دمار إسرائيل وتأديب يهوذا
(1) إنهيار مملكة إسرائيل ( ع1- 13):
1وَيْلٌ لإِكْلِيلِ فَخْرِ سُكَارَى أَفْرَايِمَ، وَلِلزَّهْرِ الذَّابِلِ، جَمَالِ بَهَائِهِ الَّذِي عَلَى رَأْسِ وَادِي سَمَائِنِ، الْمَضْرُوبِينَ بِالْخَمْرِ. 2هُوَذَا شَدِيدٌ وَقَوِيٌّ لِلسَّيِّدِ كَانْهِيَالِ الْبَرَدِ، كَنَوْءٍ مُهْلِكٍ، كَسَيْلِ مِيَاهٍ غَزِيرَةٍ جَارِفَةٍ، قَدْ أَلْقَاهُ إِلَى الأَرْضِ بِشِدَّةٍ. 3بِالأَرْجُلِ يُدَاسُ إِكْلِيلُ فَخْرِ سُكَارَى أَفْرَايِمَ. 4وَيَكُونُ الزَّهْرُ الذَّابِلُ، جَمَالُ بَهَائِهِ الَّذِي عَلَى رَأْسِ وَادِي السَّمَائِنِ كَبَاكُورَةِ التِّينِ قَبْلَ الصَّيْفِ، الَّتِي يَرَاهَا النَّاظِرُ فَيَبْلَعُهَا وَهِيَ فِي يَدِهِ. 5فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ رَبُّ الْجُنُودِ إِكْلِيلَ جَمَال وَتَاجَ بَهَاءٍ لِبَقِيَّةِ شَعْبِهِ، 6وَرُوحَ الْقَضَاءِ لِلْجَالِسِ لِلْقَضَاءِ، وَبَأْسًا لِلَّذِينَ يَرُدُّونَ الْحَرْبَ إِلَى الْبَابِ. 7وَلكِنَّ هؤُلاَءِ أَيْضًا ضَلُّوا بِالْخَمْرِ وَتَاهُوا بِالْمُسْكِرِ. الْكَاهِنُ وَالنَّبِيُّ تَرَنَّحَا بِالْمُسْكِرِ. ابْتَلَعَتْهُمَا الْخَمْرُ. تَاهَا مِنَ الْمُسْكِرِ، ضَلاَّ فِي الرُّؤْيَا، قَلِقَا فِي الْقَضَاءِ. 8فَإِنَّ جَمِيعَ الْمَوَائِدِ امْتَلأَتْ قَيْئًا وَقَذَرًا. لَيْسَ مَكَانٌ. 9«لِمَنْ يُعَلِّمُ مَعْرِفَةً، وَلِمَنْ يُفْهِمُ تَعْلِيمًا؟ أَلِلْمَفْطُومِينَ عَنِ اللَّبَنِ، لِلْمَفْصُولِينَ عَنِ الثُّدِيِّ؟ 10لأَنَّهُ أَمْرٌ عَلَى أَمْرٍ. أَمْرٌ عَلَى أَمْرٍ. فَرْضٌ عَلَى فَرْضٍ. فَرْضٌ عَلَى فَرْضٍ. هُنَا قَلِيلٌ هُنَاكَ قَلِيلٌ». 11إِنَّهُ بِشَفَةٍ لَكْنَاءَ وَبِلِسَانٍ آخَرَ يُكَلِّمُ هذَا الشَّعْبَ، 12الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ: «هذِهِ هِيَ الرَّاحَةُ. أَرِيحُوا الرَّازِحَ، وَهذَا هُوَ السُّكُونُ». وَلكِنْ لَمْ يَشَاءُوا أَنْ يَسْمَعُوا. 13فَكَانَ لَهُمْ قَوْلُ الرَّبِّ: أَمْرًا عَلَى أَمْرٍ. أَمْرًا عَلَى أَمْرٍ. فَرْضًا عَلَى فَرْضٍ. فَرْضًا عَلَى فَرْضٍ. هُنَا قَلِيلًا هُنَاكَ قَلِيلًا، لِكَيْ يَذْهَبُوا وَيَسْقُطُوا إِلَى الْوَرَاءِ وَيَنْكَسِرُوا وَيُصَادُوا فَيُؤْخَذُوا.
