العودة من السبى
(1) مقدمة عن العودة (ع1-3):
1- الكلام الذي صار إلى إرميا من قبل الرب قائلاً : 2- هكذا تكلم الرب إله إسرائيل قائلاً : اكتب كل الكلام الذي تكلمت به إليك في سفر، 3- لأنه ها أيام تأتي، يقول الرب، و أرد سبي شعبي إسرائيل و يهوذا، يقول الرب، و أُرجعهم إلى الأرض التي أعطيت آباءهم إياها فيمتلكونها.
ع1، 2: يعلن الله نفسه بصفته إله إسرائيل، أى راعيه والمدافع عنه، ويأمر إرميا أن يكتب نبواته الآتية فى هذا الأصحاح لأن هذه النبوات ستتم بعد فترة وليس الآن ولكن يعلنها الآن ليعطى رجاء لشعبه المسبى والمذل تحت يد بابل، والأصحاحات من (30-33) هى رسالة تعزية لتشجيع الشعب، مملوءة بالرجاء.
ع3: يعد الله شعبه بإرجاعهم من السبى، وإن كانوا قد انقسموا إلى مملكتين هما إسرائيل ويهوذا، فبعد احتمالهما ضيقة السبى يعودان مملكة واحدة بعد السبى ليمتلكا أرض الميعاد كهبة من الله، فالرجوع من السبى تجديد لإمتلاكهم إياها بعد أن فقدوها بالسبى بسبب خطاياهم. ويمتلكونها من الله فيشكرونه ولا تمتلكهم أى تستحوذ بمادياتها على قلوبهم.
? إقبل الضيقة من أجل الله، ونق قلبك فيها، وسامح من أساءوا إليك ليعود الحب فيملك على قلبك، وتمتلك فضائل كثيرة يهبها لك الله.
(2) الخلاص بيد مادى وفارس (ع4-9):
4- فهذا هو الكلام الذي تكلم به الرب عن إسرائيل و عن يهوذا : 5- لأنه هكذا قال الرب: صوت ارتعاد سمعنا. خوف و لا سلام. 6- اسألوا و انظروا إن كان ذكر يضع. لماذا أرى كل رجل ويداه على حقويه كماخض، و تحول كل وجه إلى صفرة؛ 7- آه لأن ذلك اليوم عظيم و ليس مثله. وهو وقت ضيق على يعقوب، و لكنه سيخلص منه. 8- و يكون في ذلك اليوم، يقول رب الجنود، أني أكسر نيره عن عنقك و أقطع ربطك، و لا يستعبده بعد الغرباء. 9- بل يخدمون الرب إلههم وداود ملكهم الذي أُقيمه لهم.
ع4: هذه النبوة عن مملكتى إسرائيل ويهوذا اللتين تعرضتا للسبى، ويريد أن يعطيهما رجاء للخلاص من هذه الضيقة، ويبدأ بإسرائيل لأنها سُبيت أولاً وتعانى منذ مدة طويلة من آلام العبودية.
ع5: يعبر عن مشاعر المسبيين فى بابل عندما سمعوا بهجوم مادى وفارس عليها، فخافوا جداً لأنهم مذلولون بيد بابل، وشعروا بضيق جديد آت عليهم هو هجوم الماديين.
ع6: حقويه : بطنه ووسطه.
ما خض : المرأة التى إقتربت ولادتها وتتألم.
يشبه خوف الرجال المسبيين، عندما يضعون أيديهم على وسطهم، مثل المرأة التى اقتربت ولادتها وتعانى من آلامها.. ويقول هل يضع الرجل بيضاً مثل الدجاجة، أو يلد مولوداً مثل المرأة ؟ بالطبع لا، ولكنه مظهر الخوف الشديد والذى ظهر أيضاً على الوجوه التى أصبحت صفراء وهرب الدم منها بسبب الرعب.
ع7: يطمئن الله شعبه نسل يعقوب بأنه رغم صعوبة هذا اليوم، يوم هجوم مادى وفارس على بابل لتدميرها وقتل من فيها الذين بينهم اليهود، فإن الله سيحول هذا اليوم إلى خلاص لشعبه إذ بعد تملك كورش أول ملوك مادى وفارس أمر بعودة اليهود المسبيين إلى أورشليم.
ع8: نيره : خشبة مستعرضة توضع على رقبتى الحيوانين اللذين يجران الآلات الزراعية.
ربطك : الحبل الذى يربط به النير على رقبة البهيمة.
