الوحل في الجب
(1) القبض على إرميا (ع1-6):
1- و سمع شفطيا بن متان و جدليا بن فشحور و يوخل بن شلميا و فشحور بن ملكيا الكلام الذي كان إرميا يكلم به كل الشعب قائلاً : 2- هكذا قال الرب : الذي يقيم في هذه المدينة يموت بالسيف و الجوع و الوبأ و أما الذي يخرج الى الكلدانيين فأنه يحيا و تكون له نفسه غنيمة فيحيا.
3- هكذا قال الرب : هذه المدينة ستدفع دفعاً ليد جيش ملك بابل فيأخذها. 4- فقال الرؤساء للملك ليُقتل هذا الرجل لأنه بذلك يضعف أيادي رجال الحرب الباقين في هذه المدينة و أيادي كل الشعب إذ يكلمهم بمثل هذا الكلام لأن هذا الرجل لا يطلب السلام لهذا الشعب بل الشر. 5- فقال الملك صدقيا ها هو بيدكم لأن الملك لا يقدر عليكم في شيء. 6- فأخذوا إرميا و ألقوه في جب ملكيا ابن الملك الذي في دار السجن و دلوا إرميا بحبال و لم يكن في الجب ماء بل وحل فغاص إرميا في الوحل.
ع1: يذكر هنا أسماء أربعة من رؤساء الملك ذُكر اثنان منهما قبلاً احدهما في ص 37 : 3 والثاني في ص 21 : 1، ونلاحظ تشابه كبير بين أحداث الأصحاحين 37 ، 38 مما يعلن أن الأصحاحين لأحداث واحدة ولكن ذكر كل أصحاح تفاصيل توضح ما تم مع إرميا. وإفراد إصحاحين لنفس الحدث يوضح أهميته فهو يظهر ما يلي :
- جحود الرؤساء والشعب ومقاومتهم لله ممثلاً في إرميا.
- إحتمال إرميا خادم الله أتعاباً كثيرة لأجل خدمته.
- ثبات إيمان إرميا حتى الموت.
- قسوة الرؤساء التي وصلت إلى محاولة قتل إرميا.
- ضعف شخصية الملك صدقيا أمام الرؤساء.
- شر صدقيا وميله للتخلص من إرميا ولكن بيد غيره.
ع 2 : يخرج إلى الكلدانيين : يسلم نفسه للكلدانيين
دعاهم إرميا إلى تسليم أنفسهم للكلدانيين، ولكن إن بقوا في أورشليم سيموتون بأحد هذه الوسائل :
- القتل بالسيف بيد الكلدانيين.
- الموت بالجوع لنفاذ الطعام.
- الموت بالمرض لأن الأوبئة قد انتشرت بين الشعب وساعد على ذلك الجثث الملقاه في الشوارع.
ع3: أعلن إرميا أن أورشليم ستسقط بيد الكلدانيين وسيستولون عليها.
ع 4 : عندما علم رؤساء الملك بنبوة إرميا، قرروا أنه خائن وعميل للكلدانيين وأن كلامه هذا يشكك المحاربين اليهود في النصرة على الكلدانيين فيضعفون أمامهم، وبهذا تسقط أورشليم في يد الكلدانيين ولأنه ضد اليهود قرروا قتله.
ع5 : يظهر هنا ضعف صدقيا في استسلامه لقرار الرؤساء وترك إرميا في يدهم ليعملوا فيه ما يشاءوا وهذا يُظهر أمرين :
- ضعف صدقيا.
- قد يكون قلبه شرير ويريد التخلص من إرميا ونبواته ولكن بيد آخرين هم الرؤساء.
ع 6 : نفذ الرؤساء حكم الموت على إرميا بأن ألقوه في جب ملكيا ابن الملك وهو غالباً المذكور عنه في ص 37 أنه في بيت يوناثان أي بجواره وهذا الجب لم يكن فيه ماء بل طين بارتفاع كبير لم يذكر مقداره وهناك استحالة للحياة في هذا الجب لأنه إذا نام فسيختنق بالطين ويموت.
كن قوياً وأعلن صوت الله مهما هددك الناس وثق أنه يحميك حتى لو اقتربت إلى الموت بل يخيف أعداءك ويمجدك ويكافئك على ثباتك.
