الله يخلص أورشليم
(1) مجد أورشليم الآتي (ع1-4):
1اَلأُمُورُ الَّتِي رَآهَا إِشَعْيَاءُ بْنُ آمُوصَ مِنْ جِهَةِ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ: 2وَيَكُونُ فِي آخِرِ الأَيَّامِ أَنَّ جَبَلَ بَيْتِ الرَّبِّ يَكُونُ ثَابِتًا فِي رَأْسِ الْجِبَالِ، وَيَرْتَفِعُ فَوْقَ التِّلاَلِ، وَتَجْرِي إِلَيْهِ كُلُّ الأُمَمِ. 3وَتَسِيرُ شُعُوبٌ كَثِيرَةٌ، وَيَقُولُونَ: «هَلُمَّ نَصْعَدْ إِلَى جَبَلِ الرَّبِّ، إِلَى بَيْتِ إِلهِ يَعْقُوبَ، فَيُعَلِّمَنَا مِنْ طُرُقِهِ وَنَسْلُكَ فِي سُبُلِهِ». لأَنَّهُ مِنْ صِهْيَوْنَ تَخْرُجُ الشَّرِيعَةُ، وَمِنْ أُورُشَلِيمَ كَلِمَةُ الرَّبِّ. 4فَيَقْضِي بَيْنَ الأُمَمِ وَيُنْصِفُ لِشُعُوبٍ كَثِيرِينَ، فَيَطْبَعُونَ سُيُوفَهُمْ سِكَكًا وَرِمَاحَهُمْ مَنَاجِلَ. لاَ تَرْفَعُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ سَيْفًا، وَلاَ يَتَعَلَّمُونَ الْحَرْبَ فِي مَا بَعْدُ.
ع1: في هذا الأصحاح تبدأ نبوة الله التى أعطاها لأشعياء عن مملكة يهوذا، وعاصمتها أورشليم، وتمتد هذه النبوات حتى الأصحاح الرابع.
وغالبًا كانت هذه النبوات أيام آحاز الملك الذي ملك بعد يوثام أبيه، وكان وقت أبيه غنى كثير في أورشليم ويهوذا، وأضاف آحاز للغني، ونشر عبادة الأوثان في المملكة. وهذه الآيات من (ع1-4) تتكلم ليس عن أورشليم وقت أشعياء، أو آحاز الملك، بل عن مستقبلها فى العهد الجديد. ونفس النبوة رآها وأعلنها ميخا النبى فى نبوته (مى 4:1-3)، وميخا النبى هذا كان معاصرًا لأشعياء، أى أن الله أراد تأكيد كلامه على فم نبيين فى نفس الوقت، إذ على فم شاهدين تقوم كل كلمة، وليعطى رجاء ودعوة للتوبة لشعبه.
ع2: يتكلم فى هذه الآية عن أورشليم فى آخر الأيام، أي بعد مئات السنين، عندما يتجسد المسيح، ويقيم كنيسة العهد الجديد. هذا هو جبل بيت الرب الذى يكون ثابتًا على رأس الجبال، فهو ليس فقط هيكل العهد القديم القائم على خمسة جبال، أو تلال، أهمها جبل صهيون، بل جبل كنيسة العهد الجديد الثابت على صخر الدهور الذى هو المسيح، ويرتفع فوق كل تلال العهد القديم، أى فوق التلال التى قام عليها هيكل سليمان.
وتجرى أيضًا إليه كل الأمم، أى تؤمن الأمم بالمسيح وتكون كنائس فى العالم كله. هذا هو الجبل الثابت إلى الأبد، الذى حجر الزاوية فيه هو المسيح.
ع3: هذا الجبل الجديد، جبل أورشليم الجديدة، التى هي كنيسة العهد الجديد، هو الذي تسير شعوب كثيرة إليه، ويقولون : هلم نصعد إلى جبل الرب، إلى بيت إله يعقوب، الذى هو الكنيسة، فيعلمنا من طرقه. وهذا الجبل هو الجبل الذى أعطي المسيح العظة من فوقه (العظة على الجبل مت 5-7)، وهو أيضًا الجبل الذي انتصر عليه المسيح على الشيطان، أى جبل التجربة، وايضًا هو جبل التجلى، الذي تجلى عليه المسيح مع موسى وإيليا، ثم قمة الجبال، وهو جبل الجلجثة، الذى ارتفع عليه صليب المخلص، وفدانا من خطايانا.
