العهد الجديد
(1) وعود الله لكل شعبه (ع 1-9)
1- في ذلك الزمان، يقول الرب، أكون إلهاً لكل عشائر إسرائيل، و هم يكونون لي شعباً.
2- هكذا قال الرب : قد وجد نعمة في البرية، الشعب الباقي عن السيف، إسرائيل حين سرت لأريحه. 3- تراءى لي الرب من بعيد و محبة أبدية أحببتك، من أجل ذلك أدمت لك الرحمة.
4- سأبنيك بعد، فتُبنين يا عذراء إسرائيل. تتزينين بعد بدفوفك، و تخرجين في رقص اللاعبين.
5- تغرسين بعد كروماً في جبال السامرة، يغرس الغارسون و يبتكرون. 6- لأنه يكون يوم ينادي فيه النواطير في جبال افرايم : قوموا فنصعد إلى صهيون إلى الرب إلهنا. 7- لأنه هكذا قال الرب : رنموا ليعقوب فرحاً، و اهتفوا برأس الشعوب سمعوا، سبحوا، و قولوا : خَلِّص يا رب شعبك بقية إسرائيل. 8- هأنذا آتي بهم من أرض الشمال، و أجمعهم من أطراف الأرض بينهم الأعمى و الأعرج، الحبلى والماخض معاً جمع عظيم يرجع إلى هنا. 9- بالبكاء يأتون، و بالتضرعات أقودهم أسيرهم إلى أنهار ماء في طريق مستقيمة لا يعثرون فيها لأني صرت لإسرائيل أباً و أفرايم هو بكري.
ع1 : فى ذلك الزمان : الرجوع من السبى أو الإيمان بالمسيح.
عشائر : أسباط.
يعد الله بإرجاع شعبه من السبى، فيكونون شعباً واحداً وهو يكون لهم إلهاً. وهذا يرمز أيضاً إلى إيمان، ليس فقط أسباط إسرائيل بل، العالم كله بالمسيح، فيكونون شعباً واحداً هو إسرائيل الجديد.
ع 2: الباقى عن السيف : الذى لم يقتل ويموت فى السبى.
يتكلم الله عن شعبه المبعثر فى العالم فى عبودية السبى بعيداً عن بلاده وكأنه فى برية، فيعلن أنه قد وجد نعمة فى عينى الله، ويوضح الله محبته أنه هو المبادر ليريح شعبه فيقول سرت لأريحه، فالله هو الساعى نحو أولاده ليحررهم من عبودية الخطية إن تابوا وصرخوا إليه، وهذا هو المقصود من ضيقة السبى أو أى ضيقة نمر بها.
ع3: شعر الشعب المسبى أن الله بعيد عنهم، لذا يعلن الله أنه قد تراءى لشعبه الذى ظنه بعيداً عنه مع أنه قريب جداً منه، وهو الذى سمح بتأديبه ليتوب، بل يعلن أن محبته لشعبه أبدية أى لا تزول وتستمر إلى الأبد، لذلك إن كان يسمح لهم بالضيقة والتأديب يعود فيرحمهم، بل هو مستعد أن يرحمهم مرات كثيرة ما داموا يتوبوا ويرجعوا إليه. فالرحمة دائمة أى مستمرة طوال الحياة.
ع4: يستمر الله فى وعوده، فيتكلم عن شعبه أنه عذراءه أى عروسه، ويعد أن يبنيها من جديد، بل أيضاً تتزين بالفرح وتتهلل كمن يضرب بالآلات الموسيقية وترقص مثل اللاعبين فى ساحات الرقص، أى أن شعبه يسبحه بفرح.
ع5: يبتكرون : يبكرون أى يقومون بنشاط من الصباح الباكر للعمل.
يعدها الله أيضاً بالخصوبة والخيرات، فتزرع حدائق من أشجار العنب فى السامرة وهى عاصمة إسرائيل، وفى نشاط يبكر الفلاحون لزراعة الأشجار وجنى الثمار، وهذا يرمز للثمار الروحية التى يتزين بها أولاد الله.
ع6: النواطير : الحراس أى الخدام.
يكون اليوم : يوم الرجوع من السبى.
