أسباب هلاك أورشليم
(1) خراب أورشليم (ع1-8):
1وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ وَادِي الرُّؤْيَا: فَمَا لَكِ أَنَّكِ صَعِدْتِ جَمِيعًا عَلَى السُّطُوحِ، 2يَا مَلآنَةُ مِنَ الْجَلَبَةِ، الْمَدِينَةُ الْعَجَّاجَةُ، الْقَرْيَةُ الْمُفْتَخِرَةُ؟ قَتْلاَكِ لَيْسَ هُمْ قَتْلَى السَّيْفِ وَلاَ مَوْتَى الْحَرْبِ. 3جَمِيعُ رُؤَسَائِكِ هَرَبُوا مَعًا. أُسِرُوا بِالْقِسِيِّ. كُلُّ الْمَوْجُودِينَ بِكِ أُسِرُوا مَعًا. مِنْ بَعِيدٍ فَرُّوا. 4لِذلِكَ قُلْتُ: «اقْتَصِرُوا عَنِّي، فَأَبْكِي بِمَرَارَةٍ. لاَ تُلِحُّوا بِتَعْزِيَتِي عَنْ خَرَابِ بِنْتِ شَعْبِي». 5إِنَّ لِلسَّيِّدِ رَبِّ الْجُنُودِ فِي وَادِي الرُّؤْيَا يَوْمَ شَغبٍ وَدَوْسٍ وَارْتِبَاكٍ. نَقْبُ سُورٍ وَصُرَاخٌ إِلَى الْجَبَلِ. 6فَعِيلاَمُ قَدْ حَمَلَتِ الْجَعْبَةَ بِمَرْكَبَاتِ رِجَال فُرْسَانٍ، وَقِيرُ قَدْ كَشَفَتِ الْمِجَنَّ. 7فَتَكُونُ أَفْضَلُ أَوْدِيَتِكِ مَلآنَةً مَرْكَبَاتٍ، وَالْفُرْسَانُ تَصْطَفُّ اصْطِفَافًا نَحْوَ الْبَابِ. 8وَيَكْشِفُ سِتْرَ يَهُوذَا، فَتَنْظُرُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ إِلَى أَسْلِحَةِ بَيْتِ الْوَعْرِ.
ع1: هذا الأصحاح وحى من الله عن وادى الرؤيا. والمقصود بوادى الرؤيا أورشليم، لما يلى:
- تمت فيها إعلانات ورؤى إلهية كثيرة، خاصة للأنبياء. والله قصد أن ينبههم لقداسة المدينة.
- رغم أن أورشليم مبنية على خمسة تلال، ولكن حولها جبال أعلى منها؛ لذلك تعتبر وادى بالنسبة للجبال المحيطة بها.
أما صعود سكان أورشليم على أسطح منازلهم، أو على الأسوار، فلعل هذا من أجل ما يلى :
- ظنوا أن بدفع حزقيا المال المطلوب إلى سنحاريب، قد صاروا في أمان (2مل18: 14-16) فصعدوا للأسطح فرحين.
- أخبر إشعياء النبى الملك حزقيا بأن الله سيدافع عن المدينة، فصعد الشعب إلى الأسطح؛ ليروا ماذا سيعمل الله.
ع2: الجلبة : الهياج والأصوات المرتفعة.
العجاجة : المشاغبة المضطربة.
يخاطب إشعياء مدينة أورشليم، المتكبرة، والمفتخرة بهيكل الله الذى فيها، ليس ليتمتعوا بالعبادة فيه، ولكن كنوع من الغرور. ويعبر سكانها عن هذا الكبرياء بأصواتهم المرتفعة، واعتراضاتهم، وخلق المشاكل، وهم بعيدون عن الله، رغم مظهرهم أنهم بجوار الهيكل متميزين في معرفة شريعة الله، التى لا يعملون بها، وهم يتظاهرون بالعبادة الشكلية بدون حياة عملية.
ويقول إشعياء عنهم أنهم ليسوا موتى بالسيف، أو الحرب، بل الخطايا والشهوات والظلم هو الذى قتلهم؛ لأنهم بعيدون عن الله، وينتظرهم الموت والهلاك الأبدى.
