الله المخلص لشعبه المتمرد
(1) محاكمة الله لشعبه (ع1-9) :
1رُؤْيَا إِشَعْيَاءَ بْنِ آمُوصَ، الَّتِي رَآهَا عَلَى يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ، فِي أَيَّامِ عُزِّيَّا وَيُوثَامَ وَآحَازَ وَحِزْقِيَّا مُلُوكِ يَهُوذَا: 2اِسْمَعِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ وَأَصْغِي أَيَّتُهَا الأَرْضُ، لأَنَّ الرَّبَّ يَتَكَلَّمُ: «رَبَّيْتُ بَنِينَ وَنَشَّأْتُهُمْ، أَمَّا هُمْ فَعَصَوْا عَلَيَّ. 3اَلثَّوْرُ يَعْرِفُ قَانِيَهُ وَالْحِمَارُ مِعْلَفَ صَاحِبِهِ، أَمَّا إِسْرَائِيلُ فَلاَ يَعْرِفُ. شَعْبِي لاَ يَفْهَمُ». 4وَيْلٌ لِلأُمَّةِ الْخَاطِئَةِ، الشَّعْبِ الثَّقِيلِ الإِثْمِ، نَسْلِ فَاعِلِي الشَّرِّ، أَوْلاَدِ مُفْسِدِينَ! تَرَكُوا الرَّبَّ، اسْتَهَانُوا بِقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ، ارْتَدُّوا إِلَى وَرَاءٍ. 5عَلَى مَ تُضْرَبُونَ بَعْدُ؟ تَزْدَادُونَ زَيَغَانًا! كُلُّ الرَّأْسِ مَرِيضٌ، وَكُلُّ الْقَلْبِ سَقِيمٌ. 6مِنْ أَسْفَلِ الْقَدَمِ إِلَى الرَّأْسِ لَيْسَ فِيهِ صِحَّةٌ، بَلْ جُرْحٌ وَأَحْبَاطٌ وَضَرْبَةٌ طَرِيَّةٌ لَمْ تُعْصَرْ وَلَمْ تُعْصَبْ وَلَمْ تُلَيَّنْ بِالزَّيْتِ. 7بِلاَدُكُمْ خَرِبَةٌ. مُدُنُكُمْ مُحْرَقَةٌ بِالنَّارِ. أَرْضُكُمْ تَأْكُلُهَا غُرَبَاءُ قُدَّامَكُمْ، وَهِيَ خَرِبَةٌ كَانْقِلاَبِ الْغُرَبَاءِ. 8فَبَقِيَتِ ابْنَةُ صِهْيَوْنَ كَمِظَلَّةٍ فِي كَرْمٍ، كَخَيْمَةٍ فِي مَقْثَأَةٍ، كَمَدِينَةٍ مُحَاصَرَةٍ. 9لَوْلاَ أَنَّ رَبَّ الْجُنُودِ أَبْقَى لَنَا بَقِيَّةً صَغِيرَةً، لَصِرْنَا مِثْلَ سَدُومَ وَشَابَهْنَا عَمُورَةَ.
ع1: رؤيا: يقصد ليس فقط الرؤى التى رآها أشعياء، بل كل النبوات التى تنبأ بها. فهو يقرر فى الآية الأولي في هذا السفر أن هذا سفر نبوات أشعياء.
أشعياء: كلمة عبرية معناها يهوة يخلص، أي الله يخلص شعبه. فاسمه يعبر عن نبواته التى سينادي بها، وهى دعوته للناس للتوبة؛ لينالوا خلاص الله.
آموص: والد أشعياء، وهو أخو الملك أمصيا، أى أن أمصيا هو عم أشعياء. فأشعياء من نسل ملكي، وهذا ساعده أن يعرف كل ما يجرى فى القصور الملكية، ويستخدم هذا في دعوتهم للتوبة.
يهوذا وأورشليم: يهوذا هي المملكة الجنوبية لليهود، التى عاصمتها أورشليم، وتشمل سبطى يهوذا وبنيامين، ويملك عليها نسل داود النبي والملك، والتى انقسمت عن مملكة إسرائيل، وهي المملكة الشمالية، التى تشمل العشرة أسباط، وعاصمتها السامرة، وذلك بعد مُلك سليمان، أي أثناء حكم ابنه رحبعام.
عزيا: هو أول ملك تنبأ في أيامه أشعياء، وهو ابن الملك أمصيا عم أشعياء. وكان تقياً يعبد الله، ولكنه فى أواخر حياته، دخل القدس الذى لا يدخله إلا الكهنة، فضربه الله بالبرص، فعاش في بيت البرص، وملك يوثام ابنه عوضا عنه.
يوثام: ملك مع أبيه، ثم بعد موته ملك منفردًا، وعمل المستقيم في عينى الرب، لكنه ترك الشعب يعبد الأصنام.
آحاز: سلك فى الشر، وعبد الأصنام، والتجأ إلى ملك آشور، وتعاهد معه ضد ملك آرام، وملك إسرائيل، بل وأكثر من هذا عمل مذبحاً مثل المعمول للآلهة الوثنية في دمشق، ووضعه في هيكل الرب، وقدم عليه ذبائح.
حزقيا: كان مستقيمًا، وصالحًا، مختلفًا عن أبيه، وبصلواته نجىَّ الله أورشليم من ملك آشور الذى حاصرها، وقتل الملاك من جيش آشور 185.000، ثم أطال الله عمر حزقيا خمسة عشر عامًا، عندما تضرع إليه.
