عقاب أورشليم
(1) نزع الرؤساء (ع1-7):
1فَإِنَّهُ هُوَذَا السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ يَنْزِعُ مِنْ أُورُشَلِيمَ وَمِنْ يَهُوذَا السَّنَدَ وَالرُّكْنَ، كُلَّ سَنَدِ خُبْزٍ، وَكُلَّ سَنَدِ مَاءٍ. 2الْجَبَّارَ وَرَجُلَ الْحَرْبِ. الْقَاضِيَ وَالنَّبِيَّ وَالْعَرَّافَ وَالشَّيْخَ. 3رَئِيسَ الْخَمْسِينَ وَالْمُعْتَبَرَ وَالْمُشِيرَ، وَالْمَاهِرَ بَيْنَ الصُّنَّاعِ، وَالْحَاذِقَ بِالرُّقْيَةِ. 4وَأَجْعَلُ صُبْيَانًا رُؤَسَاءَ لَهُمْ، وَأَطْفَالًا تَتَسَلَّطُ عَلَيْهِمْ. 5وَيَظْلِمُ الشَّعْبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَالرَّجُلُ صَاحِبَهُ. يَتَمَرَّدُ الصَّبِيُّ عَلَى الشَّيْخِ، وَالدَّنِيءُ عَلَى الشَّرِيفِ. 6إِذَا أَمْسَكَ إِنْسَانٌ بِأَخِيهِ فِي بَيْتِ أَبِيهِ قَائِلًا: «لَكَ ثَوْبٌ فَتَكُونُ لَنَا رَئِيسًا، وَهذَا الْخَرَابُ تَحْتَ يَدِكَ» 7يَرْفَعُ صَوْتَهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَائِلًا: «لاَ أَكُونُ عَاصِبًا وَفِي بَيْتِي لاَ خُبْزَ وَلاَ ثَوْبَ. لاَ تَجْعَلُونِي رَئِيسَ الشَّعْبِ».
ع1: من أجل خطايا أورشليم، ومملكة يهوذا، سينزع الله منها كل ما يسندها وتعتمد عليه. وإن كانوا قد انغمسوا في التمتع في الخيرات وفي الرفاهية، فالله سينزع عنهم هذه الخيرات، أي يصيرون في مجاعة، أو يمنع عنهم الماء، ويفقدون القدرة على الحياة، لعلهم ينتبهون، ويراجعون أنفسهم ويتوبون، فيسامحهم الله.
وقد حدث هذا في حصار السامرة، وحصار أورشليم بواسطة آشور، ثم ظهر بأكثر وضوح عندما هاجمتهم بابل، ونقلتهم إلي السبى.
ع2: الله سينزع ليس فقط الطعام والشراب، بل أيضًا:
1- الجبار: أي الرجل القوى، فتكون الأمة ضعيفة.
2- رجل الحرب: أي لاتستطيع الأمة مقاومة أعدائها.
3- القاضى: فلا يوجد من يرشد ويقضى بين الشعوب، فتزداد المظالم والفوضي.
4- النبى: فلا يوجد القائد الروحي الذى يعرف الناس ويرشدهم إلى طريق الله.
5- العراف: أى الرجل الفهيم، فلا يوجد من يرشد شعبه في أمور الحياة.
6- الشيخ: فلا يوجد من له خبرة فيعلم الصغار والشباب.
ونزع هؤلاء يتم إما بأن يفقدوا مركزهم ووضعهم، أو يفقدوا قدرتهم على القيام بأعمالهم، أو يموتوا مبكرًا، أو يسبيهم أعداؤهم، ويبعدوهم عن الشعب.
ع3: يواصل أشعياء ذكر من سينزعهم الرب من مملكة يهوذا، وهم:
7- رئيس الخمسين: أي الذي يقود خمسين شخصًا، فلا يوجد من ينظم ويدبر ويرشد الشعب، ويجمعهم في كل احتياج.
8- المعتبر: وهو ذو المركز الذى يسمع له الناس، أي تكون هناك فوضى وتمرد منتشراً بين الشعب.
9- المشير: فلا يوجد من يرشد الشعب ويشير عليهم بما يفعلون، فينحرفوا ويضلوا فى طرق معوجة.
10- الماهر بين الصناع: فلا يتقنون أية حرفة، فتتوقف أعمالٌ كثيرة في حياة الشعب، وينحط اقتصاديًا، ويتعرض لمجاعات.