يبشر الله شعبه أنه بهجوم مادى وفارس يتخلص شعب الله من عبودية السبى ويرجع إلى أورشليم، ويبدأ العبادة فى الهيكل التى ترمز للإيمان بالمسيح وعبادته فى الكنيسة، وحينئذ لا يستعبد أحد شعب الله إذ تحرروا من الخطية، فلا تستعبدهم الخطية فيما بعد أى لا يستطيع الغرباء وهم الشياطين أن يستعبدوه، وشعب الله تخلص بواسطة مادى وفارس من السبى، ولكن بعد فترة قامت المملكة اليونانية وإستعبدتهم، وبعدها المملكة الرومانية، والخلاص من العبودية كان مؤقتاً، أما الخلاص الروحى بالإيمان بالمسيح فيدوم إلى الأبد.
ع9: داود ملكهم : المسيح الذى من نسل داود.
برجوع شعب الله من السبى إلى أورشليم، بدأوا عبادة الله فى الهيكل الذى كان تمهيداً لإيمانهم بالمسيح الذى من نسل داود، فيخدمونه إلى الأبد بالتسبيح.
? لا تنزعج من الضيقات التى تمر بك، فهى بداية لبركات كثيرة تنالها وتخلصك من خطايا كثيرة تستعبدك، وتنطلق فى عبادة ومحبة، وتمتع بعشرة الله أكثر من ذى قبل.
(3) شفاء من جراحات عديمة البرء (ع10-17):
10- أما أنت يا عبدي يعقوب فلا تخف، يقول الرب، و لا ترتعب يا إسرائيل لأني هأنذا أخلصك من بعيد، و نسلك من أرض سبيه، فيرجع يعقوب و يطمئن و يستريح و لا مزعج.
11- لأني أنا معك، يقول، الرب لأخلصك و إن أفنيت جميع الأمم الذين بددتك إليهم، فأنت لا أفنيك بل أؤدبك بالحق، و لا أبرئك تبرئة. 12- لأنه هكذا قال الرب : كسرك عديم الجبر و جرحك عضال. 13- ليس من يقضي حاجتك للعصر ليس لك عقاقير رفادة. 14- قد نسيك كل محبيك إياك لم يطلبوا لأني ضربتك ضربة عدو، تأديب قاس لأن إثمك قد كثر، و خطاياك تعاظمت، 15- ما بالك تصرخين بسبب كسرك جرحك عديم البرء، لأن إثمك قد كثر، و خطاياك تعاظمت، قد صنعت هذه بك. 16- لذلك يؤكل كل آكليك، و يذهب كل أعدائك قاطبة إلى السبي، و يكون كل سالبيك سلباً، وأدفع كل ناهبيك للنهب. 17- لأني أرفدك و أشفيك من جروحك، يقول الرب، لأنهم قد دعوك منفية صهيون التي لا سائل عنها.
ع10: يكرر الله وعده بأنه سيخلص شعبه من السبى البابلى ويعيده إلى أورشليم واليهودية، ويناديه عبدى ليعلن مسئوليته عنه حتى يثق فى وعد الله، ويطمئن رغم الضيقات المحيطة به فى السبى.
ع11: يؤكد الله رعايته وإهتمامه بشعبه ووعده لهم بالخلاص، ويطمئنهم بأنه يعاقب الأمم التى تسبيه ويدمرها لأجل شرورها، أما شعبه فيؤدبه فقط ليتوب ثم يخلصه.
ع12: الجبر: جبيرة مساندة الكسر فى العظام بواسطة قطع خشبية أو جبس ليلتأم الكسر.
عضال : صعب وشديد ولا يمكن شفاؤه.
يوضح الله إحساسه بقسوة عبودية بابل لشعبه، والتى تشبه كسر فى العظام لا يمكن شفاءه بأى جبيرة، أو جرح عميق جداً يستحيل البرء منه. ولكن رغم استحالة التخلص من عبودية بابل، يتدخل الله القادر على كل شئ فيخلصهم، فهو يوضح صعوبة الموقف ليظهر قوة خلاصه.
ع13: العصر : الضغط على الجزء المصاب بصديد عميق لإخراج ما به من صديد وتنظيفه.
عقاقير أدوية.
رفادة : شريط من القماش (شاش) يربط على الجرح بعد وضع العقاقير عليه.
يوضح أيضاً تعاسة وذل عبودية شعبه فى بابل، فيشبههم بإنسان عنده صديد فى جسمه، ولا يجد من يعالجه ويخرجه منه، إذ ليس له أى أدوية أو أقمشة يربط بها جروحه، فهو مريض مرض شديد وليس له من يعالجه أو أى أدوية تفيده.
ع14: من أجل قسوة العبودية، التى هى تأديب شديد من الله، لم يتألم شعب الله فقط بل ابتعد عنه كل من أظهر له صداقة قديمة مثل مصر، مما زاد شعور اليأس داخل شعب الله ولم يبقى إلا الرجاء فى الله وحده.
ع15: ينادى الله شعبه كعروس مرفوضة ويقول لها : لا تصرخى طالبة من يشفيك لأنه لا شفاء لجروحك، أى لا أمل فى خلاصك بحسب الفكر البشرى، إذ أن الله هو الذى ضربك فمن يستطيع أن ينقذك من يده إلا إذا قدمتِ توبة فيسامحك ويرفع عنك.
