ضرب مصر وشفاؤها
مصر كانت بلداً متقدمة في الحضارة القديمة، ولكنها اتكلت على كبريائها، ونسيت الله، بل ونسبت مجدها للآلهة الوثنية، فهي رمز للكبرياء في الكتاب المقدس؛ لذا سمح الله بضربها لتتوب، فعادت إليه وآمنت به، وباركها بركة خاصة.
ومصر فتحت أبوابها لرجال الله منذ القديم، فأتى إليها إبراهيم أب الآباء، ثم يوسف الصديق الذي دبر وقاد مصر، وأطعمها ، بل وأطعم العالم كله من خيراتها. ثم جاء إليها يعقوب وأولاده، أي أسباط بنى إسرائيل، وعاشوا فيها أربع مئة عام. وأتي إليها رب المجد يسوع المسيح وبارك أماكن كثيرة فيها.
(1) هروب العائلة المقدسة (ع1):
1وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ مِصْرَ: هُوَذَا الرَّبُّ رَاكِبٌ عَلَى سَحَابَةٍ سَرِيعَةٍ وَقَادِمٌ إِلَى مِصْرَ، فَتَرْتَجِفُ أَوْثَانُ مِصْرَ مِنْ وَجْهِهِ، وَيَذُوبُ قَلْبُ مِصْرَ دَاخِلَهَا.
يتنبأ إشعياء النبي عن مجىء رب المجد يسوع المسيح وهو طفل؛ ليبارك مصر، وأيضاً عن مجىء العائلة المقدسة: المسيح ومعه أمه العذراء ويوسف النجار.
ويقول : أن الرب يأتي راكباً على سحابة سريعة. والسحاب يرمز لحضور الله، كما كان يحدث على الجبل عندما استلم موسى الوصايا من الله، وكذا كان يحل الله على خيمة الإجتماع بسحاب. والسحاب أيضاً يرمز للقديسين؛ لأجل سمو حياتهم مع الله فوق كل الأرضيات. فالسحابة كما يرى الآباء القديسون- هي أمنا العذراء التي فاقت كل القديسين والملائكة في طهرها وقداستها. وركوب الرب على سحابة سريعة، وهو آتِ إلى مصر، حدث عندما حملت أمنا العذراء المسيح، وأتت بسرعة هاربة من وجه هيرودس. والسحابة الخفيفة تسير بسرعة، فالعذراء لأجل قداستها هي سحابة مرتفعة في السماء وخفيفة.
وعند دخول المسيح أرض مصر يذوب قلبها داخلها، أي تخاف وترتعد. وقد حدث هذا بسقوط تماثيل الأوثان، كلما مرت العائلة المقدسة، فكان المصريون يخافون، ويطردونهم، لذا تنقلت العائلة في أماكن كثيرة، وباركتها، فتأسست في هذه الأماكن كنائس وأديرة كثيرة.
إن الله يريد أن يدخل إلى قلبك، فتسقط منه كل تعلقاتك العالمية والشهوات الأرضية، فأفسح له مكاناً للتوبة والإلتصاق به، فتتمتع بعشرته.
(2) قضاء الرب على مصر (ع2-17):
2وَأُهَيِّجُ مِصْرِيِّينَ عَلَى مِصْرِيِّينَ، فَيُحَارِبُونَ كُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ: مَدِينَةٌ مَدِينَةً، وَمَمْلَكَةٌ مَمْلَكَةً. 3وَتُهْرَاقُ رُوحُ مِصْرَ دَاخِلَهَا، وَأُفْنِي مَشُورَتَهَا، فَيَسْأَلُونَ الأَوْثَانَ وَالْعَازِفِينَ وَأَصْحَابَ التَّوَابعِ وَالْعَرَّافِينَ. 4وَأُغْلِقُ عَلَى الْمِصْرِيِّينَ فِي يَدِ مَوْلًى قَاسٍ، فَيَتَسَلَّطُ عَلَيْهِمْ مَلِكٌ عَزِيزٌ، يَقُولُ السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ. 5وَتُنَشَّفُ الْمِيَاهُ مِنَ الْبَحْرِ، وَيَجِفُّ النَّهْرُ وَيَيْبَسُ. 