الخضوع لبابل
(1) تحذيرات للملوك المحيطين فى أورشليم (ع1-11) :
1- في ابتداء ملك يهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا، صار هذا الكلام إلى إرميا من قبل الرب قائلاً : 2- هكذا قال الرب لي : اصنع لنفسك ربطاً و أنياراً، و اجعلها على عنقك. 3- و أرسلها إلى ملك أدوم، و إلى ملك موآب، و إلى ملك بني عمون، و إلى ملك صور، و إلى ملك صيدون، بيد الرسل القادمين إلى أورشليم إلى صدقيا ملك يهوذا. 4- و أوصهم إلى سادتهم قائلاً : هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل : هكذا تقولون لسادتكم : 5- إني أنا صنعت الأرض و الإنسان و الحيوان الذي على وجه الأرض، بقوتي العظيمة و بذراعي الممدودة و أعطيتها لمن حسن في عيني. 6- و الآن قد دفعت كل هذه الأراضي ليد نبوخذناصر ملك بابل عبدي، و أعطيته أيضاً حيوان الحقل ليخدمه.
7- فتخدمه كل الشعوب و ابنه و ابن ابنه حتى يأتي وقت أرضه أيضا فتستخدمه شعوب كثيرة وملوك عظام. 8- ويكون أن الأمة أو المملكة التي لا تخدم نبوخذناصر ملك بابل، و التي لا تجعل عنقها تحت نير ملك بابل إني أعاقب تلك الأمة بالسيف و الجوع و الوبأ، يقول الرب حتى أفنيها بيده.
9- فلا تسمعوا أنتم لأنبيائكم و عرافيكم و حالميكم و عائفيكم و سحرتكم الذين يكلموكم قائلين لا تخدموا ملك بابل. 10- لأنهم إنما يتنبأون لكم بالكذب، لكي يبعدوكم من أرضكم، و لأطردكم فتهلكوا. 11- و الأمة التي تدخل عنقها تحت نير ملك بابل و تخدمه اجعلها تستقر في أرضها، يقول الرب، و تعملها و تسكن بها.
ع1: يظن الكثيرون أنه ذُكر هنا خطأ الملك “يهوياقيم” والصواب أنه “صدقيا” الملك وفى الترجمة العربية والسريانية تذكر الآية الأولى هكذا : “مَلَكَ صدقيا عوض يهوياقيم”.
وكان ذلك عام 597 ق.م. وهذا الملك ملَّكته بابل عوض “يهوياكين” الذى سبته إلى بابل بعد أن ملك شهور قليلة. ففى بداية حكم “صدقيا”، تكلم إرميا بهذه النبوة. وفى هذه الأيام تعرضت مملكة بابل، بعد أربعة سنوات فقط من قيامها لحروب فى الشرق من عيلام، وقلاقل فى سوريا، فتجمع بعض الملوك فى غرب مملكة بابل الذين حول أورشليم ونظموا تحالف لمقاومة بابل، وكان الأنبياء الكذبة فى مملكة يهوذا يؤكدون أن بابل ستنهار، ويشجعون “صدقيا” الملك والملوك المتحالفين معه لمحاربة بابل لأنها ستسقط وتنهار. ولم يقف إلا شخص واحد عكس كل هذا التيار يطالب الشعب بالخضوع لعبودية بابل وهو “إرميا النبى” كما أمره الرب.
ع2: رُبطاً : سيور من الجلد أو حبال تُربط حول عنق الحيوان.
أنيار : جمع نير وهو خشبة تُوضع على رقبة حيوانين، وتُربط بالحبال أو الجلد حول الرقبة وتُثبت فيها، وتُركب على هذه النير خشبة متعامدة تجر فى نهايتها الآلات الزراعية مثل المحراث.
طلب الله من “إرميا” أن يصنع أنياراً مثبت فيها حبال، ويضعها على عنقه كوسيلة إيضاحية يعلن بها خضوعه لملك بابل، كمثال أمام رسل الملوك وأمام “صدقيا” الملك ليخضعوا أمام ملك بابل.
حمل “إرميا” النير الذى يرمز لعبودية الخطية مع أنه إنسان تقى بعيد عن الشر يرمز بهذا للمسيح الذى بلا خطية وحمل الصليب عنا ليموت بدلاً منا ويفدينا.
ع3: أدوم : نسل “عيسو” يعيشون فى جبال “سعير”.
موآب : نسل “لوط” من ابنته الكبرى.
بنى عمون : نسل “لوط” من ابنته الصغرى.
صور : مدينة تجارية كبيرة تقع على ساحل البحر الأبيض فى لبنان.
صيدون : مدينة على ساحل البحر الأبيض جنوب صور.
