بركات الله للمطيعين له
(1) الله مع إرميا فى السجن (ع1-3):
1- ثم صارت كلمة الرب إلى إرميا ثانية و هو محبوس بعد في دار السجن قائلة : 2- هكذا قال الرب صانعها، الرب مصورها ليثبتها، يهوه اسمه : 3- ادعني فأجيبك و أخبرك بعظائم و عوائص لم تعرفها.
ع1: قبض الملك على إرميا وألقاه فى السجن لأنه تنبأ بخراب أورشليم. ولكن الله الحنون كلمه فى السجن ليشعره بوجوده معه، فيطمئن ويتعزى.
الله يظهر نفسه لك فى الضيقات ليطمئنك ويرشدك ويفرح قلبك، فلا تضطرب من الضيقة فقد تكون أفضل وقت تختبر فيه محبة الله وتعرفه عن قرب.
ع2: يعلن الرب أنه صانع الأرض ومصورها، ليطمئن إرميا المسجون، لأنه إن كان إرميا مقيد فى حجرة مظلمة، ولكن الله يعلن له أنه صانع الأرض كلها التى عليها كل البشر، فلا ينزعج من القيود لأن الله ضابط الكل يسنده ويتحدث معه. هذه هى التعزية الثانية فى السجن بعد الأولى المذكورة فى (ع1).
والتعزية الثالثة أن الله يعلن اسمه له، وهو “يهوه” أى الله كائن وموجود، فهو يؤكد له وجوده معه حتى لا يشعر بالوحدة والعزلة داخل السجن. فهو إن كان قد عُزل من الناس، ولكنه يتمتع بعشرة الله.
ع3: عوائص : جمع عويص أى صعب الإدراك والفهم.
التشجيع الرابع هو دعوة الله لإرميا ليتحدث معه فى الصلاة فيتعزى، ويشعر بحضرة الله بل وأعظم من هذا يعده الله أن يكشف له أموراً عجيبة وعالية من حكمته لا يستطيع الإنسان مهما كان ذكاؤه أن يعرفها.
وهكذا نشعر بتميز الإنسان الروحى، فى أصعب الظروف، لأن الله يباركه ويعظمه.
(2) بركات الراجعين من السبى (ع4-13):
4- لأنه هكذا قال الرب إله إسرائيل عن بيوت هذه المدينة و عن بيوت ملوك يهوذا التي هدمت للمتاريس و المجانيق. 5- يأتون ليحاربوا الكلدانيين و يملأوها من جيف الناس الذين ضربتهم بغضبي و غيظي، و الذين سترت وجهي عن هذه المدينة لأجل كل شرهم. 6- هأنذا أضع عليها رفادة و علاجاً، و أشفيهم و أعلن لهم كثرة السلام و الأمانة. 7- و أرد سبي يهوذا و سبي إسرائيل و أبنيهم كالأول. 8- و أطهرهم من كل إثمهم الذي أخطأوا به إليَّ و أغفر كل ذنوبهم التي أخطأوا بها إليَّ و التي عصوا بها عليَّ. 9- فتكون لي اسم فرح للتسبيح و للزينة لدى كل أمم الأرض، الذين يسمعون بكل الخير الذي أصنعه معهم، فيخافون و يرتعدون من أجل كل الخير و من أجل كل السلام الذي أصنعه لها. 10- هكذا قال الرب : سيسمع بعد في هذا الموضع الذي تقولون أنه خرب بلا انسان و بلا حيوان، في مدن يهوذا، و في شوارع أورشليم الخربة بلا انسان و لا ساكن و لا بهيمة. 11- صوت الطرب و صوت الفرح، صوت العريس و صوت العروس، صوت القائلين : احمدوا رب الجنود لأن الرب صالح، لأن إلى الأبد رحمته، صوت الذين يأتون بذبيحة الشكر إلى بيت الرب لأني أرد سبي الأرض كالأول، يقول الرب. 12- هكذا قال رب الجنود : سيكون بعد في هذا الموضع الخرب بلا انسان و لا بهيمة و في كل مدنه، مسكن الرعاة المربضين الغنم. 13- في مدن الجبل و مدن السهل و مدن الجنوب، و في أرض بنيامين و حوالي أورشليم، و في مدن يهوذا، تمر أيضاً الغنم تحت يدي المحصي، يقول الرب.
