خراب صور وتجديدها
(1) خراب صور (ع1-14):
1وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ صُورَ: وَلْوِلِي يَا سُفُنَ تَرْشِيشَ، لأَنَّهَا خَرِبَتْ حَتَّى لَيْسَ بَيْتٌ حَتَّى لَيْسَ مَدْخَلٌ. مِنْ أَرْضِ كِتِّيمَ أُعْلِنَ لَهُمْ. 2اِنْدَهِشُوا يَا سُكَّانَ السَّاحِلِ. تُجَّارُ صِيدُونَ الْعَابِرُونَ الْبَحْرَ مَلأُوكِ. 3وَغَلَّتُهَا، زَرْعُ شِيحُورَ، حَصَادُ النِّيلِ، عَلَى مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ فَصَارَتْ مَتْجَرَةً لأُمَمٍ. 4اِخْجَلِي يَا صِيدُونَ لأَنَّ الْبَحْرَ، حِصْنَ الْبَحْرِ، نَطَقَ قَائِلًا: «لَمْ أَتَمَخَّضْ وَلاَ وَلَدْتُ وَلاَ رَبَّيْتُ شَبَابًا وَلاَ نَشَّأْتُ عَذَارَى». 5عِنْدَ وُصُولِ الْخَبَرِ إِلَى مِصْرَ، يَتَوَجَّعُونَ، عِنْدَ وُصُولِ خَبَرِ صُورَ. 6اُعْبُرُوا إِلَى تَرْشِيشَ. وَلْوِلُوا يَا سُكَّانَ السَّاحِلِ. 7أَهذِهِ لَكُمُ الْمُفْتَخِرَةُ الَّتِي مُنْذُ الأَيَّامِ الْقَدِيمَةِ قِدَمُهَا؟ تَنْقُلُهَا رِجْلاَهَا بَعِيدًا لِلتَّغَرُّبِ. 8مَنْ قَضَى بِهذَا عَلَى صُورَ الْمُتَوِّجَةِ الَّتِي تُجَّارُهَا رُؤَسَاءُ؟ مُتَسَبِّبُوهَا مُوَقَّرُو الأَرْضِ. 9رَبُّ الْجُنُودِ قَضَى بِهِ لِيُدَنِّسَ كِبْرِيَاءَ كُلِّ مَجْدٍ، وَيَهِينَ كُلَّ مُوَقَّرِي الأَرْضِ. 10اِجْتَازِي أَرْضَكِ كَالنِّيلِ يَا بِنْتَ تَرْشِيشَ. لَيْسَ حَصْرٌ فِي مَا بَعْدُ. 11مَدَّ يَدَهُ عَلَى الْبَحْرِ. أَرْعَدَ مَمَالِكَ. أَمَرَ الرَّبُّ مِنْ جِهَةِ كَنْعَانَ أَنْ تُخْرَبَ حُصُونُهَا. 12وَقَالَ: «لاَ تَعُودِينَ تَفْتَخِرِينَ أَيْضًا أَيَّتُهَا الْمُنْهَتِكَةُ، الْعَذْرَاءُ بِنْتُ صِيْدُونَ. قُومِي إِلَى كِتِّيمَ. اعْبُرِي. هُنَاكَ أَيْضًا لاَ رَاحَةَ لَكِ». 13هُوَذَا أَرْضُ الْكَلْدَانِيِّينَ. هذَا الشَّعْبُ لَمْ يَكُنْ. أَسَّسَهَا أَشُّورُ لأَهْلِ الْبَرِّيَّةِ. قَدْ أَقَامُوا أَبْرَاجَهُمْ. دَمَّرُوا قُصُورَهَا. جَعَلَهَا رَدْمًا. 14وَلْوِلِي يَا سُفُنَ تَرْشِيشَ لأَنَّ حِصْنَكِ قَدْ أُخْرِبَ.
ع1: صور: مدينة تقع على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، شمال مدينة صيدون، في المنطقة التى تسمي حاليًا لبنان.
ولولى: أصرخي حزنًا.
ترشيش: ميناء هام في أسبانيا على البحر الأبيض المتوسط، وهو مركز تجاري هام.
أرض كتيم: جزيرة قبرص.
كانت مدينة صور مركزًا تجاريًا هامًا، فكانت غنية جدًا، ويضاف إليها انتشار الشهوات الشريرة فيها.
