خراب موآب
موآب هو ابن لوط، فهو قريب لنسل يعقوب، أي بنى إسرائيل، ولكنه وقف ضد بنى إسرائيل، وتحالف مع الدول ضدها. والله إله العالم كله يهتم بتوبة الكل، ليس فقط شعبه بنى إسرائيل، بل الأمم أيضًا؛ لذا يحذرهم بالخراب؛ بالإضافة إلي أنه يعلن أن شرهم في عبادة الأوثان، والوقوف ضد شعب الله، ستكون نتيجته بالطبع خراب وضيق، فهم وثنيون يعبدون الإله كموش، ولذا فاختلاط شعب الله بهم يدفع شعب الله لعبادة الأوثان.
(1) تحطيم المدن العظيمة (ع1-5):
1وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ مُوآبَ: إِنَّهُ فِي لَيْلَةٍ خَرِبَتْ عَارُ مُوآبَ وَهَلَكَتْ. إِنَّهُ فِي لَيْلَةٍ خَرِبَتْ قِيرُ مُوآبَ وَهَلَكَتْ. 2إِلَى الْبَيْتِ وَدِيبُونَ يَصْعَدُونَ إِلَى الْمُرْتَفَعَاتِ لِلْبُكَاءِ. تُوَلْوِلُ مُوآبُ عَلَى نَبُو وَعَلَى مَيْدَبَا. فِي كُلِّ رَأْسٍ مِنْهَا قَرْعَةٌ. كُلُّ لِحْيَةٍ مَجْزُوزَةٌ. 3فِي أَزِقَّتِهَا يَأْتَزِرُونَ بِمِسْحٍ. عَلَى سُطُوحِهَا وَفِي سَاحَاتِهَا يُوَلْوِلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا سَيَّالًا بِالْبُكَاءِ. 4وَتَصْرُخُ حَشْبُونُ وَأَلْعَالَةُ. يُسْمَعُ صَوْتُهُمَا إِلَى يَاهَصَ. لِذلِكَ يَصْرُخُ مُتَسَلِّحُو مُوآبَ. نَفْسُهَا تَرْتَعِدُ فِيهَا. 5يَصْرُخُ قَلْبِي مِنْ أَجْلِ مُوآبَ. الْهَارِبِينَ مِنْهَا إِلَى صُوغَرَ كَعِجْلَةٍ ثُلاَثِيَّةٍ، لأَنَّهُمْ يَصْعَدُونَ فِي عَقَبَةِ اللُّوحِيثِ بِالْبُكَاءِ، لأَنَّهُمْ فِي طَرِيقِ حُورُونَايِمَ يَرْفَعُونَ صُرَاخَ الانْكِسَارِ.
ع1 : “عار وقير” مدينتان من أهم مدن موآب، وموآب دولة تسكن شرق البحر الميت، بجوار شعب الله، أي بنى إسرائيل.
يعلن إشعياء هنا بصيغة الماضي : أن هاتين المدينتين خربتا في ليلة واحدة، وهذا يعني قرب إتمام هذه النبوة، وقد تمت فعلاً بعد ثلاث سنوات من كلام إشعياء على يد ملك آشور.
ع2: البيت : مقصود به بيت الإله كموش، الذي يعبده الموآبيون، وهو أهم آلهتهم، ويوجد في مدينة ديبون. فعندما هجم الآشوريون على موآب، أسرع الموآبيون ملتجئين إلي إلههم كموش، وإلي المرتفعة يبكون ويستنجدون بآلهتهم الوثنية، ولكن بالطبع لن يستفيدوا شيئًا؛ لأن آلهتهم تماثيل صماء، ولا يسكنها إلا الشياطين.
وسكان موآب بكوا بصوت مرتفع، أي ولولوا على مدن أخرى هامة عندهم، وهي نبو التى بجوار جبل يسمى نبو أيضًا، ومدينة معروفة عندهم إسمها ميدبا، وهذا معناه أن خراب موآب كان شاملاً لأهم المدن التى فيه.
كانت مظاهر الحزن والذل في نفس الوقت على سكان موآب، فكانوا يحلقون رؤوسهم من فوق، فتكون قرعة على رؤوسهم، ويحلقون أيضًا لحاهم، (جمع لحية)، وهذا يبين شدة الحزن والذل والعبودية التى سقطوا فيها تحت يد آشور.
ع3: أزقتها: جمع زقاق وهو الشارع، أو الحارة الضيقة.
يأتزرون: يربطون على وسطهم.