6وَتُنْتِنُ الأَنْهَارُ، وَتَضْعُفُ وَتَجِفُّ سَوَاقِي مِصْرَ، وَيَتْلَفُ الْقَصَبُ وَالأَسَلُ. 7وَالرِّيَاضُ عَلَى النِّيلِ عَلَى حَافَةِ النِّيلِ، وَكُلُّ مَزْرَعَةٍ عَلَى النِّيلِ تَيْبَسُ وَتَتَبَدَّدُ وَلاَ تَكُونُ. 8وَالصَّيَّادُونَ يَئِنُّونَ، وَكُلُّ الَّذِينَ يُلْقُونَ شِصًّا فِي النِّيلِ يَنُوحُونَ. وَالَّذِينَ يَبْسُطُونَ شَبَكَةً عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ يَحْزَنُونَ، 9وَيَخْزَى الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الْكَتَّانَ الْمُمَشَّطَ، وَالَّذِينَ يَحِيكُونَ الأَنْسِجَةَ الْبَيْضَاءَ. 10وَتَكُونُ عُمُدُهَا مَسْحُوقَةً، وَكُلُّ الْعَامِلِينَ بِالأُجْرَةِ مُكْتَئِبِي النَّفْسِ. 11إِنَّ رُؤَسَاءَ صُوعَنَ أَغْبِيَاءُ! حُكَمَاءُ مُشِيرِي فِرْعَوْنَ مَشُورَتُهُمْ بَهِيمِيَّةٌ! كَيْفَ تَقُولُونَ لِفِرْعَوْنَ: «أَنَا ابْنُ حُكَمَاءَ، ابْنُ مُلُوكٍ قُدَمَاءَ»؟ 12فَأَيْنَ هُمْ حُكَمَاؤُكَ؟ فَلْيُخْبِرُوكَ. لِيَعْرِفُوا مَاذَا قَضَى بِهِ رَبُّ الْجُنُودِ عَلَى مِصْرَ. 13رُؤَسَاءُ صُوعَنَ صَارُوا أَغْبِيَاءَ. رُؤَسَاءُ نُوفَ انْخَدَعُوا. وَأَضَلَّ مِصْرَ وُجُوهُ أَسْبَاطِهَا. 14مَزَجَ الرَّبُّ فِي وَسَطِهَا رُوحَ غَيٍّ، فَأَضَلُّوا مِصْرَ فِي كُلِّ عَمَلِهَا، كَتَرَنُّحِ السَّكْرَانِ فِي قَيْئِهِ. 15فَلاَ يَكُونُ لِمِصْرَ عَمَلٌ يَعْمَلُهُ رَأْسٌ أَوْ ذَنَبٌ، نَخْلَةٌ أَوْ أَسَلَةٌ. 16فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تَكُونُ مِصْرُ كَالنِّسَاءِ، فَتَرْتَعِدُ وَتَرْجُفُ مِنْ هَزَّةِ يَدِ رَبِّ الْجُنُودِ الَّتِي يَهُزُّهَا عَلَيْهَا. 17وَتَكُونُ أَرْضُ يَهُوذَا رُعْبًا لِمِصْرَ. كُلُّ مَنْ تَذَكَّرَهَا يَرْتَعِبُ مِنْ أَمَامِ قَضَاءِ رَبِّ الْجُنُودِ الَّذِي يَقْضِي بِهِ عَلَيْهَا.
ع2: بعد هجوم آشور على مصر إنقسمت مصر إلى إثنتى عشر مملكة، أي إثنى عشر قسماً، وحدثت مشاكل بين هذه الممالك الإثنى عشر، وبين مدنها المختلفة؛ هذا نتيجة الكبرياء أن حدث هذا الانقسام والاضطراب والهياج في مصر.
وهكذا نجد نتيجة عبادة الأوثان أن أصبحت مصر مضطربة، وقام المصريون على بعضهم البعض. وبعد دخول المسيحية وإيمان الكثيرين من المصريين، قام المصريون الوثنيون على إخوتهم المسيحيين واضطهدوهم، واحتمل المسيحيون في مصر أتعاباً كثيرة، ولكن المسيح ساندهم في كل اضطهاداتهم.
ع3: تهراق: تسكب كلها
العازفين: السحرة الذين يستخدمون عزف الموسيقى لاستحضار الأرواح الشريرة.
أصحاب التوابع: التوابع هم من يدعون أنهم يتعاملون ويتكلمون مع أرواح الموتى لترشد الأحياء الذين حولهم، والحقيقة أنهم يتعاملون مع أرواح شياطين، وكان هذا محرماً على شعب الله، بني إسرائيل.