ع1: سبط أفرايم كان له مساحة كبيرة، وعدده كبير، وكان غنياً أكثر من جميع الأسباط، فلذا كان سبط أفرايم رمزاً لكل مملكة إسرائيل. ونظراً لغنى سبط أفرايم، انغمس هذا السبط فى الشهوات، وكانوا يعملون ولائماً تُقدم فيها الخمر بكثرة، فيسكروا، بدلاً من أن يشكروا الله على عطاياه، ولهذا يوبخهم الله على ذلك فيقول “ويل لإكليل فخر سكارى أفرايم”.
ويقول : “إكليل فخر”، ثم يقول أيضاً : “الزهر الذابل جمال بهائه”، ويقصد بالإكليل والزهر أمراً تعوده الأغنياء من الأفراميين وسكان السامرة، فقد كانوا يلبسون أكاليل من الزهور على رؤوسهم عندما يشربون الخمر، ويظنون أن رائحة الزهور تنبههم وتنعشهم، ومن ناحية أخرى، هذه الأكاليل كانت رمزاً للفخر والعظمة، فيقول لهم الله : أن هذه الأزهار ستذبل، وكذا يقول لهم : الويل لكم لانغماسكم فى السكر والشهوات، ومن ناحية أخرى، الكبرياء، الذى تعبر عنه هذه الأكاليل من الزهور؛ كل هذا سيزول عندما يؤدبهم الله بهجوم آشور عليهم، وتدمير بلادهم.
وادى السمائن هو الأودية المملوءة بالكروم والحقول المثمرة، المحيطة بمدينة السامرة عاصمة مملكة إسرائيل المبنية على تل عالى. والمقصود بالسمائن، كل الخيرات المادية التى وهبها الله لمملكة إسرائيل، بما فيها سبط أفرايم الغنى. هذه العاصمة السامرة التى هى رأس مملكة إسرائيل، تشبه رؤوس الرجال الموضوع عليها أكاليل من الزهور وهم سكارى؛ كل هذا ستدمره آشور عندما تهجم على مملكة إسرائيل.
ع2: كانهيال : كسقوط بشدة.
البرد : نزول جليد من السماء بشكل كتل صغيرة.
نوء : رياح عنيفة.
يسمح السيد الرب لملك آشور أن يهجم بشدة وقوة على مملكة إسرائيل، مثل نزول البرد المدمر، فيقتل الكثيرين، ومثل نوء يهلك أعداداً ضخمة من البشر، ومثل سيل من الماء الكثير يزيح فى طريقه كل ما يقابله ويدمره. وبهذا يلقى آشور مملكة إسرائيل على الأرض، أى يحطمها ويدمرها.
ع3: عندما يقول إشعياء : بالأرجل يداس إكليل فخر سكارى أفرايم، يقصد أن كل مجد أفرايم، أو مملكة إسرائيل سيداس بأرجل جيوش الأشوريين، فينتهى كبرياء وتفاخر هذه المملكة؛ لأنها ابتعدت عن الله بعبادة الأصنام والشهوات الشريرة، والله يسمح بهذا لعلها تتوب وترجع إليه. وهذه الآية امتداد للآية السابقة وهى أن يلقى إسرائيل على الأرض بشدة، فتدوسه أقدام الآشوريين.
ع4: يقول إشعياء عن عظمة وإكليل بهاء أفرايم : “على رأس وادى السمائن” المذكور فى (ع2) وزهره الذابل، ويشبهه بالتين الذى على الشجر، وقد ظهر فى بداية الصيف، ويسمى باكورة، فيأخذه الإنسان، ويأكله ويبلعه سريعاً؛ لأنه ثمر صغير يسهل بلعه، هكذا أيضاً تبلع آشور كل خيرات ومجد مملكة إسرائيل، وتذلها.
ع5: فى ذلك اليوم، يوم يسمح الله بإذلال كبرياء مملكة إسرائيل على يد آشور، وتدمير المملكة، فى هذا اليوم يكون الله إكليل جمال، وتاج بهاء لبقية شعبه، وهو مملكة يهوذا التى كان على رأسها الملك الصالح حزقيا.
وتنطبق هذه الآية أيضاً على مملكة يهوذا التى سيذلها البابليون بعد 135 عاماً (722-587 ق.م) من انهيار مملكة إسرائيل، ولكن تبقى بقية من شعب الله؛ سواء كفقراء بقوا فى أرض يهوذا، أو المؤمنين الذين تم سبيهم فى مملكة بابل.
