كوش ومملكة يهوذا
(1) كوش تلتجئ ليهوذا (ع1-3):
1يَا أَرْضَ حَفِيفِ الأَجْنِحَةِ الَّتِي فِي عَبْرِ أَنْهَارِ كُوشَ، 2الْمُرْسِلَةَ رُسُلًا فِي الْبَحْرِ وَفِي قَوَارِبَ مِنَ الْبَرْدِيِّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ. اذْهَبُوا أَيُّهَا الرُّسُلُ السَّرِيعُونَ إِلَى أُمَّةٍ طَوِيلَةٍ وَجَرْدَاءَ، إِلَى شَعْبٍ مَخُوفٍ مُنْذُ كَانَ فَصَاعِدًا، أُمَّةِ قُوَّةٍ وَشِدَّةٍ وَدَوْسٍ، قَدْ خَرَقَتِ الأَنْهَارُ أَرْضَهَا. 3يَا جَمِيعَ سُكَّانِ الْمَسْكُونَةِ وَقَاطِنِي الأَرْضِ، عِنْدَمَا تَرْتَفِعُ الرَّايَةُ عَلَى الْجِبَالِ تَنْظُرُونَ، وَعِنْدَمَا يُضْرَبُ بِالْبُوقِ تَسْمَعُونَ.
ع1: حفيف الأجنحة : صوت أجنحة الحشرات المنتشرة في كوش.
هذه النبوة مرسلة إلى أرض حفيف الأجنحة، وهي كوش، أي الحبشة التي هي أثيوبيا الحالية، وهناك تكثر الحشرات، فتسمى أرض حفيف الأجنحة، وكان يملك على الحبشة ملك قوي يسمى ترهاقة (2 مل 19 : 9)، فقد يكون المقصود حفيف أجنحة النسر، إشارة إلى ملكها القوي الذي يبسط قوته على بلاده، والمقصود بأنهار كوش الأنهار الصغيرة التى تجتمع وتكون نهر النيل.
ع2: البردي : نبات ينمو على ضفاف النيل ورقه عريض وسميك، ويمكن صنع قوارب منه.
تميزت الحبشة، أي كوش، بعمل قوارب صغيرة من البردي، تكون خفيفة فتسرع في طريقها في البحر، أو نهر النيل. فأرسلت كوش من عندها قوارب من البردي إلى مملكة يهوذا، لتتحالف معها ضد آشور.
ويصف إشعياء مملكة يهوذا بأنها أمة طويلة، أي لها تاريخ عريق وطويل جداً في القدم.
وهي أمة جرداء، أي خالية من ثمار الأشجار نتيجة هجمات الأعداء المتوالية عليها، فهى تفقد ثمارها.
وإلى شعب مخوف؛ لأنه رغم أنها تضعف عندما تبتعد عن الله، وتعبد الأوثان، لكنها إذا تمسكت بالله تكون قوية جداً، أو مخيفة لكل من حولها. وهي مخوفة منذ كان، أي منذ القديم، وصاعداً، أي حتى الآن، وفي المستقبل على قدر تمسكها بالله.
أمة قوة وشدة ودوس، أي أنها إذا اعتمدت على الله تكون قوية وشديدة، وتدوس من حولها. ومن أجل هذا حاولت كوش التحالف معها؛ لتنتصر على آشور مع مملكة يهوذا.
قد خرقت الأنهار أرضها، حقاً كان نهر الأردن بجوارها، ولكن غالباً المقصود أن الأعداء يستطيعون اختراقها كالنهر إذا ابتعدت عن الله.
ع3: قاطني : ساكني.
يعلن إشعياء، أو تجيب مملكة يهوذا على كوش، وتقول لها ولكل سكان العالم، أنه عندما ترتفع الراية على الجبال، معلنة بدء الحرب، تنظرون قوة الله التي تقهر الأعداء. وعندما يُضرب بوق الحرب، تسمعون صوت الغلبة على الأعداء، معلنة مملكة يهوذا قوتها: لأنها معتمدة على الله، فتنتصر في جميع حروبها، وبالتالي لا تحتاج للتحالف مع كوش؛ لأن الله ناصرها. وقد حدث هذا فعلاً عندما قتل ملاك الله جيش سنحاريب، وهرب الباقون منه.
آمن بالله وتمسك به، واطلبه في صلواتك، فينصرك على أعدائك الشياطين، مهما كان ضعفك، ومهما كانت قوتهم. فالصلاة تحميك وتحيا مطمئناً.
(2) إنقاذ الله لشعبه (ع4-7):
4لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ لِيَ الرَّبُّ: «إِنِّي أَهْدَأُ وَأَنْظُرُ فِي مَسْكَنِي كَالْحَرِّ الصَّافِي عَلَى الْبَقْلِ، كَغَيْمِ النَّدَى فِي حَرِّ الْحَصَادِ». 5فَإِنَّهُ قَبْلَ الْحَصَادِ، عِنْدَ تَمَامِ الزَّهْرِ، وَعِنْدَمَا يَصِيرُ الزَّهْرُ حِصْرِمًا نَضِيجًا، يَقْطَعُ الْقُضْبَانَ بِالْمَنَاجِلِ، وَيَنْزِعُ الأَفْنَانَ وَيَطْرَحُهَا. 6تُتْرَكُ مَعًا لِجَوَارِحِ الْجِبَالِ وَلِوُحُوشِ الأَرْضِ، فَتُصَيِّفُ عَلَيْهَا الْجَوَارِحُ، وَتُشَتِّي عَلَيْهَا جَمِيعُ وُحُوشِ الأَرْضِ. 7فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تُقَدَّمُ هَدِيَّةٌ لِرَبِّ الْجُنُودِ مِنْ شَعْبٍ طَوِيل وَأَجْرَدَ، وَمِنْ شَعْبٍ مَخُوفٍ مُنْذُ كَانَ فَصَاعِدًا، مِنْ أُمَّةٍ ذَاتِ قُوَّةٍ وَشِدَّةٍ وَدَوْسٍ، قَدْ خَرَقَتِ الأَنْهَارُ أَرْضَهَا، إِلَى مَوْضِعِ اسْمِ رَبِّ الْجُنُودِ، جَبَلِ صِهْيَوْنَ.