ع3: القسى : جمع قوس، وهو ما يضرب به السهام.
من الأمور المزعجة في مدينة أورشليم أنه عندما هجمت بابل على المدينة، أسرع الرؤساء في أنانية ليهربوا، تاركين الشعب ليهلك، ولكن لأنهم أسرى شهواتهم، فقد أسرهم الأعداء، وقبضوا عليهم عندما هربوا، فقد أسروا بأسلحة الأعداء التى هى القسى، وهكذا تخلى الرؤساء عن مسئولياتهم كرعاة لهذا الشعب، فعاقبهم الله بأن أسرهم الأعداء.
ع4: اقتصروا : ابتعدوا.
تأثر إشعياء جداً عندما رأى أن أورشليم ستخرب، وتحرق، فينادى كل الناس أن يبتعدوا عنه، ويتركوه وحده؛ ليبكى بحزن شديد على مدينته المحبوبة، المدينة المقدسة أورشليم، التى سيخربها البابليون، ويقتلون من فيها. ويقول للناس : إن تعزياتكم لا تستطيع أن تهدئ قلبى الحزين، فلا تلحوا علىَّ بكلام التعزية، إتركونى وحدى، والله قادر أن يعزينى.
هذه هى مشاعر الأب الحقيقى، و الخادم الأمين، الذى يحب شعبه، مهما كانت خطاياه، فهو يريد خلاصه، كما قال بولس الرسول : “من يضعف وأنا لا أضعف، من يعثر وأنا لا ألتهب” (2كو11: 29).
إن أبوة إشعياء ترمز إلى أبوة المسيح، الذى رأى أورشليم ستنهدم، وهيكلها أيضاً سيخرب بسبب شرها، وذلك فى عام 70م على يد تيطس القائد الرومانى؛ لذا بكى عليها. أما اليهود وقتذاك فقد استمروا في كبريائهم وخطاياهم، ورفضوا طاعة كلام المسيح، بالضبط كما فعل شعب الله أيام إشعياء، فقد انغمسوا في حفلاتهم وتنعماتهم، ولم يطيعوا كلام الله على فم إشعياء، فبكى إشعياء على المدينة المقدسة أورشليم، التى ستخرب، ليس على يد الأشوريين، فالله سينصرهم من أجل قداسة حزقيا الملك، ولكنها ستخرب على يد بابل بسبب شرور ملوك يهوذا، والشعب وراءهم.
ع5: نقب : كسر السور وعمل ثقب فيه.
يواصل إشعياء كلامه عن يوم خراب أورشليم على يد بابل، ويسمى أورشليم وادى الرؤيا، كما سبق وذكرنا في (ع1) ويقول رب الجنود، أى الله القوى الآتى لتأديب شعبه بيد بابل، لعله يتوب.
يصف يوم هجوم بابل على أورشليم بأنه يوم شغب ودوس وارتباك؛ هذا ما سيحدث في داخل أورشليم؛ إذ سيرتبك الملك والرؤساء وكل الشعب، ويأمر الملك صدقيا آخر ملوك يهوذا أن ينقبوا في سور أورشليم ويعملوا فتحة فيه، ويهرب منها صدقيا، ولكن البابليين قبضوا عليه هو وبنيه ورؤساء شعبه، وأتوا به إلى نبوخذنصر.
وكان هناك صراخ في المدينة من كل الشعب لخوفهم من بابل، حتى وصل صراخهم إلى الجبل الذى بجوار أورشليم، وهكذا تحول وادى رؤية الله ومدينة أورشليم مدينة السلام، إلى مدينة كلها شغب ودوس وارتباك بسبب إصرار شعب الله على الخطية وعبادة الأوثان.
ع6: عيلام : بلاد كانت تقع شرق بابل وجنوب آشور.
جعبة : كيس جلدى يضع فيه المحارب السهام.
قير : عاصمة مملكة موآب، التى تقع شرق اليهودية.
المجن : الترس الكبير، وهو آلة دفاعية يحركها الجندى أمام وجهه وجسمه لحمايته من السهام.
