عقاب المهاجرين إلى مصر
(1) عبادتهم للأوثان (ع1-10):
1- الكلمة التي صارت إلى إرميا من جهة كل اليهود الساكنين في أرض مصر الساكنين في مجدل و في تحفنحيس و في نوف و في أرض فتروس قائلة. 2- هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل أنتم رأيتم كل الشر الذي جلبته على أورشليم و على كل مدن يهوذا فها هي خربة هذا اليوم و ليس فيها ساكن. 3- من أجل شرهم الذي فعلوه ليغيظوني إذ ذهبوا ليبخروا و يعبدوا آلهة أخرى لم يعرفوها هم و لا أنتم و لا آباؤكم. 4- فأرسلت إليكم كل عبيدي الأنبياء مبكرا و مرسلا قائلا لا تفعلوا أمر هذا الرجس الذي أبغضته. 5- فلم يسمعوا و لا أمالوا أذنهم ليرجعوا عن شرهم فلا يبخروا لآلهة أخرى. 6- فأنسكب غيظي و غضبي و أشتعلا في مدن يهوذا و في شوارع أورشليم فصارت خربة مقفرة كهذا اليوم. 7- فالآن هكذا قال الرب إله الجنود إله إسرائيل لماذا أنتم فاعلون شرا عظيما ضد أنفسكم لإنقراضكم رجالا و نساء أطفالا و رضعا من وسط يهوذا و لا تبقى لكم بقية.
8- لإغاظتي بأعمال أياديكم إذ تبخرون لآلهة أخرى في أرض مصر التي أتيتم إليها لتتغربوا فيها لكي تنقرضوا و لكي تصيروا لعنة و عارا بين كل أمم الأرض. 9- هل نسيتم شرور آبائكم و شرور ملوك يهوذا و شرور نسائهم و شروركم و شرور نسائكم التي فعلت في أرض يهوذا و في شوارع أورشليم. 10- لم يذلوا إلى هذا اليوم و لا خافوا و لا سلكوا في شريعتي و فرائضي التي جعلتها أمامكم و أمام آبائكم.
ع1: مجدل : مدينة تقع شمال شرق مصر نواحى السويس (خر14: 2)، (عد33: 7).
تحفنحيس : تقع غرب القنطرة وتبعد عنها 10 أميال وكان فيها قصر للملك.
نوف : مدينة تقع جنوب القاهرة حوالى 12 ميل وكانت عاصمة لمصر فى بعض الوقت.
فتروس : هى طيبة أى الأقصر الحالية وكانت عاصمة لمصر بعض الوقت.
يفهم من هذه الآية أن اليهود الذين هربوا من مملكة يهوذا انتشروا فى مصر من شمالها إلى جنوبها، وفى آخر هجرة حملوا إرميا معهم، وكانت كلمة الله له موجهة لليهود المنتشرين فى بلاد مصر كلها وخاصة البلاد المذكورة هنا.
ع2: يتكلم الله بقوة معلناً اسمه أنه رب الجنود أى الإله القادر على كل شئ الذى أدب شعبه فى أورشليم وكل مملكة يهوذا بتدمير مدنهم وقتل الكثيرين منهم، وأصبحت المدن خربة لا يسكنها أحد.
ع3: سبب هذا التأديب هو عبادة الشعب للأوثان لآلهة لم يعرفوها لا هم ولا آبائهم بل هى آلهة الشعوب المحيطة بهم.
ع4: الرجس : الشر والقذارة التى يكرهها الله.
الله فى طول آناته أرسل أنبياء كثيرين من أيام موسى حتى إرميا يعلمونهم عبادة الله والابتعاد عن عبادة الآلهة الغريبة، التى هى نجاسة وشر يبغضه الله جداً.
ع5: للأسف لم يسمع الشعب لكلام الأنبياء وأصروا على عبادة الأوثان.
ع6: ومن أجل هذه الشرور أدبهم الله بتخريب مدنهم.
ع7: يحذرهم الله من أجل استمرارهم فى عبادة الأوثان التى ستؤدى إلى فنائهم كباراً أو صغاراً. وقد حدث هذا فعلاً فمات اليهود الذين فى مصر ولم يبق إلا عدد قليل استطاعوا العودة إلى مملكة يهوذا.
