المسيا المنتظر وتأديب الشعب
(1) ميلاد المسيح (ع1-7):
1وَلكِنْ لاَ يَكُونُ ظَلاَمٌ لِلَّتِي عَلَيْهَا ضِيقٌ. كَمَا أَهَانَ الزَّمَانُ الأَوَلُ أَرْضَ زَبُولُونَ وَأَرْضَ نَفْتَالِي، يُكْرِمُ الأَخِيرُ طَرِيقَ الْبَحْرِ، عَبْرَ الأُرْدُنِّ، جَلِيلَ الأُمَمِ. 2اَلشَّعْبُ السَّالِكُ فِي الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا. الْجَالِسُونَ فِي أَرْضِ ظِلاَلِ الْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ. 3أَكْثَرْتَ الأُمَّةَ. عَظَّمْتَ لَهَا الْفَرَحَ. يَفْرَحُونَ أَمَامَكَ كَالْفَرَحِ فِي الْحَصَادِ. كَالَّذِينَ يَبْتَهِجُونَ عِنْدَمَا يَقْتَسِمُونَ غَنِيمَةً. 4لأَنَّ نِيرَ ثِقْلِهِ، وَعَصَا كَتِفِهِ، وَقَضِيبَ مُسَخِّرِهِ كَسَّرْتَهُنَّ كَمَا فِي يَوْمِ مِدْيَانَ. 5لأَنَّ كُلَّ سِلاَحِ الْمُتَسَلِّحِ فِي الْوَغَى وَكُلَّ رِدَاءٍ مُدَحْرَجٍ فِي الدِّمَاءِ، يَكُونُ لِلْحَرِيقِ، مَأْكَلًا لِلنَّارِ. 6لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ. 7لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ، وَلِلسَّلاَمِ لاَ نِهَايَةَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَعَلَى مَمْلَكَتِهِ، لِيُثَبِّتَهَا وَيَعْضُدَهَا بِالْحَقِّ وَالْبِرِّ، مِنَ الآنَ إِلَى الأَبَدِ. غَيْرَةُ رَبِّ الْجُنُودِ تَصْنَعُ هذَا.
ع1: ختم إشعياء الأصحاح السابق، بأن الله يسمح بأن يكون هناك قتام الظلام، بسبب انسياق الناس وراء التوابع والعرافين، أي تأتي الضيقة عليهم لأجل شرهم وتركهم لله، والتجائهم إلي عبادة الأوثان، أو التحالف مع آشور.
ولكن يبدأ هذا الأصحاح،ويعطي شعبه الرجاء بأنه لا يكون ظلام للتى عليها ضيق؛ هذا النور الذي يشرق على أسباط بنى إسرائيل هو الرجاء في المسيا المنتظر، الذي يخلص أولاده من خطاياهم.
إذاً كلمة “لكن” تعني أن الله لا ينسى البشر أولاده، وإن كان يسمح بتأديبهم وقد يتخلى عنهم، مؤقتًا، ثم يرجع إليهم بمحبته، ويقدم لهم الخلاص في تجسد المسيح.
وإن كان الزمان الماضى قد أهان أرض زبولون ونفتالى بهجوم الأعداء عليهم، مثل الأشوريين والآراميين، لكن يأتى الزمان المقبل فيكرمهم بفداء المسيح. وينطبق هذا على:
- طريق البحر: ويقصد بحر الجليل، أي بحيرة طبرية، وهي الواقعة شمال بلاد اليهود.
- عبر الأردن: المنطقة الواقعة شرق نهر الأردن والمسماة جلعاد.
- جليل الأمم: منطقة الجليل، وهي تشمل عشرين مدينة كان يسكنها الأمم بكثرة، ومعهم القليل من اليهود؛ لأنهم جاوروا الأمم، فانتقل إليهم كثير من الأمم؛ بالإضافة إلي أن سليمان قد أهدى حيرام ملك صور عدداً كبيراً من هذه المدن (1مل9: 11)، ولذا كان اليهود يحتقرون منطقة الجليل؛ حتى أن نثنائيل عندما سمع عن يسوع، وأنه قد يكون المسيا المنتظر، قال : “أمن الناصرة يخرج شىء صالح” (يو1 : 46).
