الدرج
(1) كتابة الدرج (ع1-7):
1- و كان في السنة الرابعة ليهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا أن هذه الكلمة صارت إلى إرميا من قبل الرب قائلة. 2- خذ لنفسك درج سفر و اكتب فيه كل الكلام الذي كلمتك به على إسرائيل وعلى يهوذا و على كل الشعوب من اليوم الذي كلمتك فيه من أيام يوشيا إلى هذا اليوم. 3- لعل بيت يهوذا يسمعون كل الشر الذي أنا مفكر أن أصنعه بهم فيرجعوا كل واحد عن طريقه الرديء فأغفر ذنبهم و خطيتهم. 4- فدعا إرميا باروخ بي نيريا فكتب باروخ عن فم إرميا كل كلام الرب الذي كلمه به في درج السفر. 5- و أوصى إرميا باروخ قائلاً أنا محبوس لا أقدر أن أدخل بيت الرب. 6- فأدخل أنت و اقرأ في الدرج الذي كتبت عن فمي كل كلام الرب في آذان الشعب في بيت الرب في يوم الصوم و اقرأه أيضاً في آذان كل يهوذا القادمين من مدنهم. 7- لعل تضرعهم يقع أمام الرب فيرجعوا كل واحد عن طريقه الرديء لأنه عظيم الغضب و الغيظ اللذان تكلم بهما الرب على هذا الشعب.
ع1: يحدد زمن النبوة وهو السنة الرابعة للملك يهوياقيم ملك يهوذا أي عام 605 ق . م وكان هذا الملك شريراً ويكره إرميا لأنه يعلن صوت الله.
ع2: أمر الله أرميا أن يكتب كل النبوات التي أعطاها الله له، منذ أيام يوشيا الملك أي عام 626 ق . م حتى زمن كتابة النبوات أي 605 ق . م وهي مدة 21 عاماً، وتشمل نبوات على مملكة إسرائيل ومملكة يهوذا والشعوب الأخرى. ولعل الدافع لهذا اقتراب زمن السبي وتعرض أرميا لإبعاده عن الهيكل أو سجنه بتعطيل وصول كلام الله للناس، فأمره الله بكتابة النبوات لتحفظ ويحملها المسبيون إلى بابل أو الهاربون إلى مصر أو تبقى نسخة منها في أورشليم يقرأونها فيتوبون.
ع 3 : غرض الله من هذه النبوات أو كتابتها هو تحريك قلوب شعبه ليتوبوا فيرجع عن عقابهم ويخلصهم.
ع 4 : درج السفر : عبارة عن رقائق من الجلد أو نبات البردي يكتب عليها وتكون ملفوفة عند حفظها وعندما تقرأ تفتح هذه الرقائق المفوفة.
دعا إرميا تلميذه باروخ النبي ليكتب له النبوات التي سيمليها عليه، وكان إرميا يحفظها بقوة روح الله القدوس أو قد يكون دون كل نبوة بعد إعلانه. فكتب كل نبوات إرميا في درج.
ع 5 : كان إرميا ممنوعاً من الاقتراب من الهيكل، هذا معنى كلمة محبوس وليس معنى أنه كان محبوس في سجن، بدليل أنه كان يمكنه الهرب كما توضح ع 19. وكان هذا عام 605 ق . م في الوقت الذي انتصرت فيه بابل على مصر في معركة كركميش التي على نهر الفرات ثم بدأت تتقدم نحو فلسطين لتحاصر أورشليم.
ع6: أمر إرميا تلميذه باروخ النبي والمسجل لنبواته أنه بعد كتابة كل نبواته يقرأها على مسامع الشعب المجتمع في بيت الرب الساكنين في أورشليم وأيضاً الآتين من بلاد يهوذا إلى بيت الرب، وقد حدث هذا في الشهر التاسع من عام 604 ق . م أي السنة الخامسة للملك يهوياقيم فهناك مسافة زمنية بين زمن كتابة الدرج وزمن قراءته وهي أكثر من عام. وكان ذلك في يوم الصوم العام.
[2] الصوم العام (ع 8 – 10)
8- ففعل باروخ بن نيريا حسب كل ما أوصاه به إرميا النبي بقراءته في السفر كلام الرب في بيت الرب.9- و كان في السنة الخامسة ليهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا في الشهر التاسع أنهم نادوا لصوم أمام الرب كل الشعب في أورشليم و كل الشعب القادمين من مدن يهوذا إلى أورشليم.
10- فقرأ باروخ في السفر كلام إرميا في بيت الرب في مخدع جمريا بن شافان الكاتب في الدار العليا في مدخل باب بيت الرب الجديد في آذان كل الشعب.
