عظة إرميا بالهيكل ومحاولة قتله
(1) عظة إرميا فى الهيكل والقبض عليه (ع1-9):
1- في ابتداء ملك يهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا، صار هذا الكلام من قبل الرب قائلاً :
2- هكذا قال الرب قف في دار بيت الرب، و تكلم على كل مدن يهوذا القادمة للسجود في بيت الرب بكل الكلام الذي أوصيتك أن تتكلم به إليهم. لا تنقص كلمة. 3- لعلهم يسمعون و يرجعون كل واحد عن طريقه الشرير، فأندم عن الشر الذي قصدت أن أصنعه بهم، من أجل شر أعمالهم.
4- و تقول لهم هكذا قال الرب : إن لم تسمعوا لي لتسلكوا في شريعتي التي جعلتها أمامكم،
5- لتسمعوا لكلام عبيدي الأنبياء الذين أرسلتهم أنا إليكم مبكراً و مرسلاً إياهم، فلم تسمعوا.
6- أجعل هذا البيت كشيلوه، و هذه المدينة اجعلها لعنة لكل شعوب الأرض. 7- و سمع الكهنة والأنبياء و كل الشعب إرميا يتكلم بهذا الكلام في بيت الرب. 8- و كان لما فرغ إرميا من التكلم بكل ما أوصاه الرب أن يكلم كل الشعب به، أن الكهنة و الانبياء و كل الشعب أمسكوه قائلين : تموت موتاً. 9- لماذا تنبات بإسم الرب قائلاً : مثل شيلوه يكون هذا البيت، و هذه المدينة تكون خربة بلا ساكن ؟ و اجتمع كل الشعب على إرميا في بيت الرب.
ع1، 2: بعد موت الملك “يوشيا” الصالح، ملك ابنه “يهوآحاز” شهوراً قليلة ثم سُبى إلى مصر، وملك أخوه “يهوياقيم” عام 609 ق.م، وكان عليه أن يؤدى ضريبة كبيرة لنخو فرعون مصر، فلم يتب ويتقِ الله بل اهتم بجمع الأموال لبناء قصر عظيم له، وقاوم إرميا النبى. ففى بداية مُلكه إذ ظهر شره أمر الله إرميا أن يقف فى بيت الرب حيث يجتمع الكثيرون ليعلن هذه النبوة، إذ يأتى إلى بيت الرب سكان أورشليم وكل اليهودية، وأكد عليه ألا ينقص كلمة من كلام الله فيظهر هذا أهمية هذه النبوة، ويلاحظ أن فى هذا الأصحاح والأصحاحات الثلاثة التالية يوجه إرميا كلامه للشعب والكهنة والأنبياء الكذبة والرؤساء ليدعوهم إلى التوبة.
ع3: قصد الله من الإنذار الآتى فى هذه النبوة ليس انتقام من أولاده بل تنبيههم ليتوبوا فيسامحهم عن كل خطاياهم.
ع4: يحذرهم الله وينذرهم بويلات تأتى عليهم إن لم يطيعوا وصاياه.
ع5: يعلن الله كلامه عن طريق أنبيائه، ولكن للأسف الشعب رفض كلامهم.
ع6: شيلوه : المكان الذى كان فيه خيمة الاجتماع وتابوت عهد الله أيام صموئيل النبى، وحطم الفلسطينيون هذه المدينة وأغتصبوا تابوت عهد الله من بنى إسرائيل.
يذكرهم الله بأنه سمح للأعداء أن يهدموا مكان بيته بشيلوه، وسيسمح الآن بهدم هيكله فى أورشليم وتدميرها إن لم يتوبوا ويرجعوا إليه ويطيعوا وصاياه.
ع7: يؤكد الكتاب المقدس أن كلام هذه النبوة سمعه الشعب بقياداته المختلفة الكهنة والأنبياء الكذبة.
لا تتكل على مظاهر حياتك الروحية كما اتكل اليهود قديماً على أن لديهم الهيكل وأورشليم مدينة الله، فكل مظاهر التقوى لا تنفع بدون أن تحيا أعماقها وبدون التوبة.
ع8، 9: بعد إعلان إرميا بهذه النبوة، قام عليه جميع الشعب بقيادة الكهنة والأنبياء الكذبة، فقبضوا عليه ليقتلوه لأجل نبوته عن خراب أورشليم والهيكل.
فكانت ثورة من الشعب كله على إرميا.