كان هناك رسل من بلاد أدوم وموآب وبنى عمون وصور وصيدون جاءوا إلى “صدقيا” الملك للتحالف معه ضد بابل، فأعطى كل منهم نيراً يربطه ليوصله إلى ملكه كوسيلة إيضاح لضرورة خضوعه لملك بابل كما يخضع الحيوان للنير الموضوع على رقبته.
ع4، 5: أرسل الله رسالة على فم “إرميا”، مع رسل الممالك السابق ذكرها، يعلن فيها أنه الله خالق الأرض وما عليها من إنسان وحيوان أى له السلطان الكامل، ويعطى المُلك لمن يريده من البشر لينفذ إرادة الله.
ع6: يستكمل الله كلامه بأنه يستخدم نبوخذ نصر عبده فى تنفيذ إرادته بتملك كل بلاد مملكته كأداة لتأديب شعبه والشعوب الأخرى لعصيانها وشرورها.
ع7: ابنه وابن ابنه : إما يقصد بنيه وأحفاده أو يقصد ابنه “أويل مردوخ” وابن ابنه “بيلشاصر” (دا5: 11).
وقت أرضه : الوقت الذى تنهار فيه مملكة بابل وتقوم عليها مملكة مادى وفارس.
شعوب كثيرة وملوك عظام : ملوك مادى وفارس الذين خربوا بابل وأخذوا كل أراضيهم.
يعلن الله أن شعوب الأرض ستخضع ليس فقط لنبوخذ نصر، بل أيضاً لمن يخلفه من نسله حتى حفيده “بيلشاصر” وكان ذلك لمدة سبعين عاماً، وبعد ذلك تقوم مملكة مادى وفارس وهى اتحاد بين مملكتين لتستعبد بابل وتأخذ كل ممتلكاتها وتستخدمها كما تريد.
ع8: يضيف الله أيضاً أنه من سيعصى ويقاوم ملك بابل، سيموت إما بالسيف أو بالمرض أو بالجوع وذلك عكس كل ما ادعاه الأنبياء الكذبة.
ع9: أنبيائكم يقصد الأنبياء الكذبة.
عرافيكم : جمع عراف وهو من يدعى معرفة الغيب بأى شكل من الأشكال.
حالميكم : من يدعى أنه يحلم أحلاماً تُنبئه بالمستقبل.
عائفيكم : جمع عائف وهو أيضاً من يدعى معرفة الغيب.
سحرتكم : جمع ساحر وهو أيضاً يدعى بقوة الشيطان أنه يعرف المستقبل ويقدر على صنع المعجزات.
ينهاهم الله أيضاً عن الإستماع لمن يدعون النبوة ومعرفة الغيب من الأنبياء الكذبة وغيرهم ويمنعوهم من الخضوع لملك بابل ويشجعونهم على مقاومته.
ع10: حذر شعوب هذه الممالك أيضاً من أن تصديقهم لكلام الأنبياء الكذبة سيجعل ملك بابل يهاجمهم ويطردهم من بلادهم ويهلكهم كما سمح له الله. والعجيب أن الله يقول أنه سيطرد هذه الشعوب، والمقصود أن سيتمم ذلك بيد ملك بابل.
ع11: وعلى العكس يُبشر الله من يطيع كلامه ويخضع لملك بابل أنه سيسكن فى أرضه، ويعمل أعماله، ويستقر فى حياته.
اقبل كلام الله حتى لو كان صعباً مثل تنفيذ الوصايا الصعبة لتجد خلاصك، ولا تنخدع بكلام أهل العالم الذى يخدعك بأن الخطية تريحك وتنجحك فى الحياة.
(2) تحذير لصدقيا الملك (ع12-15).
12- و كلمت صدقيا ملك يهوذا بكل هذا الكلام، قائلا : ادخلوا أعناقكم تحت نير ملك بابل و اخدموه و شعبه و احيوا. 13- لماذا تموتون أنت و شعبك بالسيف بالجوع و الوبأ، كما تكلم الرب عن الأمة التي لا تخدم ملك بابل. 14- فلا تسمعوا لكلام الأنبياء الذين يكلمونكم قائلين : لا تخدموا ملك بابل لأنهم إنما يتنبأون لكم بالكذب. 15- لأني لم أرسلهم، يقول الرب، بل هم يتنبأون باسمي بالكذب، لكي أطردكم فتهلكوا أنتم و الأنبياء الذين يتنبأون لكم.
ع12: كرر “إرميا” نفس الكلام “لصدقيا” الملك بالخضوع لملك بابل حتى يحيا هو وشعبه، فاستجاب فى هذه المرة، وترك هذا التحالف، ولكنه عاد فعصى ملك بابل معتمداً على مصر فقبض عليه ملك بابل، وقتل أولاده، ثم فقع عينيه.