ع 8 : باروخ اسم عبري معناه مبارك، وكان تلميذاً لإرميا وسجل له نبواته، ثم بعد هذا ذهب إلى بابل وكتب سفراً خاصاً به هو من الأسفار القانونية الثانية أي ضمن الكتاب المقدس ولكن حذفه البروستانت، وينتسب بقرابه إلى إرميا.
استغرقت كتابة النبوات مدة أكثر من عام ثم قرأها باروخ في بيت الرب أمام الشعب.
ع 9 : في الشهر التاسع من السنة التاسعة لملك يهوياقيم ملك يهوذا وهو الموافق لعام 604 ق . م في شهر ديسمبر أي في الشتاء، نادوا في أورشليم بصوم عام لكل الشعب، وهو ليس من الأصوام الدينية المكتوبة في شريعة موسى، ولكنه صوم من أجل اقتراب جيوش بابل من أورشليم والشعور بالخطر فطلبوا الله لينقذهم ولكن للأسف لم يصاحب هذا الصوم رجوع عن خطاياهم.
ع10: جمريا بن شافان : شافان هو كاتب الملك يوشيا (2 مل 22 : 3 ، 8) وجمريا ابنه هو أيضاً أخو افيقام الذي عامل أرميا برفق ( ص 25 : 24) ذهب باروخ إلى الهيكل وصعد إلى إحدى غرف الهيكل وهي التي لجمريا بن شافان الذي يتعاطف مع إرميا ووقف وأطل من فوق من إحدى نوافذ الغرفة على الشعب المجتمع في فناء الهيكل وقرأ نبوات أرميا التي سجلها له ويبدو أنها كانت مكتوبة بشكل مختصر فأمكن أن تقرأ كلها في وقت معقول على كل الشعب.
الصوم فرصة لتقديم محبتك لله بتنازلك عن تعلقاتك المادية ولكن لابد أن يرتبط بتوبتك ليكون صوماً نقياً يرضى عنه الله فتشعر بتعزيات روحية وبركة في حياتك.
[3] قراءة السفر للرؤساء (ع11-19) :
11- فلما سمع ميخايا بن جمريا بن شافان كل كلام الرب من السفر. 12- نزل إلى بيت الملك إلى مخدع الكاتب و إذا كل الرؤساء جلوس هناك اليشاماع الكاتب و دلايا بن شمعيا و الناثان بن عكبور و جمريا بن شافان و صدقيا بن حننيا و كل الرؤساء. 13- و أخبرهم ميخايا بكل الكلام الذي سمعه عندما قرأ باروخ السفر في آذان الشعب. 14- فأرسل كل الرؤساء إلى باروخ يهودي بن نثنيا بن شلميا بن كوشي قائلين الدرج الذي قرأت فيه في آذان الشعب خذه بيدك و تعال فاخذ باروخ بن نيريا الدرج بيده و أتى إليهم. 15- فقالوا له أجلس و اقرأه في آذاننا فقرأ باروخ في آذانهم. 16- فكان لما سمعوا كل الكلام أنهم خافوا ناظرين بعضهم إلى بعض و قالوا لباروخ أخباراً نخبر الملك بكل هذا الكلام. 17- ثم سألوا باروخ قائلين أخبرنا كيف كتبت كل هذا الكلام عن فمه. 18- فقال لهم باروخ بفمه كان يقرأ لي كل هذا الكلام و أنا كنت أكتب في السفر بالحبر.
19- فقال الرؤساء لباروخ اذهب و اختبئ أنت و إرميا و لا يعلم إنسان أين أنتما.
ع 11 : كان، بين المجتمعين في فناء الهيكل والذين سمعوا قراءة باروخ للدرج، شاب هو ميخايا بن جمريا أحد رؤساء الشعب، وجده هو شافان الذي كان الكاتب الرسمي للملك يوشيا.
ع12: أسرع ميخايا بعد سماعه نبوات إرميا، بفم باروخ، وذهب إلى القصر الملكي وهناك في أحد الغرف التي تسمى مخدع الكاتب الذي اعتاد أن يجتمع فيه كتبة الملك والرؤساء، وجد عدداً من الرؤساء بينهم أبوه جمريا وقد كان ميخايا يعلم مكان ما كان اجتماعهم من والده جمريا.
ع 13 : أخبر ميخايا الرؤساء بنبوات إرميا التي سمعها من باروخ ويبدو أنه في خوف من أجل قوة الكلمات، وهذا يظهر أنه كان شاباً روحانياً يهتم بكلام الله ويتأثر به.