ع8: استكمل اليهود شرورهم بعبادة الأوثان فى مصر فى تحدٍ لله وإغاظة له، والنتيجة أنه سيؤدبهم فينقرضوا كشعب، أى يصيروا شعباً ضعيفاً جداً حتى يكونوا مثالاً للعار والخزى بين الشعوب، إذ أتت عليهم لعنة إلههم الذى أغضبوه.
ع9: يذكرهم الله بشرور آبائهم وخطايا ملوكهم وزوجاتهم مثل ازابيل زوجة آخاب، وزوجات سليمان اللاتى أملن قلبه عن عبادة الله، وشرور كل الشعوب وكيف كان تأديبهم الإلهى بتخريب مدنهم وقتل الكثيرين منهم.
ع10: كان من الطبيعى أمام التأديب الإلهى أن يتذلل الشعب فى توبة ويخافوا الله، فينالوا مراحمه ولكنهم للأسف استمروا فى عبادة الأوثان، بل تزايدوا فيها عندما جاءوا إلى مصر المملوءة بالآلهة الوثنية، ولم يرجع أحد إلى شريعة الله وعبادته.
تذكر كم صنعت بك خطاياك القديمة وأتعبتك وأبعدتك عن الله حتى تحترس اليوم من مصادر الشر التى تسقطك فى الخطية فتبتعد عنها وإن سقطت تتوب سريعاً وترجع إلى الله وتتمتع بغفرانه وحبه ورعايته.
(2) عقاب الله لخطاياهم (ع11-14):
11- لذلك هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل هأنذا أجعل وجهي عليكم للشر و لأقرض كل يهوذا. 12- و أخذ بقية يهوذا الذين جعلوا وجوههم للدخول إلى أرض مصر ليتغربوا هناك فيفنون كلهم في أرض مصر يسقطون بالسيف و بالجوع يفنون من الصغير إلى الكبير بالسيف و الجوع يموتون و يصيرون حلفا و دهشا و لعنة و عارا. 13- و أعاقب الذي يسكنون في أرض مصر كما عاقبت أورشليم بالسيف و الجوع و الوبأ. 14- و لا يكون ناج و لا باق لبقية يهوذا الآتين ليتغربوا هناك في أرض مصر ليرجعوا إلى أرض يهوذا التي يشتاقون إلى الرجوع لأجل السكن فيها لأنه لا يرجع منهم إلا المنفلتون.
ع11: يعلن الله قراره بإبادة شعبه فيرون وجه الله الغاضب عليهم فيسمح بقتلهم لأجل خطاياهم.
ع12: حلفاً : يصيرون مثالاً للتأديب الإلهى ويحلف الناس مستشهدين بما حدث لهم. أى يصيروا عبرة أمام كل الشعوب.
دهشاً : يتعجب الناس من قسوة التأديب التى حدثت لهم لكثرة شرورهم.
يصيب التأديب الإلهى المهاجرين إلى مصر أى البقية من اليهود الذين بقوا بعد السبى البابلى وطلبوا الحماية بمجيئهم إلى مصر بدلاً من طاعة الله والاتكال عليه والبقاء فى بلادهم كما قال لهم إرميا فيبيدهم الله بشكل واضح فيصيرون أمام كل الشعوب مثالاً للتأديب الإلهى نتيجة تمردهم عصيانهم.
ع13: يحل العقاب الإلهى لليهود العابدين الأوثان فى مصر كما حل على اليهود عابدى الأوثان فى أورشليم ومملكة يهوذا بهجوم بابل عليهم، كما هجمت بابل على أورشليم تهجم أيضاً على مصر.
ع14: يفنى اليهود المهاجرين إلى مصر ولا يرجعون إلى بلادهم إلا عدداً قليلاً استطاع أن يهرب، وقد أبقى الله على هذه البقية لعلها تتوب وتعبده.
الله فى حنانه يطيل أناته عليك ويعطيك فرصة للتوبة وإن سمح بضيقات وتعطل بعض الأمور فى حياتك ولكن مازال لك قوة لترجع إليه فتحيا نفسك وتتمتع بعشرته.