[2] إنقاذ إرميا من الجب (ع 7 – 13)
7- فلما سمع عبد ملك الكوشي رجل خصي و هو في بيت الملك أنهم جعلوا إرميا في الجب والملك جالس في باب بنيامين. 8- خرج عبد ملك من بيت الملك و كلم الملك قائلاً : 9- يا سيدي الملك قد أساء هؤلاء الرجال في كل ما فعلوا بإرميا النبي الذي طرحوه في الجب فإنه يموت في مكانه بسبب الجوع لأنه ليس بعد خبز في المدينة. 10- فأمر الملك عبد ملك الكوشي قائلاً : خذ معك من هنا ثلاثين رجلا و أطلع إرميا من الجب قبلما يموت. 11- فأخذ عبد ملك الرجال معه و دخل إلى بيت الملك إلى أسفل المخزن و أخذ من هناك ثياباً رثة و ملابس بالية و دلاها إلى إرميا الى الجب بحبال. 12- و قال عبد ملك الكوشي لإرميا ضع الثياب الرثة و الملابس البالية تحت ابطيك تحت الحبال ففعل ارميا كذلك. 13- فجذبوا إرميا بالحبال و أطلعوه من الجب فأقام إرميا في دار السجن.
ع 7 ، 8 : عبد ملك الكوشي : أحد عبيد ملك يهوذا المقربين إليه وأصله من كوش أي الحبشة.
رجل خصي وهو في بيت الملك : غالباً كان في بيت النساء إذ كانوا يستخدمون الخصيان لخدمة نساء الملك.
سمع أحد عبيد الملك ويمسى عبد ملك الكوشى، وهو غالباً مخصص لخدمة بيت نساء الملك، أن الرؤساء الأشرار قد وضعوا إرميا في الجب المملوء بالطين، فأشفق عليه ولعل نساء الملك أخبروه بهذا وأشفقن هن أيضاً على أرميا فحاول إنقاذ إرميا، من الموت جوعاً في الجب الرطب المملوء طيناً، فبحث عن الملك ليكلمه فوجده جالساً بالقرب من أحد أبواب أورشليم الشمالية الذي يسمى باب بنيامين. وهذا يظهر أن عبد الملك رقيق المشاعر وكذلك يؤمن بكلام الله على فم إرميا. فذهب إلى الملك ليكلمه بخصوص إنقاذ إرميا.
ع9 : تظهر هنا أيضاً شجاعة عبد ملك، إذ لم يخف من رؤساء الملك الذين وضعوا إرميا في الجب، وأعلن للملك إن إرميا حتماً سيموت لأن ليس له طعام بالإضافة إلى صعوبة الحياة في الجب من أجل الرطوبة والطين، وأضاف أمراً لعله أزعج الملك وهو كما توضح الترجمة السبعينية لهذه الآية أن موت إرميا بالجوع سيأتي بالجوع والشر أيضاً على أورشليم كلها ولعل عبد ملك اعتمد في استنتاجه هذا على أن الإساءة إلى رجل الله تأتي بغضب الله على أورشليم.
ع 10 : تأثر الملك صدقيا بكلام عبد ملك، إما إشفاقاً على إرميا ولكن غالباً خوفاً من الشر الذي يأتي على أورشليم بسبب موت إرميا، فسمح لعبد ملك بإخراج إرميا من الجب بل أمر أن يأخذ معه ثلاثين رجلاً لإصعاد إرميا ويقصد بهذا ألا يتعرض لمقاومة من الرؤساء الأشرار، أي تكون معه قوة حتى يخاف هؤلاء الرؤساء.
إرميا هنا يرمز للمسيح الذي قتله اليهود أي أنزلوا إرميا إلى الجب ليموت رافضين تعاليمه ولكن الأمم، الذين يرمز إليهم عبد ملك الحبشى، آمنوا بقيامة المسيح الذي يرمز إليه إصعاد إرميا عن الجب.
ع11 – 13: يظهر هنا حنان عبد ملك ورقة مشاعره فلم يدلي حبال لأرميا ويصعده بها لئلا يتجرح جسمه، بل أخذ ثياباً بالية أي قديمة ودلاها لإرميا حتى يضعها تحت إبطيه فتحميه من أي جروح تسببها الحبال، وعمل إرميا كما قال له عبد ملك، فأصعدوه من الجب ونقله إلى سجن عادي فوق الأرض في بيت الملك فأنقذه من الموت.