(2) تحذير إرميا الرؤساء من سفك دمه (ع10-15):
10- فلما سمع رؤساء يهوذا بهذه الأمور، صعدوا من بيت الملك الى بيت الرب و جلسوا في مدخل باب الرب الجديد. 11- فتكلم الكهنة و الأنبياء مع الرؤساء و كل الشعب قائلين حق الموت على هذا الرجل لأنه قد تنبأ على هذه المدينة كما سمعتم بآذانكم. 12- فكلم إرميا كل الرؤساء وكل الشعب قائلاً : الرب ارسلني لاتنبأ على هذا البيت و على هذه المدينة بكل الكلام الذي سمعتموه.
13- فالآن اصلحوا طرقكم و أعمالكم، و اسمعوا لصوت الرب الهكم، فيندم الرب عن الشر الذي تكلم به عليكم. 14- أما أنا فهأنذا بيدكم. اصنعوا بي كما هو حسن و مستقيم في أعينكم.
15- لكن اعلموا علماً أنكم أن قتلتموني، تجعلون دماً زكياً على أنفسكم و على هذه المدينة و على سكانها، لأنه حقاً قد ارسلني الرب إليكم لأتكلم في آذانكم بكل هذا الكلام.
ع10: رؤساء يهوذا : يقصد القضاة والرؤساء المدنيين المسئولين عن قيادة الشعب.
لما سمع رؤساء يهوذا المعاونون للملك فى قيادة المملكة كل نبوة إرميا عن خراب الهيكل وأورشليم تضايقوا جداً، وصعدوا من القصر الملكى، حيث يقومون بأعمالهم فى تصريف أمور المملكة، إلى هيكل الله لأنه مبنى على ربوة فأجتمعوا عند أحد أبوابه ويسمى “الباب الجديد” لمحاكمة “إرميا” كما هى العادة قديماً بإتمام المحاكمات عند أبواب المدن وساحاتها لتتسع لإجتماع الجماهير ليتابعوا المحاكمة (تك23 : 10-20) (را 4: 1).
ع11: عندما وصل القضاة والرؤساء إلى باب هيكل الرب، أسرع إليهم الكهنة والأنبياء الكذبة وهم قابضون على إرميا وكرروا عليهم ما قاله فى نبوته عن خراب بيت الرب، وأعلنوا الحكم قبل المحاكمة وهى ضرورة قتله. وهذا يُظهر شرهم وعدم استعدادهم لفحص الأمور لأنهم يكرهون إرميا بسبب نبواته السابقة عليهم.
ع12: أكد “إرميا” أمام الرؤساء وكل الشعب أنه نبى مرسل من الله لإعلان النبوات التى يسمعونها، لذلك يلزمهم أن يطيعوا كلمات هذه النبوة.
ع13: لخص إرميا المطلوب من سامعيه وهو التوبة والرجوع إلى الله، وإصلاح أخطائهم أى ترك شهواتهم وعبادتهم للأوثان، فيسامحهم الله عن كل خطاياهم ويرجع عن العقاب الذى قرره عليهم أى خراب أورشليم.
ع14: لم يخف “إرميا” من التهديد بقتله، وأعلن استعداده للموت من أجل الله، وقال أن هذا أمر مستطاع لهم أن يقتلوه.
لا تخف من تهديدات الأشرار، وثق فى حماية الله لك، فتعلن صوت الله وتحيا بأمانة واثقاً أن لا سلطان للشر عليك إلا إذا سمح الله بذلك لفائدتك، وسيكون معك ويسندك فى كل ضيقاتك.
ع15: حذرهم إرميا من قتله إذ سيسقطون بهذا فى خطية القتل بدون سبب يستحقه الإنسان، فيغضب الله عليهم أكثر وعلى مدينتهم بسبب سفك دمه البرىء.
(3) الرؤساء ضد الكهنة والأنبياء (ع16-19):
16- فقال الرؤساء و كل الشعب للكهنة و الأنبياء : ليس على هذا الرجل حق الموت، لأنه إنما كلمنا باسم الرب الهنا. 17- فقام أناس من شيوخ الأرض و كلموا كل جماعة الشعب قائلين :
18- إن ميخا المورشتي تنبأ في أيام حزقيا ملك يهوذا، و كلم كل شعب يهوذا قائلاً : هكذا قال رب الجنود : إن صهيون تفلح كحقل و تصير اورشليم خرباً و جبل البيت شوامخ وعر. 19- هل قتلاً قتله حزقيا ملك يهوذا و كل يهوذا ؟ ألم يخف الرب و طلب وجه الرب، فندم الرب عن الشر الذي تكلم به عليهم ؟ فنحن عاملون شراً عظيماً ضد أنفسنا.
ع16: تدخل الله فأقنع الرؤساء ببراءة “إرميا”، وأنه نبى مُرسل من الله أدى رسالته ولا يقصد شراً شخصياً ضد أورشليم. وبهذا أعرضوا عن كراهية الكهنة والأنبياء الكذبة، وصدوا مشورتهم الخاطئة التى تريد قتل “إرميا”.