يلاحظ أن نبوات أشعياء كانت فى أيام الأربعة ملوك السابق ذكرهم، ولكنه عاش؛ حتى بداية ملك منسى، ووبخه على شره، فنشره بمنشار خشب لتعذيبه.
ع2: نشأتهم : اهتممت برعايتهم حتى صاروا كبارًا.
فعصوا : فتمردوا.
السموات والأرض تخضعان لمشيئة الله، لذلك أشهدهما الله على شعبه، الذى لا يخضع لمشيئته ووصاياه؛ وهذا نفسه عمله موسى وميخا النبيان (تث 32 : 1؛ مى 6 : 2).
والله ربي شعبه، ونشأهم بكل الرعاية والحب الذي لا يوجد مثيل له، ومع هذا أنكروا جميله، وتمردوا عليه، وهذا مؤلم جدًا لقلب الأب؛ لأنه يحب أولاده ويعطيهم اهتمامه، ومحبته بكل سخاء، فالغريب، ألا يفهم أولاده هذا الحب، ويصنعوا عكس المطلوب، أي يتمردوا عليه.
ع3: قانيه : من يملكه.
معلف : المكان الذى يوضع فيه طعام الحيوان، وهو العلف.
الثور والحمار نوعان من الحيوانات التى تتصف بالغباء بالقياس بحيوانات أخرى أرقى منها تتميز بالفهم. ومع هذا فالثور والحمار عندما يجوعان يتجهان نحو صاحبهما ليطعمهما، فكم بالأولي الإنسان العاقل، يفهم أنه عندما يجوع، أو يحتاج يسرع إلى الله، وليس إلى الخطية والشهوات النجسة. وقد مر الإنسان فى تاريخه من آدم حتى وقت أشعياء بضيقات كثيرة، لكنه في أوقات متعددة كان يرفض الله، ويسير فى الشر.
هذه الآية عتاب من الله لشعبه، وليس رفض منه، إذ ما زال يعتبرهم أولاده، فيقول لهم شعبى، ويعاتبهم أنهم لا يعرفون ولا يفهمون، فهو يتمنى أن يتجاوبوا معه، ويرجعوا إليه بالتوبة، فيرعاهم بحبه.
إن كان الحيوان قد فهم ورجع إلى صاحبه أكثر من شعب الله، فالمسيح رضى أن يولد في مزود البقر مكان طعام الحيوانات، أى تنازل إلى مستوى الحيوان، الذي وصل إليه الإنسان لعدم معرفته، وفهمه لله، ليرفعه إلى مستوى الإنسانية والتجاوب مع الله. فالمسيح وضع فى المزود ليعطى الإنسان جسده ودمه فى سر التناول، في كنيسة العهد الجديد، ويكون طعامًا له، فيرفعه، ليس فقط لمستوى الإنسانية، بل يتحد به، ويرفعه ليحيا معه إلى الأبد فى ملكوت السموات.
ع4: يصف أشعياء شعب الله بسبع صفات رديئة، تظهر مدى شره، فسبعة رقم الكمال، وهنا المقصود كمال الشر، وهذه الصفات هي:
1- الأمة الخاطئة:
أصبحت الخطية الصفة السائدة على شعب الله، أما البر فقد اختفى لقلته، وانحساره فى عدد قليل من الناس.
2- الشعب الثقيل الإثم:
لم يكتفِ الشعب بأن الخطية قد غطتهم، ولكن أكثر من هذا أنهم تمادوا فى الشر، حتى صار ثقيلاً، أى انغمسوا وتعمقوا فى الخطية، وأصبحت شهواتهم مسيطرة عليهم، وثقيلة، فلا يستطيعون القيام روحيًا، ليعبدوا الله، وينظروا إلى السماء.
3- نسل فاعلى الشر:
لم يفعل الناس الشر فقط، بل أكملوا شر آبائهم، أى تمادوا في الشرور التى تعلموها منهم؛ ليؤكدوا أنهم نسل أشرار، لا يستحقون الحياة مع الله.
4- أولاد مفسدين:
لأجل فعلهم الشر وصفهم بأنهم أولاد، وليسوا رجالاً أقوياء وهم لا يصنعون الفساد فقط، بل ينشرونه بين من حولهم، فيزيدوا الفساد فى كل مكان، ويعثروا ولو أمكن الأبرار.
5- تركوا الرب:
إهمال الله شىء سئ جدًا؛ لأنه هو لا يهملنا ولا يغفل عنا برحمته ومحبته. وترك الرب للأسف هو تحول من عبادته إلى عبادة الأوثان، ومن محبة البر إلى محبة الشهوات الشريرة والظلم. والنتيجة الحتمية لتركهم الله، هو أن يتركهم أيضًا، ويتخلى عنهم، فيتعذبوا فى مصائب كثيرة، لعلهم يتوبوا ويرجعوا إليه.
6- إستهانوا بقدوس إسرائيل:
بعدما تركوا الرب، تمادوا فى الشر، فاستهانوا به، وتناسوا أنه القدوس، الذي تقف أمامه الملائكة بخوف وخشوع، ولكن هذا الشعب لجهالته استهان بالله، وعبد الأوثان، وعمل الشر ببجاحة أمام الله، بدلاً من أن يخضع في خشوع وعبادة مقدسة له، ويحيا فى القداسة؛ ليرضيه.