11- الحاذق بالرقية: وهو من يستخدم السحر في علاج الأمراض، فيعاني الشعب من متاعب كثيرة، ويتذمر. وهكذا ينزع الرب السحرة، وهم السند الكاذب للشعب، فإذ يفقد الشعب السند الحقيقي والكاذب، فلا يجد إلا أن يرجع إلى الله.
ع4: حدث هذا بأن تملك على مملكة يهوذا أطفالٌ، مثل يوآش الملك ويوشيا الملك، إذ كانوا أطفالاً، بالإضافة، إلي ملوك بالغين في السن، ولكنهم أطفالٌ في التفكير، وقادوا شعوبهم إلى الضلال وعبادة الأصنام، مثل أبناء يوشيا، وهم آحاز ويهوياقيم وصدقيا الذين انهارت المملكة على أيديهم، واستولي عليها البابليون.
ع5: الدنئ: الحقير
ينتشر الظلم والتمرد في مملكة يهوذا، وذلك لغياب القادة والشيوخ والمشيرين، بالإضافة، للجوع والفقر والفوضى. وهكذا تنهار الأمة نتيجة الخطية.
ع6 ، 7: عاصباً : معالجًا وشافيًا
إذ لا يوجد قادة في الشعب، يجد الأخ أخاه ليس عاريًا، بل يلبس ثوبًا، فيقول له: لتصر أنت رئيسًا لنا، وتكون مسئولاً عن قيادة هذه المدينة الخربة بسبب الجوع والفوضى، فيرفض هذا الإنسان ويقول: بالطبع لا يمكن أن أكون رئيسًا، وبيتى فارغ من الطعام والملابس.
وهذا معناه أن كل الشعب سيكون فقيرًا، وضعيفاً ولا يوجد فيهم مرشدٌ، أو رئيسٌ روحيٌ، ليقود الشعب ويرجعهم إلى الله؛ لأنهم قد انحطوا روحيًا بسبب الخطية. وبالطبع الحل الوحيد، ليس هو الالتجاء للبشر الضعفاء، بل إلى الله بالتوبة، فيرحمهم، ويختار منهم من له استعداد للاتكال عليه، فيعمل فيه، وينقذ الأمة المتضعة، الملتجئة إليه.
عندما تشعر بضعفك لا تلتجئ للبشر، لأن كلهم ضعفاء، ولكن اطلب الله القوى القادر على كل شىء، فهو يحبك، ويسندك ويقويك، فتنجح في حياتك.
(2) أسباب العقاب (ع8-15):
8لأَنَّ أُورُشَلِيمَ عَثَرَتْ، وَيَهُوذَا سَقَطَتْ، لأَنَّ لِسَانَهُمَا وَأَفْعَالَهُمَا ضِدَّ الرَّبِّ لإِغَاظَةِ عَيْنَيْ مَجْدِهِ. 9نَظَرُ وُجُوهِهِمْ يَشْهَدُ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ يُخْبِرُونَ بِخَطِيَّتِهِمْ كَسَدُومَ. لاَ يُخْفُونَهَا. وَيْلٌ لِنُفُوسِهِمْ لأَنَّهُمْ يَصْنَعُونَ لأَنْفُسِهِمْ شَرًّا. 10قُولُوا لِلصِّدِّيقِ خَيْرٌ! لأَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ ثَمَرَ أَفْعَالِهِمْ. 11وَيْلٌ لِلشِّرِّيرِ. شَرٌّ! لأَنَّ مُجَازَاةَ يَدَيْهِ تُعْمَلُ بِهِ. 12شَعْبِي ظَالِمُوهُ أَوْلاَدٌ، وَنِسَاءٌ يَتَسَلَّطْنَ عَلَيْهِ. يَا شَعْبِي، مُرْشِدُوكَ مُضِلُّونَ، وَيَبْلَعُونَ طَرِيقَ مَسَالِكِكَ. 13قَدِ انْتَصَبَ الرَّبُّ لِلْمُخَاصَمَةِ، وَهُوَ قَائِمٌ لِدَيْنُونَةِ الشُّعُوبِ.
