ضيقة أورشليم وخلاصها
(1) الهجوم على أورشليم ( ع1- 8):
1وَيْلٌ لأَرِيئِيلَ، لأَرِيئِيلَ قَرْيَةٍ نَزَلَ عَلَيْهَا دَاوُدُ. زِيدُوا سَنَةً عَلَى سَنَةٍ. لِتَدُرِ الأَعْيَادُ. 2وَأَنَا أُضَايِقُ أَرِيئِيلَ فَيَكُونُ نَوْحٌ وَحَزَنٌ، وَتَكُونُ لِي كَأَرِيئِيلَ. 3وَأُحِيطُ بِكِ كَالدَّائِرَةِ، وَأُضَايِقُ عَلَيْكِ بِحِصْنٍ، وَأُقِيمُ عَلَيْكِ مَتَارِسَ. 4فَتَتَّضِعِينَ وَتَتَكَلَّمِينَ مِنَ الأَرْضِ، وَيَنْخَفِضُ قَوْلُكِ مِنَ التُّرَابِ، وَيَكُونُ صَوْتُكِ كَخَيَال مِنَ الأَرْضِ، وَيُشَقْشَقُ قَوْلُكِ مِنَ التُّرَابِ. 5وَيَصِيرُ جُمْهُورُ أَعْدَائِكِ كَالْغُبَارِ الدَّقِيقِ، وَجُمْهُورُ الْعُتَاةِ كَالْعُصَافَةِ الْمَارَّةِ. وَيَكُونُ ذلِكَ فِي لَحْظَةٍ بَغْتَةً، 6مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْجُنُودِ تُفْتَقَدُ بِرَعْدٍ وَزَلْزَلَةٍ وَصَوْتٍ عَظِيمٍ، بِزَوْبَعَةٍ وَعَاصِفٍ وَلَهِيبِ نَارٍ آكِلَةٍ. 7وَيَكُونُ كَحُلْمٍ، كَرُؤْيَا اللَّيْلِ جُمْهُورُ كُلِّ الأُمَمِ الْمُتَجَنِّدِينَ عَلَى أَرِيئِيلَ، كُلُّ الْمُتَجَنِّدِينَ عَلَيْهَا وَعَلَى قِلاَعِهَا وَالَّذِينَ يُضَايِقُونَهَا. 8وَيَكُونُ كَمَا يَحْلُمُ الْجَائِعُ أَنَّهُ يَأْكُلُ، ثُمَّ يَسْتَيْقِظُ وَإِذَا نَفْسُهُ فَارِغَةٌ. وَكَمَا يَحْلُمُ الْعَطْشَانُ أَنَّهُ يَشْرَبُ، ثُمَّ يَسْتَيْقِظُ وَإِذَا هُوَ رَازِحٌ وَنَفْسُهُ مُشْتَهِيَةٌ. هكَذَا يَكُونُ جُمْهُورُ كُلِّ الأُمَمِ الْمُتَجَنِّدِينَ عَلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ.
ع1: أرنييل : كلمة عبرية معناها أسد الله، أو موقد الله النارى، ويقصد بها أورشليم.
يعلن الله الويل على أورشليم التى هى المدينة المقدسة، التى فيها هيكل الله، فهى أسد بين بلاد الأمم المختلفة، أى عظيمة جداً، مثل الأسد بين الوحوش، وفيها مذبح المحرقة، الذى تحرق عليه الذبائح لإرضاء الله، ولكن الويل لها لكثرة خطاياها، وانشغالها بعبادة الأوثان. فيسمح الله بهجوم آشور عليها، ثم بابل، ثم الرومان، ويقتلون الكثير من أبنائها، ويُقدمونهم على مذبح الله، ويحترقون بسبب كثرة خطاياهم.
إن أورشليم هى القرية التى نزل عليها داود، أى استولى عليها، وأخذها من اليبوسيين، وأقام له بيتاً فيها، وأقام بعده ابنه سليمان بيتاً لله فيها.
يوبخ الله شعب أورشليم لانشغالهم بحفظ أعياد الله من سنة إلى سنة، وكانت هناك ثلاثة أعياد يجتمع فيها اليهود من كل مكان؛ ليعيدوا فى أورشليم، فيوبخ انشغالهم بالعبادة الشكلية، فيزيدوا فيها سنة بعد سنة، لكن دون توبة والرجوع لله.