ليتك تشعر بمعاناة من حولك وتحاول مساعدتهم، تعاطف معهم وشجعهم وحاول ربطهم بالمسيح والكنيسة، وأنقذهم من شدائدهم بكل طاقتك فيفرح الله بمحبتك
[3] لقاء إرميا بصدقيا (ع 14 – 23):
14- فأرسل الملك صدقيا و أخذ إرميا النبي إليه إلى المدخل الثالث الذي في بيت الرب و قال الملك لإرميا : أنا أسألك عن أمر لا تخف عني شيئاً. 15- فقال إرميا لصدقيا إذا أخبرتك أفما تقتلني قتلاً و إذا أشرت عليك فلا تسمع لي؟ 16- فحلف الملك صدقيا لإرميا سراً قائلا : حي هو الرب الذي صنع لنا هذه النفس أني لا أقتلك و لا أدفعك ليد هؤلاء الرجال الذين يطلبون نفسك.
17- فقال إرميا لصدقيا هكذا قال الرب إله الجنود إله إسرائيل إن كنت تخرج خروجاً إلى رؤساء ملك بابل تحيا نفسك و لا تحرق هذه المدينة بالنار بل تحيا أنت و بيتك. 18- و لكن إن كنت لا تخرج إلى رؤساء ملك بابل تدفع هذه المدينة ليد الكلدانيين فيحرقونها بالنار و أنت لا تفلت من يدهم. 19- فقال صدقيا الملك لإرميا إني أخاف من اليهود الذين قد سقطوا للكلدانيين لئلا يدفعوني ليدهم فيزدروا بي. 20- فقال إرميا لا يدفعونك أسمع لصوت الرب في ما أكلمك أنا به فيحسن إليك و تحيا نفسك. 21- و إن كنت تأبى الخروج فهذه هي الكلمة التي أراني الرب إياها. 22- ها كل النساء اللواتي بقين في بيت ملك يهوذا يخرجن إلى رؤساء ملك بابل و هن يقلن قد خدعك و قدر عليك مسالموك غاصت في الحماة رجلاك و أرتدتا إلى الوراء. 23- و يخرجون كل نسائك و بنيك إلى الكلدانيين و أنت لا تفلت من يدهم لأنك أنت تمسك بيد ملك بابل و هذه المدينة تحرق بالنار.
ع 14 : المدخل الثالث : لعله مدخل خاص بالملك إلى بيت الرب.
خاف الملك صدقيا وشعر بقرب النهاية، التى فهمها من كلام إرميا السابق، ولم يعد متأكداً من كلام أنبيائه الكذبة فأرسل يستدعي إرميا من السجن ليسمع منه كلمة الله.
ع15: كان إرميا شجاعاً في إخبار الملك بصوت الله، ولكنه وبخ الملك قبل أن يخبره بما سيحدث، فقال له إذا قلت لك صوت الله وكان ضدك فقد تقتلني أو تترك الرؤساء يقتلونني، لأن صدقيا ضعيف الشخصية وقد يستهين بكلام الله ولا يطيعه لضعف إيمانه.
ع 16 : وعد الملك إرميا ألا يتركه في يد الرؤساء ليقتلوه أي أنه أعلن إهتمامه بسماع صوت الله، ووعد بالمحافظة على حياة إرميا.
ع 17 : أعلن إرميا صوت الله، الذي وصفه بأنه رب الجنود أي القوي القادر على كل شيء، ونصح الملك أن يسلم نفسه للكلدانيين فيحيا. وهنا تظهر محبة إرميا للملك الذي أساء إليه فهو يطلب خلاصه ونجاته من الموت. ولكن إن لم يسمع صدقيا لكلام الله يحدث شر عظيم يلخصه في خمسة عقوبات هي :
- إستيلاء بابل على أورشليم.
- حرق أورشليم.
ع18: يستكمل العقوبات فيقول :
3- القبض على صدقيا بيد نبوخذ نصر عند محاولته الهرب.
ع 19 : أظهر صدقيا الملك خوفه من اليهود المتحالفين مع نبوخذ نصر الذين خرجوا من أورشليم وذهبوا إلى نبوخذ نصر حتى لا يقبضوا عليه ويسلموه له.
ع 20 : طمأن إرميا صدقيا بأن اليهود حلفاء نبوخذ نصر لن يسلموه إليه بل عندما يسلم صدقيا نفسه لنبوخذ نصر سيحسن إليه ولا يقتله.