ع4: المتاريس : جمع متراس، وهو حائط يبنى حول المدينة المحاصرة لمنع الهاربين منها من الهرب، ويبنيها الأعداء ليهلك كل من بها، ويستتر الأعداء وراء هذه المتاريس.
المجانيق : هى أنابيب طويلة يلقون منها أحجاراً أو شعلات نارية على المدن المحاصرة ليحرقوها.
يكلم الله إرميا، وهو فى السجن، عن خراب أورشليم ويحدد البيوت والقصور التى للعظماء والملوك الذين فيها، فتخرب جميعاً إذ حاصرها البابليون، وبنوا حولها المتاريس، وأمسكوا فى أياديهم المجانيق ليهدموا بها أورشليم ويحرقوها.
وعندما يقول “هدمت للمتاريس” يقصد هُدمت بسبب المتاريس.
ع5: جيف الناس : جثث البشر النتنة الذين قتلهم البابليون.
ينادى الله شعبه الآتيين ليحاربوا البابلين الذين يهاجمونهم، ويخبرهم أن البابليين سيقتلون كثيرين من اليهود ويلقون جثثهم فى الشوارع حتى تصير نتنة ورائحتها كريهة.
وقد سمح الله للبابليين أن يضربوهم، فهم يمثلون عصا الله التى يضرب بها شعبه بغضبه ويستر وجهه الحنون عنهم لأجل كثرة خطاياهم وعصيانهم لله، فهو يؤدبهم بشدة ليتوبوا، وعندما يتوبوا يسامحهم ويباركهم.
ع6: رفادة : شريط من القماش الكتانى يُربط به الجرح، يشبه الشاش الطبى حالياً.
علاجاً : مراهم وأدوية مختلفة لعلاج الجروح والأمراض.
يُظهر الله مراحمه لشعبه الذى يرجعه من السبى، فيشفى جراحاتهم بوضع أدوية على المكان المصاب، ويربطه ويغطيه بالرفادة، ويقصد بهذا التشبيه أنه يعالج خطاياهم فيحركهم للتوبة، ويطهر حواسهم وأفكارهم فيستعيدوا سلامهم، ويضع الله فى قلوبهم محبة الأمانة، أى الحق، فيتمسكوا بوصايا الله، ويراعون إلههم فى كل تصرفاتهم، ويُكثر لهم مشاعر الطمأنينة والميل إلى الحق.
إن الله مستعد أن يعالج كل المشاكل التى عملتها بسقوطك فى الخطية إن تبت ورجعت إليه. فلا تنزعج من حالتك السيئة التى وصلت إليها، بل قم سريعاً وقدم توبة وندامة أمام الله لتبدأ حياة جديدة مملوءة بالسلام والفرح والسلوك النقى.
ع7: يعد الله شعبه التائب أن يرجعهم من السبى، ويبنى مدنهم ويشددهم روحياً ونفسياً، لأن التأديب كان بسبب الخطية، فإن تابوا يعيد إليهم كل مجدهم.
ع8: بعد أن عالج الله مشاكل الخطية التى نتجت فى نفوس أولاده، بدأت البركات حيث ملأهم من السلام والأمان، وبعد ذلك أعاد إليهم بنيانهم ومجدهم، وأضاف بركة رابعة فى هذه الآية وهى غفران خطاياهم وتطهيرهم من كل شر، أى نزع الميل للخطية من داخلهم وليس فقط محو خطاياهم ونسيانها، فيتمتعوا بقلب جديد يميل للحياة النقية مع الله.
ع9: البركة الخامسة للراجعين من السبى هى أنهم يكونون شهادة لله بين الأمم بسبب اهتمام الله بهم وإسعادهم بعطاياه، فيكونون نوراً للعالم يدعون للإيمان بالله. لأن الأمم يشعرون بقوة الله فى شعبه، فيخافونه ويمجدونه مع شعبه الذى يسبحه ويفرح به.
ع10، 11: البركة السادسة هى تحول الحزن على أورشليم وما حولها المخربة بيد البابليين إلى فرح ببنيانها ومجدها، وكثرة سكانها وممتلكاتهم من البهائم، ويعبرون عن هذا الفرح بأربع طرق :
- يغنون بفرح أناشيد النصرة.