ع14: أرسل الرؤساء مندوباً عنهم يسمى يهودى إلى باروخ، وطلبوا منه أن يحضر إليهم ومعه الدرج، فأطاع باروخ وذهب إليهم في القصر الملكي.
ع 15 : طلب الرؤساء من باروخ أن يقرأ السفر لهم، فقرأه أمامهم.
ع16: لما سمع رؤساء الشعب نبوات أرميا وتهديدات الله بمعاقبة شعبه، خافوا جداً وشعروا بمسئوليتهم أن يبلغوا الملك حتى يحرك الشعب كله في طريق التوبة، ومن هذا نفهم أن مخافة الله كانت في قلوب هؤلاء الرؤساء مع أن الملك على العكس كان شريراً لا يخاف الله.
ع 17 : سأل الرؤساء باروخ عن كيفية كتابة وجمع كل هذه النبوات من أيام يوشيا الملك حتى عصر يهوياقيم أي مدة 21 عاماً كما ذكرنا.
ع 18 : أعلمهم باروخ أن إرميا النبي كان يمليه النبوات وكان هو يكتب في السفر.
ع19: أشار الرؤساء على باروخ أن يهرب هو وإرميا ويختبئا في مكان مجهول لأنهم خافوا عليهما من انتقام الملك والأنبياء الكذبة، وهذا يؤكد محبتهم لأرميا وباروخ ومخافتهم لله.
إن مخافة الله تجعل الإنسان يهتم بسماع كلامه بل وطاعته له، فيحاول تنفيذ وصاياه ومن حبه لله وينبه غيره ليرجعوا عن خطاياهم. فتشدد وكن مستعداً كل يوم واضعاً هدفك الوحيد هو الحياة الأبدية ومتذكر أيضاً الدينونة.
(4) الملك يحرق الدرج (ع20-26):
20- ثم دخلوا الى الملك الى الدار و أودعوا الدرج في مخدع أليشاماع الكاتب و أخبروا في أذني الملك بكل الكلام. 21- فأرسل الملك يهودي ليأخذ الدرج فأخذه من مخدع أليشاماع الكاتب و قرأه يهودي في أذني الملك و في آذان كل الرؤساء الواقفين لدى الملك. 22- و كان الملك جالساً في بيت الشتاء في الشهر التاسع و الكانون قدامه متقد. 23- و كان لما قرأ يهودي ثلاثة شطور أو أربعة أنه شقه بمبراة الكاتب و ألقاه إلى النار التي في الكانون حتى فني كل الدرج في النار التي في الكانون. 24- و لم يخف الملك و لا كل عبيده السامعين كل هذا الكلام و لا شققوا ثيابهم.
25- و لكن ألناثان و دلايا و جمريا ترجوا الملك أن لا يحرق الدرج فلم يسمع لهم. 26- بل أمر الملك يرحمئيل ابن الملك و سرايا بن عزرئيل و شلميا بن عبدئيل أن يقبضوا على باروخ الكاتب وإرميا النبي و لكن الرب خباهما.
ع 20 : أخذ الرؤساء الدرج، الذي كتبه باروخ، ووضعوه في غرفة أليشا مع الكاتب وهو غالباً كاتب الملك الرسمي، ثم دخلوا إلى الملك وأخبروه بما عمله باروخ في بيت الرب وبوجود الدرج في قصر الملك في غرفة اليشاماع. وكان اليشاماع غالباً معهم.
ع21: استقبل الملك هذا الخبر غالباً بفتور، وأرسل أحد معاونيه في القصر وهو يهودى الذي أرسله سابقاً الرؤساء، ليحضر باروخ من الهيكل (ع 15) فأحضره يهودى من غرفة اليشاماع وأتى به إلى الملك وقرأه أمامه وأمام الرؤساء الواقفين معه.
ع22: بيت الشتاء : بيت معد للسكن في الشتاء، يتميز بالدفء وهذا يؤكد أن هذا الأمر كان في ديسمبر عام 604 ق . م كما ذكرنا.
الكانون : موقد كان يستخدم للتدفئة أو الطهي قديماً وإلى عهد قريب في القرن العشرين، يشعل فيه بعض الأخشاب فتعطي ناراً للتدفئة بين مساحة صغيرة محاطة بالطوب أو الحجارة.
يؤكد هنا زمان قراءة السفر وهو في الشهر التاسع أي الموافق لديسمبر أي في الشتاء وكان الكانون مشتعلاً للتدفئة في غرفة الملك.
مبراه : سكين صغير يستخدمها الكاتب في أعداد القلم الخشبي ليصير ذو سن رفيع ليكتب به عند غمسه في الحبر.