ع2: يسمح الله بمضايقة شعبه فى أورشليم واليهودية بهجوم الأعداء عليهم، فتكون أورشليم لله كأريئيل، أى مذبح محرقة، يُقتل ويذبح عليه كثير من شعبه لتأديبهم؛ حتى يتوب الباقون.
وبعد هذا يكون شعب الله مذبح محرقة لأعدائه، أى ينهزمون ويضعفون، كما حدث عندما ضعف آشور، وخربت نينوى عاصمتها، وكما ضعفت بابل، وتحطمت. فالله يسمح بتأديب مؤقت لشعبه ليتوب، ثم يعاقب أعداءه الذين أذلوه.
ع3، 4: متارس : حوائط يقيمها الأعداء حول المدينة المحاصرة.
يشقشق : يتكلم بصوت منخفض كالهمس.
يعلن الله لأورشليم أنه سيسمح بأن يحاصرها الأعداء الآشوريون، فيحيطون بها كالدائرة، ويضايق أورشليم بالتحصينات والمتارس التى أقامها الأعداء، استعداداً للهجوم عليها.
وعندما ترى أورشليم هذا، تتضع أمام الله، وتصلى بصوت ضعيف، طالبة معونة الله، وحينئذ يشفق عليها، ويرحمها، ويبعد الأعداء عنها.
ع5، 6: العتاة : الجبابرة.
العصافة : أوراق خفيفة من الشجر تتطير بسهولة.
بغتة : فجأة.
من أجل اتضاع شعب الله أمامه، يتدخل، فيشتت الأعداء كالغبار، فيطيروا، أو يجروا، بسرعة كالعصافة، هاربين من وجه الله. ويتحول الجبابرة إلى أطفال يسرعون ويجرون من شدة الخوف، ويحدث هذا فجأة. وقد تمت كل هذه الأحداث، عندما ظهر ملاك الرب وقتل 185.000 من جيش الآشوريين، وهرب الباقون.
ويكون قتل ملاك الرب للآشوريين، وهروب الباقين، يشبه الرعد والزلزلة، وصراخهم يكون بصوت عظيم، ويشبه أيضاً زوبعة تشتت الأعداء، ويموتون كما بنار تحرقهم.
وقد تم هذا أيضاً فى بابل التى أحرقت أورشليم والهيكل، عندما هجمت عليها جيوش مادى وفارس، وقتلت الكثيرون من البابليين، وهرب الباقون.
وحدث أيضاً هذا الأمر بشكل أوضح فى صليب المسيح، الذى قيد به الشيطان فى لحظة، ورفع سلطانه عن البشر، ورفع أولاده من الجحيم إلى الفردوس.
وسيحدث هذا الأمر بشكل أصعب يوم الدينونة، عندما ينقذ الله أولاده، ويدخلهم إلى الملكوت، ويشتت قوة الشيطان، وكل الأشرار، ويلقيهم فى العذاب الأبدى.
ع7، 8: قلاع : جمع قلعة، وهى المكان الحصين.
هجمت جيوش الآشوريين على اليهودية، ودمرت كثير من بلادها، ثم حاصرت أورشليم، وكل قلاعها، وضايقوها بتهديداتهم، ولكن كل هذا المنظر المخيف قد حوله الله ليكون كحلم، أو رؤيا فى الليل. ويشبهه بجائع يحلم أنه قد أكل، ثم يستيقظ ويجد نفسه مازال جائعاً، كعطشان يحلم أن يشرب، ثم يستيقظ، فيجد نفسه متعباً ومازال عطشاناً، ويشتهى أن يشرب.
وهكذا يحول الله الحصار الآشورى لأورشليم، وكذا أطماعهم إلى أحلام، إذ يقتل ملاك الله 185.000 جندياً منهم، ويهرب الباقون، فيرجعوا بخزى إلى بلادهم، وهم لم يشبعوا شهواتهم بالتهام وتدمير أورشليم وما فيها؛ لأن الله يحميها من أجل صلوات أولاده الذين فيها، ورحمته عليهم.