ع16: قاطبة : جميعاً.
عندما يتوب شعب الله يخلصه إلهه بأن يذل من أذله الذين كانوا يأكلونه بالقتل ليفنوه، هم أنفسهم يتعرضون للموت والسبى إلى بلاد بعيدة، وتُسلب غنائمهم وتُنهب بيوتهم، وهذا ما حدث فعلاً مع البابليين عندما هجمت عليهم مادى وفارس.
ع17: يعد الله بأن يداوى جراحاتها العديمة الشفاء فيشفيها بقوته القادرة على كل شئ، ولا تعود تُسمى منفية ومسبية بل ترجع عروسه إلى بلادها أى إلى أورشليم.
? إن كنت تمر بضيقات صعبة لا أمل فى حلها، أو مشاكل غير محتملة، فلا تنزعج لأن إلهك يراقب كل شئ، وسيشفيك، ويعالج مشاكلك، ويرفع عنك كل ضيقة لتسبحه دائماً.
(4) الرجوع إلى أورشليم وتبدل الأحوال (ع18-22):
18- هكذا قال الرب هأنذا أرد سبي خيام يعقوب، و أرحم مساكنه، و تُبنى المدينة على تلها، و القصر يسكن على عادته. 19- و يخرج منهم الحمد و صوت اللاعبين، و أكثرهم و لا يقلون، وأعظمهم و لا يصغرون. 20- و يكون بنوهم كما في القديم، و جماعتهم تثبت أمامي، و أعاقب كل مضايقيهم. 21- و يكون حاكمهم منهم، و يخرج و إليهم من وسطهم و أقربه فيدنو إليَّ، لأنه من هو هذا الذي أرهن قلبه ليدنو إليَّ يقول الرب. 22- و تكونون لي شعبا و أنا أكون لكم إلهاً.
ع18: ترك شعب الله الخيام التى كان يسكن فيها أثناء السبى، وعاد إلى أورشليم ليبنى أسوارها وقصورها، ويسكن فيها، ويبارك الله الذى أعاد المجد لأورشليم المبنيـة على تلٍ عالٍ.
ع19: يسبح الشعب الله، ويخرج الأطفال ليلعبوا فى الأسواق فرحين بمدينتهم، ويباركهم الله فيتناسلوا ويكثر عددهم، ويعطيهم مكانة وعظمة بين الشعوب.
ع20: يعود شعب الله إلى قوته ومكانته فى أورشليم، ومن يحاول مضايقتهم من الشعوب المحيطة يعاقبه الله.
ع21: أرهن قلبه : تنازل عن تعلق قلبه بالماديات، وأتكل على الله وتمسك به، أى باع نفسه لمحبة الله.
من بركات الله عليهم أن يحكمهم واحد منهم وليس الأعداء، فيكون والياً عليهم مثل “زربابل” أو “نحميا” أو “يهوذا المكابى”، ويعد الله أن يبارك حاكمهم لأنه اقترب إلى الله وطلب معونته وبركته.
ع22: فى النهاية يتمتع شعب الله برعايته وأبوته، ويكونون شعباً خاصاً له وهو إلههم الذى يدافع عنهم.
? إن الله قادر أن يعيد إليك مجدك، ويكرمك ويباركك مهما أتعبتك الخطية التى تمسكت بها وسببت لك أى خسائر، فإلهك غنى ويحبك، وسيعوضك عن كل شئ ما دمت قد رجعت إليه.
(5) مقاصد الله (ع23-24):
23- هوذا زوبعة الرب تخرج بغضب نوء جارف على رأس الأشرار يثور. 24- لا يرتد حمو غضب الرب حتى يفعل، و حتى يقيم مقاصد قلبه في آخر الأيام تفهمونها.
ع23: نوء جارف : ريح شديدة تكتسح كل ما فى طريقها.
يعلن الله أنه سمح بزوبعة ونوء شديدين يعبران عن غضبه الذى يصبه على الأشرار، أى البابليين الذين أذلوا شعبه، وقد سمح الله بهذا التأديب لشعبه حتى يتوبوا، ولكن بعد ذلك يؤدب من أدبهم وكان قاسياً عليهم وهم البابليين.
ع24: آخر الأيام : بعد إتمام مقاصده، أى بعد انهيار بابل ورجوع شعبه من السبى.
يعلن الله أنه لن يتوقف غضبه على بابل حتى تنهار، وتأتى مملكة مادى وفارس وتُعيد شعبه إلى بلاده.? إن كنت لا تفهم مقاصد الله فى الضيقات التى تمر بك، فإعلم أنه سيوضحها لك فيما بعد، ولكن ثق فى أبوته التى ترعاك ولا تسمح لك بشئ إلا لخلاص نفسك.