14اَلرَّبُّ يَدْخُلُ فِي الْمُحَاكَمَةِ مَعَ شُيُوخِ شَعْبِهِ وَرُؤَسَائِهِمْ: «وَأَنْتُمْ قَدْ أَكَلْتُمُ الْكَرْمَ. سَلَبُ الْبَائِسِ فِي بُيُوتِكُمْ. 15مَا لَكُمْ تَسْحَقُونَ شَعْبِي، وَتَطْحَنُونَ وُجُوهَ الْبَائِسِينَ؟ يَقُولُ السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ».
ع8: سقطت ممكلة يهوذا وعاصمتها أورشليم في الخطية، وتكلمت كلامًا باطلاً على الله، إذ سخرت من وصاياه، ولم تصدق كلام أنبيائه، بل سارت وراء أكاذيب الأنبياء الكذبة، وفعلت أفعالاً شريرة وهي عبادة الأصنام، وأفعال النجاسة والظلم. كل هذا كان ضد الرب لإغاظته، مع أن مجد أعمال الله معها على مر السنين كان قويًا وواضحاً، وكان يستلزم الشكر الدائم منها، لكنها فعلت العكس، وأغاظت الرب، لأنها فعلت أمام عينيه كل هذه النجاسات، وتناست أن عينى الرب تحرسها، وتعتني بها طوال حياتها السابقة، فكان من الشناعة أن تقابل خيره بشرورها الأثيمة.
ع9: إن نظر سكان مملكة يهوذا يشهد عليهم؛ لأنه فى بجاحة نظروا إلى الله، ولم يتوبوا، بل على العكس افتخروا بخطاياهم، وبرروا أنفسهم، فهم لم يخفوا خطاياهم، بل فى بجاحة تكلموا عنها على أنها شئ، عادي؛ حتى انتشرت الخطية وسادت في مملكة يهوذا، مثلما غطت أهل سدوم قديمًا؛ ولفظاعة خطاياهم، قد سقطوا في فخ الشيطان، وتركوا الله وأغاظوه، ولا ينتظرهم إلا الهلاك مثل سدوم إن لم يتوبوا.
وهكذا نري خطايا متعددة فعلتها مملكة يهوذا، تظهر في الآيات السابقة وفي (ع8 ، 9):
1- غياب القيادة الحكيمة وبالتالي ضل الشعب (ع 1- 3).
2- تملك الصبيان والأطفال عليهم، وبالتالي ازداد ضلالهم (ع4).
3- ساد الظلم والفوضي في المملكة (ع5).
4- انتشار اليأس بين سكان مملكة يهوذا، فلم يوجد من يقبل (ع6 ، 7) مسئولية قيادة الشعب لأن المملكة قد خربت.
5- سادت الخطية على الشعب؛ حتى افتخر في بجاحة وأغاظ الرب بخطاياه (ع8، 9).
ع10: وسط غضب الله وتأديباته للأشرار، يطمئن الأبرار بأنه يهتم بهم، ويباركهم، ويعطيهم أيضًا خيرات كثيرة، فيقول: قولوا للصديق، ويقصد أنه يرى واحدًا واحدًا من الأبرار ويهتم به، ويعطيه خيرات؛ لأنه يرى تعب محبته وجهاده، فيشبعه عوضًا عنها خيرات كثيرة، في الوقت الذي لا يجد فيه الأشرار سند الخبز والماء، كما كان يهتم الله بشعبه في الوقت الذى كان يتعذب فيه المصريون، أيام موسي والضربات العشر.
ولعل الاشرار حاولوا تشكيك الصديقين، أي الأبرار، بأن الضيقات ستأتي عليهم أيضًا، فالله يطمئنهم أنه سيجازيهم خيرًا، في الوقت الذي يعاني فيه الأشرار من متاعب كثيرة.
والخير الذي يعد به الله الصديقين هو:
1- الضيقات التى ستأتي على الأشرار لن تأتي على الأبرار.
2- لن يرفع الله الضيقات فقط عن الصديقين، بل يعطيهم خيرات مادية وروحية، فيشعرون بسلام وفرح واقتراب واختبار جديد لله.
3- يحول الشر الذى سيأتي على الصديقين إلى خير، فيكون ظاهره شرًا، ولكن في باطنه خير، فيرون يد الله معهم، كما حدث مع الثلاث فتية الذين ألقوا في الآتون، ولكن ظهر لهم الله، وحماهم من النيران، فسبحوه بفرح.