بعد رجوعهم من السبى، يعبدون الله كلهم فى أورشليم أى صهيون، لأنهم قد تأدبوا من ضيقة السبى وعادوا إلى الله بكل قلوبهم. ويقوم الخدام بعملهم وهو دعوة الشعب كله لعبادة الله.
ليتك تفهم أن الضيقة فترة مؤقتة يسمح به الله لك لتراجع نفسك، وترتبط به، وتجدد عهودك، وحينئذ تتمتع بمحبة الله اللانهائية ورحمته الواسعة ووعوده الجميلة.
ع7: ينادى الله شعوب العالم لتفرح وترنم لشعبه، الذى هو رأس الشعوب بسبب إيمانه بالله. وينادى أيضاً شعبه ليسبحه ويطالبه أن يخلصه. فالله يريد أن يخلص شعبه، ولكنه ينتظر أن يتوبوا ويطلبوه فيخلصهم من كل أعدائهم ويفرحهم من كل قلوبهم.
ع8: يعد الله أيضاً بأنه سيجمع شعبه المبعثر فى الشمال عند بابل، ومن أرجاء المسكونة، مهما كان ضعفهم بسبب ذل العبودية، ويعبر عن هذا الضعف بأربع حالات هى : “الأعمى” أى الذى فقد قدرته على التمييز ويحتاج إلى من يقوده، والحالة الثانية هى “الأعرج” العاجز عن السير إلا بمعاونة غيره، والحالة الثالثة هى “الحبلى” التى تسير ببطء بسبب حبلها، والحالة الرابعة هى “الماخض” أى التى أتتها آلام الولادة وغير قادرة على السير. يجمع الله شعبه بأعداد كبيرة بكل ضعفهم ويخلصهم ويرجعهم إلى بلادهم.
ع9: من كثرة الضيق، يبكى الشعب لله ويتضرعون إليه ليخلصهم، فيُخرجهم بقوته من السبى، ويسير بهم فى طرق واضحة مستقيمة مملوءة بالماء أى الحياة، وهى ترمز لعمل الروح القدس فى الكنيسة التى يرجع إليها غير المؤمنين فيجدون خلاصهم.
وإذ يقودهم الله لا يتعبون فى الطريق أو يسقطون لأنه يحفظهم.
كل هذا يُظهر أبوة الله نحو شعبه، الذى يعتبره بكره بين شعوب الأرض، وعندما يقول “أفرايم” يقصد كل شعبه لأن أفرايم كان يمتلك منطقة كبيرة فى أرض الميعاد. وشعب الله فى العهد القديم كان البكر، ولكن فى العهد الجديد إذ تؤمن جميع الشعوب، يصير المؤمنون بالمسيح فى كل بلاد العالم.
(2) الله يفدى شعبه (ع10-14):
10- اسمعوا كلمة الرب أيها الأمم، و أخبروا في الجزائر البعيدة، و قولوا مبدد إسرائيل يجمعه ويحرسه كراع قطيعه. 11- لأن الرب فدى يعقوب و فكه من يد الذي هو أقوى منه. 12- فيأتون ويرنمون في مرتفع صهيون، و يجرون إلى جود الرب على الحنطة و على الخمر و على الزيت و على أبناء الغنم و البقر و تكون نفسهم كجنة ريا، و لا يعودون يذوبون بعد. 13- حينئذ تفرح العذراء بالرقص و الشبان و الشيوخ معا. و أُحول نوحهم إلى طرب و أُعزيهم و أُفرحهم من حزنهم.
14- وأُروي نفس الكهنة من الدسم، و يشبع شعبي من جودي، يقول الرب.
ع10: يخاطب الله شعوب الأرض لأنه يريد خلاص الكل، وبدأ بشعبه بنى إسرائيل كمثال حتى يأتى الكل إليه، فيقول لكل الشعوب أنه إن كان قد بدد شعبه بالسبى وذلك ليؤدبه فيتوب، ثم يعود فيجمعه ويخلصه من عبودية السبى.
ع11: يعلن هنا بوضوح فدائه لشعبه وتخليصهم من يد بابل التى هى أقوى من شعبه بكثير، كل هذا رمز لفداء المسيح للبشرية على الصليب وتخليصها من يد مَن هو أقوى منها وهو الشيطان.