ولأجل الحاجة للقداسة، ذكر أشعياء : “تعبد قدوس إسرائيل” ما يقرب من ثلاثين مرة، مع أن هذا التعبير لم يذكر فى جميع أسفار الكتاب المقدس إلا خمس مرات، وهذا يؤكد أن أشعياء يدعو شعب الله للقداسة.
7- إرتدوا إلى وراء:
الصفة السابعة السيئة هى الارتداد للوراء عن الله، وهذا الارتداد معناه الانشغال بالشر والعالم، والسير فى طريق آخر غير الله، وهذا أسوأ شىء.
من أجل هذه الصفات السبعة السيئة، يحتاج شعب الله بشدة إلى المسيا المنتظر المخلص القدوس، الذى هو محور نبوات أشعياء كلها فى هذا السفر.
ع5: سقيم : مريض.
من أجل ما ذكر فى الآية السابقة من فساد وابتعاد شعب الله عنه، يتساءل الله على لسان أشعياء فيقول: لماذا تُضربون بعد؟! أى لا فائدة من التأديب لكم؛ لأنكم سترفضونه وتزدادون زيغاناً وفسادًا، فبدلاً من أن ترجعوا وتخضعوا لله، تزدادون ابتعادًا.
ويكرر الله فيقول عن شعبه: أن كل الرأس مريض، والرأس يعنى الفهم والعقل اللذَيْن ابتعدا عن الله، وانحرفا فى الشر لمرضهما الروحي، وهو الخطية، ففقدوا القدرة على تميز كلام الله وتأديباته. وكذا أيضًا، كل القلب سقيم، أي مشاعر الشعب صارت مريضة، تجرى فيها الشهوات، وتملكتها القساوة، فشعب الله لا يريد العودة إليه.
ع6: أحباط : كدمات من آثار الضرب.
ضربة طرية : قروح مملوءة صديد.
تُعصب : تربط وتُضمد.
يصف أشعياء شعب الله بأنه إنسان مريض، والمرض يملأ جسده من أسفل قدمه إلى رأسه. وهذا يعني أن كل الشعب مريض روحيًا، من أحقر إلى أعظم إنسان فى الشعب، ومن عامة الشعب إلى الكهنة، وكل ما في الإنسان مريض، مبتعد عن الله.
ويصف الشعب بالإنسان الذى كل جسده مملوء بالجروح والكدمات والقرح المملوءة صديدًا، أى أن حالة الشعب كله سيئة.
والأصعب من هذا، أن الشعب لم يحاول أن يعود إلي الله لإصلاح هذه الحالة الصعبة، فهذه الضربة الطرية لم يحاول أحد أن يعصرها لإخراج الصديد، أى ليس هناك أية محاولة للتخلص من الخطية، التى داخل الإنسان، ولا أيضًا محاولة لربط هذه الجروح برباط طبى (شاش)، أى لم يلتجئ الشعب إلى الوسائل الروحية، مثل الصلاة والسجود، وقراءة الكتب المقدسة.
ولم تُلين أيضًا هذه الضربة الطرية بالزيت، والزيت كان يستخدم قديمًا لعلاج الجروح والأمراض، كما يذكر لنا الكتاب المقدس فى مثل السامرى الصالح (لو10: 34). ويرمز الزيت لعمل الروح القدس، أى لم يطلب الشعب الله؛ لينقذه من هذا الشر، ولم يتضع ويتذلل أمام الله ليبعده عن الخطية. ولم يقم الكهنة بواجبهم بإرشاد الشعب إلى الله؛ لأنهم هم أنفسهم قد انغمسوا فى الخطية.
ع7: نتيجة التمادي فى الشر الذى أظهره الله فى محاكمته لشعبه في الآيات السابقة، يعلن الحكم فى هذه الآية على شعبه، وهو:-
1- تصير بلاد شعب الله مخربة بيد الأعداء الآشوريين، ثم البابليين.
2- حرق مدن شعب الله، وأهمها أورشليم المدينة المقدسة، هي والهيكل بيد البابليين.
3- أرض شعب الله يأكلها الغرباء أي الآشوريين، والبابليون أمام أعينهم، فيحرقون محاصيلهم ويتركونهم فى جوع، وهكذا تنقلب هذه الأرض، كما انقلبت سدوم وعمورة، وكما حدث أيام الفيضان فى زمان نوح. كل هذا الخراب، وما نتج عنه من سبى شعب الله، وبقاء الفقراء من شعب الله فى عبودية وذل في أرضهم الخربة، يكون دافعًا للشعب أن يتوب، فيسامحه الله، ويعيده من السبي، وهذا ما حدث فعلاً كما يخبرنا سفرا عزرا ونحميا.
ع8: مقثأة: هى مكان زراعة القثاء وهى (القَّتة أو الأَّتة) وهو أكبر من الخيار قليلاً.
بعد أن حل حكم الله على بلاد شعبه، صارت مدنه مثل:-
1- مظلة فى كرم (بستان عنب) فيسهل اقتحامها، ومن يجلس تحتها لا يحميه شىءٌ من الأعداء.
2- خيمة فى مقثأة، فالقثاء يملأ الأرض، والخيمة يسهل اقتحامها واقتلاعها.