ينادي إشعياء على سفن ترشيش، التي كانت تتاجر مع صور، وتأتي إليها كثيرًا بأن تصرخ، وتبكي على صور، لأنها قد خربت، ويتكلم بصيغة الماضي؛ لأن الحدث مؤكد أنه سيتم. وقد حدث فعلاً على يد نبوخذ نصر ملك بابل، ثم أتي الخراب الكامل على يد الإسكندر الأكبر، فقد هُدمت صور كلها بجميع بيوتها، وهًدم سور المدينة أيضًا، فصارت أكوامًا من التراب والحجارة، فلم يعد هناك مكان باب، أو مدخل للمدينة.
ووصلت أخبار خراب صور إلي البلاد المحيطة، والمراكز التجارية التي تملأ العالم وقتذاك، ووصل إلي أرض كتيم، وهي جزيرة قبرص التى تقابل صور فى البحر الأبيض المتوسط.
ع2: صيدون : هي صيدا، وهي مدينة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وتقع شمال صور على بعد 22 ميلاً.
عندما خربت صور، اندهشت جدًا كل البلاد التى على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وخاصة البلاد المشهورة بالتجارة، مثل صيدون؛ لأن الذين يتاجرون في البحر، وكانوا يملأون صور، لم تعد صور تستقبلهم ولكنهم ذهبوا للبلاد المجاورة مثل صيدون وملأوها.
ع3: شيحور : نهر النيل.
يصف إشعياء صور فيقول: إن غلتها، أي البضائع التى تأتي إليها من مصر، وهي الزراعات الكثيرة التي تُروي بنهر النيل، ويحصدونها، ويقصد القمح وأمثاله من المحاصيل التى تصدرها مصر لصور؛ لأن صور كانت متجراً للأمم التى في العالم، أي محلاً كبيرًا تدخل إليه بضائع الأمم المختلفة.
والآن بعد خراب صور، لم تعد مصر قادرة أن تبيع غلتها من المحاصيل، وواجهت أزمة اقتصادية، مثل باقي بلاد العالم، أي أن خراب صور قد أثر على بلاد كثيرة، كانت تبيع بضائعها في صور.
ع4: أتمخض : أتوجع بآلام الولادة.
إن صيدون هي البلد التى ولدت صور، أي أن صيدون كانت مخزنًا تجاريًا كبيرًا، ونشأ منها متجرًا عظيمًا هو صور. ويصف إشعياء صور العظيمة بأنها حصن البحر، أي المدينة الحصينة التى ولدت بعلاقاتها في التجارة بلادًا تأخذ بضاعتها، وتابعة لها في العالم كله، مثل قرطاجنة، التى تقع في شمال أفريقيا. فتقول صور: كنت أماً وولدت بلادًا كثيرة وربيتهم، فصاروا مدنًا عظيمة أيضًا؛ كل هذا قد انهار، لأن صور قد خربت، فتأثرت كل بنيها التى تتاجر معهم في العالم كله.
وصيدون أيضًا تخجل؛ لأنها أم لصور، ولكل بنيها من المدن، فصيدون ستتأثر تجارتها، وكل المدن التجارية في العالم بخراب صور.
ع5: ومصر أيضًا ستتألم عند وصول خبر خراب صور إليها؛ لأنها في حيرة؛ لمن ستبيع محاصيلها ؟
ع6: ينادي إشعياء على الباقين في صور: أن يسافروا إلي ترشيش، وهي في آخر بلاد العالم وقتذاك؛ لأنها ميناء في أسبانيا، التي هي في أقصى غرب البحر الأبيض المتوسط، ليجدوا لهم عملاً، وفرصة للتجارة.
أما سكان البلاد التى على ساحل البحر الأبيض، القريبة من صور، فيطلب منهم أن يحزنوا، ويصرخوا؛ لأنه قد باد مصدر ربحهم من التجارة، وهي صور.
ع7: وصور هذه التي كانت تفتخر على بلاد العالم بغناها، وجمالها؛ لأجل تجارتها العظيمة، الآن بعد خرابها قد انحطت، وسكانها يلجأون إلي مدن العالم التجارية؛ مثل ترشيش لعلهم يجدون عملاً لهم فيها، أي صاروا فقراءً ويبحثون عمن يعطيهم فرصة عمل وحياة، وهذا هو المقصود بأن “قدمها تنقلها رجلاها بعيدًا للتغرب”.