إذا كان قضاء الله على مصر أن تفقد سلامها نتيجة شرها، فالنتيجة الثانية أن تفقد مصر حكمتها التي كانت مشهورة بها بين الدول فيتخبط المصريون في تصرفات خاطئة، ويلتجئوا إلى السحر والأصنام، وكل من يدعون الحكمة التي يحصلون عليها من الشياطين بأشكال مختلفة، وبالطبع لا تفيدهم شيئاً، يل يزدادوا انحرافاً وشراً.
ع4: النتيجة الثالثة هي القيادات القاسية: لأن مصر ابتعدت عن الله ، وسارت في الشر، يسمح الله لهم بقيادات قاسية، تُذل المصريين، وتنهب خيراتهم. وهذا الوالي القاسي ظهر بأشكال مختلفة عبر التاريخ، مثل الآشوريين، والبابليين، والفرس…
ع5: النتيجة الرابعة لشر مصر هي الجفاف، والمقصود بالبحر، نهر النيل، وكذا كل فروعه، وبالتالي يعطش الإنسان والحيوان والنبات، أو تكاد الحياة تقف في مصر. والله اضطر لهذه الضربة؛ لأنها مادة أساسية في الحياة: لعلهم يتوبون، ويبتعدون عن عبادة الأصنام وكل ما حولها من أعمال الشياطين. وقد سبق الله وضرب المصريين أيام موسى الضربة الأولى لنهر النيل الذي كانوا يعبدونه ويتكلون عليه، لعلهم يرجعون إليه.
والجفاف يرمز روحياً إلى توقف عمل الروح القدس في الإنسان، نتيجة تماديه في الشر، فيفقد حياته الروحية ، ويترك التوبة وكل عمل صالح.
ع6 ، 7: الأسل: جمع أسلة، وهو نبات صغير يُصنع منه الحصر والسلال.
الرياض: جمع روضة، وهي الحدائق المزروعة بالنجيل الأخضر
عندما تجف الأنهار، يموت كل شىء حي فيها؛ سواء حيوان، أو نبات، وتصير رائحته نتنة، ولا يبقى في الأنهار إلا مياه قليلة جداً.
أما السواقي التى تروى الحقول، فتجف لقلة الماء في الأنهار، والنباتات الطويلة، مثل القصب، أو النباتات الصغيرة، مثل الأسل، كل هذا يتلف ولا يستفيد منه الإنسان شيئاً.
وحول النيل يميناً ويساراً تجف الرياض والمزارع ولا يعد لها أثر من شدة الجفاف.
ع8: شصاً: صنارة
كل من يصطادون الأسماك من النيل وفروعه، يبكون، وينوحون؛ لأنهم لا يجدون أية أسماك صغيرة، أو كبيرة، يصطادونها بشص، أو بشبكة؛ لأنها كلها تموت وتنتن، فيجوع المصريون من إنعدام الأسماك وجفاف الزروع ، ويعطشون إلى المياه، هذه هي النتيجة الخامسة وهي الجوع.
ع9: يحيكون: يخيطون.
النتيجة السادسة لخطية مصر هى أن تتأثر الصناعة والتجارة: لأن نباتات الكتان التي كانت معروفة في مصر تجف، ولا يستطيعون أن يمشطوه؛ ليعملوا منه الملابس، وبهذا يصير العاملون في تمشيط الكتان وحياكته في خزي شديد وفقر.
ع10: عمدها : أعمدتها، والمقصود العظماء وذوى الأموال.
كل ما ذُكر في الآيات السابقة، سيجعل عظماء مصر وأصحاب الأموال وكذلك العمال البسطاء، أي كل المصريين من كبيرهم إلى صغيرهم منسحقين لشدة الضيقة، ومكتئبين لأجل كل ما أتى عليهم من مصائب.
ع11-12: صوعن: كانت عاصمة الجزء الشمالي من مصر جنوب دمياط، وتقع شرق الدلتا
سبق أن ذكرنا أن النتيجة الثانية لشر مصر هى أن تفقد حكمتها (ع3)، ويشرح إشعياء في هذه الآيات كيف تفقد مصر حكمتها بأن رؤساءها صاروا أغبياء، ويقول :”رؤساء صوعن” باعتبارها عاصمة للوجه البحري في مصر، ويؤكد أيضاً ويقول: أن مشيري فرعون الذين يتصفون بالحكمة، تصير مشورتهم التي يسير وراءها فرعون مشورة بهيمية، أي أنهم ليسوا عقلاء كبشر، لكنهم كالحيوانات في تصرفاتهم، وقد فقدوا حكمتهم ؛ لأنهم تكبروا وابتعدوا عن الله، وعبدوا الأوثان، فأذلهم الكبرياء وعبادة الأوثان.