ع12: صهيون : اسم عبرى معناه حصن وهى إحدى قمم التلال التى بنيت عليها أورشليم، والمقصود بصهيون أورشليم كلها.
جود : بركات ونعم.
عندما يصل شعب الله إلى أورشليم التى هى صهيون المبنية على تلٍ عالٍ، يرنمون بفرح لعودتهم إلى بلادهم، ويفيض عليهم الله ببركات كثيرة من محاصيل الحقل مثل القمح (الحنطة)، والأشجار مثل الكروم الذى يأخذون منها الخمر، والزيتون الذى يأخذون منه الزيت. ويبارك أيضاً بهائمهم من الغنم والبقر، فتكون كثيرة وتصير بلادهم كجنة من وفرة الماء والخصوبة والخيرات الكثيرة. ولا يسمح الله لهم بالسبى فيما بعد والذوبان بين شعوب الأرض، وهذا ما حدث فعلاً إذ لم يتم سبى بنى إسرائيل بعد ذلك حتى مجئ المسيح الذى تكمل فيه كل الرموز السابقة، فيعطى المؤمنين به خيرات روحية كثيرة، وتصير نفوسهم كالجنة أى يصيرون هياكل للروح القدس.
ع13: يعبر عن فرح أولاده بعد عودتهم من السبى بالفتيات شعبه اللاتى يرقصن والشبان والشيوخ اللذين يتحول بكائهم أثناء السبى إلى فرح. وشبه شعبه أيضاً بالعذراء التى تفرح كعروس بعريسها، ويظهر الله أيضاً أبوته بأنه يعزى أولاده فيعوضهم من كل ما أحتملوه فى السبى. وهذا يرمز إلى تعزيات الله لأولاده فى السماء فيعوضهم عن كل أتعابهم على الأرض.
ع14: يُقبل الشعب على عبادة الله، فيقدمون ذبائح كثيرة فى بيته يأخذ الكهنة نصيبهم منها فيشعبون، وهكذا يشبع الله الشعب بكل قياداته. وهذا يرمز إلى إشباع الروح القدس للمؤمنين والكهنة والخدام بعمله فى الكنيسة، ويعطى بركات خاصة للكهنة من أجل مسئوليتهم الرعوية فى قيادة الشعب.
? اشكر الله على عطاياه، وسبحه فى كنيسته وفى كل مكان، حتى تشعر بوجوده معك وتنشغل به عن كل خطية وعن مغريات العالم المختلفة.
(3) نهاية آلام السبى ( ع15-20) :
15- هكذا قال الرب صوت سمع في الرامة، نوح، بكاء مر، راحيل تبكي على أولادها، و تأبى أن تتعزى عن أولادها لأنهم ليسوا بموجودين. 16- هكذا قال الرب : امنعي صوتك عن البكاء، وعينيك عن الدموع، لأنه يوجد جزاء لعملك، يقول الرب. فيرجعون من أرض العدو. 17- و يوجد رجاء لآخرتك، يقول الرب. فيرجع الأبناء إلى تخمهم. 18- سمعا سمعت أفرايم ينتحب. أدبتني فتأدبت كعجل غير مروض. توبني فأتوب، لأنك أنت الرب إلهي. 19- لأني بعد رجوعي ندمت، و بعد تعلمي صفقت على فخذي. خزيت و خجلت لأني قد حملت عار صباي. 20- هل أفرايم ابن عزيز لدي، أو ولد مُسر؟ لأني كلما تكلمت به أذكره بعد ذكرا من أجل ذلك حنت أحشائي إليه رحمة ارحمه، يقول الرب.
ع15: الرامة : مدينة فى شمال اليهودية بالقرب من مملكة إسرائيل، وبالقرب منها ماتت راحيل زوجة يعقوب ودفنت.
راحيل : هى زوجة يعقوب وترمز لأم اليهود كلهم.
يعبر إرميا عن حزن المسبيين الذين جمعهم البابليون غالباً فى منطقة الرامة، قبل أن ينقلونهم إلى بابل والبلاد المحيطة بها، وأمهاتهم المرموز إليهن براحيل يبكين عليهم ولا يستطعن أن يتعزين لأنهم لن يرجعوا إليهن، وقد استعار متى البشير هذه النبوة عند مذبحة أطفال بيت لحم لأن أمهاتهم لن يروهم مرة أخرى (مت2: 17، 18).