إن الشيطان يريد أن يهجم عليك، ويضايقك، ويعرض شهواته أمامك؛ لتسقط فيها، ويهدرك، ويخيفك. إطمئن؛ لأن الله معك يحميك من كل حروب الشيطان، فقط إلتجئ إلى الله سريعاً بالصلاة والتوبة والاتضاع، فتجد إلهك حصناً منيعاً لا يمكن اقتحامه.
(2) جهل الحكماء ( ع9-16):
9تَوَانَوْا وَابْهَتُوا. تَلَذَّذُوا وَاعْمَوْا. قَدْ سَكِرُوا وَلَيْسَ مِنَ الْخَمْرِ. تَرَنَّحُوا وَلَيْسَ مِنَ الْمُسْكِرِ. 10لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ سَكَبَ عَلَيْكُمْ رُوحَ سُبَاتٍ وَأَغْمَضَ عُيُونَكُمُ. الأَنْبِيَاءُ وَرُؤَسَاؤُكُمُ النَّاظِرُونَ غَطَّاهُمْ. 11وَصَارَتْ لَكُمْ رُؤْيَا الْكُلِّ مِثْلَ كَلاَمِ السِّفْرِ الْمَخْتُومِ الَّذِي يَدْفَعُونَهُ لِعَارِفِ الْكِتَابَةِ قَائِلِينَ: «اقْرَأْ هذَا». فَيَقُولُ: «لاَ أَسْتَطِيعُ لأَنَّهُ مَخْتُومٌ». 12أَوْ يُدْفَعُ الْكِتَابُ لِمَنْ لاَ يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ وَيُقَالُ لَهُ: «اقْرَأْ هذَا». فَيَقُولُ: « لاَ أَعْرِفُ الْكِتَابَةَ». 13فَقَالَ السَّيِّدُ: «لأَنَّ هذَا الشَّعْبَ قَدِ اقْتَرَبَ إِلَيَّ بِفَمِهِ وَأَكْرَمَنِي بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَأَبْعَدَهُ عَنِّي، وَصَارَتْ مَخَافَتُهُمْ مِنِّي وَصِيَّةَ النَّاسِ مُعَلَّمَةً. 14لِذلِكَ هأَنَذَا أَعُودُ أَصْنَعُ بِهذَا الشَّعْبِ عَجَبًا وَعَجِيبًا، فَتَبِيدُ حِكْمَةُ حُكَمَائِهِ، وَيَخْتَفِي فَهْمُ فُهَمَائِهِ». 15وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَتَعَمَّقُونَ لِيَكْتُمُوا رَأْيَهُمْ عَنِ الرَّبِّ، فَتَصِيرُ أَعْمَالُهُمْ فِي الظُّلْمَةِ، وَيَقُولُونَ: «مَنْ يُبْصِرُنَا وَمَنْ يَعْرِفُنَا؟». 16يَا لَتَحْرِيفِكُمْ! هَلْ يُحْسَبُ الْجَابِلُ كَالطِّينِ، حَتَّى يَقُولُ الْمَصْنُوعُ عَنْ صَانِعِهِ: «لَمْ يَصْنَعْنِي». أَوْ تَقُولُ الْجُبْلَةُ عَنْ جَابِلِهَا: «لَمْ يَفْهَمْ»؟
ع9، 10: توانوا : تمادوا فى كسلكم.
ايهتوا : اندهشوا وتعجبوا.
سبات : نعاس.
يتهكم ويسخر إشعياء من حكماء أورشليم المتكبرين، والذين انغمسوا فى شهواتهم، فيقول لهم : تمادوا فى كسلكم، وتعجبوا من جهلكم، وانغمسوا فى لذاتكم الشريرة من طعام وشرب خمر، فكل هذا أبعدكم عن الله، فصرتم جهلاء فى معرفة الله، وفقدتم حكمتكم، فصرتم كعميان لا يرون الحق، وصرتم كسكارى يتمايلون بلا إتزان، ليس من الخمر، ولكن من جهلكم، وانشغالكم بشهوات العالم، وصرتم ضعفاء، وبالتالى لا تستطيعون أن ترشدوا غيركم.
وإذ انشغلتم بشهواتكم، سمح الله لكم بنوم عميق، وعدم معرفة للحق، فصرتم كنائمين لا تدرون ماذا يحدث حولكم، ولم تستجيبوا لنداء الله للتوبة.