3- مدينة محاصرة، أى يحيط بها الأعداء، ويكادون يقتحمون ويستولون عليها.
وهذا ما حدث فعلاً فى الهجوم الآشوري، وبعده الهجوم البابلي، ولكن ما يعطي رجاءً هو أن ينادي الله ويقول عن شعبه: ابنة صهيون، أي ما زال شعبه يدعي بابنة الله التى يحبها؛ لأنها تؤمن به، وأصلها حسن جدًا، أى الآباء الأولين.
ع9: تظهر مراحم الله لشعبه أنه لم يسمح للأعداء أن يفنوا شعبه كله، كما حدث مع شعوب أخرى مثل أدوم، ولكن أبقى لهم بقية، ولم يفنهم مثل سدوم وعمورة. وهذه البقية تتصف بما يلي:
- قليلة، أى عدد قليل من الناس بقوا في مملكة يهوذا.
- كانوا ضعفاء وفقراء، ويعيشون في ضعف فى مدن مخربة، بين أعداء أقوياء، ولكن الله فى وسطهم؛ لتميزهم بالإيمان به.
- شكلهم منعزل وضعيف مثل مظلة، أو خيمة، ولكن لم يهجم عليهم بعد هذا أحد من الجيران.
- الله برحمته أعاد إليهم أخواتهم المسببين، فبنوا أورشليم، والهيكل المقدس، واستعادوا قوتهم.
ويؤكد بولس الرسول كلام أشعياء ورحمة الله لشعبه فى رسالته إلى أهل رومية
(رو9: 29).
إرجعى يانفسى إلى الله كل يوم بالتوبة قبل أن تنامي، فاتركي الله يكشف لك خطاياك، وينزعها عنكٍ، بدلاً من المحاكمة العلنية يوم الدينونة، فتنقذي نفسك من الهلاك.
(2) رفض العبادة الشكلية (ع10-15) :
10اِسْمَعُوا كَلاَمَ الرَّبِّ يَا قُضَاةَ سَدُومَ! أَصْغُوا إِلَى شَرِيعَةِ إِلهِنَا يَا شَعْبَ عَمُورَةَ: 11«لِمَاذَا لِي كَثْرَةُ ذَبَائِحِكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ. اتَّخَمْتُ مِنْ مُحْرَقَاتِ كِبَاشٍ وَشَحْمِ مُسَمَّنَاتٍ، وَبِدَمِ عُجُول وَخِرْفَانٍ وَتُيُوسٍ مَا أُسَرُّ. 12حِينَمَا تَأْتُونَ لِتَظْهَرُوا أَمَامِي، مَنْ طَلَبَ هذَا مِنْ أَيْدِيكُمْ أَنْ تَدُوسُوا دُورِي؟
13لاَ تَعُودُوا تَأْتُونَ بِتَقْدِمَةٍ بَاطِلَةٍ. الْبَخُورُ هُوَ مَكْرَهَةٌ لِي. رَأْسُ الشَّهْرِ وَالسَّبْتُ وَنِدَاءُ الْمَحْفَلِ. لَسْتُ أُطِيقُ الإِثْمَ وَالاعْتِكَافَ. 14رُؤُوسُ شُهُورِكُمْ وَأَعْيَادُكُمْ بَغَضَتْهَا نَفْسِي. صَارَتْ عَلَيَّ ثِقْلًا. مَلِلْتُ حَمْلَهَا. 15فَحِينَ تَبْسُطُونَ أَيْدِيَكُمْ أَسْتُرُ عَيْنَيَّ عَنْكُمْ، وَإِنْ كَثَّرْتُمُ الصَّلاَةَ لاَ أَسْمَعُ. أَيْدِيكُمْ مَلآنَةٌ دَمًا.
ع10: ينادى أشعياء شعب الله وقضاته، وبشجاعة غير عادية يلقب القضاة بأنهم قضاة سدوم، والشعب بأنه شعب عمورة، وذلك لفسادهم الشديد، بل واستحقاقهم الهلاك كعقاب لخطاياهم، مثل سدوم وعمورة. وهذه الشجاعة يتصف بها أشعياء فى كل نبواته؛ لأنه يخاف الله، ولذا لا يخاف من إنسان، ولإيمانه بكلام الله فلا يغير فيه شيئًا، مجاملة للناس، أو خوفًا منهم.
وتشبيه الشعب والقضاة بأنهم مثل سدوم وعمورة، يُقصد به تنبيههم لشناعة شرورهم، لعلهم يتوبون.
ع11: أتخمت: شبعت حتى كدت أتقيأ.
يعلن الرب ضيقه الشديد من كثرة الذبائح التى يقدمها شعبه له، وفي نفس الوقت يسلكون فى الشر، ويتمسكون به على الدوام، فيوبخهم لأن هذه العبادة شكلية مظهرية، أى إتمام مظهر العبادة، مع تعلق الفكر والقلب بالشر، بل يعلن رفضه لهذه العبادة.
فهذا التدقيق والحرفية فى إتمام العبادة لا يفيد في شىء؛ لأنه لا يعني توبة الإنسان والرجوع إلى الله، ومحبته له، بل هو إصرار على الشر، والاكتفاء بشكل العبادة، فالله يريد القلب قبل العمل الخارجي.