وهكذا يتعلم المؤمنون بالمسيح من اليهود، أو الأمم، تعاليم المسيح،ويسلكون فيها، ويأخذون كل القوة من الله من خلال الكنيسة وأسرارها، وتعاليمها.
وبهذا نرى أن كنيسة العهد الجديد تتصف بما يلي:
1- جبل، أى مرتفعة إلى السماء فى علاقة قوية مع الله بقوة الروح القدس، وترفع المؤمنين بها فى روحانية؛ ليسلكوا كملائكة الله على الأرض.
2- ثابتة لا يتزعزع إيمانها، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها، وتمتد إلى الملكوت السماوي.
3- مرحبة بكل أمم العالم، فهى لا تقتصر على المؤمنين من اليهود، بل تحتوى العالم كله، كل من يؤمن بالمسيح.
4- معلمة للمسكونة كلها، للمؤمنين بالمسيح، فتعلمهم شريعة العهد الجديد، وكلمة الرب.
ع4: فيطبعون : يحولون.
سككًا : سكينة المحراث.
مناجل: جمع منجل، وهو آلة زراعية قديمة لها يد خشبية يخرج منها قطعة حديدية حادة، أو مسننة على شكل هلال، وتستخدم فى حصاد النباتات (حشها).
ربنا يسوع المسيح فى كنيسة العهد الجديد يقضى بين الأمم؛ لأنه هو الديان، ويقودهم إلى المحبة والتصالح والسلام، فيحولون آلاتهم الحربية إلى أدوات زراعية، أى تحويل الشر إلى عمل الخير الإيجابي، فيحيوا فى سلام. وبهذا ينصف الله المظلومين، وينقذهم، ليس فقط من يد ظالميهم البشر، بل بالأولى من يد الشيطان، ويملك على قلوبهم بالحب، فيحبوا بعضهم بعضًا. وهذا يحدث جزئيًا فى كنيسة العهد الجديد، ويكمل فى ملكوت السموات. هذه هى الصفة الخامسة لكنيسة العهد الجديد، وهي الحب والسلام، التى تكمل صفات الكنيسة الأربعة السابق ذكرها فى الآية السابقة (ع3).
حتى تحيا مستريحًا وفرحًا، إثبت في الكنيسة لتحب الله، وتستند عليه، وتحب كل من حولك، وتسمو نحو السماء، فيكون لك مكان أيضًا فى الملكوت.
(2) خطايا أورشليم (ع5-9):
5يَا بَيْتَ يَعْقُوبَ، هَلُمَّ فَنَسْلُكُ فِي نُورِ الرَّبِّ. 6فَإِنَّكَ رَفَضْتَ شَعْبَكَ بَيْتَ يَعْقُوبَ لأَنَّهُمُ امْتَلأُوا مِنَ الْمَشْرِقِ، وَهُمْ عَائِفُونَ كَالْفِلِسْطِينِيِّينَ، وَيُصَافِحُونَ أَوْلاَدَ الأَجَانِبِ. 7وَامْتَلأَتْ أَرْضُهُمْ فِضَّةً وَذَهَبًا وَلاَ نِهَايَةَ لِكُنُوزِهِمْ، وَامْتَلأَتْ أَرْضُهُمْ خَيْلًا وَلاَ نِهَايَةَ لِمَرْكَبَاتِهِمْ. 8وَامْتَلأَتْ أَرْضُهُمْ أَوْثَانًا. يَسْجُدُونَ لِعَمَلِ أَيْدِيهِمْ لِمَا صَنَعَتْهُ أَصَابِعُهُمْ. 9وَيَنْخَفِضُ الإِنْسَانُ، وَيَنْطَرِحُ الرَّجُلُ، فَلاَ تَغْفِرْ لَهُمْ.
ع5: إن كانت الأمم قد تحركت بحماس نحو جبل الرب، أى أورشليم الجديدة، وهي كنيسة العهد الجديد، كما ظهر فى الآيات السابقة، فيتقدم هنا أشعياء بغيرة نحو شعبه، ويناديهم بقوله : يابيت يعقوب، أى يا مملكة يهوذا، هيا بنا إلى نور الرب، أى وصاياه وشريعته، ونخرج من ظلمة الخطية التى أبعدتنا عن الله والتى سيأتي ذكرها فى الآيات التالية.
ونور الرب يرمز إلى نور المسيح الذي ظهر فى العهد الجديد، وهو أسرار الكنيسة، وخاصة جسد الرب ودمه، ونور كلمة الرب فى الكتاب المقدس، الذي يريدنا الله أن نحيا بها.