وكذلك تنطبق هذه الآية على يوم الصليب، الذى ينتصر فيه المسيح على الشيطان، ويقيده، ويحرر أولاده المؤمنين به، فيحيوا معه فى كنائسه فى كل العالم، ويمجدونه.
بالإضافة إلى ما سبق، تنطبق أيضاً هذه الآية على يوم الدينونة، حيث تنتهى الأرض والسماء، وتبدأ الحياة الجديدة لأولاد الله فى ملكوت السموات، حيث يكون الله إكليل جمال وتاج بهاء لهم.
ع6: بأساً : قوة.
فى هذا الوقت الذى يعطى فيه الله قوة لأولاده المؤمنين به، المذكورين فى الآية السابقة، يعطى أيضاً روح عدل وحكمة للقضاة الذين يقضون لشعبه؛ سواء الراجعين من السبى، أو فى كنيسة العهد الجديد. ويعطيهم أيضاً قوة فى الحرب، فيردون أعداءهم إلى أبوابهم، أى ينتصرون عليهم، سواء البلاد المحيطة بهم، التى تحاول أن تهاجمهم، كما فى عصر المكابيين، أو نصرة على الشياطين فى العهد الجديد.
ع7، 8: ترنحا : تمايل وفقد اتزانه.
“هؤلاء أيضاً هم سكان مملكة يهوذا، الذين ضلوا عن الله؛ لأن قادتهم الروحيين، وهم الكاهن والنبى الكذاب، أى الذى يدعى النبوة، قد انغمسوا فى شهواتهم، وشربوا الخمر وسكروا، ففعلوا مثلما فعل الكهنة المزورون والأنبياء الكذبة فى مملكة يهوذا.
وبضلال الكاهن والنبى، أى القادة الروحيين؛ لانشغالهم بالخمر والشهوات الشريرة، فقدوا قدرتهم على رؤية الله، ومعرفة كلامه المقدس، وبالتالى لم يعلموا الشعب التعليم السليم، بل فى قضائهم لأمور الشعب، صنعوا اضطراباً وقلقاً؛ لأنهم حكموا بالظلم.
وهكذا امتلأ كل مكان، حتى الأماكن المقدسة، بالفساد. وكانت عادة العظماء فى ولائمهم أن يأكلوا ويتقيأوا ليأكلوا ثانية، ويشبعوا شهواتهم بالطعام والشراب؛ وهذه عادة مأخوذة من الرومان، فامتلأ كل مكان بالقىء والقذارة، ليست فقط المادية، بل الفساد الروحى؛ حتى أن الله لم يعد له مكان؛ لإمتلاء كل مكان بالشر. فليس مكان، تعنى أن الله وكل إنسان بار بقى فى مملكة يهوذا لا يجد له مكاناً يستريح فيه.
ع9، 10: فرض : التعليم بممارسة العبادة.
يقول الشعب الضال عن الله لإشعياء النبى : إننا كبار ولا نحتاج إلى تعليمك، لسنا أطفالاً، أو مفطومين عن الرضاعة، إذهب قل تعاليمك هذه للأطفال.
بل سخروا من تعاليم إشعياء، وقالوا له : كفاك تعاليماً وأوامراً، لا تتكلم عن فروض العبادة، فهذه كلها أمور معروفة، وقليلة الشأن، أى غير مهمة فى نظرنا وهو المقصود بقوله: “هنا قليل وهناك قليل”. ولعلهم جعلوا هذا الكلام أغنية للسخرية بإشعياء، أى رفضوا كلام الله والتوبة؛ حتى أن إشعياء يكرر لهم أغنيتهم هذه، فيقول : أمر على أمر …. (ع10).
ع11: لكناء : لسان غريب.
يعلن إشعياء أن الله عندما رأى رفض الشعب لتعاليمه، سيكلمهم بكلام غريب، ولغة لا يفهمونها، وهى التى يقولها الآشوريون، وهذه اللغة قاسية، أى يهجمون عليكم، ويدمرون بلادكم ما دمتم رافضين لكلام الله وتستهزئون به.
ع12: الرازح : العاجز عن الوقوف من التعب.