(3) الإصرار على عبادة الأوثان (ع15-19):
15- فأجاب إرميا كل الرجال الذين عرفوا أن نساءهم يبخرن لآلهة أخرى و كل النساء الواقفات محفل كبير و كل الشعب الساكن في أرض مصر في فتروس قائلين. 16- إننا لا نسمع لك الكلمة التي كلمتنا بها باسم الرب. 17- بل سنعمل كل أمر خرج من فمنا فنبخر لملكة السماوات ونسكب لها سكائب كما فعلنا نحن و آباؤنا و ملوكنا و رؤساؤنا في أرض يهوذا و في شوارع أورشليم فشبعنا خبزا و كنا بخير و لم نر شرا. 18- و لكن من حين كففنا عن التبخير لملكة السماوات وسكب سكائب لها أحتجنا إلى كل و فنينا بالسيف و الجوع. 19- و إذ كنا نبخر لملكة السماوات و نسكب لها سكائب فهل بدون رجالنا كنا نصنع لها كعكا لنعبدها و نسكب لها السكائب.
ع15: كان إرميا يتكلم مع اليهود الساكنين فى فتروس أى الأقصر حالياً ويدعوهم للتوبة والرجوع إلى الله كما هو واضح فى الآيات السابقة من هذا الإصحاح ولكن كان الرد غريباً من الرجال والنساء الذين كانوا مجتمعين حول إرميا فى محفل كبير لسماع صوت الله.
ع16: رفض الكل سماع كلام الله على فم إرميا فى تحدٍ واضح لله وعصيان كامل.
ع17: أعلنوا أنهم سيستمرون فى عبادة آلهة السموات وهى إما عشتاروث آلهة الأشوريين أو بعل أو أية آلهة يتخذونها من السموات مثل الشمس والقمر والنجوم والعواصف… وكان دليلهم ومشجعهم على عبادتها هو ما ظنوه من راحة وخير أثناء عبادتهم لها فى مملكة يهوذا إذ نسبوا خيرهم لعبادة آلهة السماء وليس لله الذى يطيل آناته عليهم. وهذا يبين مدى التمرد والإصرار على الشر.
إن كنت قد ضعفت وأخطأت فارجع إلى الله لأنه حنون ورحيم ولكن لا تبرر خطاياك فتصر عليها وتتحدى الله، فمن أنت حتى تقف أمام الله وتعصاه ؟!! أعتذر له ولمن حولك بإتضاع فتستعيد بنوتك له.
ع18: سكائب : كانوا يسكبون الخمر والزيت إرضاء للآلهة.
احتجنا إلى كلٍ : احتجنا إلى كل الاحتياجات المادية أى أصبحنا فى فقر.
نسبوا الخير لعبادة آلهة السماء ونسبوا الفقر إلى عدم عبادتهم مع أن الحقيقة أن الخير كان من طول أناة الله عليهم، والفقر كان تأديب إلهى ليعودوا إليه. وهكذا لابتعادهم عن الله لم يفهموا مقاصده واستمروا بعناد فى شرورهم.
ع19: أعلنت النساء أن عبادتهن لآلهة السموات بعمل كعك وسكب سكائب كان بموافقة بل ومساعدة رجالهن أى أن الكل رجالاً ونساءاً مصرين على عبادة الأوثان.
(4) تأكيد العقاب الإلهى (ع20-30):
20- فكلم إرميا كل الشعب الرجال و النساء و كل الشعب الذين جاوبوه بهذا الكلام قائلا. 21- أليس البخور الذي بخرتموه في مدن يهوذا و في شوارع أورشليم أنتم و آباؤكم و ملوككم ورؤساؤكم و شعب الأرض هو الذي ذكره الرب و صعد على قلبه. 22- و لم يستطع الرب أن يحتمل بعد من أجل شر أعمالكم من أجل الرجاسات التي فعلتم فصارت أرضكم خربة و دهشا و لعنة بلا ساكن كهذا اليوم. 23- من أجل أنكم قد بخرتم و أخطاتم إلى الرب و لم تسمعوا لصوت الرب ولم تسلكوا في شريعته و فرائضه و شهاداته من أجل ذلكم قد أصابكم هذا الشر كهذا اليوم.
24- ثم قال إرميا لكل الشعب و لكل النساء إسمعوا كلمة الرب يا جميع يهوذا الذين في أرض مصر.