والله إذ رآكم رافضين للحق، ترككم لهذا العمى الروحى، وتخلى عنكم، فصرتم لا تبصرون الحق الواضح أمامكم؛ لأن كبرياءكم جعلكم تغطون وجوهكم عن رؤية الحق.
ع11، 12: يوبخ الله شعبه؛ لأنه فقد القدرة على الرؤية الصحيحة، فهو لا يرى الله، ويرى أن كلامه سفر مختوم لا يستطيع أن يعرفه. ويشبه أسفار الله فى العهد القديم كأنها مكتوبة بكتابة غير مفهومة للشعب، فالشعب يشبه إنسان لا يعرف القراءة والكتابة، فإذا رأى كلام الله لا يفهم منه شيئاً، وذلك بسبب انشغال الشعب بالشهوات وعبادة الأوثان، فلم يعد يعرف كلام الله، ولا يفهمه؛ هذا هو الانغماس فى الخطية الذى يؤدى إلى فقدان الرؤية والمعرفة.
وعندما يرى الله شعبه رافضاً لكلامه، يقول لنبيه إشعياء : “صر الشهادة، واختم الشريعة” (ص8: 16).
ومازال كلام الله حتى اليوم غير مفهوم للمنغمسين فى شهواتهم، أو العقلانيين الذين يخضعون للعقل فقط، فلا يفهمون كلام الكتاب المقدس المملوء بالإيمانيات.
ع13: يقرر الله فى النهاية، ويعلن إن شعبه قد اقترب إليه، وردد كلمات الصلوات بفمه، ولكن دون فهم ولا شعور، بل أكثر من هذا ابتعدوا عن مخافة الله، وساروا وراء وصايا الناس، أى تعاليم المجمع وأمثاله، وهذا قد يكون أحياناً ضد الله، كا حدث مع الكتبة والفريسيين، الذين وبخهم المسيح، وقال لهم : “أبطلتم وصية الله بسبب تقليدكم” (مت15: 6)، أى تركتم وصية إكرام الوالدين، وقال بعض أباؤكم يكفى أن تقدم هدية للهيكل عنهما، ثم تهملهما ولا تهتم باحتياجاتهما.
ع14: من أجل رياء شعب الله، والتظاهر بالعبادة، مع الابتعاد عنه بقلبه، يعلن الله أنه سيصنع أمراً عجيباً، لا يتخيله هذا الشعب، وهو أنه سيبيد حكمة الحكماء وفهم الفهماء، وبالتالى لن يوجد إرشاد سليم، إذ سينتشر الأنبياء الكذبة، وحتى أنبياء الله القليلين، مثل إشعياء سيرفضون كلامهم.
وسيتعاظم هذا بالأكثر، عندما يأتى المسيح، أى الله بنفسه، ويرفضه قادة اليهود، أى الكهنة والكتبة والفريسيون، بل ويصلبونه، ومازالوا حتى الآن يرفضون الإيمان به.
وسيزداد الضلال فى أواخر الأيام بمجىء ضد المسيح، أى الذين يبعدون الناس عن الله، ثم تأتى الدينونة الأخيرة، ويخلص المؤمنون، ويلقى إبليس والأشرار فى العذاب الأبدى. وضد المسيح هو كل من يرفض الإيمان بالمسيح، أنه قد أتى فى الجسد، وكل من يسير وراء البدع والهرطقات فى كل جيل، ويتخيل أنه يعلن الحق ويعلم به.
ع15، 16: يتعجب الله من الذين يتعمقون فى التفكير، ويصلون إلى قرارات يخفونها عن كل الناس، وعن الله نفسه، ظانين أن الله لا يعرف، فقد دبر رؤساء مملكة يهوذا أن يتحالفوا مع مصر، وأخفوا هذا عن الجميع، وحتى عن الله. إنه غباء شديد أن يظن الإنسان أنه يستطيع أن يخفى شىء عن الله.
ويفعل كثيرون الشر فى الظلمة والخفاء؛ مثل الزنى والسرقة والظلم، ويقولون من يرانا، ناسين أن الله كل شىء مكشوف وعريان أمامه.