ع16: جزاء لعملك : دموعك وتضرعاتك إلى الله من أجل أولادك.
يُعلن الله عن لسان أرميا رجاء لكل هؤلاء الامهات بأنه من رغم جبروت بابل، فإن الله سيُرجع شعبه.
ع17: آخرتك : بعد سنوات.
تخومك : حدودك.
يعد الله شعبه بالرجاء فى الرجوع، ولكن ليس قريباً، بل فى آخر عمر الذين يوجدون فى أورشليم، إذ سيعود المسبيون إلى بلادهم داخل حدودهم بعد 70 عاماً، فيستقبلهم العجائز، الذين تجاوزوا التسعين أو المائة من عمرهم، بفرح.
ع18: مروض : الحيوان المُدرب على عادات وسلوك سليم.
يستعير اسم أفرايم الذى يمثل أكبر الاسباط، للكناية عن كل اليهود، فيبكى المسبيون ويبكى أيضاً ذويهم عليهم، ويتذللوا أمام الله شاعرين أن خطاياهم هى السبب لهذا التأديب كما أعلمهم إرميا مرات كثيرة، فيطلبون مشاعر التوبة من الله حتى ينالوا مراحمه، لأنهم سلكوا فى خطايا وأنحرافات كثيرة مثل الحيوان الغير مروض، فأستحقوا هذا التأديب.
ع19: يعلن شعب الله ندمه وتوبته، فعندما هجم البابليون عليهم ورأوا قوة المعاملة، رجعوا إلى أنفسهم، وندموا على خطاياهم، وعبروا عن حزنهم بالتصفيق على الفخذين، وهى عادة مازالت تحدث حتى الآن فى مصر والشرق فيصفقون على الخدين والفخذ عند الحزن الشديد. وتذكروا أيضاً خطاياهم السابقة المخزية المملوءة عاراً، فخجلوا من أنفسهم.
ع20: أمام ندم شعب الله، أثناء سبيه، تظهر أبوة الله نحوهم، ويعلن أن شعبه عزيز لديه، بل هو فرح قلبه، فتحن أحشاء الله عليه فيرحمه ويعيده من السبى.
? إن حنان الله عجيب من نحوك، فلا يتغير قلبه مهما أخطأت، ويظل ينتظرك حتى تتوب، فتحن أحشاءه عليك، ويسرع ليسامحك ويحتضنك، ويعيدك إلى مقامك العظيم فى كنيسته.
(4) بركات الله للراجعين من السبى ( ع21-30)
21- انصبي لنفسك صوى. اجعلي لنفسك أنصاباً. اجعلي قلبك نحو السكة، الطريق التي ذهبت فيها. ارجعي يا عذراء إسرائيل. ارجعي إلى مدنك هذه. 22- حتى متى تطوفين أيتها البنت المرتدة ؟ لأن الرب قد خلق شيئاً حديثاً في الأرض. أنثى تحيط برجل.23- هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل : سيقولون بعد هذه الكلمة في أرض يهوذا و في مدنها، عندما أرد سبيهم : يباركك الرب يا مسكن البر، يا أيها الجبل المقدس. 24- فيسكن فيه يهوذا و كل مدنه معاً، الفلاحون و الذين يسرحون القطعان. 25- لأني أرويت النفس المعيية، و ملأت كل نفس ذائبة. 26- على ذلك استيقظت و نظرت و لذ لي نومي. 27- ها أيام تأتي، يقول الرب، و ازرع بيت إسرائيل و بيت يهوذا بزرع إنسان و زرع حيوان. 28- و يكون كما سهرت عليهم للاقتلاع و الهدم و القرض والإهلاك و الأذى، كذلك أسهر عليهم للبناء و الغرس، يقول الرب. 29- في تلك الأيام، لا يقولون بعد : الآباء أكلوا حصرماً، وأسنان الأبناء ضرست. 30- بل كل واحد يموت بذنبه، كل إنسان يأكل الحصرم تضرس أسنانه.
