تسبحة الخلاص
هذا النشيد نشيد خلاص، يقدمه لنا أشعياء؛ لنفرح ونسبح الله، ونتذكر الخلاص الذى أتمه الله لشعبه في تحريرهم من عبودية مصر، عندما خرجوا من البحر الأحمر، وغرق فرعون وكل جيشه، فسبحوا كلهم للرب، بقيادة مريم أخت موسي النبي.
(1) طمأنينة وفرح (ع1-3):
1وَتَقُولُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: «أَحْمَدُكَ يَا رَبُّ، لأَنَّهُ إِذْ غَضِبْتَ عَلَيَّ ارْتَدَّ غَضَبُكَ فَتُعَزِّينِي. 2هُوَذَا اللهُ خَلاَصِي فَأَطْمَئِنُّ وَلاَ أَرْتَعِبُ، لأَنَّ يَاهَ يَهْوَهَ قُوَّتِي وَتَرْنِيمَتِي وَقَدْ صَارَ لِي خَلاَصًا». 3فَتَسْتَقُونَ مِيَاهًا بِفَرَحٍ مِنْ يَنَابِيعِ الْخَلاَصِ.
ع1 : “وتقول” يردد هذا النشيد كل مؤمن يشعر بنعمة الله في الخلاص المقدم له، فهو إن كان يرنم ويسبح مع كل المؤمنين، ولكن يشعر أيضًا أن الخلاص مقدم له شخصيًا، فيفرح ويشكر الله.
“في ذلك اليوم”: اليوم هو كما ذكرنا في الأصحاح السابق:
1- يوم الخلاص من جيوش الآشوريين المحاصرة لأورشليم، وقتل الملاك للجنود، وموت سنحاريب.
2- يوم الرجوع من السبي، عندما يجمع الله شعبه، ويأتي ويبني الهيكل في أورشليم.
3- يوم تجسد المسيح وفدائه للعالم وتقديمه للخلاص لكل من يؤمن به.
“أحمدك يارب”: الشكر والحمد تعبير طبيعي لأولاد الله، يثبت إيمانهم ويعطيهم فرحًا، ويفرح الله بتجاوب أولاده وفرحهم، ولذا فالتسبيح اليومي هو صفة من صفات أولاد الله على الأرض، ثم في السماء.
“لأنه إذ غضبت عليّ” : إن غضب الله لابد أن يحدث؛ لأن كل إنسان معرض للسقوط في الخطية، والله لا يقبل، أو يطيق الخطية، وهذا تنبيه إلهي لكل إنسان حتي يتوب، ولا ينخدع بإغراءات إبليس. فهذا الغضب مؤقت ودعوة للتوبة، وهو يعطي رجاءً لكل إنسان مؤمن بالله، يسقط في ضيقة غضب الله، فيطمئن أنه سيرفع هذه الضيقة سريعًا إذا رجع إليه؛ لأنه لا يريد أن يغضب، ولكن خطية الإنسان اضطرته أن يغضب.
“ارتد غضبك فتعزيني” الله في محبته اللانهائية، أو رحمته الغير محدودة، يسرع فيرد غضبه، ويعزي أولاده، ويخلصهم من كل ضيقتهم؛ هذه هي مشيئة الله، أن يعزي ويفرح أولاده في كل حين؛ كم يستحق هذا الإله العظيم منى الشكر والتسبيح كل حين.
والتعزية بعد الغضب تكمل في حلول الروح القدس في العهد الجديد، وسكناه سكنى دائمة في الإنسان، وهو الروح المعزي الذي يعزي، ويفرح الإنسان على الدوام.
ع2: “هوذا الله خلاصي”: يشعر المؤمن، بعد أن رأي واختبر الخلاص، أن الحقيقة التى يحيا فيها هي أن الله سبب خلاصه، وهو يحيا في فرح وطمأنينة بسبب هذا الخلاص، فهو حقيقة حية في حياته، فيسبح ويمجد الله. وهذا التسبيح يكون دائمًا؛ لأن المؤمن يتمتع بالخلاص كل يوم من خلال عمل الله المستمر بروحه القدوس فيه.