الذبائح والمحرقات والمسمنات كلها كانت رمزًا لذبيحة المسيح، فإن لم يتب الشعب ويعرف أن كل هذا رمز للمسيا المنتظر، لن يقبله الله. وهذا ما حدث فعلاً، فاليهود رفضوا المسيح وصلبوه واستمروا متمسكين بتقديم الذبائح وعمل الفصح، فعبادتهم مرفوضة؛ لأنها مظهرية، وقلوبهم مملوءة بالشر لدرجة قتل الأنبياء، وأيضًا المسيا المنتظر.
ع12: دورى: جمع دار، أي مسكن والمقصود هيكل الله وكل ما حوله.
يوبخ الله أبناء شعبه، معلنًا رفضه لحضورهم إلى هيكله المقدس؛ لأن قلوبهم شريرة، وعبادتهم زائفة، فمهما كانت مواظبتهم على الحضور لهيكله، وتقديمهم الذبائح والمحرقات بدقة، وبكثرة، فكل هذا يضايق الله، ويغيظه؛ لأنها مظاهر خداعة لها مظهر التقوى، وهم فى الحقيقة مرفوضون من الله لشرهم.
بل يعتبر دخولهم إلى هيكله أنهم يدوسونه، بمعنى أنهم ينجسونه بدخولهم إليه، ويرفض الذبائح التى تقدمها أيديهم النجسة.
ع(13 ، 14): رأس الشهر : أول الشهر.
نداء المحفل: تنبيه باقتراب أحد الأعياد.
الاعتكاف: التفرغ للصلاة والعبادة.
يعلن الله رفضه للعبادة المظهرية، ويقول لشعبه لا تقدموا لي عبادة باطلة، أى شكل العبادة صحيح، والقلب مملوء شرًا، ولا تريدون أن تتوبوا. فمهما قدمتم من مظاهر للعبادة، مثل البخور والاحتفال برأس الشهر، والسبت، والمناداة بالمحافل الدينية، كل هذا أنا أكرهه ولا أطيقه، وأصبح ثقيلاً علىَّ، ومللت منه. فالله يرفض جميع أشكال العبادة المظهرية، حتى التفرغ للعبادة، وإطالة الصلوات، ما دام هذا مرتبطًا بقلوب مملوءة شرًا، وإثمًا. والحل الوحيد هو التوبة، وبعد هذا فليقدموا عبادة من قلوب نقية، فتكون مقبولة منه.
ع15: الله يعلن بوضوح رفضه للعبادة المظهرية التى فى شكل صلاة وأيدي مرفوعة، أى مبسوطة أمامه، فهو يستر وجهه عنها، أى لا ينظر إليها. ومهما كثرت الصلاة، فهو لا يسمعها؛ كل هذا بسبب أيديهم المملوءة دمًا، أى ظلمًا للناس، وسلب حقوقهم، وقتلهم، سواء قتل أدبي، أو قتل جسدى.
إهتم يا أخي بالتوبة عندما تبدأ صلاتك؛ سواء في مخدعك، أو في الكنيسة، تصالح مع الكل، وسامح الكل، وارفض الشر، وضعفك سيسنده الله. إعلن ضعفك له، واطلب معونته، فهو يحب الضعفاء ويقويهم؛ ليتغلبوا على خطاياهم، لكن لا تصر على الشر، أو تستبيحه، أو تبرره.
(3) كيفية إرضاء الله (ع16-20) :
16اِغْتَسِلُوا. تَنَقَّوْا. اعْزِلُوا شَرَّ أَفْعَالِكُمْ مِنْ أَمَامِ عَيْنَيَّ. كُفُّوا عَنْ فِعْلِ الشَّرِّ. 17تَعَلَّمُوا فَعْلَ الْخَيْرِ. اطْلُبُوا الْحَقَّ. انْصِفُوا الْمَظْلُومَ. اقْضُوا لِلْيَتِيمِ. حَامُوا عَنِ الأَرْمَلَةِ. 18هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ، يَقُولُ الرَّبُّ. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَالدُّودِيِّ تَصِيرُ كَالصُّوفِ. 19إِنْ شِئْتُمْ وَسَمِعْتُمْ تَأْكُلُونَ خَيْرَ الأَرْضِ. 20وَإِنْ أَبَيْتُمْ وَتَمَرَّدْتُمْ تُؤْكَلُونَ بِالسَّيْفِ». لأَنَّ فَمَ الرَّبِّ تَكَلَّمَ.
ع16: يقدم الله الحل لأولاده الذين حاكمهم فى بداية الأصحاح، وأظهر بعد هذا أنهم مراءون وعبادتهم شكلية، وهذا معناه أن الله يحبهم، وفى نفس الوقت يكره خطاياهم، ويود رجوعهم إليه.
الجزء الأول من الحل هو التوبة بقطع الشر، ويظهر هذا في ثلاثة مراحل:
- الإغتسال والنقاوة : ولا يقصد هنا الاغتسال بمعنى الغسلات حسب ناموس موسى، ولكنه اغتسال القلب بالتوبة؛ ليتنقى من كل شر. فالإغتسال بدموع التوبة، رمز لما يتم في العهد الجديد عندما نغتسل فى سر المعمودية، وامتداده فى سر التوبة والاعتراف. بهذا يصير الإنسان نقيًا، قادرًا على معاينة الله وفهم مشيئته.