آشور التى كانت تحكم العالم أيام إشعياء احتلت عيلام، واستخدمت جنودها كمرتزقة تابعين لها، وكذلك تحالفت مع موآب، فتحركوا جميعاً لمحاربة مملكة يهوذا. فعيلام حملت جعبتها المملوءة سهاماً للحرب، ومعها فرسانها ومركباتها. وقير كشفت الآلات الدفاعية فى الحرب، وهى المجن، فالكل مستعد لمحاربة مملكة يهوذا.
وهكذا نجد أن إشعياء انتقل من الكلام عن بابل التى ستهجم على مملكة يهوذا وتخربها فى (ع4، 5)، إلى الكلام عن آشور، التى سبقت بابل فى تخريب بلاد اليهودية ومحاصرة أورشليم؛ ليبين أن الله يؤدب شعبه فى هذه البلاد؛ ليتوب ويرجع إليه.
ع7: ويستكمل إشعياء كلامه عن جيوش آشور التى تكلم عنها في (ع6)، فيقول : إن الأودية المحيطة بأورشليم ستمتلئ بمركبات الأعداء، والفرسان على الخيل يقفون صفوفاً صفوفاً بالقرب من أبواب أورشليم.
ع8: بيت الوعر : مبنى أقامه سليمان الملك، ووضع فيه أسلحة كثيرة؛ ليستخدمها الجنود في الحرب.
يكشف الله ستر مملكة يهوذا، إذ يتخلى عنها؛ لتأديبها لأنها عبدت الأصنام، وانغمست في الشهوات، فتستولى آشور على 46 مدينة فى اليهودية، وتحاصر أورشليم، التى انكشفت فأصبح الطريق سهلاً إليها. والله أيضاً كشف ستره عن مملكة يهوذا وأورشليم لابتعاد أهلها عنه، واعتمادها على العالم والشهوات.
عند حلول الحرب ينظر جنود مملكة يهوذا إلى بيت الوعر، فلا يجدون أسلحة تكفيهم أمام أعداد الأعداء الكثيرة. وهكذا لجأ شعب الله إلى الأسلحة ولم يريدوا الالتجاء إلى الله نفسه؛ لينجدهم وينقذهم من أعدائهم.
الشيطان يريد تخريب نفسك، ولا يستطيع إن اتكلت على الله، ولكن إن نسيت الله، وتعلقت بشهوات العالم، واعتمدت عليها، فبالطبع سيتخلى عنك الله. فلا تهلك نفسك، بل إسرع للرجوع إلى الله.
(2) رفض التوبة (ع9-14):
9وَرَأَيْتُمْ شُقُوقَ مَدِينَةِ دَاوُدَ أَنَّهَا صَارَتْ كَثِيرَةً، وَجَمَعْتُمْ مِيَاهَ الْبِرْكَةِ السُّفْلَى.10وَعَدَدْتُمْ بُيُوتَ أُورُشَلِيمَ وَهَدَمْتُمُ الْبُيُوتَ لِتَحْصِينِ السُّورِ. 11وَصَنَعْتُمْ خَنْدَقًا بَيْنَ السُّورَيْنِ لِمِيَاهِ الْبِرْكَةِ الْعَتِيقَةِ. لكِنْ لَمْ تَنْظُرُوا إِلَى صَانِعِهِ، وَلَمْ تَرَوْا مُصَوِّرَهُ مِنْ قَدِيمٍ. 12وَدَعَا السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ إِلَى الْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ وَالْقَرَعَةِ وَالتَّنَطُّقِ بِالْمِسْحِ، 13فَهُوَذَا بَهْجَةٌ وَفَرَحٌ، ذَبْحُ بَقَرٍ وَنَحْرُ غَنَمٍ، أَكْلُ لَحْمٍ وَشُرْبُ خَمْرٍ! «لِنَأْكُلْ وَنَشْرَبْ، لأَنَّنَا غَدًا نَمُوتُ». 14فَأَعْلَنَ فِي أُذُنَيَّ رَبُّ الْجُنُودِ: «لاَ يُغْفَرَنَّ لَكُمْ هذَا الإِثْمُ حَتَّى تَمُوتُوا، يَقُولُ السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ».