4- الخير الذي يأتي على الصديقين لم يحدد بزمن، فقد يأتي عليهم مرات كثيرة، وفي أزمنة لا يتوقعونها، فقد يكونوا في ضعف، أو فتور، لكن الله لا ينسي تعب محبتهم الأول، وينهضهم، ويباركهم. فخيرات الله غير محددة، وتظل معهم طوال حياتهم. وبهذا ينال الصديقون ثمر أتعابهم طوال حياتهم.
ع11: على الجانب الآخر، الشرير لا ينتظر أمام شروره الكثيرة إلا الويلات والشر أمام أعمال يديه الردية، فما يزرعه الإنسان إياه يحصد (2 كو 9: 6)، ومن يتعود الشر يصبح من الصعب أن يتركه، فينتقل من شر إلى شر، أي تزداد حالته سوءًا، ولا يعرف أن يرجع عن شره؛ لأنه قد رفض الله، فلا يجد معينًا له.
ع12: يبلعون طريق مسالكك: يخفون الطريق التى تسلك فيها، ويرشدونك إلى طرق معوجة، فيضلوك.
لأن شعب الله سار في طريق الخطية، وعبادة الأوثان، فتملك عليه ملوك أطفال أشرار، مثل منسي وآمون، فظلموه بفسادهم وعبادتهم للأصنام.
وقد تسلط على شعب الله نساء شريرات، مثل عثليا على مملكة يهوذا، وايزابل على مملكة إسرائيل، وكانت تغوي آخاب زوجها لعبادة الأوثان وعمل الشر.
وكذلك مرشدو شعب الله مضلون، فأضلوا الشعب عن طريق الله، وجعلوه يعبد الآوثان، ويصنع الخطية؛ لأنهم أنبياء كذبة، وليسوا أنبياءً حقيقيين، مثل أشعياء.
وهكذا تظهر خطورة القائد، فإن كان شريرًا فهو يؤثر على الشعب، ويجذبه إلى الشر، ولكن إن كان صالحًا، مثل حزقيا ويوشيا ملكى يهوذا، فهو يؤثر على شعبه، عندما يربطهم بالله وبأعماله الصالحة.
ع13: الله أطال أناته على شعبه، وعلى رؤسائه؛ سواء ملوك، أو كهنة، أو معلمين، والآن قد وقف خصمًا لشعبه، وقام ليحاكمهم؛ لأنه إله عادل، وليس رحيمًا فقط. فماذا سيفعل معهم؟ هذا ما سنراه في الآيات التالية.
ع14: بداية المحاكمة تكون مع شيوخ الشعب ورؤسائه، والشيوخ هم قضاة الشعب، والرؤساء هم المسئولون عن تنفيذ القانون والعدل، لكنهم للأسف، بدلاً من رعاية الكرم أكلوه، أي بدلاً من رعاية الشعب، سلبوا وسرقوا الضعفاء، المعبر عنهم بـ “البائس”، وهذا دليل اتهام واضح يدينهم أمام الله، فالله يواجههم بخطاياهم ليتوبوا؛ لأن الظلم صعب جدًا، خاصة عندما يأتي من المسئولين عن رعاية الشعب، كما حدث من إيزابل الملكة، عندما سلبت حقل نابوت اليزرعيلي وقتلته (1مل 21)، وكما يحدثنا حزقيال النبي عن الرعاة الذين يرعون أنفسهم (حز34: 2، 3).
ع15: أشفق الله على البائسين، وهم الضعفاء الذين ليس لهم قوة، فقام ليدافع عنهم، ويحاكم الشيوخ والرؤساء على ظلمهم للفقراء والضعفاء، الذى يظهر في:
1- قسوة قلوبهم فى سحق شعب الله، أي يحطموه بعنف؛ حتى ينسحق ويصير مثل الغبار.
2- يضغطون بقوة على الضعفاء، كمن يطحن الحبوب بين حجرى الرحي، هكذا يطحنون البائسين، ويفقدونهم كل قوتهم، ويكون هذا ببجاحة في وجوه البائسين، ويشمل هذا ضربهم، أى لطمهم على وجوههم، وجلدهم، وكل إساءة وتعذيب يستطيعون فعلها معهم.
فالله إلههم لابد أن يقوم ويدافع عنهم، ويحاكم ظالميهم.