- عزل الشر : يلزم التخلص من كل ما يتعلق بالشر عند الإنسان التائب. ونلاحظ أن الله يقول: إعزلوا .. من أمام عينى، لأن الله يراقب كل شىء معك، وفي داخلك، فكل شىء مكشوف وعريان أمامه، فيلزم أن تعزل كل فكر ردىء، وكل شعور سىء، بالإضافة إلى أى شىء مادي يتعلق بالخطية، أو يذكرك بها.
- الامتناع عن الشر : فلا يصح الاستمرار، أو التمادى فى أية خطية مهما كانت صغيرة، والمقصود التهاون، والميل للتمادي، وليس السقوط نتيجة الضعف. فالمهم أن تكون نية الإنسان عدم العودة إلى الخطية.
ع17: الجزء الثانى من التوبة، هو الجزء الإيجابي، فليست التوبة مجرد الابتعاد عن الخطية، أو رفضها، بل أيضًا البداية الجديدة في كل عمل يرضى الله، الذي يظهر فيما يلي:
1- عمل الخير: أى مساعدة كل محتاج، مثل الفقير والجائع والغريب والمسجون والمريض .. فلا يكتفي التائب بترك الشر، بل يعمل الخير، مثل أن يترك السارق السرقة، ويعمل ليعطى الآخرين (أف 4: 28).
2- طلب الحق: ليس فقط بإعلان الحق بالكلام، ولكن أيضًا مساندة الأبرياء وإنصاف المظلومين، وعدم منافقة الظالمين.
3- مساندة الضعفاء: مثل اليتيم والأرملة، وكل شخص ضعيف محتاج لمن يقف معه.
ع18: نتحاجج: نتحاور بالحجة والبرهان.
القرمز: لون أحمر غامق تُصبغ به الملابس.
الدودى: نوع من الديدان يجفف ويصحن ويصنع منه صبغة شديدة الاحمرار.
يعلن الله في هذه الآية استعداده للغفران الكامل لأولاده، إن تابوا عن خطاياهم، كما ذكر فى (ع16، 17). فإن كانت خطاياهم واضحة كاللون الأحمر الغامق، تصير نفس التائب بيضاء كالثلج.
ثم يؤكد غفرانه التام للتائب، بأنه إن كانت خطاياه شديدة، الحمرة، مثل الدودى، فالله يجعل نفسه بيضاء كالصوف، فهو يزيل كل أشكال التشكيك واليأس التى يضعها إبليس، ويؤكد للتائب أنه يقبله، بل ويجعله نقيًا، وبلا خطية.
ع19: يكمل الله طريق العلاج لأولاده الخطاة، فيعلن أنهم إن أرادوا أن يتوبوا، ويطيعوا كلامه المذكور في (ع16، 17)، سينالون بركاته، فيأكلوا خير الأرض، وهو:-
1- الخيرات المادية، فيأكلوا ويشبعوا من كل نتاج الأرض من نباتات وحيوانات.
2- يأكلون الخيرات الروحية، وهي تعزيات السماء التى ينالها الإنسان إلى الأبد في السماء.
ع20: أبيتم : رفضتم.
والعكس، إن رفض أولاد الله التوبة، فإنهم لن يأكلوا من خير الأرض، بل هم أنفسهم يصيرون مأكلاً بالسيف، أي يهلكون بيد أعدائهم، نتيجة تمردهم على الله.
وهذا قرار نهائي وحقيقة ثابتة؛ لأنه كلام الله.
طريق التوبة مفتوح لعلاج كل خطاياك، فلا تتأخر يا أخى عن الاعتراف والتوبة، ليرفع الله عنك خطاياك، ويباركك، فتحيا مطمئنًا، وفي شبع مادي وروحي.
(4) الله مخلص التائبين(ع21-31) :
21كَيْفَ صَارَتِ الْقَرْيَةُ الأَمِينَةُ زَانِيَةً! مَلآنَةً حَقًّا. كَانَ الْعَدْلُ يَبِيتُ فِيهَا، وَأَمَّا الآنَ فَالْقَاتِلُونَ. 22صَارَتْ فِضَّتُكِ زَغَلًا وَخَمْرُكِ مَغْشُوشَةً بِمَاءٍ. 23رُؤَسَاؤُكِ مُتَمَرِّدُونَ وَلُغَفَاءُ اللُّصُوصِ. كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُحِبُّ الرَّشْوَةَ وَيَتْبَعُ الْعَطَايَا. لاَ يَقْضُونَ لِلْيَتِيمِ، وَدَعْوَى الأَرْمَلَةِ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِمْ. 24لِذلِكَ يَقُولُ السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ عَزِيزُ إِسْرَائِيلَ: «آهِ! إِنِّي أَسْتَرِيحُ مِنْ خُصَمَائِي وَأَنْتَقِمُ مِنْ أَعْدَائِي، 25وَأَرُدُّ يَدِي عَلَيْكِ، وَأُنَقِّي زَغَلَكِ كَأَنَّهُ بِالْبَوْرَقِ، وَأَنْزِعُ كُلَّ قَصْدِيرِكِ، 26وَأُعِيدُ قُضَاتَكِ كَمَا فِي الأَوَّلِ، وَمُشِيرِيكِ كَمَا فِي الْبَدَاءَةِ. بَعْدَ ذلِكَ تُدْعَيْنَ مَدِينَةَ الْعَدْلِ، الْقَرْيَةَ الأَمِينَةَ». 27صِهْيَوْنُ تُفْدَى بِالْحَقِّ، وَتَائِبُوهَا بِالْبِرِّ. 28وَهَلاَكُ الْمُذْنِبِينَ وَالْخُطَاةِ يَكُونُ سَوَاءً، وَتَارِكُو الرَّبِّ يَفْنَوْنَ. 29لأَنَّهُمْ يَخْجَلُونَ مِنْ أَشْجَارِ الْبُطْمِ الَّتِي اشْتَهَيْتُمُوهَا، وَتُخْزَوْنَ مِنَ الْجَنَّاتِ الَّتِي اخْتَرْتُمُوهَا. 30لأَنَّكُمْ تَصِيرُونَ كَبُطْمَةٍ قَدْ ذَبُلَ وَرَقُهَا، وَكَجَنَّةٍ لَيْسَ لَهَا مَاءٌ. 31وَيَصِيرُ الْقَوِيُّ مَشَاقَةً وَعَمَلُهُ شَرَارًا، فَيَحْتَرِقَانِ كِلاَهُمَا مَعًا وَلَيْسَ مَنْ يُطْفِئُ.