ع9: عندما شعر اليهود بقرب تدخل آشور، وهجومها على مملكة يهوذا، نظروا فوجدوا شقوقاً في مدينة أورشليم؛ لعلها تكون في السور، أو في البيوت الملاصقة للسور، فأرادوا سد هذه الشقوق؛ لتقوية السور.
ولاحظوا أيضاً أن مياه البركة السفلى، وتسمى أيضاً بالعتيقة (ع11) خارج أسوار أورشليم، فخافوا أن يستخدمها الأعداء، الذين يمكن أن يحاصروا أورشليم، أو يردموها، ففكروا كيف يحافظون على مياه هذه البركة، فتكون لهم، وليس للأعداء؟
هذه الأفكار مفيدة، وبناءة، ولكن الأهم منها الالتجاء إلى الله بالصلاة، وطلب معونته؛ ليحميهم من الأعداء، ويرشدهم ويسندهم في عمل هذه التحصينات.
ع10: فحص بنو إسرائيل سور أورشليم، والبيوت المبنية على السور، وعدوا عدد الشقوق، والبيوت المشققة، وهدموا البيوت الغير نافعة، واستخدموا حجارتها لترميم السور، فصار السور قوياً، ونافعاً في حماية المدينة.
ع11: استطاع الملك والرؤساء في أورشليم أن يجمعوا مياه البركة العتيقة (القديمة)، وذلك ببناء سور جديد، واستخدام التل الموجود طبيعياً بعد المدينة بقليل؛ حتى أن مياه البركة أصبحت داخل سور المدينة، محصورة بين سورين تابعين للمدينة، وعملوا خندقاً. كل هذه الأعمال عظيمة، خاصة وأن المياه قليلة في المدينة، وهذا يوفر ماءً كافياً لاحتياجاتها.
ولكن مازالت المشكلة، فى عدم اهتمام سكان أورشليم في الرجوع إلى الله بالصلاة، وطلب معونته، فلا فائدة من كل هذه التحصينات، إلا بالرجوع إلى الله. وهذا ما قام به حزقيا الملك الصالح وإشعياء، وبعض الأتقياء، فتدخل الله وأنقذهم من يد جيوش الأشوريين.
ع12، 13: القرعة : حلق الشعر.
التنطق : إرتداء.
المسح : ملابس خشنة دليل على التقشف والتذلل.
نحر : ذبح.
طلب الله من شعبه على فم إشعياء أن يبكوا وينوحوا على خطاياهم، ويحلقوا رؤوسهم بدلاً من التزين بالشعر، ولبس المسوح بدلاً من الثياب الفاخرة، أى يصلون، ويتذللون أمام الله؛ ليرحمهم ويغفر لهم، ولكنهم للأسف انشغلوا عن الله، فعملوا حفلات لإشباع شهواتهم، وذبحوا ذبائح كثيرة من الغنم والبقر، وشربوا الخمر، وانهمكوا في شهواتهم.
من الغريب أن الله يسعى لخلاص شعبه، أما شعبه فيتبعد عنه، وينهمك في الشهوات ، مطيعاً لعدو الله إبليس، بل قال الشعب لنفسه لنفرح، ونشبع، فنهاية حياتنا هى الموت، أى يؤكد الانغماس في الشهوات، وإهمال الله والتوبة، فهو رفض صريح لنداء الله بالتوبة والرجوع إليه.
ع14: أعلن الله لإشعياء أنه لن يغفر لشعبه، المتمادى في خطاياه وشهواته، والرافض للتوبة طوال حياته؛ حتى يموت، وبالتالى لا ينتظره إلا الموت والهلاك الأبدى. وإن كان هذا أمر حتمى، ونتيجة طبيعية لرفض التوبة، ولكنه محزن جداً لقلب الله، ولإشعياء؛ لأنه يحب شعبه، أما الشعب فللأسف لا يريد أن يسمع صوت الله.
ولأجل أهمية كلام الله الذى قاله لإشعياء، يقول إشعياء : “أعلن في أذنى”، فهو كلام هام جداً، ثم يقول رب الجنود، أى الله القوى القادر على كل شىء، وقادر على إتمام كلامه.