إن كنت تتمنى أن يعاملك الله والناس بالعدل، ولا يظلموك، فلا تظلم أحدًا مهما كان لك سلطان وقدرة عن عمل هذا الظلم، بل انظر إلى الله الذى يرى كل شىء، وضع مخافته في قلبك، فتتوب عن ظلمك، وتصلح هذا الظلم، وتعيد الحق إلى أصحابه.
(3) تأديب الله (ع16-26):
16وَقَالَ الرَّبُّ: «مِنْ أَجْلِ أَنَّ بَنَاتِ صِهْيَوْنَ يَتَشَامَخْنَ، وَيَمْشِينَ مَمْدُودَاتِ الأَعْنَاقِ، وَغَامِزَاتٍ بِعُيُونِهِنَّ، وَخَاطِرَاتٍ فِي مَشْيِهِنَّ، وَيُخَشْخِشْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ، 17يُصْلِعُ السَّيِّدُ هَامَةَ بَنَاتِ صِهْيَوْنَ، وَيُعَرِّي الرَّبُّ عَوْرَتَهُنَّ. 18يَنْزِعُ السَّيِّدُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ زِينَةَ الْخَلاَخِيلِ وَالضَّفَائِرِ وَالأَهِلَّةِ، 19وَالْحَلَقِ وَالأَسَاوِرِ وَالْبَرَاقِعِ 20وَالْعَصَائِبِ وَالسَّلاَسِلِ وَالْمَنَاطِقِ وَحَنَاجِرِ الشَّمَّامَاتِ وَالأَحْرَازِ، 21وَالْخَوَاتِمِ وَخَزَائِمِ الأَنْفِ، 22وَالثِّيَابِ الْمُزَخْرَفَةِ وَالْعُطْفِ وَالأَرْدِيَةِ وَالأَكْيَاسِ، 23وَالْمَرَائِي وَالْقُمْصَانِ وَالْعَمَائِمِ وَالأُزُرِ. 24فَيَكُونُ عِوَضَ الطِّيبِ عُفُونَةٌ، وَعِوَضَ الْمِنْطَقَةِ حَبْلٌ، وَعِوَضَ الْجَدَائِلِ قَرْعَةٌ، وَعِوَضَ الدِّيبَاجِ زُنَّارُ مِسْحٍ، وَعِوَضَ الْجَمَالِ كَيٌّ! 25رِجَالُكِ يَسْقُطُونَ بِالسَّيْفِ، وَأَبْطَالُكِ فِي الْحَرْبِ.
26فَتَئِنُّ وَتَنُوحُ أَبْوَابُهَا، وَهِيَ فَارِغَةً تَجْلِسُ عَلَى الأَرْضِ.
ع16: يتشامخن: يتكبرن
خاطرات في مشيهن: يتمايلن فى مشيهن.
يخشخشن بأرجلهن: يلبسن خلاخيل فى أرجلهن تحدث أصواتاً واضحة عند مشيهن.
يواجه الرب نساء شعبه بخطاياهن؛ ليتبن عنها، وهي:
1- “يتشامخن ويمشين ممدودات الأعناق”
وهذا دليل على كبريائهن فى الوقت الذي انسحق فيه الضعفاء من الظلم، وصاروا فى التراب.
2- “غامزات بعيونهن”
الغمز بالعين يقصد به جذب الرجال وإثارة شهواتهم بالنظر إلى هؤلاء النساء، فهن يردن إسقاط الرجال، أو الشباب بنظراتهن إليه، فهن يردن الخطية، إشباعًا لشهواتهن.
3- “خاطرات فى مشيهن”
إن هذا التمايل فى المشى وسيلة للفت النظر؛ حتى يسقطن أيضًا الرجال، فهن يردن إثارة الشهوة بكل وسيلة.
4- “ويخشخشن بأرجلهن”
إصراراً على جذب الأنظار، يحدثن أصواتًا قوية؛ لينظر الناس لأرجلهن، ولكل جزء في أجسادهن؛ لإثارة الشهوة.
كل هذا الله يراه، ويعاقب عليه؛ لأنه شر، وكل سيدة تفعل هذا لابد أن يؤدبها الله، لعلها تتوب.
وانشغال النساء بمنظرهن سيجعل الرجال يتكلفون مصاريف أكثر، يحصلوا عليها من ظلم الضعفاء، وفى الوقت الذي يترفه فيه بعض الناس في المجتمع، يعاني الآخرون من الفقر الشديد، والحاجة إلى ضروريات الحياة. والله يدعونا إلى الابتعاد عن هذه المظاهر، والوقار في المظهر (تث 28: 56، 57؛ اتي 2 :9).