“فأطمئن ولا أرتعب”: هذاالخلاص المعاش كل يوم يعطي طمأنينة، إذ يشعر الإنسان أن الله معه، ولا يتركه، وبالتالي لا تستطيع مخاوف العالم أن تقلقه. وإذا أخطأ، واضطرب، يسرع إلي التوبة ليستعيد طمأنينته.
“لأن ياه يهوه”: “ياه مختصر “يهوه”، فهو تأكيد أن الله هو مخلص؛ الله الأزلي والأبدي معي في كل يوم.
ويري بعض الآباء أن كلمة ياه تشير للابن، أي الابن المتجسد في ملء الزمان هو الله مخلصي.
“قوتي وترنيمتي وقد صار لي خلاصاً” الله هو الذي يسندني ويقويني، فأشعر بالثقة في نفسي، ولا أضطرب من شىء، فهو سبب قوتي. وهو أيضًا يحارب عني ويخلصني من أعدائي، فهو قوتي، وسبب طمأنينتي.
ترنيمتي، أو تسبحتي، هذا هو رد الفعل الطبيعي لي عند الشعور بأن الله مخلصى وطمأنينتي، وقوتي، فأسبحه وأمجده على الدوام.
قد صار لي خلاصًا تعني أنه أدخلني في حياة الخلاص، إذ رفع عنى خطيتي، وأعطاني أن أنطلق في محبته، وأتمتع بعشرته أنا الخاطي الغير مستحق لكثرة خطاياي، يدخلني في شركة أولاده المسبحين له، بل في شركة السمائيين وأنا ما زلت على الأرض.
هذه التسبحة تقولها الكنيسة يوم الجمعة العظيمة التى أتم فيها المسيح خلاص البشرية، فتقول الكنيسة : “قوتي وتسبحتى هو الرب وقد صار لي خلاصًا مقدسًا”.
ع3: يوضح اشعياء النبي البركات التى ينالها المؤمنون بالله، وهي أن يشربوا بفرح من ينابيع الخلاص؛ أي ينالوا بركات لا تعد من عمل روح الله فيهم.
الصخرة هي المسيح، والمياه الكثيرة هي الروح القدس التى تروى أولاد الله، خاصة في العهد الجديد.
يظهر من هذه الآية حالة الفرح الدائم التى يدخل فيها المؤمن الذي يسعي نحو الله؛ ليشرب من ينابيع الخلاص. وينابيع الخلاص هي وصايا الله وشريعته، وهي أيضًا الكتاب المقدس وتعاليم المسيح، وفوق كل شىء أسرار الكنيسة السبع، وخاصة سر المعمودية، الذي يهب الإنسان طبيعة جديدة، وسر الاعتراف الذي يجدد طبيعة الإنسان، وسر التناول، الذي يشبع المتناول، ويملأه بالفرح ويجعله متحداً مع المسيح.
الله يريد أن يعزيك ويطمئنك ويفرحك، فتقدم نحوه لترتبط بالكنيسة وأسرارها، وتتمتع بالصلاة والتأمل في مخدعك، فيتعزي قلبك، ولا يجد إبليس فرصة أن يدخل إليك لانشغالك بمحبة الله.
(2) كرازة بعمل الله (ع4-6):
4وَتَقُولُونَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: «احْمَدُوا الرَّبَّ. ادْعُوا بِاسْمِهِ. عَرِّفُوا بَيْنَ الشُّعُوبِ بِأَفْعَالِهِ. ذَكِّرُوا بِأَنَّ اسْمَهُ قَدْ تَعَالَى. 5رَنِّمُوا لِلرَّبِّ لأَنَّهُ قَدْ صَنَعَ مُفْتَخَرًا. لِيَكُنْ هذَا مَعْرُوفًا فِي كُلِّ الأَرْضِ. 6صَوِّتِي وَاهْتِفِي يَا سَاكِنَةَ صِهْيَوْنَ، لأَنَّ قُدُّوسَ إِسْرَائِيلَ عَظِيمٌ فِي وَسَطِكِ».