الله يعطيك فرصاً متتالية للتوبة، ويناديك كثيراً؛ لترجع إليه، فلا تبتعد عنه بسبب مشاغلك، وانهماكك في مشاكلك، فتضيع فرصة نجاتك بالتوبة، وتمتعك بالأبدية السعيدة.
(3) هلاك مشير الملك (ع15-19):
15هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ: «اذْهَبِ ادْخُلْ إِلَى هذَا جَلِيسِ الْمَلِكِ، إِلَى شِبْنَا الَّذِي عَلَى الْبَيْتِ: 16مَا لَكَ ههُنَا؟ وَمَنْ لَكَ ههُنَا حَتَّى نَقَرْتَ لِنَفْسِكَ ههُنَا قَبْرًا أَيُّهَا النَّاقِرُ فِي الْعُلُوِّ قَبْرَهُ، النَّاحِتُ لِنَفْسِهِ فِي الصَّخْرِ مَسْكَنًا؟ 17هُوَذَا الرَّبُّ يَطْرَحُكَ طَرْحًا يَا رَجُلُ، وَيُغَطِّيكَ تَغْطِيَةً. 18يَلُفُّكَ لَفَّ لَفِيفَةٍ كَالْكُرَةِ إِلَى أَرْضٍ وَاسِعَةِ الطَّرَفَيْنِ. هُنَاكَ تَمُوتُ، وَهُنَاكَ تَكُونُ مَرْكَبَاتُ مَجْدِكَ، يَا خِزْيَ بَيْتِ سَيِّدِكَ. 19وَأَطْرُدُكَ مِنْ مَنْصِبِكَ، وَمِنْ مَقَامِكَ يَحُطُّكَ.
ع15: هذه نبوة يعلنها إشعياء عن شخصية هامة في قصر الملك حزقيا، ويسميه جليس الملك، والمقصود مستشاره الخاص، أو وزيره الأول، ويذكر الكتاب المقدس عنه في (2مل18: 37) أنه كاتب الملك، أى المسئول عن تسجيل أحداث معينة هامة خاصة بالملك.
ويذكر إشعياء في هذه الآية أنه كان مسئولاً عن البيت، والمقصود بيت الله، أى الهيكل، وطبعاً ليس مسئولاً عن الطقوس، أو الشريعة، فهذه مسئولية الكهنة واللاويين، ولكنه يبدو أنه كان مسئولاً عن النواحى المالية الخاصة بالهيكل.
ويقول التقليد اليهودى عنه أنه كان أنانياً، وجشعاً، وطَموحاً طُموحاً سيئاً؛ حتى أنه كان ينوى خيانة الملك حزقيا.
ويلاحظ أنه لم يذكر إسم والده، أو عشيرته؛ لذا يقول التقليد عنه أنه كان غريب الجنس.
ويظهر احتقار الله له بقوله لإشعياء : “أدخل إلى هذا”، ثم لقب الله أنه رب الجنود، أى الإله القوى العادل، الذى سيجازى كل واحد بحسب أعماله.
ع16: يوبخ الله شبنا هذا على ما يلى :
- “مالك ههنا، ومن لك ههنا”، فهذا يؤكد أنه غريب الجنس، فكان ينبغى أن يحترم قبول حزقيا له، وإعطاءه مسئولية كبيرة، فيكون خاضعاً ومطيعاً، ومتضعاً، ومع ذلك قد ازداد في تسلطه.
- كبرياء شبنا لأنه نحت له قبراً مثل ملوك يهوذا على صخرة عالية.
- عدم إيمانه بكلام الله على فم إشعياء، الذى أعلن تخريب بابل للهيكل، وسبى الشعب، ومع هذا ذهب شبنا وبنى له قبراً عظيماً مثل الملوك.
ع17-19: يأتى العقاب الإلهى الذى أمر به الله على فم إشعياء، ويظهر فيما يلى :
- الله يطرحه من منصبه وعجرفته وكبريائه وتسلطه.
- يغطيه الله تغطية، أى لا يذكر له إسم، بل يُهمل ويفقد كل عظمته وصيته.