وينادي الله النساء، ويلقبهن ببنات صهيون، أي بنات المدينة المقدسة التى فيها هيكله؛ حتى يكن في وقار، ولا يسلكن مثل باقي الأمم. وهي دعوة يطلقها الله للنساء في كل جيل؛ حتى لا يتعلقن بالموضة التى فيها الخلاعة، ولفت الأنظار.
ع17: هامة: رأس
يؤدب الله بنات صهيون بتأديبات كثيرة؛ حتى يرجعن إلى الله بالتوبة، ويكون التأديب كما يلي:
1- “يصلع .. هامة بنات صهيون”
إن كانت المرأة تشعر أن شعرها هو تاج جمالها، فالله ينزع هذا الشعر، وهذا يحدث إما بمرض يؤدي إلي تساقط الشعر، أو عن طريق الأعداء الذين يذلونهن بقص شعورهن.
وهذا معناه أن الله يدعوهن إلى الزينة الروحية، وليست الجسدية بضفر الشعر، أو الإنشغال بمنظر الشعر وتزيينه.
2- “يعري عورتهن”
فإن كن قد انشغلن بالملابس الكثيرة الغالية، والمتنوعة، يصبحن فقراء، وثيابهن ممزقة وحقيرة؛ حتى من خلالها تظهر أجسامهن، ويكون الاحتشام لا في الملبس فقط بل أيضاً بالإنضباط فى الزينة.
وكشف العورة ليس المقصود فقط أن يظهر أجزاء من جسد المرأة، ولكن بالحرمان من ستر الله عليها، فتنفضح خطاياها، وتنكشف أمام الكثيرين.
ع18: الخلاخيل: جمع خلخال، وهو إسورة تلبس فى الرجل.
الأهلة: جميع هلال، وهي حلية ذهبية، أو فضية على شكل هلال.
يتابع هنا أشعياء ذكر تأديبات الله، فيعلن أن الله سينزع كل ما تتزين به نساء شعبه، مثل الخلاخيل التى تتزين بها المرأة في رجليها، والضفائر التى تتزين بها المرأة بعملها في شعرها، وكذا الأهلة التى تلبسها على صدرها، أى كل أنواع الزينة المبهرة لا توجد بعد هذا، فيحرمها الله منها لأجل كثرة خطاياها لتتوب.
ع19:
وينزع الله أيضًا عن النساء زينة الحلق الذي يلبس فى الأذن، والأساور التى تلبس في اليدين لتزينها. وينزع أيضًا البراقع التى تغطي بها رأسها وجزء من وجهها، أي يعري النساء ليظهر خطاياهن، ويعلن غضبه عليهن، فلا يكون لهن منظر أو زينة.
ع20:
العصائب: جمع عصابة، وهي قطعة قماش طويلة تلف حول الرأس.
مناطق: جمع منطقة وهى ما تربط على الوسط (حزام) وتزين بأنواع مختلفة من الزينة.
حناجر الشمامات: زجاجات يحفظ فيها العطر، وتحملها المرأة؛ لتصير رائحتها زكية.
الأحراز: أجزاء من المعدن، أو الأحجار تعلق في الرقبة، وتتدلي على الصدر، وتستخدم لطرد الأعمال الشريرة (حجاب)، ويزين بها الصدر.
وينزع الله أيضًا أنواعاً أخرى من الزينة، مثل العصائب التى تلف حول الرأس، وكذا السلاسل التى تعلق حول الرقبة، والمناطق التى تربط حول الوسط، بالإضافة إلى حناجر الشمامات التى تعطي رائحة زكية للمرأة، وأيضًا الأحراز التى يزين بها الصدر.
ع21: خزائم: حلقة ذهبية، أو من أي معدن آخر، وتوضع في الأنف للزينة.
ويحرم الله أيضًا النساء من الخواتم التى يزين بها أصابعهن، وكذا الخزائم التى يزين بها أنوفهن.
ع22: العطف: أى المعاطف وهي البلاطي.
الأردية: جمع رداء وهو الثوب.
الأكياس: حقائب اليد.
وينزع أيضًا عن النساء الثياب المزخرفة بأشكال كثيرة؛ لأن قلوبهن ردية، فلا داعي للثياب البراقة التى تلفت النظر، والشر في داخل هؤلاء النساء.