ع21: صوى : قطع من الحجارة.
أنصاب : عمود من الحجر.
يشبه الله شعبه بعذراء لأنه يحبها كعروسة، ويقول لها ضعى قطع حجرية وأعمدة من الحجر فى الطريق من البلاد التى سبيت إليها حتى أورشليم، حتى يهتدى بها أولادك الراجعون من السبى إلى بلادهم، فهو وعد إلهى واضح لإرجاع شعبه من السبى.
ع22: يطالب الله عروسه المسبية أن ترجع عن خطاياها، ويكون السبى فرصة للتوبة، فترجع من إرتدادها عن الله، والله يعدها بإرجاعها من السبى عندما تتوب، ويعلن حقيقة غريبة كنبوة واضحة، وهى أنثى تحيط برجل، ولها ثلاثة معان :
- الأنثى تتصف بالضعف الجسدى، والرجل على العكس بالقوة، فالأنثى ترمز لبنى إسرائيل المسبيين الضعفاء، والرجل يرمز لبابل القوية، فيسنقلب الحال وتتغلب الأنثى الضعيفة على الرجل، فيرجع بواسطة مادى وفارس الذين يرجعون شعب الله بعز وقوة، أما بابل فتتحطم وتسبى وتستعبد.
- الانثى ترمز لشعب الله الذى يحتضن الرجل، الذى هو إلههم، وذلك عندما يتوبون فيحتضنوا إلههم الذى يرفعهم وينجيهم، ويعيدهم من السبى.
- الأنثى ترمز للعذراء مريم التى تحتضن أقوى رجل فى العالم، وهو المسيح أبنها فى بطنها، لتقدم الخلاص للعالم كله.
ع23: من بركات الله لشعبه بعد الرجوع من السبى أن يسكن البر أى الله فى وسطهم، فيتصفوا هم، كأولاد له، بالبر أى النقاوة والأعمال الصالحة. وكذلك تسمى أورشليم واليهودية بالجبل المقدس أى يتصفون بالثبات فى الله والقوة الروحية.
ع24، 25: يعدهم أيضاً بأنهم سيزرعون أرضهم، ويجمعون ثمارها ويشبعون، وكذلك يرعون بهائمهم فتسمن وتزداد عدداً، أى يزيد الخير المادى لهم، ويرمز هذا للشبع الروحى، والمسيح ورسله وكهنته وخدامه الذين يزرعون كلمة الله فى قلوب الناس ويهتمون برعاية نفوسهم، يتمتعوا بعشرة الله.
ع26: يعلن الله عن فرح قلبه براحة شعبه، فيشبه نفسه بإنسان أستيقظ ونظر خير شعبه ففرح ونام بسرور متلذذاً بنومه. وهذه نبوة عن المسيح الذى مات أى نام على الصليب متلذذا بنومه لأنه أكمل فداءنا.
? الله يفرح بخيرك وسلوكك معه وكل فضائلك، فاهتم بالسلوك المستقيم، وحاول أن تقتنى فضيلة واحدة تكون محتاجاً إليها لتفرح قلب الله لتفرح معه.
ع27: يعد الله أيضاً أنه بنفسه سيزرع الإنسان، أى يبارك أولاده الراجعين من السبى ويكثرهم ويعطيهم بركات كثيرة. وكذلك يزرع الحيوان أن يبارك ويكثر بهائمهم.
ع28: القرض : أى الأفناء.
يشبه الله نفسه بإنسان يسهر أى ينشغل ويهتم ويثابر على تأديب شعبه بكل طرق التأديب القاسية، وغرضه من هذا طبعاً هو توبتهم، وذلك لإصرارهم على الخطية بعنف، فأحتاجوا إلى هذا التأديب الشديد وقد تجاوبوا فعلاً مع تأديب السبى، فتابوا ولذلك يعدهم الله بأنه سيبنى ليس فقط مدنهم، بل حياتهم الروحية معه.