ع6: المشرق: الأمم الوثنية التى تسكن شرق بلاد شعب الله.
عائفون: يستخدمون التنجيم بالمستقبل والتفاؤل والتشاؤم.
يقرر أشعياء أن الرب قد رفض شعبه لأجل خطاياهم وهي:
1- امتلأوا من المشرق: اختلطوا بالأمم الوثنية التى تسكن شرقهم، وقلدوهم، وتعلموا منهم عبادة الأوثان، وكل ما يتصل بها من عادات سيئة.
2- عائفون كالفلسطينيين: أى استخدموا السحر والتنجيم، وتعلموا عادات سيئة وثنية، مثل التفاؤل والتشاؤم، كما يفعل جيرانهم الفلسطينيون الوثنيون.
3- يصافحون أولاد الأجانب: اختلطوا بأولاد الأجانب الوثنيين، وصافحوهم، وجلسوا معهم، فقبلوا عبادة الأصنام، بالإضافة للشهوات الشريرة التى اعتادها هؤلاء الوثنيين. هذا الاختلاط يعنى اختلاطًا بالنساء الأجنبيات والتزاوج منهن، وبالتالي الابتعاد عن عبادة الله وشريعته.
ع7: تظهر هذه الآية خطيتين أخريتين فى شعب الله، بخلاف ما ذُكر فى الآية السابقة، وهما:-
1- التعلق بالمال الُمعبَّر عنه بالذهب والفضة، وهما ليسا خطية، ولكن انشغالهم بهما هو الخطية، إذ يبعدهم عن هدفهم وهو محبة الله، ويعتمدون عليهما، ويهملون الاتكال على الله.
2- الاعتماد على القوة الحربية: المعبر عنها بكثرة الخيل، وهي أكبر قوة كانت فى الحرب قديمًا، ونسوا أن القوة الحقيقية هي من الله، وليس الأدوات الحربية.
ع8: خطية أخرى أصعب وقع فيها شعب الله، هي عبادة الأوثان، وهي تماثيل صنعتها أيديهم، فكيف يسجدون لها، ويقدمون لها العبادة، بدلاً من عبادة الله، إنها عبادة للشيطان، فكيف يترك الإنسان الله، ويعبد عدوه، ويدعى أنه شعب الله ؟!
ع9: نتيجة الشرور السابق ذكرها فى الآيات (ع 6-8)، ينخفض ويتدني، وينطرح على الأرض كل من يفعل هذه الخطايا؛ لأنه يلتصق بهذه الخطايا الوضيعة، ولأنه لا يتوب عنها فالله لن يغفر له.
والخلاصة، إنه تنبيه من الله على فم أشعياء لمملكة يهوذا أن يتوبوا، ويبتعدوا عن خطاياهم فيغفر لهم الله.
لا تختلط بالأشرار لدرجة أن تقلدهم فى شرورهم. أحب الكل، وساعد الكل، ولكن ليكن لك علاقتك الروحية بالله التى لا تهتز، ويكون أصدقاؤك القريبون ممن يحيون مع الله، ويعبدونه مثلك.
(3) الله المخوف واتضاع الإنسان (ع10-22):
10اُدْخُلْ إِلَى الصَّخْرَةِ وَاخْتَبِئْ فِي التُّرَابِ مِنْ أَمَامِ هَيْبَةِ الرَّبِّ وَمِنْ بَهَاءِ عَظَمَتِهِ. 11تُوضَعُ عَيْنَا تَشَامُخِ الإِنْسَانِ، وَتُخْفَضُ رِفْعَةُ النَّاسِ، وَيَسْمُو الرَّبُّ وَحْدَهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ. 12فَإِنَّ لِرَبِّ الْجُنُودِ يَوْمًا عَلَى كُلِّ مُتَعَظِّمٍ وَعَال، وَعَلَى كُلِّ مُرْتَفِعٍ فَيُوضَعُ، 13وَعَلَى كُلِّ أَرْزِ لُبْنَانَ الْعَالِي الْمُرْتَفِعِ، وَعَلَى كُلِّ بَلُّوطِ بَاشَانَ، 14وَعَلَى كُلِّ الْجِبَالِ الْعَالِيَةِ، وَعَلَى كُلِّ التِّلاَلِ الْمُرْتَفِعَةِ، 15وَعَلَى كُلِّ بُرْجٍ عَال، وَعَلَى كُلِّ سُورٍ مَنِيعٍ، 16وَعَلَى كُلِّ سُفُنِ تَرْشِيشَ، وَعَلَى كُلِّ الأَعْلاَمِ الْبَهِجَةِ. 17فَيُخْفَضُ تَشَامُخُ الإِنْسَانِ، وَتُوضَعُ رِفْعَةُ النَّاسِ، وَيَسْمُو الرَّبُّ وَحْدَهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ. 18وَتَزُولُ الأَوْثَانُ بِتَمَامِهَا.