كل هذا يبين أن المسيح الآتي يقدم الخلاص لليهود والأمم، وليس لليهود فقط، وهو نفسه أقام في الناصرة، وهي مدينة في الجليل، ودعي ناصريًا، وعمل كثير من معجزاته في منطقة الجليل.
وهذه الآية والتى تليها اقتبسها متى البشير (مت4: 14-16).
ع2: يقصد إشعياء بالشعب السالك في الظلمة، والجالس في أرض ظلال الموت، هم المذكورون في الآية السابقة، أى سبطا زبولون ونفتالي وطريق البحر وعبر الأردن وجليل الأمم؛ هؤلاء كانوا بعيدين عن الله، ويعبدون الأوثان، وأشرق عليهم نور المسيح، الذي عاش في الناصرة، وكرز في كفر ناحوم وبلاد الجليل، فأثر فى قلوبهم وعقولهم، فآمنوا به.
ع3: بميلاد المسيح حصل تغيير كبير، فالله أعطي أمة اليهود أن تصير كبيرة وكثيرة؛ لأن الإيمان لم يشمل اليهود فقط، بل أيضًا الأمم، فأصبحت الأمة المسيحية تشمل العالم كله.
والله أعطى المؤمنين به فرحًا عظيمًا، هذا الفرح عظمته تأتي من أن أولاده يفرحون أمامه، فهو في وسطهم يشعرون به، ويرونه، فيمتلأوا فرحًا.
ويشبه هذا الفرح بأفراح مشهورة في العالم مثل:
1- فرح الفلاح بحصاد أرضه، فيجمع المحصول الذي يأكل منه، أو يبيع جزءاً منه، ويعيش به.
2- فرح الذين انتصروا في الحرب على أعدائهم، وعادوا بغنائم كثيرة، وجلسوا يقتسمونها؛ وهذه الغنائم تشمل كل ما استولوا عليه من ممتلكات أعدائهم.
هكذا أيضًا كان حصاد عمل الروح القدس في العهد القديم، فأعدهم لمجىء المسيح، وكمل الحصاد في فداء المسيح وخلاص البشرية. والمسيح انتصر أيضًا على الشيطان بالصليب، ووزع الغنيمة، أي بركات الخلاص على المؤمنين به.
ع4: نير: خشبة مستعرضة تُربط في عنق حيوانين، ويخرج من وسطها خشبة طولية تثبت في أخرها آلة زراعية، مثل المحراث يقف عليها الفلاح، وهذه الخشبة تكون ثقيلة على رقبتي الحيوانين.
مسخره: من يستعبد الناس، فيعملوا عنده بلا أجرة، ويعطيهم فقط طعامهم الضروري.
إن كل ما احتمله شعب الله من آلام عبر عنها إشعياء في:
1- نير ثقله: أى كل شىء ثقيل احتمله.
2- عصا كتفه: العصا التى توضع على الكتفين، ويعلق فيها من الجانبين أحمالٌ ثقيلة ينقلها العبيد من مكان لآخر.
3- قضيب مسخره: العصا الغليظة التى يضرب بها السيد من يسخرهم كعبيد في العمل عنده.
كل هذه الأثقال وأدوات الاستعباد التى أذل اللشيطان بها شعب الله؛ لأنه عبد الأوثان، وانغمس في الخطية، يأتي المسيا المنتظر ويكسرها، ويحرر المؤمنين به بصليبه؛ كما حرر جدعون شعبه من عبودية المديانيين.
ع5: الوغي : الحرب.
يستكمل إشعياء عمل المسيا المنتظر مع شعبه فيقول:
1- كل سلاح المتسلح في الوغي: هي كل الأسلحة التى يستخدمها المحارب في الحرب.
2- “كل رداء مُدَحْرَج في الدماء”: المحارب الذي يلبس رداء الحرب، ويقتل أعداءه، فتسيل دماؤهم، وتلطخ رداءه عندما ينتصر عليهم.