ع29، 30: كان هناك مثلاً شائعاً بأن الآباء يأكلون الحصرم، وهو العنب الصغير اللاذع فى طعمه، ثم تتعب أسنان الأبناء من هذا الطعم وتتخبط فى بعضها البعض، أى ظن بعضهم أن ما حل بهم من تأديب فى السبى كان بسبب خطايا آباءهم. فيعلن الله بوضوح أن كل إنسان مسئول عن خطيته ويهلك بسببها، فإن كان الآباء أشرار والأبناء صالحين فلا يهلك الأبناء، أما إن اقتدوا بآباءهم وصاروا فى الشر يهلكون مثل آباءهم. والخلاصة يقصد أن ما حل بهم من تأديب فى السبى هو بسبب شرورهم، والحل هو التوبة فيرحمهم الله.
(5) عهد جديد أبدى ( ع31-40)
31- ها أيام تأتي يقول الرب، و أقطع مع بيت إسرائيل و مع بيت يهوذا عهداً جديداً.
32- ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأخرجهم من أرض مصر، حين نقضوا عهدي فرفضتهم، يقول الرب. 33- بل هذا هو العهد الذي أقطعه مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام، يقول الرب أجعل شريعتي في داخلهم و أكتبها على قلوبهم، و أكون لهم إلهاً و هم يكونون لي شعباً. 34- و لا يعلمون بعد كل واحد صاحبه، و كل واحد أخاه قائلين : اعرفوا الرب، لأنهم كلهم سيعرفونني من صغيرهم إلى كبيرهم، يقول الرب، لأني أصفح عن إثمهم، و لا أذكر خطيتهم بعد. 35- هكذا قال الرب الجاعل الشمس للإضاءة نهارا، و فرائض القمر و النجوم للإضاءة ليلاً، الزاجر البحر حين تعج أمواجه، رب الجنود اسمه. 36- إن كانت هذه الفرائض تزول من أمامي، يقول الرب، فإن نسل إسرائيل أيضا يكف من أن يكون أمة أمامي كل الأيام. 37- هكذا قال الرب إن كانت السماوات تقاس من فوق، و تفحص أساسات الأرض من أسفل، فإني أنا أيضاً أرفض كل نسل إسرائيل من أجل كل ما عملوا، يقول الرب. 38- ها أيام تأتي، يقول الرب، و تبني المدينة للرب من برج حننئيل إلى باب الزاوية. 39- و يخرج بعد خيط القياس مقابله على أكمة جارب، ويستدير إلى جوعة. 40- و يكون كل وادي الجثث و الرماد، و كل الحقول إلى وادي قدرون إلى زاوية باب الخيل شرقاً، قدساً للرب، لا تقلع و لا تهدم إلى الأبد
ع31: فى نهاية هذا الأصحاح، يعلن الله بأنه سيقطع عهداً مع شعبه الراجع من السبى، وهذا العهد معناه إلتزام من الله كطرف برعاية شعبه وحمايتهم ومباركتهم، والطرف الثانى هو شعبه الذى يلتزم بالطاعة لوصاياه.
ع32: هذا العهد جديد، وليس العهد الأول الذى قطعه مع شعبه عندما خلصهم من عبودية مصر وعبر بهم البحر الأحمر، فهذا عهد جديد بعد أن أنقذهم من قسوة العبودية البابلية. ولكن يرمز بالأكثر هذا العهد إلى العهد الذى يقطه المسيح معنا بدمه على الصليب بفدائه لنا.
ع33: صفات هذا العهد الجديد هى :
- يحفظ الشعب ناموس الله ووصاياه فى قلوبهم، أى لا ينفذوها حرفياً فقط، بل يلتزمون بروحه، وهذا ما عمله الراجعون من السبى جزئياً، وتم بالأكثر فى المؤمنين بالمسيح.
- يعبدون الله ويتركون عنهم عبادة الأوثان، وفى العهد الجديد لا تشغلهم الماديات والشهوات، بل محبة المسيح الفادى.
ع34: يضيف الله فى العهد الجديد أمرين آخرين :
- يصير الله معروفاً وواضحاً لكل أولاده، فيميزون أنه هو الإله الوحيد ولا يحتاجوا أن يعلمهم أحد أن يتركوا الأوثان. وفى الكنيسة يحل الروح القدس على كل المؤمنين، ويرشدهم إلى الحق والحياة معه داخل كنيسته.