- طريقة طرح شبنا مخزية، بأن يتدحرج مثل الكرة في أرض واسعة، أى يكون بلا قيمة، مثل كرة تضرب، فتجرى ولا يهتم بها أحد؛ حتى يموت.
- وإذ يوضع في القبر تنتهى أمجاده، والمركبات العظيمة التى كان يركبها، ويظهر خزيه، وأنه أحقر من كان في قصر حزقيا الملك.
وشبنا هذا يرمز إلى ضد المسيح الذى يظهر عظمته، ويظهر عظيماً في بيت الرب، ولكن نهايته هى الخزى والهلاك في العذاب الأبدى.
إحرص على الاتضاع، فهو طريق الحياة الأبدية السعيدة، وإن سقطت في الكبرياء بشكل، أو بآخر فأسرع إلى التوبة، لتستعيد وضعك السليم واتضاعك.
(4) إقامة ألياقيم بدلاً من شبنا (ع20-25):
20«وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنِّي أَدْعُو عَبْدِي أَلِيَاقِيمَ بْنَ حِلْقِيَّا 21وَأُلْبِسُهُ ثَوْبَكَ، وَأَشُدُّهُ بِمِنْطَقَتِكَ، وَأَجْعَلُ سُلْطَانَكَ فِي يَدِهِ، فَيَكُونُ أَبًا لِسُكَّانِ أُورُشَلِيمَ وَلِبَيْتِ يَهُوذَا. 22وَأَجْعَلُ مِفْتَاحَ بَيْتِ دَاوُدَ عَلَى كَتِفِهِ، فَيَفْتَحُ وَلَيْسَ مَنْ يُغْلِقُ، وَيُغْلِقُ وَلَيْسَ مَنْ يَفْتَحُ. 23وَأُثَبِّتُهُ وَتَدًا فِي مَوْضِعٍ أَمِينٍ، وَيَكُونُ كُرْسِيَّ مَجْدٍ لِبَيْتِ أَبِيهِ. 24وَيُعَلِّقُونَ عَلَيْهِ كُلَّ مَجْدِ بَيْتِ أَبِيهِ، الْفُرُوعَ وَالْقُضْبَانَ، كُلَّ آنِيَةٍ صَغِيرَةٍ مِنْ آنِيَةِ الطُّسُوسِ إِلَى آنِيَةِ الْقَنَّانِيِّ جَمِيعًا. 25فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ، يَزُولُ الْوَتَدُ الْمُثْبَتُ فِي مَوْضِعٍ أَمِينٍ وَيُقْطَعُ وَيَسْقُطُ. وَيُبَادُ الثِّقْلُ الَّذِي عَلَيْهِ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ تَكَلَّمَ».
ع20، 21: يعلن الله كلامه ويقول : “في ذلك اليوم”، والمقصود اليوم الذى يعزل فيه شبنا. ويصف إشعياء ألياقيم الذى يأخذ مكان شبنا بصفات جميلة كثيرة هى :
- اسمه ألياقيم ومعناه “من يثبته الله”، وهذا يعنى أن الله ليس فقط راضياً عنه، بل يثبته في مركزه ومكانه الذى وهبه له.
- يقول الله : “أدعو”، فالله هو الذى دعا ألياقيم، فهو لم يأتِ من نفسه، أو برأى الناس، بل بدعوة إلهية.
- يدعوه الله عبدى، أى الخاضع لى والمطيع لكلامى.
- يلبسه الله ثوب شبنا، ويشده بمنطقته. وكان شبنا يعتز بهذه الثياب والمنطقة، فينقل الله هذا المظهر والعظمة إلى ألياقيم، أى يمجده في نظر كل من حوله، وهذا معناه أن الله يحبه، فيتمجد فيه.
- يعطيه الله سلطان شبنا، وهذه مساندة إلهية؛ لأن الله هو معطى السلطان، فيصير ألياقيم واثقاً من نفسه، مستقراً، ومتكلاً على الله. وكما تجرد شبنا من سلطانه، سيجرد الله الشيطان؛ ضد المسيح من سلطانه، ويكون السلطان كله لألياقيم الذى يرمز للمسيح.