- يعقدون الزيجات ويفرح العريس والعروس، وهذا يرمز لفرح الشعب كعذراء بالله عريس نفوسهم.
- يسبحون الله الرحيم الذى أعاد المجد لأولاده التائبين.
- يقدمون ذبائح سلامة شكراً لله على المذبح النحاسى فى الهيكل، وهى ترمز لذبيحة المسيح جسده ودمه على مذبح العهد الجديد.
ع12، 13: البركة السابعة هى كثرة ممتلكاتهم من الأغنام والماشية، فبدلاً من الخراب الشامل للمدن والمراعى، تكثر الحظائر أى مساكن الرعاة وتكثر أغنامهم فيحصيها الراعى واحدة واحدة، وهذا يكون فى كل مدن اليهود الراجعين من السبى الذين يذكر أمثلة لها أى مدن الجبل وكذا مدن السهل ومدن الجنوب وأيضاً فى مدن بنيامين، وليس سبط يهوذا فقط. وهذا يرمز للمسيح الراعى الصالح الذى يكثر عدد المؤمنين به فيحصيهم ويهتم بهم واحداً واحداً.
(3) نبوات عن المسيا المنتظر (ع14-18):
14- ها أيام تأتي، يقول الرب، و أقيم الكلمة الصالحة التي تكلمت بها إلى بيت إسرائيل و إلى بيت يهوذا. 15- في تلك الايام و في ذلك الزمان انبت لداود غصن البر فيجري عدلا و برا في الأرض. 16- في تلك الأيام يخلص يهوذا، و تسكن أورشليم آمنة، و هذا ما تتسمى به : الرب برنا.
17- لأنه هكذا قال الرب : لا ينقطع لداود إنسان يجلس على كرسي بيت إسرائيل. 18- و لا ينقطع للكهنة اللاويين إنسان من أمامي يصعد محرقة و يحرق تقدمة، و يهيئ ذبيحة كل الأيام.
ع14، 15: أيام : المقصود بها أيام الرجوع من السبى أو ميلاد المسيح.
الكلمة الصالحة : وعود الله للآباء.
هذه نبوات عن الرجوع من السبى، وهذا هو المعنى القريب للنبوة إذ يهب الله شعبه بصلاحه أن ينبت لهم غصن بر، أى تبدأ حياة البر فيهم، فيعيشون فى نقاوة قلب بعد رجوعهم من السبى فى وحدانية وليس مملكتين منفصلتين.
أما المعنى البعيد للنبوة فهى تتكلم عن المسيا المنتظر، والأيام هى ملء الزمان عندما يولد المسيح، ويشبهه بغصن ينبت من الشجرة التى هى الأمة اليهودية ولكنه غصن بر أى بلا خطية وبار وقدوس، ليقود شعبه المؤمنين به فى حياة البر. ويحكم بالعدل والاستقامة إذ يرفض الشر ويكافئ أولاده فى ملكوت السماوات، أما الأشرار فيلقون فى العذاب الأبدى. وبمجئ المسيا المنتظر تتم وعود الله التى قالها للآباء.
ع16: يعطى المسيح للمؤمنين به الخلاص من الخطية وعقابها أى العذاب الأبدى، ويهب أورشليم أى كنيسته السلام والبر، ويثق أولاده أن برهم منه ويفرحوا أن يكون أسمهم مسيحيين نسبة إلى المسيح سبب وأصل برهم، أى يسمونا الرب برنا.
ع17: وهكذا تتحقق وعود الله أن يستمر ملك نسل داود من خلال المسيح الذى يملك، على قلوب المؤمنين به إلى الأبد. والمقصود بإسرائيل ليس فقط شعب اليهود قديماً بل إسرائيل الجديد أى المؤمنين بالمسيا المنتظر وهم المسيحيون.