- يسامح الله كل التائبين ويرفع عنهم دين خطاياهم الذى حمله على الصليب، وفى حالة الراجعين من السبى لا يؤدبهم عن خطاياهم، بل يباركهم بخيرات مادية كثيرة.
? الله يريد أن يجدد عهوده معك، فيعطيك بركات أوفر عندما تهتم بحفظ وصاياه وتفضيله عن أى شئ من أموره المادية، فيكشف لك وتختبر لذة لا يعبر عنها هى عربون لأمجاد الملكوت التى لا تخطر على قلب إنسان.
ع35: الزاجر : المانع بحزم.
تعج : تتلاطم الأمواج بصوت قوى.
يعلن الله أنه ثابت فى وعوده مع الخليقة كلها، فحدد الشمس لإضاءة النهار، والقمر والنجوم تأتى بعدها لإضاءة الليل، ووضع حدوداً للبحر حتى لا يغطى اليابسة فهو يتحرك بخاصية المد، ولكن رغم قوة أمواجه، ترجع مياهه إلى الداخل بخاصية الجزر.
واضع كل هذه القوانين وضابطها هو الله القادر على كل شئ، لذا يوضح قوته لنا بوصفه أنه رب الجنود.
ع36: من أجل ثبات نظام الطبيعة بقوة الله فهو قادر أيضاً أن يثبت شعبه كأمة أمامه طوال الحياة، أى هذا الشعب لن ينقرض أبداً، وقد حدث هذا فعلاً فقد بقيت بنى إسرائيل كأمة طوال العهد القديم رغم تعرضه لسلطان مادى وفارس، ثم الدولة اليونانية والرومانية، ولكن الأهم من هذا أنه بالمسيح صار المسيحيون هم إسرائيل الجديد، الأمة التى لا تعيش فقط طوال الزمن الأرضى بل تمتد إلى الأبدية.
ع37: يبين الله رضاه ومحبته لشعبه طوال الحياة بأدلة، وهى استحالة أن يقيس الإنسان أبعاد السماء مهما تقدم علمياً، فهو مجرد يعرف عنها القليل، ولكن يستحيل أن يعرف عنها كل شئ ويقيسها، وكذلك لا يستطيع أحد أن يعرف أساسات الأرض أى أعماق الكرة الأرضية بل مهما تقدمت الأبحاث تعرف أيضاً بعض المعلومات عنها، كذلك إن كان مستحيلاً أن يقيس أحد السماء أو يعرف أساسات الأرض فإن الله لن يرفض شعبه بل يحفظه كأمة أمامه حتى ياخذهم معه فى الملكوت.
ع38: برج حننئيل : يوجد فى شمال شرق أورشليم.
باب الزاوية : يوجد فى شمال غرب أورشليم.
يؤكد الله تثبيته ومحافظته على أولاده الراجعين من السبى بأنه يبنى لهم مدينتهم أورشليم التى بها هيكله من شرقها إلى غربها.
ع39، 40: خيط القياس : الخيط المستخدم فى ضبط الحجارة والطوب فى البناء، والمقصود امتداد البناء.
أكمة جارب : تل يقع فى غرب أورشليم.
جوعة : منطقة فى جنوب غرب أورشليم.
وادى الجثث والرماد : هو وادى هنوم، أو الذى يدعى ابن هنوم، كانت تلقى فيه بقايا الحيوانات وكل فضلات مدينة أورشليم لتحرق هناك، ويقع فى جنوب غرب أورشليم. ومنه أخذت كلمة جهنم.
وادى قدرون : وادى يمر حول أورشليم من غربها ثم جنوبها ثم يتجه نحو شرقها.
باب الخيل : أحد أبواب أورشليم يقع فى الجهة الشرقية.
استكمالاً لتأكيد الله إعادة بناء أورشليم، يذكر بالتفصيل أماكن كثيرة فيها يمر بها البناؤون ليعيدوا بناءها، فبعد أن بدأوا من الشمال الشرقى وامتدوا نحو الشمال الغربى (ع38)، يستكلمون الناحية الغربية، ويتجهون نحو الجنوب الغربى ويمرون بالجزء الجنوبى كله حتى يصلوا إلى المنطقة الشرقية من أورشليم أى تبنى أورشليم كلها.