطت، فهو قادر أن يقيمك ويهزمهم أمامك بل ويفرح قلبك بتعزياته حتى تنال المجد فى ملكوت السموات.
(5) كسر السبت (ع 19 – 27) :
19- هكذا قال الرب لي اذهب وقف في باب بني الشعب الذي يدخل منه ملوك يهوذا ويخرجون منه و في كل أبواب أورشليم. 20- و قل لهم اسمعوا كلمة الرب يا ملوك يهوذا و كل يهوذا و كل سكان أورشليم الداخلين من هذه الأبواب. 21- هكذا قال الرب تحفظوا بأنفسكم و لا تحملوا حملا يوم السبت و لا تدخلوه في أبواب أورشليم. 22- و لا تخرجوا حملا من بيوتكم يوم السبت و لا تعملوا شغلا ما بل قدسوا يوم السبت كما أمرت آباءكم. 23- فلم يسمعوا و لم يميلوا أذنهم بل قسوا أعناقهم لئلا يسمعوا و لئلا يقبلوا تأديباً. 24- و يكون إذا سمعتم لي سمعا يقول الرب و لم تدخلوا حملا في أبواب هذه المدينة يوم السبت بل قدستم يوم السبت و لم تعملوا فيه شغلا ما. 25- أنه يدخل في أبواب هذه المدينة ملوك و رؤساء جالسون على كرسي داود راكبون في مركبات و على خيل هم و رؤساؤهم رجال يهوذا و سكان أورشليم و تسكن هذه المدينة إلى الأبد.
26- ويأتون من مدن يهوذا و من حوالي أورشليم و من أرض بنيامين و من السهل و من الجبال ومن الجنوب يأتون بمحرقات و ذبائح و تقدمات و لبان و يدخلون بذبائح شكر إلى بيت الرب.
27- و لكن إن لم تسمعوا لي لتقدسوا يوم السبت لكي لا تحملوا حملا و لا تدخلوه في أبواب أورشليم يوم السبت فإني أشعل نارا في أبوابها فتأكل قصور أورشليم و لا تنطفئ.
ع19 – 20: طلب الله من إرميا أن يقف فى الباب الذى يدخل منه ملوك يهوذا أى رؤساء الشعب ومعظم الشعب فهو أحد أبواب أورشليم الذى يدخل منه كثيرون وقد يكون باب بنيامين، ويقصد أن يعلن الكلام التالى للشعب كله حيث يمرون جميعاً دخولاً أو خروجاً من أورشليم من هذا الباب وجميع الأبواب الأخرى لأن مدينة أورشليم كان لها أبواب كثيرة.
وهذا معناه الروحى أن نعلن كلام الله لكل من حولنا وليس للبعض فقط وندعوا الكل للارتباط بالكنيسة.
ع21-22: أمر الله على فم إرميا هو عدم العمل فى يوم السبت سواء بحمل أمتعة من خارج أورشليم إلى داخلها أى يشترون هذه الحاجيات أو يحملون أحمالاً من بيوتهم ليبيعونها خارج أورشليم، ولكن يقدسوا ويخصصوا يوم السبت لعبادة الله.
ع23: يعلن الله بأسف أن شعبه رفضوا طاعة الوصية بحفظ السبت وكانت قلوبهم قاسية فخلت من كل مشاعر البنوة لله ويظهر عدم طاعتهم بقساوة أعناقهم مثلما يرفض الحيوان الجامح المتمرد وضع النير على رقبته والخضوع لصاحبه، بل تذمروا أيضاً على تأديب الله لهم ولم يفهموا أن هذا بسبب خطاياهم.
ع24 – 25: يعلن بركات طاعة وصية حفظ السبت ليشجعهم على حفظها بأنهم إن أطاعوا سيكون لهم ملوك عظماء يركبون المركبات والخيل يحكمونهم ويعيشون فى سلام وأمان، بل يعدهم ليس فقط بالراحة فى أورشليم الأرضية بل أيضاً فى أورشليم السمائية إلى الأبد فى ملكوت السماوات إن حفظوا وصاياه.
ع26: يكمل البركات التى تحدث بطاعتهم لوصاياه بأن يأتى اليهود من كل مكان ويذكر هنا ست مناطق ليعلن أنه من كل مكان سيأتى المؤمنون ويقدمون ذبائح شكر وعبادات مقدسة لله.
ع27: وعلى العكس إن لم يطيعوا وصية الله يسمح الله للأعداء وهم البابليون بتدمير أورشليم وحرق أبوابها وكل قصورها. اهتم بطاعة وصايا الله فإنها تحفظك من كل شر وتتمتع برعاية الله لك وبعشرته فى الأرض ثم بالأمجاد فى السماء.