ع 24 : بدلاً من أن يخاف الملك من غضب الله، تجاسر وأمر بتمزيق الدرج بواسطة مبراه الكاتب، ولم يحتمل سماع كلام الله إلا بضعه سطور منه، وكان الأولى به أن يخشى الله ويمزق ثيابه ويبكي على خطاياه، فيرحمه الله هو وشعبه.
ع 25 : كان عناد الملك شديداً فلم يسمع لتوسلات رؤسائه ألا يحرق كلامه الله الموجود في الدرج.
ع 26 : تمادى الملك يهوياقيم في شره وأمر أحد أقربائه، وهو يرحمئيل ابن الملك أي من أسرته واثنان آخران من معاونيه، أن يقبضوا على أرميا وباروخ ليعاقبهما أو يقتلهما.
لا تندفع في غضبك فتصنع أموراً مزعجة وتغضب الله ومن حولك. أطل أناتك واستمع لمشورة من حولك، وأرفع قلبك بالصلاة فتجد خلاصك وتنجو من شرور كثيرة.
[5] النسخة الثانية من الدرج (ع 27 – 32):
27- ثم صارت كلمة الرب إلى إرميا بعد إحراق الملك الدرج و الكلام الذي كتبه باروخ عن فم ارميا قائلة : 28- عد فخذ لنفسك درجاً اخر و اكتب فيه كل الكلام الأول الذي كان في الدرج الأول الذي أحرقه يهوياقيم ملك يهوذا. 29- و قل ليهوياقيم ملك يهوذا هكذا قال الرب أنت قد أحرقت ذلك الدرج قائلاً لماذا كتبت فيه قائلاً مجيئا يجيء ملك بابل و يهلك هذه الأرض ويلاشي منها الإنسان و الحيوان. 30- لذلك هكذا قال الرب عن يهوياقيم ملك يهوذا لا يكون له جالس على كرسي داود و تكون جثته مطروحة للحر نهاراً و للبرد ليلاً. 31- و أعاقبه و نسله وعبيده على إثمهم و أجلب عليهم و على سكان أورشليم و على رجال يهوذا كل الشر الذي كلمتهم عنه و لم يسمعوا. 32- فأخذ إرميا درجاً آخر و دفعه لباروخ بن نيريا الكاتب فكتب فيه عن فم إرميا كل كلام السفر الذي أحرقه يهوياقيم ملك يهوذا بالنار و زيد عليه أيضاً كلام كثير مثله.
ع27 – 28: بعد أن أحرق يهوياقيم الملك الدرج بفترة قد تكون بضعة شهور، أمر الله إرميا أن يعد درجاً جديداً ويكتب فيه كل النبوات السابق كتابتها في الدرج الأول. وهذا يظهر ميل الله وأولاده للعمل الإيجابي وهو تسجيل كلام الله وليس التفكير في شر الأشرار أي شر يهوياقيم ومن معه.
ع29: أرسل الله ليهوياقيم الملك رسالة على لسان إرميا، سواء كتبها في الدرج أو أرسلها مع أي شخص، يعاتب فيها الله يهوياقيم لأنه رفض أن يستمع لعقاب الله بمجئ ملك بابل إلى أورشليم واستيلائه عليها وتدميرها وإهلاك البشر والحيوانات وأظهر عناده لله في حرقه الدرج.
ع 30 : أرسل الله تهديداً ليهوياقيم بعقابه نتيجة خطاياه يشمل أمرين :
1- لن يملك أحد أبنائه على مملكة يهوذا، كما هي العادة مع آبائه، بل سيملك ابنه يهوياكين لشهور قليلة ثم عمه صدقيا.
2- سيُقتل يهوياقيم بيد البابليين وتطرح جثته على الأرض ولا يدفنه أحد بأكرام مثل باقي الملوك إعلاناً لغضب الله عليه.
ع 31 : ويؤكد الله كلام الدرج أنه سيعاقب أورشليم وسكانها ونسل الملك يهوياقيم لأجل شرورهم الكثرة
ع 32 : أطاع إرميا وأحضر درجاً وأملي على باروخ النبوات السابق كتابتها في الدرج الأول وزاد بعض التفاصيل من النبوات ومنها كلام الله عن عقابه ليهوياقيم المذكور في (ع 30 ، 31). وبهذا حفظ الله كلامه مهما حاول الأشرار إزالته، فمن يقف أمام الله أو يحاول إزالة كلامه، الله بالطبع يستهزئ به.
أطع كلام الله حتى لو كان صعباً وابتعد عن الخطية مهما كانت محببة ولا تحاول تفسير كلام الله بحسب رغباتك فحينئذ يرحمك الله.