وينزع عنهن أيضًا المعاطف الملونة التى تدفئهن، فيكنَّ في قشعريرة وألم، وأيضًا كل رداء ثمين وحسن يحرمن منه، وكذا من كل حقائب اليد ذوات الأشكال الجميلة والمختلفة.
ع23: المرائي: جمع مرآة.
القمصان: جمع قميص، وهو ما يسمى بلوزة.
العمائم: جمع عمامة والمقصود القبعة (برنيطة).
الأزر: جمع إزار، وهو ثوب يلبس من الوسط حتى الساقين.
يحرم الله أيضًا النساء من كل ما يتزين به، أو يستخدمنه مثل المرائي، والملابس العلوية مثل القمصان، أو السفلية، مثل الآزر، وما يزين به رؤوسهن من عمائم.
والخلاصة، نزع كل شىء تتزين به المرأة من ملابس، أو أدوات للزينة، أو الروائح الزكية، وهي تخفى فى داخلها الخطية.
ع24: الجدائل: الضفائر.
الديباج: حرير غالي الثمن.
زنار مسح:حزام من الخيش.
يلخص الله تأديبه لشعبه بأن كل حياتهم، ومظهرهم الجميل سيصير قبيحًا جدًا، نتيجة كثرة خطاياهم. فبدلاً من الرائحة الزكية الطيبة تصير رائحتهم عفنة، وهذه الرائحة هى العرق الذى نتج من كثرة العمل كعبيد في السبي. وبدلاً من المناطق العريضة المزينة التى يلبسونها على أوساطهم، سيربطون بالحبال،بل ويجذبونهم منها كالحيوانات أثناء السبي.
وإن كانت النساء تتزين بكثرة الضفائرقديمًا، تستبدل هذا فى السبي بالقرعة، أى تحلق رؤوسهن، ويصير شكلهن في خزى.
وأن كان قديمًا يُربط على وسط النساء عصائب من حرير، ففى السبى، سيتبدل بحبل من الخيش.
وبدلاً من جمال المرأة، واهتمامها بوجهها وزينته، سيكون في هذا الوجه الكي، لأنهم هكذا كانوا يفعلون مع العبيد؛ لتكون علامة على وجههن فيعملون لهن كي بالحديد المحمي بالنار. وقد يقصد بالكي لفحة الشمس التى تأتي عليهن وهن يعملن ساعات طويلة كعبيد تحت حرارة الشمس.
وهكذا تفقد النساء زينتها الخارجية من جميع الجوانب؛ لعلها تتوب وترجع إلى الله، فيكون هو زينتها الحقيقية، أو يخلصها من تلك العبودية، وهذا ما حدث عندما أرجع الله شعبه من السبي.
ع25: ما سبق حدث مع النساء فى السبي، أما الرجال فقد سقطوا بالسيف، مهما كانوا أبطالاً وأقوياء فى الحرب، وذلك عند الهجوم البابلي على أورشليم، عندما قتلوا الكثير من الرجال، وأحرقوا المدينة والهيكل، وذلك لأنهم لم يقدسوا الله الساكن في الهيكل.
وهكذا مات الرجال الذين كانت النساء تتزين من أجلهم، وصارت النساء المتنعمات المرفهات فى حزن وذل وخزى، بعد أن خربت أورشليم، وفقدن السند الثانى وهو الرجال؛ لأنهن تركن السند الأول الحقيقي، وهو الله.
ع26: أبواب المدينة هي أهم مكان فيها، حيث توجد ساحة فى مدخل المدينة عند الباب، يجلس فيها الشيوخ للقضاء؛ كل هذا قد تم تدميره، وحرقه، وقتل من فى المدينة، وسبي الباقين، ولم يبق فى أورشليم الإ عدد قليل من الفقراء والضعفاء، فأصبحت أورشليم كأرملة تبكى؛ لأنها فقدت رجلها، أى سندها وهو الله، وفقدت أيضًا أبناءها، فهي تجلس على الأرض فى ذل وحزن، كل هذا نتيجة أفعالها الشريرة.
إن سمح الله لك بتأديب فاقبله، وراجع نفسك لتتوب عن الخطايا التى سببت لك هذا التعب، واعلم أن الله الحنون يقبلك، فالتأديب مجرد تنبيه من الله لترجع إلى أحضانه، وتبدأ حياة جديدة قوية معه.