ع 21 : يفهم من هذه الآية أن إرميا قد رأى رؤيا أوضحت له ما سيحدث عند هجوم نبوخذ نصر على أورشليم. أوضح تفاصيلها في الآيتين التاليتين.
ع 22 ، 23 : توضح الرؤيا باقي العقوبات التي تأتي على صدقيا إذا لم يطع الله وهي :
4- القبض على كل نساء الملك بيد رؤساء نبوخذ نصر.
5- توبيخ نساء صدقيا له لأنه اعتمد على الأنبياء الكذبة فوقعت له ولهن هذه المصائب بدلاً من أن كان يخضع لله المتكلم على فم إرميا.
ويشبهون سقوطه في يد البابليين بسقوطه في الوحل الذي لا يستطيع الخروج منه أي طين العبودية والذل. وهذا يوضح أن إرميا، لأنه رجل الله، أنقذه من الوحل، أما صدقيا فلعدم خضوعه لله سقط في الوحل، أي عبودية نبوخذ نصر ولم يخرج منها.
لا تعاند وصايا الله لأنها هي خيرك ومصلحتك حتى لو بدت غير منطقية أو صعبة لأنها تنقذك من الهلاك ومن يد الشيطان.
[4] خوف صدقيا من الرؤساء (ع 24 – 28):
24- فقال صدقيا لإرميا لا يعلم أحد بهذا الكلام فلا تموت. 25- و إذا سمع الرؤساء أني كلمتك و أتوا اليك و قالوا لك اخبرنا بماذا كلمت الملك لا تخف عنا فلا نقتلك و ماذا قال لك الملك. 26- فقل لهم إني ألقيت تضرعي أمام الملك حتى لا يردني الى بيت يوناثان لأموت هناك.
27- فأتى كل الرؤساء إلى إرميا و سألوه فأخبرهم حسب كل هذا الكلام الذي أوصاه به الملك، فسكتوا عنه لأن الأمر لم يسمع. 28- فأقام إرميا في دار السجن إلى اليوم الذي اخذت فيه اورشليم و لما اخذت اورشليم
ع 24: خاف الملك من رؤسائه إذا علموا بالعقوبات الآتية على أورشليم فيثورون ويقتلون إرميا معتبرين إياه حليفاً لبابل وخصماً لشعبه. وهذا يعني أن صدقيا بدأ يقتنع بكلام إرميا ولكن ليس له الإيمان الكامل والشجاعة لتنفيذه فهو يمثل الإنسان الضعيف الشخصية والضعيف الإيمان الذي يهتز بين الحياة مع الله وأفكار العالم.
ع25 ، 26: قال الملك لأرميا أن الرؤساء سيسمعون قطعاً بمقابلتك لي، فقد كان يعلم أن لهم جواسيس في معاوني الملك وأنهم سيستدعون إرميا ويسألونه عما تم في المقابلة، وأرشده أن يذكر جزءاً مما تم في اللقاء وهو طلب إرميا من الملك ألا يعيده إلى الجب أي سجن يوناثان حتى لا يموت. وقد يكون إرميا قد طلب هذا فعلاً من الملك أو يفهم هذا مما ذكر في (ع 15) فقد يقصد من أن الملك يقتله أن يعيده للجب إذا غضب عليه بسبب نبوته القاسية.
ع27: الأمر لم يسمع : نبوات أرميا التي قالها للملك والتي تشمل خمسة عقوبات لم يعرفها الرؤساء وبالتالي لم يغضبوا عليه.
فعلاً ذهب الرؤساء إلى إرميا في السجن وسألوه عما تم في المقابلة، فأخبرهم كما قال له الملك فتركوه لأنهم لم يعرفوا الحقيقة التي تغضبهم.
ع28: ظل أرميا في سجن الملك حتى استولى نبوخذ نصر على أورشليم وهذا هو تدبير الله لأرميا لما يلي :
- إنقاذ إرميا من يد الرؤساء الذين قد يقتلونه بأعتباره عدوهم وحليف نبوخذ نصر.
- حتى لا يرى إرميا بعينيه سقوط مدينته المحبوبة وتدميرها.
الله يحفظك وينجيك من مخاطر كثيرة من خلال الضيقات التي تمر بها فلا تنزعج منها واقبلها فتجد خلاصك.