إرميا في الجب
(1) التجاء صدقيا إلى إرميا (ع1-4):
1- و ملك الملك صدقيا بن يوشيا مكان كنياهو بن يهوياقيم، الذي ملكه نبوخذراصر ملك بابل في أرض يهوذا. 2- و لم يسمع هو و لا عبيده و لا شعب الأرض لكلام الرب الذي تكلم به عن يد إرميا النبي. 3- و أرسل الملك صدقيا يهوخل بن شلميا و صفنيا بن معسيا الكاهن إلى إرميا النبي قائلاً صل لأجلنا إلى الرب إلهنا. 4- و كان إرميا يدخل و يخرج في وسط الشعب إذ لم يكونوا قد جعلوه في بيت السجن.
ع1 : بعد موت يوشيا مقتولاً في معركة مجدو وملك ابنه “يهوآحاز” لمدة ثلاثة شهور ثم سباه ملك مصر، ثم ملك أخوه “يهوياقيم” بدلاً منه. وبعد قتل “يهوياقيم” بن يوشيا بيد ملك بابل، ملك ابنه “يهوياكين” والذي يسمى أيضاً “يكنيا” أو “كنياهو” وملك مدة قليلة هي ثلاثة أشهر ثم سباه “نبوخذ نصر” إلى بابل ومَلَك عوضاً عنه عمه “صدقيا” أخو “يهوياقيم” وابن “يوشيا” الملك الصالح. وفي عهد “صدقيا” تم تخريب أورشليم، وحرق الهيكل، وبدء السبى البابلي فصدقيا هو آخر ملوك مملكة يهوذا.
يُلاحظ أن من (ص 37 – 44) يحكى لنا إرميا أحداث تاريخه كثيرة.
ع2: يوضح هنا ابتعاد صدقيا، مثل يهوياقيم أخوه، عن طريق الله ورفضهما طاعة إرميا نبى الله، وإن كان صدقيا يسأل أحياناً عن كلام الله ولكنه لا يطيعه فشخصيته أضعف من أخوه يهوياقيم، ولكن الأثنان بعيدان عن الله، ولم يقم ملك صالح بعد يوشيا على مملكة يهوذا.
ع3 : كان صدقيا في حيرة هل يتحالف مع ملك مصر أم يخضع لملك بابل، فأرسل إثنين من معاونيه إلى إرميا ليصلي من أجله ويرشده
ع4:كان إرميا في هذا الوقت يتمتع بحرية حركة بين الشعب، ويكلمهم بكلام الله أي لم يكن قد أُلقي في السجن بعد.
إذا كان لك منصب أو رئاسه أو سطان فلا تنسى أن الله هو الذي أعطاك كل هذا، فأطلبه وأطع وصاياه فتحيا في طمأنينة وتقود من معك في الطريق المستقيم.
[2] حصار أورشليم (5 – 10) :
5- و خرج جيش فرعون من مصر. فلما سمع الكلدانيون المحاصرون أورشليم بخبرهم، صعدوا عن أورشليم. 6- فصارت كلمة الرب إلىَّ إرميا النبي قائلة : 7- هكذا قال الرب اله اسرائيل هكذا تقولون لملك يهوذا الذي أرسلكم إلي لتستشيروني : ها إن جيش فرعون الخارج إليكم لمساعدتكم يرجع إلى أرضه إلى مصر. 8- و يرجع الكلدانيون و يحاربون هذه المدينة و يأخذونها و يحرقونها بالنار.
9- هكذا قال الرب لا تخدعوا أنفسكم قائلين ان الكلدانيين سيذهبون عنا لأنهم لا يذهبون.
10- لأنكم و إن ضربتم كل جيش الكلدانيين الذين يحاربونكم و بقي منهم رجال قد طعنوا فأنهم يقومون كل واحد في خيمته و يحرقون هذه المدينة بالنار.
ع 5 : كان جيش بابل يحاصر أورشليم عام 588 ق . م، فخاف “خفرع” ملك مصر ابن نخو من مهاجمة بابل لمصر، فتحرك بجيوشه ليس حباً في اليهود ولكن دفاعاً عن بلده فخرج يهاجم جيش بابل المحاصر لأورشليم، فخاف نبوخذ ناصر من محاربة جيشين هما جيش مصر وجيش أورشليم، وفضل محاربة كل منهما على حدة فيسهل عليه الانتصار عليه، ولذا تراجع حينذاك عن محاربة أورشليم. مما جعل صدقيا الملك يحتار أيهما أقوى ليتحالف معه ويخضع له هل ملك مصر أم ملك بابل ؟
ع 6 ، 7: أرسل الله لإرميا نبوة ترد على سؤال الملك صدقيا، فقال لمندوبيه أن جيش مصر سيتراجع ويبتعد عن أورشليم ويعود إلى مصر.