إنه انحراف فى الفكر أيها الأشرار يا من تظنون أن الله الذى خلق وجبل الإنسان لا يستطيع أن يفهم ويعرف، مثل الطين الذى يصنعه. بل يتمادى الإنسان فى غبائه فيقول عن نفسه، وهو المصنوع : إن الصانع لم يصنعنى، وهو الله، والجبلة تقول عن جابلها : أنه لم يفهم ما أخفيته عنه.
الله يحاول أن ينبه شعبه ليتوبوا ويرجعوا إلى الحق، بدلاً من الشر الذى يصنعونه، ويخفونه كأنهم يخفونه عن الله.
الاتضاع هو السبيل لاقتناء الحكمة، إذ يقترب الإنسان من الله، فيهبه المعرفة والحكمة؛ لذا يا أخى اتضع واقترب إلى الله، فتصير حكيماً، وتحيا مطمئناً.
(3) الخلاص ( ع17-24):
17أَلَيْسَ فِي مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ جِدًّا يَتَحَوَّلُ لُبْنَانُ بُسْتَانًا، وَالْبُسْتَانُ يُحْسَبُ وَعْرًا؟ 18وَيَسْمَعُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ الصُّمُّ أَقْوَالَ السِّفْرِ، وَتَنْظُرُ مِنَ الْقَتَامِ وَالظُّلْمَةِ عُيُونُ الْعُمْيِ، 19وَيَزْدَادُ الْبَائِسُونَ فَرَحًا بِالرَّبِّ، وَيَهْتِفُ مَسَاكِينُ النَّاسِ بِقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ. 20لأَنَّ الْعَاتِيَ قَدْ بَادَ، وَفَنِيَ الْمُسْتَهْزِئُ، وَانْقَطَعَ كُلُّ السَّاهِرِينَ عَلَى الإِثْمِ 21الَّذِينَ جَعَلُوا الإِنْسَانَ يُخْطِئُ بِكَلِمَةٍ، وَنَصَبُوا فَخًّا لِلْمُنْصِفِ فِي الْبَابِ، وَصَدُّوا الْبَارَّ بِالْبُطْلِ. 22لِذلِكَ هكَذَا يَقُولُ لِبَيْتِ يَعْقُوبَ الرَّبُّ الَّذِي فَدَى إِبْرَاهِيمَ: «لَيْسَ الآنَ يَخْجَلُ يَعْقُوبُ، وَلَيْسَ الآنَ يَصْفَارُّ وَجْهُهُ. 23بَلْ عِنْدَ رُؤْيَةِ أَوْلاَدِهِ عَمَلِ يَدَيَّ فِي وَسَطِهِ يُقَدِّسُونَ اسْمِي، وَيُقَدِّسُونَ قُدُّوسَ يَعْقُوبَ، وَيَرْهَبُونَ إِلهَ إِسْرَائِيلَ. 24وَيَعْرِفُ الضَّالُّو الأَرْوَاحِ فَهْمًا، وَيَتَعَلَّمُ الْمُتَمَرِّدُونَ تَعْلِيمًا.
ع17: وعر : منطقة بلا أشجار مثمرة ولا يسكن فيها أحد.
إن كان الإنسان قد سار فى الشر، وفقد حكمته، كما رأينا فى الآيات السابقة، فنرى الله يتدخل؛ ليصنع خلاصاً لمن يؤمنون به. وذلك سيتم بعد فترة صغيرة جداً، ويقصد بهذا، السنوات التى ستمر سريعاً، حتى يأتى المسيح، فيؤمن به الأمم، الذين يمثلهم لبنان، الذى كان وعراً، أى فاقد للثمار الروحية، فيصير بستاناً، أى يؤمن ويمتلئ بالفضائل؛ هذه هى البركة الأولى للخلاص.
أما اليهود، الذين هم شعب الله، والمفروض أنهم بستان، أى مملؤءون بالفضائل الروحية، سيصيرون وعراً؛ لأنهم يرفضون الإيمان بالمسيح، فيفقدوا كل ثمر روحى.
ع18: القتام : الظلمة الشديدة.
الصم يسمعون والعمى يبصرون؛ هذا ما حدث لليهود الساكنين فى أورشليم، عندما قتل ملاك الرب جيش الآشوريين، فسمعوا صراخهم، وعلموا أن الله قد خلص شعبه، وأبصروا بعيونهم حروب باقى جيوش آشور.
إن السفر الذى يسمعه الصم هو كلام الله وخلاصه الذى يعمله مع شعبه، ويبعد عنهم جيوش الآشوريين.