الله قال لشعبه : إن الراحة ليست فى شرب الخمر والشهوات الشريرة، بل بعمل الخير، فتريح الرازح، وكل إنسان يعانى من أى تعب، سواء مرض، أو ضيقة؛ هذا هو السكون أن تجعلوا كل إنسان هادئاً مستريحاً، ولا تكتفوا بشكل العبادة المظهرى البعيد عن عمل الخير، ولكنكم رفضتم كلام الله ووصاياه.
ع13: من أجل رفض الشعب كلام الله، جاء عليهم كلام الله الذى رفضوه، أى تعاليم إشعياء التى استهزأوا بها، وقالوا : أمر على أمر … ، فكانت هذه العقوبة، وهى هجوم الأشوريون على مملكة إسرائيل التى سقط شعبها إلى الوراء أمام آشور، و التقطهم الآشوريين واحداً واحداً وقتلوهم. هذا هو سقوط سكان مملكة إسرائيل، وانهزامهم وانكسارهم.
لا ترفض كلام الله، وتهمل تعاليم الكنيسة والكتاب المقدس، فيسهل سقوطك فى الخطية، وقد تسقط أيضاً فى السخرية من كلام الله، وعبادته، حينئذ لا ينتظرك إلا العقاب الإلهى والهلاك. ليتك يا أخى تقوم سريعاً، وتقدم توبة، فيقبلك إلهك الرحيم.
(2) الله المخلص والمؤدب ( ع14-29):
14لِذلِكَ اسْمَعُوا كَلاَمَ الرَّبِّ يَا رِجَالَ الْهُزْءِ، وُلاَةَ هذَا الشَّعْبِ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ. 15لأَنَّكُمْ قُلْتُمْ: «قَدْ عَقَدْنَا عَهْدًا مَعَ الْمَوْتِ، وَصَنَعْنَا مِيثَاقًا مَعَ الْهَاوِيَةِ. السَّوْطُ الْجَارِفُ إِذَا عَبَرَ لاَ يَأْتِينَا، لأَنَّنَا جَعَلْنَا الْكَذِبَ مَلْجَأَنَا، وَبِالْغِشِّ اسْتَتَرْنَا». 16لِذلِكَ هكَذَا يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ: «هأَنَذَا أُؤَسِّسُ فِي صِهْيَوْنَ حَجَرًا، حَجَرَ امْتِحَانٍ، حَجَرَ زَاوِيَةٍ كَرِيمًا، أَسَاسًا مُؤَسَّسًا: مَنْ آمَنَ لاَ يَهْرُبُ. 17وَأَجْعَلُ الْحَقَّ خَيْطًا وَالْعَدْلَ مِطْمَارًا، فَيَخْطَفُ الْبَرَدُ مَلْجَأَ الْكَذِبِ، وَيَجْرُفُ الْمَاءُ السِّتَارَةَ. 18وَيُمْحَى عَهْدُكُمْ مَعَ الْمَوْتِ، وَلاَ يَثْبُتُ مِيثَاقُكُمْ مَعَ الْهَاوِيَةِ. السَّوْطُ الْجَارِفُ إِذَا عَبَرَ تَكُونُونَ لَهُ لِلدَّوْسِ. 19كُلَّمَا عَبَرَ يَأْخُذُكُمْ، فَإِنَّهُ كُلَّ صَبَاحٍ يَعْبُرُ، فِي النَّهَارِ وَفِي اللَّيْلِ، وَيَكُونُ فَهْمُ الْخَبَرِ فَقَطِ انْزِعَاجًا». 20لأَنَّ الْفِرَاشَ قَدْ قَصَرَ عَنِ التَّمَدُّدِ، وَالْغِطَاءَ ضَاقَ عَنِ الالْتِحَافِ. 21لأَنَّهُ كَمَا فِي جَبَلِ فَرَاصِيمَ يَقُومُ الرَّبُّ، وَكَمَا فِي الْوَطَاءِ عِنْدَ جِبْعُونَ يَسْخَطُ لِيَفْعَلَ فَعْلَهُ، فَعْلَهُ الْغَرِيبَ، وَلِيَعْمَلَ عَمَلَهُ، عَمَلَهُ الْغَرِيبَ. 22فَالآنَ لاَ تَكُونُوا مُتَهَكِّمِينَ لِئَلاَّ تُشَدَّدَ رُبُطُكُمْ، لأَنِّي سَمِعْتُ فَنَاءً قُضِيَ بِهِ مِنْ قِبَلِ السَّيِّدِ رَبِّ الْجُنُودِ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ. 