ع8: ثم أضاف إرميا في نبوته إن جيش بابل ترك أورشليم مؤقتاً وسيعود لمحاصرتها ويستولي عليها ويدمرها ويحرقها بالنار.
ع9: حذر إرميا صدقيا ومن معه حتى لا يخدعوا أنفسهم ويظنوا أن بابل لن تعود، إذ كان صدقيا يتمنى ذلك ويود التحالف مع مصر، ولكن إرميا أكد لهم أن نبوخذ ناصر سيعود ويستولي على المدينة.
لا يستطيع أحد ن يخدعك إن لم تخدع نفسك وتقبل أفكار إبليس الشريرة، فأخضع لوصايا الله وتب عن خطاياك فيعطيك الروح القدس تمييزاً وإرشاداً.
ع 10 : وأضاف إرميا أيضاً إنهم إن تغلبتم على بابل ولم يبقى من جيشهم إلا عدد قليل جرحى قد طُعنوا بالحراب وأصابتهم السهام، فأنهم يقومون ويستطيعون الاستيلاء على أورشليم وتدميرها أي أن الكلدانيين أو البابليين لابد أن يدمروا أورشليم.
[3] إرميا في الجب (ع 11 – 16):
11- و كان لما أُصعد جيش الكلدانيين عن أورشليم من وجه جيش فرعون. 12- أن إرميا خرج من أورشليم لينطلق إلى أرض بنيامين لينساب من هناك في وسط الشعب. 13- و فيما هو في باب بنيامين إذا هناك ناظر الحراس اسمه يرئيا بن شلميا بن حننيا، فقبض على إرميا النبي قائلاً : أنك تقع للكلدانيين. 14- فقال إرميا : كذب لا أقع للكلدانيين و لم يسمع له فقبض يرئيا على إرميا، وأتى به إلى الرؤساء. 15- فغضب الرؤساء على إرميا و ضربوه و جعلوه في بيت السجن، في بيت يوناثان الكاتب لأنهم جعلوه بيت السجن.16- فلما دخل إرميا إلى بيت الجب و إلى المقببات أقام إرمياً هناك أياما كثيرة.
ع 11 ، 12 : بعد خوف جيوش بابل من جيش مصر وفكها الحصار عن أورشليم ورجوعها إلى بابل، شعر يهود أورشليم بالراحة وخرجوا لينظروا حقولهم المحيطة بأورشليم، ويهتموا بتجارتهم وشؤنهم، فخرج معهم إرميا النبي لينظر حقله الذي اشتراه في عناثوث التي تقع شمال أورشليم وهي مدينته التي وُلٍد فيها، وكان قد اشترى هذا الحقل عندما كان مسجوناً ولم يراه. خرج وسط الزحام وهو يعتقد أن أحداً لن يهتم به بين الخارجين الكثيرين من أورشليم.
ع 13 : باب بنيامين : أحد أبواب أورشليم ويقع في شمالها ويؤدي إلى الأرض التي يسكنها سبط بنيامين.
ناظر الحراس : رئيس الحراس الذين يحرسون مدينة أورشليم.
تقع للكدانيين : تخرج لمقابلة الكلدانيين الذين أنت متحالف معهم.
فيما كان إرميا خارج من أورشليم، رآه يرئيا ناظر الحراس فقبض عليه متهماً إياه بخيانة بلده والخروج لمقابله الأعداء البابلين. وقد ظن يرئيا ذلك لأن نبوات إرميا كانت تنادي بالخضوع لبابل.
ع14: حاول إرميا الدفاع عن نفسه وتكذيب الاتهام الموجه إليه، ولكن يرئيا لم يقبل دفاعه وقبض عليه وأحضره إلى رؤساء الشعب.
ع15: يظهر هنا أن الرؤساء، أيام صدقيا الملك، كانوا أشراراً رافضين لكلام الله ويختلفون عن الرؤساء الأتقياء الذين كانوا في أيام يهوياقيم المذكورين في الإصحاح السابق. وأمر الرؤساء بإلقاء إرميا في السجن الذي كان موجوداً فى بيت الكاتب الرسمي للملك، والذي يُدعى يوناثان، وذلك بعد أن ضربوا إرميا.