ع4: البقل: البقول
يعلن إشعياء أن الله قد قال له : إني أظل هادئاً وأنظر في مسكني، أي أنظر من السماء وأراقب الأعداء الأشوريين، الذين يهجمون على شعبي في مملكة يهوذا، وأطيل أناتي؛ ليحدث أمران:
- يكمل شر الآشوريين، فيعلنوا بكبرياء تهديدهم لله ولشعبه، ويقتحموا قرى كثيرة في اليهودية، وينهبوها بقوة وظلم
- لتأديب شعبي الذي أحياناً يتركني، ولكن هذا التأديب مؤقت، وعندما يصلون بحرارة، ويتمسكون بي أتدخل في الوقت المناسب، وأنقذهم.
ويعبر الله عن طول أناته، فيقول: إني أصبر حتى يأتي الحر على نباتات البقول فتنضج، ويأتي أيضاً كغيم الندى الرطب في وقت الحصاد، فتساعد هذه الرطوبة على إنضاج المحاصيل.
والمقصود، كما ذكرنا، استكمال شر الأشوريين وبهذا يكون الله أعطاهم فرصة كافية للتوبة، ولم يتوبوا، وفي نفس الوقت يكمل جهاد شعبه في الصلاة، فيتدخل وينقذه.
ع5: حصرماً : عنباً صغيراً غير ناضج
نضيجاً: تحول الحصرم إلى عنب حلو المذاق
القضبان: فروع الشجر.
المناجل: جمع منجل، وهو آلة حديدية مقوسة حادة لقطع النباتات وأغصان الشجر بها.
الأفنان: الأغصان
عندما يقترب الحصاد، وتتحول الزهور إلى ثمار، ثم تتحول الثمار غير الناضجة في الكرم، وهي الحصرم، إلى حبات عنب ناضجة؛ هنا يتدخل الله. والمقصود، أن جيش سنحاريب إكتسح بلاد اليهودية، وحاصر أورشليم، وهدد الملك والشعب، وإستهزأ بالله، بهذا يكون كمل شره، ويستحق العقاب، فيتدخل الله، ويقطع القضبان والأفنان، أي يقتل الملاك 185.000 من جيش سنحاريب والقضبان؛ لأنها فروع الشجر الكبيرة، ترمز إلى رؤساء جيوش آشور، أما الأفنان وهى الأغصان الصغيرة، فترمز إلى الجنود. فالله فى غضبه أباد هذا وذاك.
وفى الزراعة تتم عملية تقليم الأشجار، أى قطع بعض الفروع، أو أجزاء منها ليزداد نمو الشجرة، فلعل الله هنا سمح بهذه الإبادة لجيش آشور حتى يثبت إيمان شعبه وينمو، وأيضاً من بقى من الأشوريين يتراجعون عن شرهم ويتوبون ويؤمنون.
ع6 : الجوارح : الطيور آكلة اللحوم
هذه الأغصان والفروع المقطوعة تهجم عليها الطيور الجارحة التي تعيش في الجبال، ووحوش الأرض المختلفة ، والمقصود أن الملاك يترك جثث الآشوريين ملقاة على الأرض فتأتي عليها الجوارح والوحوش صيفاً وشتاءً لأن أعدادها كبيرة، فتكفي كل الجوارح والوحوش وعلى مدى طويل، أي في الصيف والشتاء، وهذا معناه أن الجثث الكثيرة العدد تظل ملقاة على الأرض فترة طويلة.
ع7 : عندما ينقذ الله شعبه بقتل جيش الآشوريين، يرجع شعب الله في مملكة يهوذا إلى الله بكل قلبه، ويقدم لله هدية كبيرة هي نفسه في عبادة مقدسة، وهو المقصود بالصفات المذكورة في هذه الآية، والسابق ذكرها وشرحها في (ع2).
ترمز هذه الآية إلى إيمان شعب الله اليهود في ملء الزمان بالمسيح، وتقديم نفسه هدية لله بعبادته في كنيسته في العهد الجديد.
قد تنطبق هذه الآية أيضاً على شعب كوش، أي الأحباش الذين آمنوا في ملء الزمان بالمسيح، بداية من إيمان الخصي الحبشي الذي عمده فيلبس (أع 8 : 27-39) إلى إيمان عدد كبير من الأحباش بالمسيح.
عندما تزداد عليك حروب الشيطان، وتضعط عليك الضيقات، ثابر في الصلوات والميطانيات وكل جهاد روحي، وثق أن الله يرى كل شىء، ويطيل أناته ولكنه لابد أن يتدخل، وينقذك من كل شر، ويحفظك لتحيا له.