ع21: يتعجب الله من مدينته المقدسة أورشليم، التى فيها هيكله، فهى أعظم مدينة فى نظره؛ لأنها كانت تتصف بما يلي:
1- الأمانة: لشريعة الله ووصاياه، وكذلك أمينة فى سلوكها المستقيم.
2- ملآنة حقًا: فكان التعامل بين الناس بما يرضى الله، وكان قضاتها يحكمون بالعدل، فكانت مثالاً للسلوك السليم بين الأمم التى ابتعدت عن الله.
ولكن الآن، حدث لها تغيير سئ جدًا هو:
1- زانية: لأنها ابتعدت عن عبادة الله، وانشغلت بعبادة الأوثان، وتعلقت بشهواتها، وصارت هذه الشهوات إلهًا لها.
2- القاتلون: أصبح سكانها الذين يبيتون فيها، يستبيحون القتل، وغيره من الشرور لإرضاء أغراضهم، وتحقيق شهواتهم، فيتخلصوا ممن يزاحمهم، حتى أنهم قتلوا أشعياء نفسه بمنشار خشب أمام منسى الملك. ولأن أورشليم المدينة العظيمة، صارت صغيرة لشرها، لذلك يناديها الله بالقرية، ولو كانت صغيرة وأمينة، كما كانت قديمًا، فهي غالية فى نظر الله، أما الآن فهي صغيرة لشرها.
ع22: زغلاً: الشوائب التى توجد مع المعدن الأصلي.
إذ تمادى سكان أورشليم في الشر، استباحوا الغش، فصارت فضتهم مملوءة شوائب، ويستخدمونها كأنها فضة نقية؛ ليخدعوا الآخرين الذين يتعاملون معهم بالفضة، وأيضاً خمرهم لم تعد عصير عنب نقى، بل مغشوش بالماء. وهذه أمثلة لكل ما فى أورشليم، الذى صار مغشوشًا، لأن سكانها قلوبهم ردية، إذ ابتعدوا عن الله، فالفضة والخمر المغشوشة تشبه النقية منها، أى أن عبادتهم مظهرية، ولكنها مغشوشة؛ لأن قلوبهم ردية.
والفضة ترمز لكلمة الله، أى صارت كلمة الله مغشوشة، يخدعون بها أنفسهم والآخرين؛ ليعوجوا كلام الله، ويسلكوا فى الشر. والخمر ترمز للفرح، فصارت أفراحهم مغشوشة، أى أفراح لإشباع شهواتهم، وليست فرحًا داخليًا.
ع23: لغفاء: أصدقاء اللصوص الذين يأكلون ويشربون معهم ولا يسرقون معهم، ولكن يوافقونهم على ما يعملونه.
تمرد رؤساء شعب الله عليه، ورفضوا وصاياه وشريعته، بل اشتركوا فى سلب حقوق الله، ومن حولهم، بأن ستروا على اللصوص، فصاروا شركاءً لهم، فإن كان الرؤساء صاروا هكذا، فكم يكون الشعب الذي انساق وراءهم.
كذلك أحب هؤلاء الرؤساء المال بدلاً من الله؛ حتى أنهم قبلوا رشاوى، وسعوا إليها، وبالتالى عوجوا القضاء، ونتج عن هذا، أنهم ظلموا اليتيم والأرملة، وكل إنسان ضعيف؛ كل هذا ليأخذوا مصلحتهم، أى أموال الأغنياء الأشرار الذين يعطونهم الرشوة.
ع24: خصمائى: من يقف ضدى، أى أعدائي.
يصف أشعياء الله هنا بثلاث صفات هي، السيد، ورب الجنود، أي القوى القادر، وعزيز إسرائيل، أي العظيم الجبار، ووصف الله بثلاث صفات ترمز للثالوث القدوس.
يقرر الله أنه سينتقم من أعدائه، وهم رؤساء الشعب وقضاته، الذين بشرهم أزاغوا شعبه عنه، وجذبوه لفعل الشر، فالله العادل سينتقم منهم؛ لأن خطيتهم مضاعفة، إذ فسدوا، وأفسدوا غيرهم.
ع25: البورق: محلول قلوى يستعمل فى الغسل وصنع الصابون.