ع 16 : الجب : حفرة أو حجرة سفلية في باطن الأرض.
المقببات : كان الجب له قبب فوق الأرض.
وضعوا إرميا وتركوه زماناً طويلاً في سجن بيت يوناثان الذي هو الجب ذو القبب.
لا تنزعج من الاتهامات الباطلة التي يوجهها العالم إليك ولا أيضاً من إساءاته، مهما كانت شديدة، لأن الله معك حتى لو كنت وحدك فالله يساندك ويظهر حقك في النهاية ويكافئك عن كل أتعابك.
[4] إطلاق إرميا وطلب الرحمة (ع 17 – 21):
17- ثم أرسل الملك صدقيا و أخذه و سأله الملك في بيته سراً و قال : هل توجد كلمة من قبل الرب ؟ فقال إرميا : توجد فقال : إنك تدفع ليد ملك بابل. 18- ثم قال ارميا للملك صدقيا : ما هي خطيتي إليك و إلى عبيدك و إلى هذا الشعب حتى جعلتموني في بيت السجن؟ 19- فأين أنبياؤكم الذين تنبأوا لكم قائلين : لا يأتي ملك بابل عليكم و لا على هذه الارض؟ 20- فالآن اسمع يا سيدي الملك ليقع تضرعي أمامك و لا تردني إلى بيت يوناثان الكاتب فلا أموت هناك. 21- فأمر الملك صدقيا أن يضعوا إرميا في دار السجن و أن يعطى رغيف خبز كل يوم من سوق الخبازين حتى ينفد كل الخبز من المدينة فأقام إرميا في دار السجن
ع 17 : ظن الملك صدقيا أن السجن قد يؤثر على إرميا ويغير رأيه متناسياً أن الله هو المتكلم وليس إرميا، ولأن رغبة صدقيا كانت مسيطرة على قلبه تمنياته ألا يعود الكلدانيين، لذا أرسل سراً وأحضر إرميا إلى قصره وطلب أن يسمع كلمة الله، فلم يخف إرميا بطش الملك واستهان بالآلام وأعلن صوت الله قوياً واضحاً وهو أن الكلدانيين سيستولون على أورشليم ويدمرونها.
لا تخف من إعلان الحق مهما كانت ظروفك صعبة أو ضعفك ظاهر لأن الله معك يسندك ويحميك أعطه فرصة أن يتكلم على فمك اطلبه فيرشدك ويقويك.
ع18: عاتب إرميا الملك صدقيا لأنهم ألقوه في السجن الصعب، الذي هو الجب، وسأل الملك ما هي الخطية التي بسببها أُلقي في الجب لأنه لم يحاكم قبل إلقاءه في الجب.
ع19: وعاتب الملك مُظهراً كذب الأنبياء الكذبة المحيطين بالملك الذين قالوا أن ملك بابل لن يهاجم أورشليم وقد حدث عكس هذا لأن أورشليم كانت محاصرة وستحاصر مرة أخرى ويستولون عليها. فهذا الحصار يثبت صدق نبوات إرميا.
ع20: يبدو أن سجن يوناثان أي الجب كان قاسياً جداً لا يمكن الاستمرار في احتماله فغالباً كان رطباً جداً ومظلماً فطلب إرميا من صدقيا الملك وترجاه ألا يعيده إلى هذا السجن خاصة أنه برئ.
ع21: حتى ينفذ كل الخبز من المدينة : مهما اشتدت المجاعة في أورشليم
سوق الخبازين : منطقة أو شارع فيه تجمع للأفران والخبازين في مدينة أورشليم كما هو الحال في مدن كثيرة من العالم حيث توجد شوارع وأسواق لبعض الحرف والمنتجات.
تأثر الملك صدقيا بكلام إرميا وشعر ببراءته وتعاطف معه، ولكنه كان ضعيفاً في شخصيته فلم يستطع الأمر بالإفراج عنه حتى لا يقوم عليه رؤساء الشعب المقاومين لإرميا، واكتفى بنقله إلى سجن أفضل وهو الذي في قصر الملك، وأمر أن يُعطى طعاماً كل يوم مهما ساد الجوع في أورشليم لأنه كان متوقعاً بسبب الحصار البابلي المقبل عليهم.