ع8، 9: متسببوها: تجارها.
موقرو الأرض: عظماء الأرض.
يتساءل إشعياء النبي: من قضي بهذا الخراب على صور الملكة المتوجة، وقضى علي تجارها؛ رؤساء العالم وعظمائها في التجارة؟
والإجابة قالها إشعياء: هو رب الجنود، أي الله القوي القادر على كل شىء هو الذي قضى بهذا. وسبب هذا الخراب هو كبرياء صور وسكانها، فتدنوا أي انحطوا، وصاروا فقراءً لاجئين لدول العالم، لعلهم يجدون فرصة للعمل فيها.
ع10: يبشر إشعياء النبي ترشيش بأنها ستتحرك، وتجتاز سفنها في العالم كله بلا حصر، أو قيود؛ لأن صور قد خربت، ولن تعود تفرض ضرائبها على سفن ترشيش التجارية.
وهذا يبين أن صور كانت غنية جدًا، لأجل الضرائب التى تفرضها على كل السفن التجارية في العالم، التى تتعامل معها.
ع11: الله مد يده على الممالك، والبلاد التى تطل على البحر الأبيض المتوسط، ويقصد بها صور وصيدون، وهي جزء من بلاد الكنعانيين (كما قال الكتاب المقدس عن المرأة الكنعانية الفنيقية التى أتت للمسيح لشفاء ابنتها، وهي من سكان منطقة صور وصيدون) (مر7: 26)، وكانت يد الله كالرعد فخرب هذه البلاد، والمقصود صور بالتحديد، التى كانت عظيمة جدًا، ولكنها متكبرة.
ع12: المنهتكة: التى أُعتدى عليها.
ينادي إشعياء مدينة صور المتكبرة، التى كانت تفتخر على كل بلاد العالم، ألا تعود لهذا الافتخار، لأنها قد خربت، وهي بنت مدينة صيدون، وقد شبه صور بعذراء تم الاعتداء عليها، وأصبحت مفضوحة، أي خربة تمامًا.
ويقول لها إشعياء: إذا كنت تريدين أن تعبري إلي كتيم – وهي جزيرة قبرص، التى تقابل صور في البحر – فاعبري، وإن كنت لن تجدي راحة، لأن المشكلة داخلك، وهي الكبرياء، فلن تحصلي على سلام إلا بالإيمان بالله والتوبة والرجوع إليه، وبالبعد عن كبريائك وشرورك، أما تغيير المكان فلا ينزع الخطية الداخلية؛ لأنه تصرف خارجي وخداع من الشيطان. وإشعياء يحذر صور لتنتبه؛ لأن خطيتها داخل قلبها، وتحتاج لعلاج داخلى، وهو التوبة.
ع13: عندما كانت آشور تحكم العالم، كانت بابل وهي أرض الكلدانيين مدينة عادية، ليس لها قوة أمام آشور. وأسكن آشور المسبيين من بلاد العالم في بابل، وعمل لبابل أسواراً، فتقوت بابل، وصارت عظيمة بسكانها، وقامت وسيطرت على العالم وخربت آشور، وخربت أيضًا صور، وهدمت أبراجها وقصورها وصارت المدينة ردمًا وخرابًا.
ع14: ينادي إشعياء ثانية على ترشيش: لتحزن وتصرخ على خراب صور حصن البحر، التى تحرك التجارة في العالم كله، وتستفيد من تجارتها ترشيش، وهي كما ذكرنا بعيدة تمامًا عن صور، والمقصود أن كل البلاد التجارية في العالم – حتى ترشيش نفسها في حزن شديد؛ للخسارة التى حدثت لهم بسبب خراب صور.
الكبرياء هو سبب سقوط الإنسان الأول آدم، وسبب خراب الإنسان ودول العالم. فلذا ليتك تنتبه لهذه الخطية، وتسعى لتتعلم الاتضاع فتكسر شوكة إبليس، أي الكبرياء، بقوة الله، وتحتمي بين يدي الله، فتجد سعادتك..