ويسأل الله فرعون الذي يحكم مصر، ويقول له : أين حكماؤك، ليخبروك كيف تتصرف في الضيقات الآتية عليك؟ لقد عجزوا، ولم يستطيعوا أن يتصرفوا؛ لأنهم بعيدون عن الله، فلم يعرفوا أن الله قد قضى بهذا على مصر، لتتوب وترجع عن كبريائها.
ع13، 14: نوف: كانت عاصمة لمصر وتقع جنوب الدلتا بالقرب من مدينة البدرشين التابعة للجيزة حالياً.
غي : ضلال.
ترنح: تمايل لفقدان الاتزان
يستكمل الله كلامه عن فقدان مصر حكمتها ، فيقول أن رؤساء نوف والتي كانت أيضاً عاصمة لجزء من مصر انخدعوا، لأنهم إلتجأوا إلى الشياطين المستترة وراء الأصنام، فلم تفدهم شيئاً، بل أضلتهم عن التصرف السليم. ورؤساء الأسباط، أي رؤساء المقاطعات التي إنقسمت إليها مصر أضلوا مصر؛ لأن الكل يسيرون وراء مشورة السحر والشعوذة وكل أفعال الشيطان.
سمح الله لروح غي أن تُضل مصر لشرها، فصارت مصر كالسكران الذي يترنح ويتمرغ في قيئه.
إن كان لسانك هو أكبر معبر عنك، فكن حريصاً، ولا تتسرع فى كلامك، حتى لا تخطئ، وإن أخطأت فاعتذر، وإن أخطأ غيرك فيك، فكن مستعداً للتسامح، وعاتبه لتفهم الحقيقة، وتظل فى سلام مع من حولك.
ع15: ذنب: ذيل
النتيجة النهائية، أن مصر تصير كلها في ضلال، سواء الرؤساء، أو عامة الشعب، الحكماء أو البسطاء ، الكبير أو الصغير، هذا الذي تشير إليه الآية بقولها: رأس ونخلة، أي الرؤساء والحكماء، أما الذنب والأسلة، فيشيران إلى البسطاء وعامة الشعب.
ع16: الله مد يده وهز مصر، فصارت مصر مهزوزة، مثل امرأة ضعيفة تهتز من ضعف جسدها، أي صارت مصر في اضطراب وفقدت سلامها، وهذه هي النتيجة الأولى لشر مصر، والتي سبق ذكرها في (ع2)
ع17: إهتزت مصر وصارت في خوف من كل ما حدث لها، والسابق ذكره في الآيات السابقة، بل صارت أيضاً خائفة من مملكة يهوذا، وهذا يبين الضعف الشديد الذي وصلت إليه مصر، وخوفها من كل أحد؛ كل هذا بسبب قضاء الله عليها، بل تصير مصر نفسها سبب إرتعاب لكل بلاد العالم، لأجل ما حدث لها. كل هذا يقوله إشعياء أمام شعبه ، حتى لا يعود يتكل على مصر التي ستصير ضعيفة، بل يعتمد على الله الذي سيؤدب شعبه ويؤدب مصر أيضاً.
حاول أن تفهم كل ما يمر بك، فلا تتضايق من الناس، أو الظروف، فلعل الله ينبهك، لتتوب أو تصلح شيئاً ما من أخطائك ، فترجع إليه ، وتحيا مطمئناً.