ع17: أرسل الله أيضاً الشيوخ ورؤساء من الشعب أى المتقدمين بيد الشعب، وعضدوا كلام القضاة الرؤساء فى قصر الملك ضد الكهنة والأنبياء بتذكيرهم بأحداث قديمة تؤيد براءة إرميا وإنقاذه من الموت.
ع18: تُفلح : تحرث بالمحراث أى تُهدم وتتساوى بالأرض.
شوامخ وعر : تلال من المبانى المنهدمة كالتلال الموجودة فى البرارى.
ذكر الشيوخ القضاة والكهنة وكل الشعب المجتمع بما حدث منذ حوالى قرن من الزمان، حينما قام نبى أسمه “ميخا المورشتى” أى من بلد أسمها “مورشت” وتنبأ بخراب أورشليم وتدميرها الكامل (ميخا3: 12).
ع19: لم يغضب “حزقيا الملك”، الذى كان يملك وقتذاك، وينتقم من “ميخا” بقتله أو تعذيبه بل على العكس خاف الله وقدم توبة هو وشعبه (2مل18: 14) فغفر لهم الله وأجَّل تنفيذ الخراب بأورشليم، وبالتالى فإن الإنتقام من إرميا وقتله يسقط الشعب كله فى خطية كبيرة لأنهم بهذا يقاومون الله.
الله قادر أن ينقذك فى الوقت المناسب مهما قام الأعداء عليك ومهما كانت قوتهم، فلا ترتعب منهم فهو يرسل لك عوناً فى حينه من حيث لا تدرى. إن الله معك فلا تخف من أى إنسان.
(4) إنقاذ إرميا (ع20-24):
20- و قد كان رجل أيضاً يتنبأ بإسم الرب، أوريا بن شمعيا من قرية يعاريم، فتنبأ على هذه المدينة و على هذه الأرض بكل كلام إرميا. 21- و لما سمع الملك يهوياقيم و كل أبطاله و كل الرؤساء كلامه، طلب الملك أن يقتله فلما سمع أوريا خاف و هرب و أتى إلى مصر. 22- فأرسل الملك يهوياقيم أناساً إلى مصر، ألناثان بن عكبور و رجالاً معه إلى مصر. 23- فأخرجوا أوريا من مصر وأتوا به إلى الملك يهوياقيم، فضربه بالسيف و طرح جثته في قبور بني الشعب. 24- و لكن يد أخيقام بن شافان كانت مع إرميا حتى لا يُدفع ليد الشعب ليقتلوه.
ع20: يعاريم : مدينة للجبعونيين تقع شمال غرب أورشليم على بُعد ثمانية أميال.
يذكر لنا إرميا قصة تُظهر مدى شراسة الملك “يهوياقيم” وانسياقه وراء الكهنة والأنبياء الكذبة، إذ حدث فى نفس الوقت أن قام نبى لله فى قرية “يعاريم”، وتنبأ بخراب أورشليم تماماً كما تنبأ “إرميا”، وقد أرسله الله كما أرسل “إرميا” و”ميخا” قديماً لتأكيد ما سيحدث حتى يتوب اليهود ولا يعتمدوا على كون الهيكل عندهم، فهذا لا يكفى لخلاصهم ما داموا فى الخطية.
ع21: غضب “يهوياقيم” جداً هو وكل معاونيه فى الحرب على “أوريا” النبى، وأمر بقتله فهرب إلى مصر.
ع22، 23: كانت هناك معاهدات وتفاهم بين “يهوياقيم” ملك يهوذا و”نخو” فرعون مصر، فأرسل “يهوياقيم” رجالاً فقبضوا على أوريا فى مصر وأتوا به إلى يهوياقيم فقتله وألقى جثته باحتقار فى قبور عامة الشعب وليس بإكرام الأنبياء.
لا تتمادى فى الخطية فتصر عليها وتحاول تنفيذها بكل الطرق حتى لا تجلب عليك غضب الله، فهو طويل الأناة ولكن فى نفس الوقت عادل فلا تستهن بطول أناته.
ع24: أخيقام بن شافان : واحد من معاونى “يهوياقيم”، وأبوه شافان كان من معاونى “يوشيا” وكان تقياً محباً “لإرميا” وكانت المناقشات مازالت حادة بين الكهنة من جانب والأنبياء الكذبة من جانب آخر حول قتل “إرميا” أو تبرئته، فحرك الله قلب أحد الأتقياء وهو أخيقام أحد معاونى الملك، فتوسط وأكد كلام القضاة، فأنقذ “إرميا” من القتل.