3- “يكون للحريق مأكلاً للنار”: كل هذه الأسلحة والثياب التى ينتصر بها المحاربون والملطخة بالدماء تُحرق، وتصير بلا نفع. المقصود أن المسيح الذي ينتصر على أجناد الشياطين، ويبطل أسلحتهم، وثيابهم الملطخة بدماء الأبرار، يحرقها الروح القدس، ويفقد الشيطان سلطانه على أولاد الله، عندما يقيده المسيح بالصليب، وينتصر عليه، فيحرر أولاده من عبودية الشيطان؛ ليحيوا لله.
ع6: يعلن إشعياء النبي في هذه الآية كلامًا صريحًا عن ميلاد المسيا المنتظر فيقول:
1- “يولد لنا ولد”: فالمسيح كان ابن الإنسان، أي ولد من العذراء مريم، مثل باقي البشر لكن بدون زرع بشر، فيتحدث هنا عن ناسوت المسيح.
2- “نُعطَى ابنًا”: يتكلم هنا عن لاهوت المسيح، فيقول : أن السماء تعطينا ابنا هو ابن الله اللاهوت المتحد بالناسوت.
3- “تكون الرياسة على كتفه”: هو الله ذو السلطان والرئاسة، ويأخذ هذه الرئاسة بموته على الصليب، الذي حمله على كتفه، ومات عليه، وبموته داس الموت، وتسلط على إبليس وداسه وكسر شوكته التى هي الموت.
4- “ويدعى اسمه عجيبًا”: فهو عجيب يفوق العقل والإدراك الإنساني، هو عجيب في ميلاده، وحياته، ومعجزاته، وكلامه، وقيامته وصعوده، وتواضعه.
5- مشيرًا: إن كان الإنسان قد سقط بمشورة الحية، فهو محتاج إلى مشير يعطيه مشورة صالحة بفدائه، وحكمته؛ لأنه هو أقنوم الحكمة، ليحيا حياة جديدة بالطبيعة الجديدة التى يهبها له في المعمودية.
6- إلهاً قديرًا: إن كان الله قد تجسد وعاش بيننا، فهو في نفس الوقت الإله القادر على كل شىء، كما يظهر من معجزاته. وهو الذي قيد الشيطان على الصليب، وقام بقوته، وهو القادر بروحه القدوس أن يهبنا حياة جديدة، وسعادة أبدية.
7- أبًا أبديًا: إن كان له كل السلطان والقوة، وهو الديان العادل، والقادر على كل شىء، لكنه في نفس الوقت هو أقنوم الرحمة، ففيه الأبوة الكاملة، والحنان الذي أشفق علي الجنس البشري، وتظل رحمته مع أولاده المؤمنين إلي الأبد في ملكوت السموات.
8- رئيس السلام: الخطية أفقدت الإنسان سلامه، وصار في قلق واضطراب، ولكن المسيح قد أتي ليعيد للإنسان سلامه، وهو رئيس ومصدر السلام الذي صالح الإنسان مع نفسه، روحًا، وجسدًا، وصالح الأرضيين مع السمائيين.
ع7: تتميز رئاسة المسيح بأنها لا نهاية لها؛ لأنه الله القادر على كل شىء، الذي سحق الشيطان بصليبه، فهو رئيس على كل السمائيين والأرضيين، وله سلطان كامل.
والسلام الذي يعلنه لا نهاية له أيضًا، إذ يهبه لكل المؤمنين به، ويمتد هذا السلام في العالم كله لكل من يحيا مع الله في الإيمان بالمسيح.
وهو ملك، كما كتبت النبوات من نسل داود، فهو يجلس على عرش داود، ويملك على قلوب كل المؤمنين به.
ومملكة المسيح هي مملكة حق وبر، فهو ليس ملكًا، أو سلطانًا أرضيًا، قابل للسقوط في الخطية، بل هو الحق والبر نفسه، فيقود أولاده بروحه القدوس في طريق الحق والبر.
وملكوت المسيح هو ملكوت إلي الأبد، يبدأ بالصليب (الآن)، ويمتد إلى الأبد في ملكوت السموات.
إن الله إله غيور يغير على أولاده الذين اقتنصهم، وتملك عليهم إبليس؛ لذا تجسد وفداهم؛ ليحررهم من سلطان الشر، ويعطيهم بركات لا تحصي، معبراً عنها بكلمة : “هذا” أي هذا الخلاص، وكل ما ينتج عنه من بركات يظل الإنسان يكتشفها إلي الأبد، يتمتع بها.