25- هكذا تكلم رب الجنود إله إسرائيل قائلا أنتم و نساؤكم تكلمتم بفمكم و أكملتم بأياديكم قائلين إننا إنما نتمم نذورنا التي نذرناها أن نبخر لملكة السماوات و نسكب لها سكائب فإنهن يقمن نذوركم و يتممن نذوركم. 26- لذلك إسمعوا كلمة الرب يا جميع يهوذا الساكنين في أرض مصر هأنذا قد حلفت باسمي العظيم قال الرب إن اسمي لن يسمى بعد بفم إنسان ما من يهوذا في كل أرض مصر قائلا حي السيد الرب. 27- هأنذا أسهر عليهم للشر لا للخير فيفنى كل رجال يهوذا الذين في أرض مصر بالسيف و الجوع حتى يتلاشوا. 28- و الناجون من السيف يرجعون من أرض مصر إلى أرض يهوذا نفرا قليلا فيعلم كل بقية يهوذا الذين أتوا إلى أرض مصر ليتغربوا فيها كلمة أينا تقوم. 29- و هذه هي العلامة لكم يقول الرب إني أعاقبكم في هذا الموضع لتعلموا أنه لا بد أن يقوم كلامي عليكم للشر. 30- هكذا قال الرب هأنذا أدفع فرعون حفرع ملك مصر ليد أعدائه و ليد طالبي نفسه كما دفعت صدقيا ملك يهوذا ليد نبوخذراصر ملك بابل عدوه و طالب نفسه.
ع20: أطال الله أناته على الشعب المتمرد فأرسل لهم كلامه ثانية على فم إرميا.
ع21: ذكرهم إرميا بشرورهم فى التبخير للأوثان فى أورشليم وبلاد يهوذا مما أغاظ الله وضايقه جداً، لأنه خرج من الشعب كله والملوك والرؤساء.
ع22: لم يستطع الله أن يصبر أكثر من هذا على شرورهم إذ لم يجد فيهم ميل للتوبة، فأدبهم بتخريب أورشليم وبلاد يهوذا. فيوضح هنا إرميا أن الفقر والخراب كان بسبب خطاياهم فى حق الله وليس لابتعادهم عن عبادة آلهة السماء كما ظنوا.
ع23: يؤكد أن سبب العار والذل الذى صاروا فيه هو خطاياهم فى حق الله بتبخيرهم للأوثان.
ع24، 25: قال لهم إرميا كلام الله وعقابه الآتى عليهم بسبب تبخيرهم لآلهة السموات وتقديم نذور لها كل هذا يؤكد إيمانهم بها وليس بالله.
ع26: بسبب شرورهم سيمنع الله ذكر اسمه بأفواه اليهود الأشرار لأنهم يذكرون اسمه وفى نفس الوقت يعبدون الأوثان التى هى ضده فسيسمح بقتلهم على يد بابل لأجل إصرارهم على الشر.
ع27: يقرر الله أنه سيبيد شعبه فيموتون بسيف ملك بابل ومن لا يموتون بالسيف سيموتون بالجوع عكس ما تخيلوا من وجود خيرات لهم فى مصر.
لا تظن أن راحتك فى طموحاتك المادية لأنها غير مضمونة ومتقلبة وزائلة، ولكن أطلب أولاً أن تحيا مع الله وتستعيد سلامك وتتمتع بفرح على الأرض ثم فى السماء.
ع28: كلمة أينا تقوم : كلمة أياً منا تقوم، هل كلمة الله أم كلمة اليهود.
عندما يهجم ملك بابل على مصر ويقتل الكثيرين من المصريين ومعهم اليهود سيظهر كلام من هو الصحيح أكلام الله الذى نفذ كلامه وعاقبهم بقتل أكثرهم ولم يفلت إلا القليلون الذين عادوا إلى بلادهم أم كلمة شعبه المتمرد الذين يظنون أنهم فى حماية آلهة السموات ويتمتعون بحماية وخير مصر. أى أن الأحداث ستثبت أن كلام الله هو الصحيح وليس كلام المتمردين عبدة الأوثان.
ع29، 30: أعطى الله علامة على تنفيذ كلامه بموت معظم شعبه الذين أتوا إلى مصر بأن فرعون مصر واسمه حفرع سيموت بيد ملك بابل وقد حدث هذا فعلاً لأن حفرع هذا من الأسرة السادسة والعشرين فهو الملك الرابع منها وقد مات عام 546 ق.م. فهذه علامة واضحة أن ملك بابل الذى قبض على صدقيا ملك يهوذا سيقتل حفرع ملك مصر.