23اُصْغُوا وَاسْمَعُوا صَوْتِي. انْصُتُوا وَاسْمَعُوا قَوْلِي: 24هَلْ يَحْرُثُ الْحَارِثُ كُلَّ يَوْمٍ لِيَزْرَعَ، وَيَشُقُّ أَرْضَهُ وَيُمَهِّدُهَا؟ 25أَلَيْسَ أَنَّهُ إِذَا سَوَّى وَجْهَهَا يَبْذُرُ الشُّونِيزَ وَيُذَرِّي الْكَمُّونَ، وَيَضَعُ الْحِنْطَةَ فِي أَتْلاَمٍ، وَالشَّعِيرَ فِي مَكَانٍ مُعَيَّنٍ، وَالْقَطَانِيَّ فِي حُدُودِهَا؟ 26فَيُرْشِدُهُ. بِالْحَقِّ يُعَلِّمُهُ إِلهُهُ. 27إِنَّ الشُّونِيزَ لاَ يُدْرَسُ بِالنَّوْرَجِ، وَلاَ تُدَارُ بَكَرَةُ الْعَجَلَةِ عَلَى الْكَمُّونِ، بَلْ بِالْقَضِيبِ يُخْبَطُ الشُّونِيزُ، وَالْكَمُّونُ بِالْعَصَا. 28يُدَقُّ الْقَمْحُ لأَنَّهُ لاَ يَدْرُسُهُ إِلَى الأَبَدِ، فَيَسُوقُ بَكَرَةَ عَجَلَتِهِ وَخَيْلَهُ. لاَ يَسْحَقُهُ. 29هذَا أَيْضًا خَرَجَ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْجُنُودِ. عَجِيبِ الرَّأْيِ عَظِيمِ الْفَهْمِ.
ع14، 15: الجارف : المكتسح.
استترنا : اختبأنا.
يتكلم الله مع سكان أورشليم وحكامهم، فيقول لهم : يا رجال الهزء، أى الذين استهزأوا بكلام الله على فم إشعياء، وكل أنبيائه، فظننتم أنكم قطعتم عهداً مع الموت والهاوية؛ حتى لا تأتى عليكم بتحالفكم مع مصر، وفكرتم أنكم بهذا تحمون أنفسكم من الهجوم الآشورى، الذى شبهتموه بالسوط الجارف؛ لأن آشور إكتسحت وأبادت كل الأمم التى صادفتها.
وظننتم أن التجاءكم للسحر والأنبياء الكذبة ينجيكم من تأديب الله على يد آشور. واعلموا أن الكذب والغش لا يقف أمام قوة الله التى ستؤدبكم.
إن رجال يهوذا يرمزون لضد المسيح الذى ينادى بأنه قد تعاهد مع الموت فلن يضره، وأنه يستتر بالخطية، مثل الكذب والغش، أما المسيح فهو الحياة الأبدية فى ملكوت السموات، وهو الحق الذى يدوم إلى الأبد.
ع16: إن كان سكان أورشليم قد زاغوا عن الحق، فيعلن الله أنه سيؤسس فى صهيون، أى أورشليم حجر امتحان، فلا يهتز أمام التجارب. وهذا ما حدث مع المسيح، عندما جربه الشيطان، وانتصر المسيح عليه. هذا الحجر سيكون حجر الزاوية، الذى يستند عليه البناء كله، أى الخلاص المقدم للعالم كله، فهو أساس الكنيسة وكل بنيان روحى.
هذا الحجر أيضاً كريمٌ، أى غالى القيمة وليس أغلى منه؛ لأنه هو الله قد أسس هذا الحجر. وهو أساساً مؤسساً، فهو الذى يُبنى عليه البناء الروحى، وهو مؤسس، أى ثابت لا يهتز ولا يتغير؛ لأنه صخر الدهور.
ومن آمن بهذا الحجر، أى الله، لا يهرب، أى لا يخزى ولا يخاف، وكل شر يهرب من أمامه، أما هو فلا يهرب ليتحالف مع أى بلد من البلاد المحيطة؛ لأنه سيكون أقوى من الكل؛ لإيمانه بالله.
ع17: مطمار : خيط فى آخره ثقل للتأكد من إستقامة الحائط المبنى من الطوب، أو الحجارة.