(3) إيمان مصر (ع18-25):
18فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ فِي أَرْضِ مِصْرَ خَمْسُ مُدُنٍ تَتَكَلَّمُ بِلُغَةِ كَنْعَانَ وَتَحْلِفُ لِرَبِّ الْجُنُودِ، يُقَالُ لإِحْدَاهَا «مَدِينَةُ الشَّمْسِ». 19فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ مَذْبَحٌ لِلرَّبِّ فِي وَسَطِ أَرْضِ مِصْرَ، وَعَمُودٌ لِلرَّبِّ عِنْدَ تُخْمِهَا. 20فَيَكُونُ عَلاَمَةً وَشَهَادَةً لِرَبِّ الْجُنُودِ فِي أَرْضِ مِصْرَ. لأَنَّهُمْ يَصْرُخُونَ إِلَى الرَّبِّ بِسَبَبِ الْمُضَايِقِينَ، فَيُرْسِلُ لَهُمْ مُخَلِّصًا وَمُحَامِيًا وَيُنْقِذُهُمْ. 21فَيُعْرَفُ الرَّبُّ فِي مِصْرَ، وَيَعْرِفُ الْمِصْرِيُّونَ الرَّبَّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، وَيُقَدِّمُونَ ذَبِيحَةً وَتَقْدِمَةً، وَيَنْذُرُونَ لِلرَّبِّ نَذْرًا وَيُوفُونَ بِهِ. 22وَيَضْرِبُ الرَّبُّ مِصْرَ ضَارِبًا فَشَافِيًا، فَيَرْجِعُونَ إِلَى الرَّبِّ فَيَسْتَجِيبُ لَهُمْ وَيَشْفِيهِمْ. 23فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تَكُونُ سِكَّةٌ مِنْ مِصْرَ إِلَى أَشُّورَ، فَيَجِيءُ الأَشُّورِيُّونَ إِلَى مِصْرَ وَالْمِصْرِيُّونَ إِلَى أَشُّورَ، وَيَعْبُدُ الْمِصْرِيُّونَ مَعَ الأَشُّورِيِّينَ. 24فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ إِسْرَائِيلُ ثُلُثًا لِمِصْرَ وَلأَشُّورَ، بَرَكَةً فِي الأَرْضِ، 25بِهَا يُبَارِكُ رَبُّ الْجُنُودِ قَائِلًا: «مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ، وَعَمَلُ يَدَيَّ أَشُّورُ، وَمِيرَاثِي إِسْرَائِيلُ».
ع18: “في ذلك اليوم” أي يوم إيمان مصر بالمسيح، سيكون في مصر خمسة مدن تتكلم بلغة كنعان، ويقصد بلغة كنعان، لغة الإيمان بالله، الذى تجسد في ملء الزمان أى تكلمت هذه المدن بلغة الإيمان المسيحي.
“وتحلف لرب الجنود”، معناها أن تؤمن بالله، وتقسم باسمه ، وليس باسم الآلهة الوثنية، أي تؤمن مصر بالمسيح وتترك الأصنام.
ورقم خمسة يرمز لحواس الإنسان الخمس، والمقصود، أنه توجد مدن كثيرة في مصر تؤمن بالمسيح، وتحيا في القداسة، فتكون حواس الإنسان ملكاً للمسيح.
وإحدى هذه المدن يُقال لها: “مدينة الشمس” وهي المعروفة عند المصريين القدماء بأنها المكان الممتلئ بمعابد الآلهة الوثنية. ومعنى هذا أن معابد الأوثان ستزول، وتحل محلها كنائس لعبادة المسيح.
ع19: تخمها : حدودها.
في ذلك اليوم أيضاً ، أي يوم دخول المسيحية إلى مصر؛ في هذا الوقت يتم تأسيس مذبح للرب في وسط أرض مصر، وهو الموجود بدير المحرق، حيث مرت العائلة المقدسة بالمكان، ومكثت فيه ستة شهور، وهي أطول مدة قضتها في مكان بمصر. وهذه الكنيسة تقع في وسط أرض مصر بالضبط، وهي الكنيسة الوحيدة التي دشنها المسيح بنفسه، فقد جاء بعد صعوده للسماء مع تلاميذه، ودشن هذه الكنيسة، وعلم البابا ثاؤفيليس الـ23 بهذا الأمر من أمنا العذراء، عندما أراد أن يدشن هذا المذبح، فأعلمته بأن ابنها المسيح قد دشنه، وشرحت له مسار العائلة المقدسة في مصر.
ويكون أيضاً عند حدود مصر، أي في الإسكندرية، عمود للرب. هذا العمود هو:
- مار مرقس الرسول الذي بشر في الإسكندرية، وهو عمود الإيمان في مصر، كما دعي الرسل أعمدة الكنيسة (غل 2 : 9)
- الكنيسة الأولى في مصر التي صلى بها مار مرقس الرسول في الإسكندرية.
- مدرسة الإسكندرية الأولى التي أسسها مار مرقس الرسول، وصارت منارة للعلوم المسيحية في العالم كله، وتخرج منها علماء صاروا أساقفة في مصر والعالم كله.
ع20: وعندما يدخل الإيمان مصر، تكون هناك علامة وشهادة في أرض مصر، وهي اضطهاد الوثنيين للمسيحيين، أي الذين تنصروا، الذين يصرخون إلى الرب، فيرسل لهم الروح القدس الذي يسندهم، ويخلصهم بالإيمان. وقد آمن كثير من المصريين عندما رأوا ثبات الشهداء، وأعلنوا إيمانهم، فقتلهم المضطهدون الوثنيون، وقدمت مصر أكبر عدد من الشهداء في العالم كله من أجل المسيح؛ هذه هي العلامة والشه ادة.