إن كان الشيطان يا أخي يسقطك في الخطية، فلا تخف ولا تيأس بل تب سريعًا، وارجع إلي الله الذي فداك، فيقبلك ويسامحك، ويعيد لك بنوتك، فتتمتع ببركاته ورحمته، التى لا تنتهي..
(2) غضب الله على إسرائيل (ع8-21):
8أَرْسَلَ الرَّبُّ قَوْلًا فِي يَعْقُوبَ فَوَقَعَ فِي إِسْرَائِيلَ. 9فَيَعْرِفُ الشَّعْبُ كُلُّهُ، أَفْرَايِمُ وَسُكَّانُ السَّامِرَةِ، الْقَائِلُونَ بِكِبْرِيَاءٍ وَبِعَظَمَةِ قَلْبٍ: 10«قَدْ هَبَطَ اللِّبْنُ فَنَبْنِي بِحِجَارَةٍ مَنْحُوتَةٍ. قُطِعَ الْجُمَّيْزُ فَنَسْتَخْلِفُهُ بِأَرْزٍ». 11فَيَرْفَعُ الرَّبُّ أَخْصَامَ رَصِينَ عَلَيْهِ وَيُهَيِّجُ أَعْدَاءَهُ: 12الأَرَامِيِّينَ مِنْ قُدَّامُ وَالْفِلِسْطِينِيِّينَ مِنْ وَرَاءُ، فَيَأْكُلُونَ إِسْرَائِيلَ بِكُلِّ الْفَمِ. مَعَ كُلِّ هذَا لَمْ يَرْتَدَّ غَضَبُهُ، بَلْ يَدُهُ مَمْدُودَةٌ بَعْدُ! 13وَالشَّعْبُ لَمْ يَرْجعْ إِلَى ضَارِبِهِ وَلَمْ يَطْلُبْ رَبَّ الْجُنُودِ. 14فَيَقْطَعُ الرَّبُّ مِنْ إِسْرَائِيلَ الرَّأْسَ وَالذَّنَبَ، النَّخْلَ وَالأَسَلَ، فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. 15اَلشَّيْخُ وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الرَّأْسُ، وَالنَّبِيُّ الَّذِي يُعَلِّمُ بِالْكَذِبِ هُوَ الذَّنَبُ. 16وَصَارَ مُرْشِدُو هذَا الشَّعْبِ مُضِلِّينَ، وَمُرْشَدُوهُ مُبْتَلَعِينَ. 17لأَجْلِ ذلِكَ لاَ يَفْرَحُ السَّيِّدُ بِفِتْيَانِهِ، وَلاَ يَرْحَمُ يَتَامَاهُ وَأَرَامِلَهُ، لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُنَافِقٌ وَفَاعِلُ شَرّ. وَكُلُّ فَمٍ مُتَكَلِّمٌ بِالْحَمَاقَةِ. مَعَ كُلِّ هذَا لَمْ يَرْتَدَّ غَضَبُهُ، بَلْ يَدُهُ مَمْدُودَةٌ بَعْدُ! 18لأَنَّ الْفُجُورَ يُحْرِقُ كَالنَّارِ، تَأْكُلُ الشَّوْكَ وَالْحَسَكَ، وَتُشْعِلُ غَابَ الْوَعْرِ فَتَلْتَفُّ عَمُودَ دُخَانٍ. 19بِسَخَطِ رَبِّ الْجُنُودِ تُحْرَقُ الأَرْضُ، وَيَكُونُ الشَّعْبُ كَمَأْكَل لِلنَّارِ. لاَ يُشْفِقُ الإِنْسَانُ عَلَى أَخِيهِ. 20يَلْتَهِمُ عَلَى الْيَمِينِ فَيَجُوعُ، وَيَأْكُلُ عَلَى الشَّمَالِ فَلاَ يَشْبَعُ. يَأْكُلُونَ كُلُّ وَاحِدٍ لَحْمَ ذِرَاعِهِ: 21مَنَسَّى أَفْرَايِمَ، وَأَفْرَايِمُ مَنَسَّى، وَهُمَا مَعًا عَلَى يَهُوذَا. مَعَ كُلِّ هذَا لَمْ يَرْتَدَّ غَضَبُهُ، بَلْ يَدُهُ مَمْدُودَةٌ بَعْدُ!