19وَيَدْخُلُونَ فِي مَغَايِرِ الصُّخُورِ، وَفِي حَفَائِرِ التُّرَابِ مِنْ أَمَامِ هَيْبَةِ الرَّبِّ، وَمِنْ بَهَاءِ عَظَمَتِهِ، عِنْدَ قِيَامِهِ لِيَرْعَبَ الأَرْضَ. 20فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَطْرَحُ الإِنْسَانُ أَوْثَانَهُ الْفِضِّيَّةَ وَأَوْثَانَهُ الذَّهَبِيَّةَ، الَّتِي عَمِلُوهَا لَهُ لِلسُّجُودِ، لِلْجُرْذَانِ وَالْخَفَافِيشِ، 21لِيَدْخُلَ فِي نُقَرِ الصُّخُورِ وَفِي شُقُوقِ الْمَعَاقِلِ، مِنْ أَمَامِ هَيْبَةِ الرَّبِّ وَمِنْ بَهَاءِ عَظَمَتِهِ عِنْدَ قِيَامِهِ لِيَرْعَبَ الأَرْضَ. 22كُفُّوا عَنِ الإِنْسَانِ الَّذِي فِي أَنْفِهِ نَسَمَةٌ، لأَنَّهُ مَاذَا يُحْسَبُ؟
ع10: الله المخوف العظيم، من يستطيع أن يقف أمامه؛ لذا ينادي أشعياء كل إنسان، عندما يظهر الله، أن يدخل إلى الصخرة، ليختبئ فيها، أو يختبئ بين أكوام التراب من أمام الرب المهوب، العظيم فى بهائه.
والصخرة ترمز للمسيح، أى اختبئ فى الله من الله؛ لأنه يحبك، خاصة، عندما تكون متيقظًا، وتنتبه إلى مخافته، فيحتضنك، كما احتضن موسى، وخبأه فى الصخرة؛ ليري مجد الله، ففرح جدًا، وصار وجهه يلمع؛ حتى لم يحتمل بنو إسرائيل أن يروا وجهه، فوضع برقعًا عليه (خر34: 35).
الاختباء فى التراب يعني الاتضاع، فإن كان الدخول إلى الصخرة يعنى الإيمان، فينبغي أن تلتصق بالاتضاع عندما ترى الله. وقد التصق بالتراب داود (مز 119 : 25)، وكذا أيوب (أى 16 : 15).
ع11: تشامخ: كبرياء.
يتضع الإنسان، ويترك كل عظمته أمام الله العظيم، الذى يسمو ويعلو فوق الكل؛ هذا يتم فى يوم الدينونة أمام الله المخوف العادل، الذى يدين جميع البشر، فلا يستطيع أحد أن يتكبر أمامه؛ حتى الأشرار الذين عاشوا فى الكبرياء طوال حياتهم.
يحدث أيضًا هذا المنظر، أى اتضاع الإنسان، وشعوره بضعفه إذا أتت عليه ضيقة، ويشعر أن الحل الوحيد هو الالتجاء إلى الله، القادر وحده أن ينجيه من الضيقة ويزداد اتضاع الإنسان على قدر شدة الضيقة، فتكون فرصة له ليتوب عن خطاياه، ويصلى طالبًا رحمة الله.
فإن كان الإنسان سيجبر على الاتضاع فى يوم الدينونة، إذ يشعر بخطاياه المستوجبة الموت، فبالأولى، يسعى الإنسان للاتضاع اليوم، ويستغل فرصة العمر للتوبة، وبالتالي يكون الاتضاع هو طبعه ليظهر هذا في يوم الدينونة، فيرفعه الله إلى السماء.