ع18: يعد الله أيضاً باستمرار الكهنوت فى شعبه، ليس فقط برجوعهم من السبى وتجديد الهيكل، وتقديم المحرقات والذبائح والتقدمات التى يقدمونها ويحرقونها على المذبح النحاسى، ولكن أيضاً يستمر الكهنوت وخدمة اللاويين فى العهد الجيد فى شكل كهنة وشمامسة، ليس على طقس هارون، بل كهنة الكنيسة الذين يقدمون ذبيحة المسيح جسده ودمه، ويستمر عمل الكهنوت بشكل روحى فى ملكوت السماوات فى شكل الأربعة وعشرين قسيساً، وتسبيح المؤمنين الذى لا ينقطع إلى الأبد.
إن وعود الله صادقة لا يمكن أن يخلفها، فهذا يطمئنك جداً مهما ازدادت الضيقات حولك، فثق أنه معك يسندك بل يحول كل ضيقاتك إلى بركات ونمو روحى وسلام وفرح لا يعبر عنه.
(4) صدق مواعيد الله (ع19-26):
19- ثم صارت كلمة الرب إلى إرميا قائلة : 20- هكذا قال الرب : إن نقضتم عهدي مع النهار، و عهدي مع الليل حتى لا يكون نهار و لا ليل في وقتهما. 21- فإن عهدي أيضاً مع داود عبدي ينقض، فلا يكون له ابن مالكاً على كرسيه، و مع اللاويين الكهنة خادمي. 22- كما أن جند السماوات لا يعد، و رمل البحر لا يحصى، هكذا أكثر نسل داود عبدي و اللاويين خادمي. 23- ثم صارت كلمة الرب إلى إرميا قائلة. 24- اما ترى ما تكلم به هذا الشعب قائلاً : إن العشيرتين اللتين اختارهما الرب قد رفضهما فقد احتقروا شعبي حتى لا يكونوا بعد أمة أمامهم. 25- هكذا قال الرب: إن كنت لم أجعل عهدي مع النهار و الليل، فرائض السماوات و الأرض. 26- فإني أيضاً أرفض نسل يعقوب و داود عبدي، فلا أخذ من نسله حكاماً لنسل إبراهيم و إسحق و يعقوب لأني أرد سبيهم و ارحمهم.
ع19-21: أثار اليهود الأشرار الشكوك فى وعود الله برعايته لشعبه عندما رأوا الهجوم البابلى، ونبوات أرميا عن خراب أورشليم، فقالوا إن الله قد نقض عهده مع شعبه، لذا أرسل الله كلمته على فم إرميا يخاطب بها هؤلا الأشرار قائلاً لهم إن تشككتم فى دوران الليل والنهار، فحينئذ تشككون فى وعدى لشعبى أن يكون نسل داود ملكاً عليهم.
ويقول نقضتم، أى بأقوال تشكيكاتكم تتكلمون على الله، فكما أن نظام الليل والنهار ثابت كذلك عهدى ثابت مع شعبى ومع نسل داود وأيضاً الكهنوت الذى وضعته فيهم.
ع22: يؤكد الله وعوده لشعبه ليس فقط بثبات الملك لنسل داود وكذا الكهنوت بل أيضاً بكثرة الشعب مثل نجوم السماء ورمل البحر، وأيضاً يُكثر اللاويين خدام الله.
ع23، 24: يواصل الله كلامه مع إرميا عن الشعب المتذمر الذى أشاع تشكيكات بإن الله نقض عهده معهم وأنه سيفنى مملكتى إسرائيل ويهوذا ويبعثرهم بين الأمم، فلا يعودوا أمة وشعب أمامه. وهذا بالطبع لن يحدث لأن الله سيعيدهم من السبى بقوة كبيرة، ويعيد لهم أمجادهم بعد أن يتوبوا من خلال تأديبات السبى.
ع25، 26: يؤكد الله ثانية أنه إن تغير نظام الطبيعة، وهو تعاقب الليل والنهار، فحينئذ ينقض الله عهده مع شعبه ويفنيهم، وهذا بالطبع لن يحدث فكما يحفظ الله نظام الليل والنهار إلى نهاية العالم هكذا أيضاً يجعل نسل داود ملوك على شعبه إسرائيل، فالله سيعيد شعبه من السبى، وفى ملء الزمان سيأتى المسيح ويملك على قلوب المؤمنين به، شعبه الجديد. كن أميناً فى وعودك مع الله، وإن تهاونت فيها عد ثانية وجدد عهودك بالحياة معه وخدمته مهما كان ضعفك، مستنداً على قوته ومعونته.