يعد الله، ليس فقط بالانتقام من الرؤساء، بسبب الفساد بين شعبه، ولكن أيضاً، يرد يده الحنونة على شعبه، فينقيه من خطاياه، كما تُنقى الفضة من الزغل بالبورق، وينزع القصدير الممزوج بالفضة، أى يجعلها فضة خالصة، بدون شوائب، والمقصود، تنقية قلوب أولاده وعبادتهم؛ لتصير عبادة نقية لله من القلب. وإن كان سيستخدم مواد قوية، مثل البورق، فهو سيستخدم تأديبات لتنقية شعبه من الخطية.
ع26: والله الرحوم لن يترك قضاة ومشيرى شعبه، أى الرؤساء والمعلمين، الذين أفسدوا شعبه، فينقيهم، ويقودهم للتوبة، فيرجعوا ويعملوا العمل المطلوب منهم فى إرشاد الشعب إلى الله، وبهذا تعود أورشليم، فتصير القرية الأمينة ومدينة العدل، أي يعود الإنسان كما خلقه الله فى جنة عدن، وكما أراد للشعب أن يعيش فى القداسة. وهذا تحقق بشكل جزئي بعودة الشعب من السبي على يد زربابل وعزرا ونحميا؛ الولاة الأتقياء، وكما تحقق بشكل أوضح فى كنيسة العهد الجديد على يد الرسل، وكهنة العهد الجديد.
ع27: وهكذا نرى، من الآيات السابقة، أن الله يفدى صهيون بالحق، أى لا تتجدد وترجع صهيون، وتصير المدينة المقدسة، التى فيها هيكل الله، إلا بالحق.
وصهيون تُفدى بالحق بتوبة وصلوات أولادها المسببين، فيتحنن الله عليهم، ويعيدهم من السبى، فيرجعوا ويبنوا هيكل الله، وأورشليم وأسوارها على يد زربابل وعزرا ونحميا.
وما هو الحق الذى يفدي صهيون، إلا المسيح الذي يفدى أولاده بموته على الصليب. وكذا سكان أورشليم، أى صهيون، الذي يفديهم هو البر الذي ينالونه من المسيح؛ لأنهم تابوا ورجعوا إليه.
ع28: ومن ناحية أخرى، يتساوى سكان أورشليم واليهودية المنغمسون فى الخطية، وتاركو الله وعبادته، لانشغالهم بعبادة الأوثان، أو الشهوات الردية؛ هؤلاء الذين لا يريدون أن يتوبوا، سيكون بالطبع مصيرهم الفناء والهلاك؛ سواء تم هذا على يد بابل، عندما هجمت على أورشليم واليهودية وقتلت الكثيرين، أو الذين ذهبوا إلى السبي، ورفضوا الرجوع لأورشليم مع إخوتهم، وعاشوا حياتهم متعلقين بشهوات العالم، فماتوا بعد هذا، وذهبوا إلى الهلاك فى الجحيم، المهم أن كل الذين رفضوا الله لا ينتظرهم إلا الهلاك، وبهذا عند الرجوع من السبى تكون أورشليم واليهودية نقية وكل من فيها يعبد الله، وهذا مثال لما يحدث فى أورشليم السمائية، حيث يحيا الأبرار في البر، أما الأشرار فيكونون فى العذاب الأبدي.
ع29: البطم: شجر ارتفاعه حوالي ستة أمتار، وله ظل مناسب.
الجنات: الحدائق.
يخزون: يخجلون.
للأسف، انشغل شعب الله بعبادة الأوثان، وتحت الأشجار عملوا مذابح للأوثان مقدمين لها العبادة. وأيضًا، في الحدائق قدموا عبادة للآلهة الوثنية؛ كل هذه لم تنفعهم بشىء عندما هجم عليهم البابليون بقيادة نبوخذ نصر، فكانوا فى خجل وخوف؛ لأنهم طلبوا من أصنامهم فلم تنقذهم، وهلكوا مع هذه الأصنام. وهذه هى النتيجة الطبيعية للذى يرفض الله، ويعتمد على العالم والشيطان، فلابد أن يهلك.
ع30: تُثنى على : تمدح.
وبهذا يصير الأشرار رافضو الله كشجرة بطم ذبلت، وليس لها أوراق، وكجنة انقطعت عنها المياه، فذبلت النباتات والأشجار التى فيها، وهذا تعبير عن هلاك وضياع الأشرار الذين ابتعدوا عن الله. فكما عبدوا الأوثان تحت البطم، وفى الجنات، يصيرون مثل أصنامهم بلا حركة ولا حياة.
ع31: مشاقة: ما يتبقي بعد مشط الكتان، ويستخدم لإشعال النار.
وفي الختام نرى الشرير الذى كان قويًا، ويتفاخر بأصنامه، يصير ضعيفًا جدًا كالمشاقة، بل ويهلك ويحترق.
وأعمال هذا الشرير تكون مثل شرارة النار فتحترق أعماله، مثلما يحترق هو، ولا ينطفئان، أي يلقي فى النار الأبدية التى لا تطفأ؛ لأنه طوال حياته رفض أن يحيا مع الله، واختار الشر وانغمس فيه.اعطنى يارب مشاعر التوبة لأرجع إليك، ولا أتمادى فى شرى؛ لأن رحمتك هي الحياة، وبين يديك أجد راحتى. واكشف لى خطورة الشر، فأبتعد عنه بمعونتك؛ لأحيا في البر.