(2) تجديد صور (ع15-18):
15وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ صُورَ تُنْسَى سَبْعِينَ سَنَةً كَأَيَّامِ مَلِكٍ وَاحِدٍ. مِنْ بَعْدِ سَبْعِينَ سَنَةً يَكُونُ لِصُورَ كَأُغْنِيَّةِ الزَّانِيَةِ: 16«خُذِي عُودًا. طُوفِي فِي الْمَدِينَةِ أَيَّتُهَا الزَّانِيَةُ الْمَنْسِيَّةُ. أَحْسِنِي الْعَزْفَ، أَكْثِرِي الْغِنَاءَ لِكَيْ تُذْكَرِي». 17وَيَكُونُ مِنْ بَعْدِ سَبْعِينَ سَنَةً أَنَّ الرَّبَّ يَتَعَهَّدُ صُورَ فَتَعُودُ إِلَى أُجْرَتِهَا، وَتَزْنِي مَعَ كُلِّ مَمَالِكِ الْبِلاَدِ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ. 18وَتَكُونُ تِجَارَتُهَا وَأُجْرَتُهَا قُدْسًا لِلرَّبِّ. لاَ تُخْزَنُ وَلاَ تُكْنَزُ، بَلْ تَكُونُ تِجَارَتُهَا لِلْمُقِيمِينَ أَمَامَ الرَّبِّ، لأَكْل إِلَى الشِبَعِ وَلِلِبَاسٍ فَاخِرٍ.
ع15: “في ذلك اليوم” : أى في فترة السبعين سنة التى كانت فيها صور خربة ومدمرة.
“أن صور تُنسي سبعين سنة”: سبعون سنة هي المدة من أول تملك نبوخذ نصر البابلي على العالم، إلي تملك كورش الفارسي بدلاً منه.
كأيام ملك واحد”: المقصود مملكة واحدة هي المملكة البابلية.
يكون لصور كأغنية الزانية: الزانية تفرح وتغني إذا عادت إلي حياتها الأولي بعد أن كانت منسية؛ هكذا تعود صور إلي تجارتها الأولي، وتبني كمدينة لها احترامها بين دول العالم؛ فهي تفرح بعودتها إلي العلاقات الأولي مع دول العالم، كما تفرح الزانية وتغني بلقاء عشاقها.
ع16: ينادي إشعياء، ويبشر صور، فيقول لها: دورى في أنحاء مدينة صور، واعزفي بالعود، لتوقظى شعبك، ليقوم ويبدأ علاقاته بالبلاد المحيطة ويتاجر، كزانية تغني وتعزف لتستعيد عشاقها السابقين.
ويلقب صور بالزانية باعتبار أنها عاشت في الزنا الروحي والكبرياء، ونسيت الله سنينًا طويلة، ولكنها ستعود إلي الله، وتتاجر تجارة حسنة، كما يلقب راحاب بالزانية، مع أنها عاشت بعد هذا لله.
ع17: وهكذا بعد انقضاء السبعين سنة، أى من بداية تملك الفرس، تستعيد صور قوتها، وتُبني، وتبدأ علاقاتها، وتتاجر مع العالم، فتستعيد بعضا من نجاحها الأول.
والمقصود أنها تزني مع كل ممالك الأرض، أي تبدأ تجارتها مع كل دول العالم.
ع18: أثناء السبعين سنة التى كانت صور مسبية فيها، اختلط أبناؤها مع اليهود المسببين، فأعجبوا بإلههم، وإذا جمعتهم ضيقة السبي، تعلموا منهم الكثير عن الله إله إسرائيل.
وبدأ سكان صور يؤمنون بالله ، ويقدمون مساعدات لليهود في بناء أورشليم؛ وهذا هو المقصود قدس للرب. والذين آمنوا من صور، عاشوا بحسب شريعة الله، وأعطوا المحتاجين.
فلا تعود صور تحزن، أو تجمع أموالها لنفسها، بل تساعد المقيمين أمام بيت الرب في أورشليم واليهودية.
وفى العهد الجديد، آمن الكثير من الصوريين بالمسيح (أع 21 : 3)، فأكلوا الطعام العظيم، وهو جسد المسيح ودمه، وهو أكل للشبع، وكذلك تغذوا بكلمة الله، أما اللباس الفاخر، فهو ثياب البر والطبيعة الجديدة التى نالوها في سر المعمودية.
لا تيأس عندما تسقط في خطية، أو تعيش فيها سنينًا طويلة، لكن ثق أنك إن عدت لله بالتوبة، يعيد إليك أبوته، ويجدد حياتك، ويعطيك نعمه الكثيرة، فتحيا معه في راحة وسلام.