- يميزه الله بالأبوة لكل شعب مملكة يهوذا، وهذه صفة أساسية في القائد الروحى، أن يكون أباً، فيستطيع أن يجمع الشعب في محبة الله، ويحتضنهم، ويساندهم، ويحل مشاكلهم.
ع22: يستكمل الله صفات ألياقيم فيقول :
- يكون مفتاح بيت داود، أى السلطان كله، على كتفه، فيفتح ولا أحد يغلق ويغلق ولا أحد يفتح، أى يكون له السلطان الكامل، ولا يستطيع أحد أن يقف أمامه.
والمفتاح لا يوضع على الكتف، ولكنه رمز للصليب الذى حمله المسيح، ففتح به باب الفردوس لكل المؤمنين به، وأغلق به على الشيطان، وألقاه في العذاب الأبدى.
وقد ذُكرت هذه الآية بنفس الكلمات عن المسيح القدوس في (رؤ3: 7)، وهذا يؤكد أن ألياقيم رمز للمسيح.
ع23: ويضيف الله أيضاً من صفات ألياقيم، فيقول :
- أنه يثبت ألياقيم وتداً في موضع أمين، أى يجعل كرسيه ثابتاً، فالوتد هو الذى يثبت الخيمة، أى أنه يجعل ألياقيم ثابتاً في مكانه وسلطانه.
وهو في هذا أيضاً يرمز للمسيح، الذى يثبت إلى الأبد في سلطانه وملكه.
- ويجعل الله ألياقيم كرسى مجد في بيت أبيه، أى يكون فخراً لأسرته.
وهذا أيضاً ينطبق على المسيح، الذى هو فخر كل المسيحيين المؤمنين به.
ع24: القضبان : الفروع الصغيرة.
الطسوس : الآنية الكبيرة.
القنانى : آنية صغيرة جداً.
وكذلك يقول الرب عن صفات ألياقيم :
- يعلقون على ألياقيم كل مجد بيت أبيه، أى يكون هو ملجأ وسند للكبار الذين يُرمز لهم بالفروع والطسوس، وكذا الصغار الذين يُرمز لهم بالقضبان والقنانى. بالإضافة إلى الرجال والنساء، الأغنياء والفقراء….
وهنا أيضاً يرمز ألياقيم للمسيح، الذى هو مخلص جميع البشر المؤمنين به، وأيضاً ملجأ وحصن للكل.
ع25: هذه الآية نبوة واضحة يختم بها الله كلامه لإشعياء، وهى عن المسيح؛ المسيا المنتظر، ومعناها :
+ “في ذلك اليوم” : وهو يوم صلب المسيح.
+ “يقول رب الجنود” : لأن الرب قد تكلم، الله القوى القادر على كل شىء، والذى حتماً سيتم كلامه.
+ “يزول الوتد المثبت في موضع أمين” : يصلب المسيح في مكان الجلجثة بعد أن أتم تبشيره في أورشليم واليهودية. فالجلجثة يُقال أنها مكان دفن آدم، وقد أتى المسيح لخلاص آدم وبنيه.
والمكان الأمين أيضاً هى أورشليم المدينة المقدسة، واليهودية التى حولها، التى يسكن فيها شعب الله، وبشرهم المسيح، ولكنهم رفضوه وصلبوه، فيزول عنهم الوتد، أى المسيح، ويموت ليفديهم.
+ “ويقطع ويسقط ويباد الثقل الذى عليه” : أى تزول الخطية التى حملها المسيح، لأنه بموته داس الموت وهو سلطان الخطية، فلم يعد بعد هذا يخيف المؤمنين به؛ لأن الموت ينقلهم إلى فردوس النعيم.
وهذه الآية أيضاً تنطبق على شبنا، الذى مات بخزى، وأخذ ألياقيم مكانه وسلطانه. الله يريدك أن تكون متسلطاً على حواسك وأفكارك ومشاعرك، أى تكون إرادتك قوية في ضبط نفسك، فتتمتع بسكنى المسيح فيك، ويفرحك، ويطمئنك في كل خطواتك.