ع21: “فيعرف الرب في مصر، ويعرف المصريون الرب”، أي يؤمنون بالمسيح، بل يصيرون متبصرين في المعرفة الروحية من خلال مدرسة الإسكندرية الأولى، التي أنشأها مار مرقس الرسول.
ويقدمون ذبيحة وتقدمة للرب، ليست فقط ذبيحة العهد الجديد، جسد الرب ودمه، أو أية عطايا وتقدمات، بل أيضاً يقدمون أنفسهم ذبيحة لله بالإستشهاد، كما ذكرنا في الآية السابقة، ويؤمنون بالله، فيقدمون نذوراً له، أي يعبدونه عبادة روحية عملية.
ع22: تقدم هذه الآية خلاصة هذا الإصحاح كله، وهي أن الرب يضرب مصر بضيقات كثيرة نتيجة شرها في الجزء الأول من الإصحاح، ولكنه يعود فيشفيها عندما تؤمن به، ويعطيها بركات كثيرة، بل تصير كنيسة قوية لله، تعلن اسمه في المجامع المسكونية، وبالرهبنة وبحياة أولادها الصالحين. فالله سمح بهذه الضربات ليظهر أمراضها، وهي الكبرياء، وكل شرور عبادة الأوثان، ولكنه يعود فيشفيها بالإيمان.
ع23: كانت آشور تحكم العالم وقت نبوة إشعياء، وعاصمتها نينوى، وهي على نهر دجلة، أي شمال العراق الحالي، أما مصر فكانت المملكة الأولى التي حكمت العالم، قبل آشور، ولكنها ضعفت وسيطرت بعدها آشور، هؤلاء كانوا في عداء، وآشور هاجمت مصر، وقسمتها إلى مقاطعات، ولكن تحدثنا هذه الآية عما سيحدث في العهد الجديد، عندما تؤمن مصر وآشور، وبالتالي يكون هناك طريقاً بين مصر وآشور، أي يكون هناك سلام وإتفاق بين مصر وآشور في الإيمان بالمسيح، ويأتي المصريون إلى آشور والآشوريون إلى مصر في ذلك اليوم، الذي هو وقت مجىء المسيح والإيمان به، فيعبد الكل المسيح في كنائس العهد الجديد.
والسكة، أو الطريق الذي بين مصر وآشور يرمز للمسيح، الذي قال عن نفسه : “أنا هو الطريق…” (يو14: 6).
ع24: يتكرر هنا قول إشعياء: “في ذلك اليوم”، أي في العهد الجديد، فيحدث اتفاق واتحاد روحي بين آشور وإسرائيل ، ومصر ، بعد أن كانوا أعداءً، فتكون إسرائيل ثلثاً ومصر ثلثاً ، وأشور ثلثاً، أي أن الثلاثة يتكاملون في إيمان واحد، ويكون الثلاثة بركة في العالم المحيط بهم، أي أن إيمانهم يكون قوياً، ويقتدي به باقى العالم، إذ أنهم في وسط الأرض في العالم القديم، أي يكونون نوراً ومنارة لكل العالم.
يتكرر تعبير “في ذلك اليوم” خمس مرات من (ع18 -24)، تأكيداً على ما يذكره إشعياء في هذه الآيات التى هى نبوات عن العهد الجديد، وعمل الله في مصر، وما حولها من البلاد ، بعد أن تؤمن بالمسيح.
ع25: يختم الله هذا الإصحاح الخاص بمصر بهذه الآية الجميلة التي توضح بركته، فيعطى ثلاث بركات هي:
- بركة لمصر ، فيعلن أن أولاد مصر سيكونون شعبه، ويعطيهم بركة خاصة منه.
- أما آشور فتنال بركة، وهي أن تكون عمل يدي الله، فعلى قدر ما تحيا معه في إيمان به، تتمتع بعمله فيها.
- وإسرائيل، تنال بركة أن تكون ميراث الله، أي عندما تؤمن به، وترجع بقية إسرائيل إليه، تصير ميراثاً له إلى الأبد، أي تنال الخلاص الأبدي في ملكوت السموات.
- بركات الله كثيرة لأولاده، إذا كنت متمسكاً بإيمانك، وتحيا معه، وحتى إذا أخطأت لا تنزعج، فعد سريعاً لتستعيد بركات الله لك.