الله سيجعل الحق والعدل هو المقياس الذى يُقاس به البناء الروحى لكل إنسان، فلا ينحرف عنه أحد، وهو المقياس الذى يبين إيمان المؤمنين.
الله يسمح أن يأتى التأديب فى شكل البرد على سكان يهوذا، فيخطف الملجأ الذى التجأ إليه شعبه، وهو الكذب، فلا يجد شعبه ملجأً له، ويؤدبه على التوائه، وابتعاده عن الحق. والماء الناتج من ذوبان البرد يكون شديداً، فيكتسح ويزيل الستارة التى استتر وراءها شعبه، وهو الغش.
إن الحق والعدل هما المسيح والروح القدس، وهما مقياس البناء الروحى، الذى يعمل فى المؤمنين؛ ليسلكوا بالاستقامة. والروح القدس أيضاً هو الذى يؤدب المنحرفين، فيهدم كل ما استتروا به؛ ليفعلوا شرورهم.
والعدل أيضاً هو الصليب الذى فضح به الشيطان ملجأ الكذب، وقيده، وحرر أولاده من سلطانه، فنقلهم من الجحيم إلى الفردوس.
ع18: وبهذا التأديب الإلهى عن طريق آشور لشعب الله، سيزيل إدعاءاتكم الكاذبة بعهودكم مع الموت والهاوية. والسوط الجارف هو آشور الذى يأتى عليكم ويدوسكم.
ع19: وكلما عبر هذا السوط الجارف، أى آشور على شعب الله، يأخذه، أى يسبى منه الكثيرين. إن الهجوم الآشورى قد تم على ثلاثة مراحل لمملكة إسرائيل، بالإضافة إلى هجومه على مملكة يهوذا، فدمر البلاد، وأخذ سبايا كثيرين من مملكة إسرائيل.
ويعبر كل صباح، أى سيتكرر هجوم آشور، ويكون فى أوقات متنوعة فى الليل وفى النهار؛ حتى أن خبر الهجوم الأشورى يعمل إزعاجاً، أى أن مجرد ذكر إسم آشور يصبح مرعباً لكل سكان إسرائيل ويهوذا.
ع20: الالتحاف : من لحاف وهو غطاء النوم.
لقد أعد شعب الله استعدادات لا تفيده، وهى التحالف مع البلاد المحيطة به، ولم يعتمد على الله. وهذا الاستعداد ، يقول عنه إشعياء : أنه كفراش أقصر من أن يناموا عليه، ولحاف صغير لا يغطيهم، فلا يحميهم من البرد، وبالتالى ستهجم عليهم آشور، وبعدها بابل، وتدمرهم.
ع21: جبل فراصيم : عاقب الله عنده أعداء شعبه أيام داود (2صم5: 20؛
1أى14: 11).
الوطاء عند جبعون : هناك فى هذا الوادى عاقب الله أعداء شعبه أيضاً أيام يشوع بن نون.
كما عاقب الله أعداء شعبه أيام داود، وأيام يشوع لأجل خطاياهم، سيعاقب أيضاً شعبه الذى ابتعد عنه، وعبد الأوثان، وانغمس فى الشهوات. هذا هو الفعل الغريب، والعمل الغريب؛ الغريب عن حنان الله، ومحبته لشعبه؛ لأنه سمح بتأديبه ليتوب.
ع22: يوبخ الله شعبه ألا يتهكموا، ويسخروا من كلام الله، الذى أعلنه إشعياء بدعوتهم للتوبة؛ لئلا يؤدبهم الله.
ويعلن الله : أنه سيشدد ربطهم، فبدلاً من تحكم مملكة آشور، وبعدها مملكة بابل فى شعب الله بأخذهم جزية منهم، سيشدد الله الربط، أى يذهبوا للسبى كعبيد. وهذا ما حدث مع مملكة إسرائيل، وبعدها مملكة يهوذا.
ويقول إشعياء : لأنى سمعت فناء قُضى به، فهذا معناه أن الكلام مؤكد، إذ سمعه إشعياء من الله، فكفاكم تهكماً؛ لأن القضاء الإلهى صدر، وسيأتى عليكم حتماً. ولكن مازال هناك فرصة لتعديل هذا القرار الإلهى بالتوبة والرجوع إليه، وهذا هو الهدف من هذا القول.