ع8: أرسل الله إنذارات كثيرة لشعبه بني إسرائيل على فم الأنبياء، وآخرهم إشعياء في هذا الوقت، وتحقق هذا في مملكة إسرائيل، أى المملكة الشمالية بأسباطها العشرة. ويميل الكثير من المفسرين إلى أن هذا يشير إلى الزلزلة التى حدثت أيام عزيا الملك، فأسقطت مباني وأشجاراً كثيرة.
ع9 ، 10: نستخلفه : نزرع بدلاً منه.
اللبن: الطوب، المسمى بالطوب النَّي، وهو مصنوع من الطين والقش ولم يتم حرقه بالنار.
عندما يعلن الله غضبه على الشعب في شكل الزلزال، أو أي تأديب إلهي شديد، يعرف شعب مملكة إسرائيل كله، وخاصة الأسباط الكبيرة منه، مثل أفرايم، وسكان عاصمة إسرائيل وهي السامرة، قوة الله، ولكنهم لم يرجعوا إليه ويتوبوا، بل بكبرياء يقولون : أنه إن كانت البيوت المبنية بالطوب اللبن قد سقطت بالزلزال، وإن كانت أشجار مثل الجميز قد اقتلعها الزلزال، أو العواصف فسنزرع بدلاً منها شجرًا قويًا مثل الأرز لا تسقطه الزلازل والرياح. وهكذا نجد أنهم لا يريدون التوبة، بل معتمدين على عقولهم وقوتهم، وفي تحدي لله قالوا له: إن كنت أنت قد أسقطت بيوتنا وأشجارنا فسنصنع بدلاً منها بيوتًا وأشجارًا لا تستطيع أن تسقطها، كما تحدي البشر قديماً الله بعد الطوفان وحاولوا بناء برج عالى يصل رأسه للسماء، ولكنهم عجزوا لأن الله بلبل ألسنتهم وتفرقوا (تك 11: 4-7).
ع11: أخصام: جمع خصم وهو العدو.
يسمح الله بأن يقوم أعداء رصين ملك آرام، وهم الآشوريون على مملكة إسرائيل، وفي نفس الوقت يهيج الآراميون والفلسطينيون على مملكة إسرائيل أيضًا، أى ثلاثة شعوب تقوم على مملكة إسرائيل؛ إثنان من الشمال وهم آشور وأرام بقيادة رصين، وواحد من الجنوب وهم الفلسطينيون، فيحاصروا إسرائيل من كل جانب ويأكلوه بكل الفم، أي يقضون عليه؛ هذه هي الضربة الثانية على إسرائيل؛ لأنه لم يخضع، ولم يتأثر بالضربة الأولى وهى الزلزال، وبكبرياء وتحدي وقف ضد الله، ولم يتب، فجاءته الضربة الثانية، ولكن إسرائيل لم يتب أيضًا ويرجع إلى الله ضاربه ومؤدبه، ولذا مازالت يد الله ممدودة عليه، تحاول أن تعيده بالتوبة؛ ليترك خطاياه.
ع14-15: الذنب : الذيل.
الأسل : جمع أسلة وهو نبات صغير يصنع منه الحصر والسلال.
بهجوم الأعداء على إسرائيل يقطع الله الرأس والذنب، أى النخل والأسل، والمقصود بالرأس والنخل، هم الشيوخ والرؤساء والمعتبرون والمعلمون. أما الذنب والأسل فهم المحتقرون، وأولهم الأنبياء الكذبة الذين أضلوا الشعب، وأبعدوه عن الله، ومعهم كل إنسان صغير، أو حقير، أو فقير. والخلاصة يقضى على الكل لأجل شرهم؛ لأنهم لم يتوبوا، لعل الباقين يرجعون إلي الله، وهذا ليس فقط تأديبًا لشرهم، ولكنه أيضًا دعوة للباقين حتى يتوبوا، فهي محبة من الله.