ع4: يخبرنا أشعياء أيضًا بما ينبغي أن يُعمل في ذلك اليوم؛ يوم الخلاص، فيطلب ما يلي:
1- “احمدوا الرب ادعو باسمه” : أي الصلاة، وهي دعوة الرب، وشكره، وحمده على عطاياه. فأول كل شىء أن يرتبط قلب الإنسان بالله في الصلاة، ويستمر فيها؛ لأن الخلاص مستمر، يتمتع به الإنسان على الدوام، فينبغي أن يحمده أيضًا في كل حين.
2- “عرفوا بين الشعوب بأفعاله” : تعريف الناس البعيدين عن الله؛ حتى لو كان اسمهم مسيحيين ومؤمنين، وتعريف كل الشعوب بأعمال الله والخلاص الذي يقدمه للعالم كله. هذا التعريف مسئولية كل من نال واختبر الخلاص في حياته، وتمتع به، فهو مسئول أن يعرف من حوله؛ ليتمتعوا مثله. وبماذا يعرفهم؟ يعرفهم أعمال الله، وكيف يحبهم، ويعطيهم الخلاص من خطاياهم؛ ليفرحوا معه، ويطمئنوا، مهما كانت متاعب الحياة وحروب إبليس المحيطة بهم.
3- “ذكروا بأن اسمه قد تعالي”: مسئولية أخرى على كل من آمن، أن يُذكر المؤمنين المحيطين به بأن اسم الله قد تعالي وارتفع فوق كل البشر؛ لأنه صنع خلاصًا عظيمًا، فيشترك الكل ويتشجع على تسبيح الله وتمجيده.
ع5: الأمر الرابع الذي يدعونا إليه أشعياء هو الترنيم والتسبيح لله، ليس فقط؛ لأن اسمه قد تعالي، بل أيضًا؛ لأنه صنع مفتخرًا، أي أعمالاً عظيمة أتمها، لنفتخر بها، ونتمتع فيها بعشرة الله.
إن خلاص الله الذي أعطاه لشعبه من جيوش الآشوريين أمر يفوق العقل، إذ كيف قتل الملاك أعدادًا ضخمة من الأعداء، وخلص شعبه من الهلاك، فبالتأكيد هو عمل يفخرون به كل حياتهم.
وهو الذى يرفع عنا خطايانا في سر الاعتراف، ويعطينا قوة كبيرة في سر التناول، فالخلاص الذي يقدمه المسيح نفتخر به على الدوام.
ويؤكد في هذه الآية تعريف الأرض كلها بما نفرح ونفتخر به، فحياتنا وأعمالنا تؤكد عمل الله فينا بالمحبة والتسامح، وكذا كل احتمال.
وأيضاً ما صنعه الرب في إعادة شعبه المشتت أثناء السبي، وإعادته لأورشليم ليبني الهيكل، ويعبد الله؛ كل هذا بأمر الملك الحاكم وهو كورش؛ فهذا الأمر يفوق عقل الإنسان، ويفتخر به كل يوم.
ع6: يتابع أشعياء تشجيع أولاد الله المؤمنين على التسبيح بصوت عالٍ “صوتي واهتفي”؛ لأن الشعب يتمتع بسكني الله في وسطهم، وهو عظيم أكثر من جميع آلهة الأمم الوثنية، ولا يستطيع أحد أن يصنع خلاصًا مثل الذي صنعه الله.
هذا إحساس عجيب يتمتع به أولاد الله أيضًا في العهد الجديد، بأن الله القدوس يسكن في كنيسته في وسطهم، بل يقدم جسده ودمه لهم، وأيضًا يسكن داخل قلب كل واحد، فيصير هيكلاً للروح القدس، وهكذا يصير الله في وسطنا وداخلنا، فلا نشعر بالعزلة، أو الوحدة، ولا نخاف من شىء، ونختبر حلاوة الملكوت ونحن على الأرض.
هذا الفرح الذي يختبره الإنسان الروحي، هو فرح مقدس، يدوم داخله، وهو غير أفراح العالم وإغراءاته التى تزول سريعًا، ولا تشبع نفسه. ما أجمل تسبيح الله وتمجيده، فهو يرفع الإنسان إلي الله، ويمتعه بالسماء، ويرفع عنه أتعاب الأرض، فليتك يا أخي تهتم بتسبيح الله كل يوم، ولو قليلاً.