واليوم ليس فقط يوم خلاص أورشليم من الآشوريين، بل أيضاً يوم رجوع شعب الله من العبودية فى بابل، بأمر كورش الملك، إلى أورشليم، وبدء بناء الهيكل، فسمع الصم كلام الله بخلاصهم من العبودية، وأبصروا يده القوية التى جعلت الملك الجديد، أى الفارسى، يعيديهم إلى بلادهم؛ ليعبدوا الله فى هيكله.
وينطبق بالأكثر اليوم على يوم الصليب، حيث يسمع الصم، ويبصر العمى، عن المسيح المخلص على الصليب، الذى يحررهم من سلطان إبليس، ليحيوا معه، سواء كانوا من اليهود، أو الأمم، فيخلصوا من عبودية الشر والشيطان، وينسكب الروح القدس عليهم، فينالوا السمع الروحى، والبصيرة الداخلية، أى يروا الله، ويتمتعوا بخلاصه؛ هذه هى البركة الثانية للخلاص.
ع19: البركة الثالثة للخلاص، هى الخروج من الاكتئاب بسبب الخطية، والذل والعبودية إلى الفرح بالخلاص والحرية من طغيان إبليس، والإيمان بالمسيح، وتسبيحه، بل الهتاف له فرحاً فى ترانيم الخلاص.
ع20، 21: العاتى : الجبار.
البركة الرابعة للخلاص هى إبادة سلطان إبليس بالصليب، وتقييد أعماله التى يعملها كشباك لإسقاط الأبرار.
بالصليب لم يعد للشيطان سلطانٌ على أولاد الله أن يلقيهم فى الجحيم، وأوقف الله استهزاءه بالأبرار، وانقطعت قوة إبليس الذى يسهر على فعل الشر؛ لأن المسيح بصليبه يحميهم من مكايد إبليس.
الشياطين، وكل الأشرار أتباعهم، حاولوا قديماً إسقاط الأبرار فى كلمة شريرة، وتعويج القضاء، إذ يجعلون القضاة – الذين ينصفون المظلومين عند أبواب المدن – يخطئون فى أحكامهم، فينصبوا فخاخاً لهم؛ ليخيفوهم، ويبعدوهم عن الحق، ولكن الله ينقذهم، وينقذ أولاده من الكلمات الشريرة، ويوقف أيضاً حيل وفخاخ الأشرار فى إبعاد الأبرار عن الصلاح، وإسقاطهم فى أباطيل العالم وشروره.
ع22، 23: يصفار : أى يصفر والمقصود يخاف ويبهت.
البركة الخامسة ألا يخاف، أو يخزى شعب الله، الذى هو بيت يعقوب؛ لأن الله يعلن أنه يفدى إبراهيم، أى يخلص نسله شعب الله، فلا يخجل، أو يخاف، بل يفرح بكثرة أولاده، الذين يقدسون اسم الله، ويعبدونه فى هيكله، عندما نجى أورشليم من جيوش الآشوريين، وكذلك عندما أرجع شعبه من السبى بأمر كورش الملك الفارسى إلى أورشليم، فبنى الهيكل وعبد الله.
وكذلك أيضاً عندما آمن نسل إبراهيم ويعقوب بالمسيح وعبدوه وقدسوه فى كنائس العهد الجديد؛ خاصة وأن اليهود لم يؤمن بعضهم فقط، بل آمن الكثيرون من الأمم، فصاروا أبناء إبراهيم ويعقوب بهذا الإيمان، مثل كرنيليوس (أع10: 45-48).
ع24: البركة السادسة للخلاص هى رجوع اليهود لله بإيمانهم بالمسيح فى نهاية الأيام؛ هؤلاء المعبـر عنهم بقوله : “الضالو الأرواح والمتمردون، وهذا ما ذكره بولس الرسول” (رو11: 25). ويحدث هذا بعمل الروح القدس فيهم، فيعطيهم فهماً وتعليماً، وحياة جديدة فى المسيح. الخلاص قريب منك يا أخى، فلا تبتعد عنه، إنه فى أسرار الكنيسة، الاعتراف والتناول، فلا تنشغل بمشاغل العالم وهمومه عن خلاص نفسك وأبديتك.