ع12-17: يُفهم من الآية السابقة أن للرب يوم هو يوم الدينونة، ينخفض فيه كل المتكبرين، والمتعظمين فى حياتهم على الأرض، خوفًا من الله الإله الديان العادل، ويظهر هذا فيما يلي:
1- سيرتفع الله فوق أرز لبنان وبلوط باشان: وهي الأشجار العالية. فإن كان كبرياء الإنسان قد ارتفع مثل هذه الأشجار، واعتمد على ما يملكه من زراعات وحدائق وأشجار، فكل هذا سينحط خوفًا من الله.
2- وإن كان كبرياء الإنسان يشبه الجبال العالية أو التلال المرتفعة، فإنه سيخفض أيضًا. فمهما كان الشىء يبدو قويًا، وثابتًا وصلباً، فإنه لا يكون شيئاً أمام قوة الله، أي أن من اعتمد على قوته وسلطانه، فإنه يصير وضيعًا أمام الله يوم الدينونة.
3- ومن كان معتمداً على أنه برج عالى وسور منيع، أى معتمد على ما صنعه من أعمال تحصنه، وتحميه، فإنه يكون ضعيفًا أمام الله فى يوم الدنيونة؛ لأن الإنسان لا يحميه إلا توبته، وسلوكه فى البر.
4- ومن يعتمد على أمواله، وتجارته، مثل سفن ترشيش، فإنه يصير لا شىء، إذ يزول المال والممتلكات أمام الله المخوف الديان.
5- ومن يعتمد على الأعلام البهجة، أى مركزه، وكل الشهوات والأفراح العالمية التى انغمس فيها، فلا ينفعه شىءٌ منها، إذ تزول فى يوم الدينونة أمام الله فاحص القلوب والكلى.
والخلاصة، أن كل قوة للإنسان، وكل الماديات تنخفض وتزول أمام الله العالي على الكل، الذى سيدين كل واحد بحسب أعماله.
ع18-21: حفائر: جمع حفرة.
الجرذان: الفئران.
معاقل: حصون.
فى يوم الدينونة العظيم، عندما يظهر الله المخوف الديان العادل، يخاف الأشرار، المعتمدون على أصنامهم، فيشعروا أنها بلا قيمة، ويلقونها فى أماكن مظلمة؛ هذه التماثيل المصنوعة على شكل جرذان وخفافيش، وهي حيوانات تعيش أصلاً فى الأماكن المظلمة، فيلقى بتماثيلها على الأرض حتى لو كانت ذهبية، أو فضية؛ لأن قيمتها قد زالت أمام الله المخوف.
وهكذا يظهر من هذه الآيات، جهل الإنسان الذي يصنع هذه التماثيل، أو يؤمن ويتمسك بها؛ لعلها تحفظه وتنقذه فى أسفاره، لكن حقيقتها أنها لا شىء. فلذا يلزم من الآن أن يهمل الإنسان كل ما اعتمد عليه من ماديات العالم، ويتكل على الله، فهو وحده الديان، فاحص القلوب والكلى، ويتوب الإنسان عن خطاياه، فيعبد الله، ويجد حياته وطمأنينته.
واختباء الإنسان بين الصخور وشقوق الأرض يظهر خوفه وضعفه، ولن يفيده هذا الاختباء لأن الله يراه وسيدينه، كما ذكر فى سفر الرؤيا (رؤ 6 : 16)، ولكن إن كان قد عاش فى التوبة والإيمان، فيفرح فى هذا اليوم، لأن الله يكرمه ويعوضه عن كل أتعابه فى السماء. واعتماد الإنسان على آلهته الوثنية أعطاه كبرياءً زائفاً، يزول تمامًا فى يوم الدينونة، عندما يسقط على الأرض ويختبئ من الله، وبالتالي فالإنسان الحكيم يتضع من الآن أمام الله، فيجد حياته.
ع22: فى النهاية، تنبهنا هذه الآية إلى عدم الخوف من الإنسان، الذي فى أنفه نسمة حياة، إذا توقفت حياته ونزل إلى تراب القبر، لا يكون له أى تأثير، فلا نصنع له تمثالاً ونعبده ونتكل عليه، أو نخاف من مركزه وأمواله، أو أية قوة عنده، فكل هذا زائل، ولكن نخاف فقط من الله، الذي فى يده حياتنا، فيزول عنا كل خوف من البشر. إن كنت خاطئًا مثلي، فاتضع أمام الله، وضع مخافته أمام عينيك فى كل حين؛ لأن خطاياك تستوجب الموت، والحل الوحيد هو التوبة والاتضاع، فتساعدك مخافة الله على طرد الخطية، والتقدم نحو الله بقوته، فتتمتع بعشرته، وتفرح بمحبته.