ع13: أكد له أنه إن لم يطع الله ويخضع لملك بابل سيموت بإحدى الثلاث وسائل وهى السيف أو المرض أو الجوع.
ع14، 15: حذره من التأثر بكلام الأنبياء الكذبة لأنهم يدعون أن الله أرسلهم والله برىء من كلامهم، ويقصدون تضليلكم فتطردون من أرضكم أنتم وأيضاً هؤلاء الأنبياء.
ينبغى على أولاد الله أن يتمسكوا بوصاياه قبل أولاد العالم، بل يكونون مثالاً لطاعة الله فينجون من شر العالم ويكونون قدوة للآخرين.
(3) تحذير للكهنة والشعب (ع16-22).
16- و كلمت الكهنة و كل هذا الشعب قائلاً : هكذا قال الرب : لا تسمعوا لكلام أنبيائكم الذين يتنبأون لكم قائلين : ها آنية بيت الرب سترد سريعاً من بابل لأنهم إنما يتنبأون لكم بالكذب.
17- لا تسمعوا لهم اخدموا ملك بابل و احيوا. لماذا تصير هذه المدينة خربة ؟ 18- فإن كانوا أنبياء، وان كانت كلمة الرب معهم، فليتوسلوا إلى رب الجنود لكي لا تذهب إلى بابل الآنية الباقية في بيت الرب و بيت ملك يهوذا و في أورشليم. 19- لأنه هكذا قال رب الجنود عن الأعمدة و عن البحر و عن القواعد و عن سائر الآنية الباقية في هذه المدينة، 20- التي لم يأخذها نبوخذناصر ملك بابل عند سبيه يكنيا بن يهوياقيم ملك يهوذا من أورشليم إلى بابل و كل إشراف يهوذا و أورشليم. 21- إنه هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل عن الآنية الباقية في بيت الرب و بيت ملك يهوذا و في أورشليم. 22- يؤتى بها إلى بابل و تكون هناك إلى يوم افتقادي إياها، يقول الرب فأصعدها و أردها إلى هذا الموضع.
ع16: يفضح الله كذب الأنبياء الكذبة الذين يدعون انهيار بابل وعودة آنية بيت الرب التى سلبها ملك بابل.
ع17: يدعوهم لطاعة ملك بابل حتى لا يموتوا ولا تخرب أورشليم. و”إرميا” طبعاً ليس عميلاً لبابل كما يدعى الأنبياء الكذبة، بل هو المتكلم بكلام الله ليقبلوا تأديبهم فيتوبوا عن خطاياهم.
ع18: يُقدم الله دليلاً على كذب الأنبياء الكذبة، وهو إن كانوا مرسلين من الله فليتوسلوا إليه حتى لا تذهب بقية آنية الرب ومحتويات الهيكل التى لم يأخذها ملك بابل.
ع19، 20: الأعمدة : العمودان النحاسيان اللذان صنعهما سليمان الملك ووضعهما فى الدار الخارجية (1مل7: 15-22).
البحر : وهو يقابل المرحضة فى خيمة الاجتماع، وشكله حوض نحاسى مستدير قطره حوالى خمس أمتار يوضع فيه الماء للإغتسال.
القواعد : عبارة عن 12 قاعدة، كل منها بشكل ثور، مصنوعة من النحاس مرتكز عليها البحر النحاسى السابق ذكره (1مل7: 23-25).
أجزاء الهيكل التى هى الأعمدة، والبحر وقواعده، ومحتويات أخرى للهيكل لم يأخذها “نبوخذ نصر” عند سبيه “يكنيا” أو “يهوياكين” الملك والعظماء الموجودين ببابل، فيطلب إرميا من الأنبياء الكذبة أن يصلوا إلى الله حتى لا تؤخذ هى أيضاً إلى بابل إن كانوا فعلاً أنبياء حقيقيين ولكن ما سيحدث فعلاً أنها ستأخذ فى الهجوم الثانى لملك بابل على أورشليم.
ع21، 22: يوم افتقادى : عندما تنهار بابل أمام مملكة مادى وفارس ويأمر قورش الملك الفارسى بإرجاع آنية بيت الرب إلى أورشليم.
يعلن الله أن باقى محتويات الهيكل سيأخذها ملك بابل، وتظل هناك حتى نهاية المملكة البابلية وقيام مملكة مادى وفارس، فترد كل شئ إلى بيت الرب فى أورشليم. الله يسمح بالضيقة لفترة مؤقتة حتى تتوب فيرفعها عنك، ويرد إليك كل مجدك، فلا تنزعج من الضيقة بل أسرع إلى التوبة والتمسك بالله.