وقضاء الله بالفناء على شعبه، أى على كل الأرض التى يعيش فيها شعبه، معناه أيضاً الهلاك الأبدى إذا تماديتم فى خطاياكم، ولم تتوبوا، فسوف لا ينتظركم إلا العذاب الأبدى.
ع23: يواصل إشعياء كلامه إلى شعبه، ولكن لإظهار أهمية ما سيعلنه الله على لسانه، فيقول : إصغوا واسمعوا … انصتوا واسمعوا؛ ليجذب انتباههم لأهمية الكلام؛ حتى يطيعوه، فيخلصوا من الخراب الآتى عليهم.
ع24، 25: يمهدها : يسويها.
الشونيز : نبات يشبه نبات الينسون وبذره يسمى “حبة البركة”.
أتلام : خطوط طويلة يحدثها المحراث فى الأرض؛ لوضع البذور فيها.
الحنطة : القمح.
القطانى : نوع من البقول.
يتساءل الله بطريقة استنكارية، فيقول : هل يحرث الحارث أرضه كل يوم؛ بالطبع لا؛ لأن عملية الحرث هى أول مرحلة فى الزراعة، وبعدها تأتى عمليات أخرى، مثل الرى والتسميد ومقاومة الآفات.
إن الفلاح يحرث أرضه لينقيها من الحشائش الغريبة، ويقلبها، فيهويها، ثم يصنع خطوطاً أعمق قليلاً ليضع فيها البذور، ثم يغطيها، ويسوى الأرض، وبخبرته يضع البذور حسب نوع النبات بالطريقة المناسبة له؛ حتى يحصل على نباتات جيدة، تعطيه ثماراً كما يريد.
ولكل نبات معاملة خاصة، ومكان خاص لزراعته، فالشونيز غير الكمون غير الحنطة والشعير والقطانى.
ع26-28: يدرسه بالنورج : النورج عبارة عن مقعد يجلس عليه الفلاح، له عجل عبارة عن سكاكين؛ لتقطيع النباتات الجافة، وفصل الحبوب عن القش بالمرور عليها، ويجر هذا النورج حيوانات.
الله يعلم الفلاح ويرشده، ليس فقط فى زراعة النباتات، بل أيضاً عندما يحصدها، كيف يفصل الحبوب؛ ليستفيد منها، فيخرج الحبوب من أعواد النباتات التى تحملها. وهناك طريقتان للحصول على الحبوب هى :
- ضرب النباتات ذات الحبوب الصغيرة، مثل الشونيز والكمون بالقضيب، أو العصا.
- درس النباتات بالنورج، مثل الحنطة والشعير، لفصل البذور عن القش، دون أن يسحق، أى يكسر البذور.
وهذه الوسائل ترمز إلى وسائل الله فى تأديبه شعبه، فإن كان الضرب بالعصا كافياً، أى تأديباً صغيراً، يكفى لتوبة الشعب، ورجوعه إلى الله، يستخدمه الله. ولكن إن كان الشعب يحتاج إلى تأديب شديد، وسحق وتحطيم، كما يفعل النورج للحصول على الحبوب وفصلها عن القش، فالله يستخدم هذه الوسائل الشديدة، مثل السبى، وقتل الكثيرين؛ ليتوب الباقون.
ع29: الله قال هذا المثل الزراعى؛ ليبين عمله مع البشر، كما أعطى المسيح مثل الزارع (مت13)؛ ليبين كيف يعطى الله كلمته للناس. فالله يمهد قلوب الناس لسماعه، ثم يعطى البذار، وهى كلمته، وينتظر حتى تنمو النباتات، ويغذيها بالماء والسماد، وبعد هذا يحصد الثمار. ويحتاج للحصول على الثمار الروحية من البشر إلى بعض التأديبات الصغيرة، أو الكبيرة حسب حالة كل إنسان؛ ليعيد الكل إليه بالتوبة، فيجدوا خلاصهم. هذا هو الرأى الإلهى العجيب الذى يقدم لكل إنسان ما يناسبه؛ حتى يرجع إليه، ويحيا معه. الله يتعامل معك بطرق مختلفة؛ لتنتبه وترجع إليه، وتعرفه. فحاول أن تتجاوب معه، لا تهمل كلامه؛ أو تقسى قلبك، ولكن عندما تفهم أن الله يدعوك، فلا ترفض، وأسرع إليه، فتجد راحتك.