ع16: يضيف إشعياء في وصف خطايا شعب الله، أن المعلمين والمرشدين والرؤساء يسيرون في الضلال، فيضلوا الشعب، وبالتالي يُبتلع هذا الشعب في الشر والشهوات بعيدًا عن الله، فيهلك.
ع17: ويقول إشعياء أيضًا أن السيد الرب سيتضايق من فتيان شعبه، وحتى الرحمة التى اعلنها الله للآرامل والأيتام، لن يعطيها لهم، لماذا؟ بسبب ما يلى :
1- النفاق: فهم غير مستقيمين، ويظهرون غير ما يخفون في قلوبهم، أي كذابون ومخادعون.
2- فعل الشر : يفعلون الشر بأنواعه المختلفة، وشهواته المتنوعة.
3- كلام الحماقة : وهو التذمر على الله، والبجاحة في كلام الشر، فيفتخروا به، وهذا التحدي لله يجعلهم يتمادون في شهواتهم الشريرة.
من أجل كل هذه الشرور، يد الله مازالت ممدودة بالتأديب والعقاب، فيدخل الشعب في ضيقة أكثر وأكثر، لعله يتوب ويرجع إلي الله.
ع18 ، 19: غاب الوعر: نباتات البوص التى تنمو في الأراضي المقفرة الجرداء التى لا يسكنها أحد.
إن فجور الشعب، أى بجاجته في عمل الشر باستهانة وتحدى لله، سيكون كالنار التى تحرقه. ومن ناحية أخرى، يحرقه نار غضب الله عليه ويكون الشعب كالشوك والحسك وغاب الوعر، وهكذا يكون محاصرًا بالنار من كل مكان، ويحيط به أيضًا الدخان الأسود الخانق، أى يهلك هذا الشعب تماماً. ولأن الشعب جاف جدًا، مثل الشوك والحسك والغاب، أي حرم نفسه من محبة الله وعطاياه، فإنه يحترق سريعًا، بل يكون هونفسه مصدرًا لإشعال النار في كل مكان. ولأجل انغماس الشعب في شهواته، لايكون هناك محبة، أو إشفاق من إنسان على أخيه؛ كل هذا يزيد النار اشتعالاً حتى تفني الشعب؛ إنها نتيجة حتمية للشر.
ع20 ، 21: وتظهر الأنانية أيضًا بين شعب الله، في محاولة كل واحد أن يفترس أخيه، ويأكله، فهم في ضيق وجوع، ولكن الأصعب أنهم في شر، فيميل كل واحد إلى تحطيم غيره، وهكذا يأكل كل واحد لحم ذراعه، أي يحطم الشعب نفسه بنفسه. وهكذا نرى شناعة الشهوات الشريرة المتحدة بالأنانية، فكل واحد يريد أن يؤذي غيره، ويأكله ويهلكه.
والنهاية، أن مملكة إسرائيل بأسباطها المختلفة منسى وأفرايم، وغيرهما من الأسباط، يقومون بعضهم على البعض؛ ليحطموا أنفسهم؛ لانغماس الكل في عبادة الأوثان، والشهوات. ويقومون أيضًا على إخوتهم في مملكة يهوذا، ويسمح الله بهذا؛ لأن مملكة يهوذا قد سقطت أيضًا في عبادة الأوثان والشهوات، وستفني ولو بعد حين، أي أن مملكة إسرائيل ستنتهي على يد آشور، ثم تليها مملكة يهوذا على يد بابل.
كل هذه التهديدات يعلنها الله لشعبه ليتوبوا، ومازالت يد الله ممدودة؛ لتنبيه الشعب، وتوقظه، فيخرج من شره ويرجع إلى الله، ويد الله مازالت ممدودة؛ لأن الشعب لم يتأثر، ومازال مصرًا على الشر أي لم يستفد من تأديب الله حتى الآن. عندما تمر بك يا أخي ضيقة، فافهم أن الله يناديك؛ لترجع إليه وتطلبه، وتتوب عن خطاياك، فرحمته غير محدودة، وتفوق العقل، ولكن تُعطى لمن يرجع إلي الله.