سيالاً بالبكاء: تنزل دموعهم بغزارة كأنها سيل من الماء.
يواصل إشعياء وصف حالة الموآبيين الحزاني والمذلولين، فيقول عنهم أنهم يأتزرون بمسح، وهو الخيش.
ثم يصعدون على أسطح بيوتهم، ويصرخون بحزن، أي يولولون وتنساب دموعهم بشدة على خراب بلادهم.
ع4: تخرب أيضًا مدينتا حشبون والعالة، وهما مدينتان هامتان تقعان شمال موآب. ويصرخ سكانها بصوت مرتفع، أي ولولة؛ حتى أنه يسمع في مدينة ياهص التى تقع جنوب هاتين المدينتين.
والجنود الموآبيون المتسلحون بأسلحتهم يصرخون، إذ لا قوة لهم أمام الهجوم الآشوري. وهكذا ترتعد موآب كلها من الخراب الذي تم فيها.
ع5: من عنف الهجوم الآشوري، هرب الموآبيون من مدنهم، واتجهوا نحو جنوب موآب، وكانوا يهربون كل واحد وحده متشتتًا؛ لأن كلمة الهاربين في الأصل العبري مذكورة بالمفرد وهو يشبه عجلة ثلاثية، أي عمرها ثلاث سنوات، وهي غير مروضة وقوية، فتجري بلا هدف؛ حتى تتعب ثم تقف.
أخذ الهاربون يجرون حتى وصلوا إلي مدينة صوغر التى هرب إليها لوط قديمًا (تك19: 20-22) وهي مدينة صغيرة في جنوب موآب، فوجدوها قد تخربت أيضًا، فجروا نحو عقبة اللوحيث، وهي مدينة بجوار صوغر، تبدو أنها كانت على أرض مرتفعة، فوجدوها خربة أيضًا، وهربوا منها إلي مدينة حورونايم فوجدوها خربة، وهكذا أخذوا يصرخون ويبكون؛ لأن بلادهم كلها قد خربت.
ونرى في بداية هذه الآية أن إشعياء يصرخ على خراب موآب، وهذا يبين أبوته وأبوة الله نحو الأمم؛ لأنهم خليقته ويشفق عليهم، ويود أن يتوبوا ويرجعوا إليه، ويؤمنوا به فيخلصوا. لم يشمت بهم إشعياء، لكن أشفق عليهم، إذ شعر أن الكل أولاده، ولكنهم بعيدون في الوثنية، ويتمنى أن يعودوا.
إذا أتت عليك ضيقة شديدة، وتأثرت، وصرخت وبكيت من الضيق، فراجع نفسك؛ لئلا تكون في داخلك خطية سببت كل هذا؛ حتى تتوب عنها، وقد تكون خطية منذ زمن طويل، والله سمح بالضيقة؛ لتتوب فيقبلك، ويغفر لك.
(2) المجاعة (ع6-9):
6لأَنَّ مِيَاهَ نِمْرِيمَ تَصِيرُ خَرِبَةً، لأَنَّ الْعُشْبَ يَبِسَ. الْكَلأُ فَنِيَ. الْخُضْرَةُ لاَ تُوجَدُ. 7لِذلِكَ الثَّرْوَةُ الَّتِي اكْتَسَبُوهَا وَذَخَائِرُهُمْ يَحْمِلُونَهَا إِلَى عَبْرِ وَادِي الصَّفْصَافِ. 8لأَنَّ الصُّرَاخَ قَدْ أَحَاطَ بِتُخُومِ مُوآبَ. إِلَى أَجْلاَيِمَ وَلْوَلَتُهَا. وَإِلَى بِئْرِ إِيلِيمَ وَلْوَلَتُهَا، 9لأَنَّ مِيَاهَ دِيمُونَ تَمْتَلِئُ دَمًا، لأَنِّي أَجْعَلُ عَلَى دِيمُونَ زَوَائِدَ. عَلَى النَّاجِينَ مِنْ مُوآبَ أَسَدًا وَعَلَى بَقِيَّةِ الأَرْضِ.
ع6: الكلأ: العشب سواء يابس، أو أخضر.
مياه نمريم هي ينابيع ماء في جنوب بلاد موآب قد صارت خربة؛ لأن الآشوريين خربوها، فلم يعد هناك ماء، ولذا جف العشب، ولم تعد هناك نباتات خضراء لأجل عدم وجود ماء.
ع7: ذخائرهم: كنوزهم.
عندما هرب الموآبيون، وهم يحملون أغلي ما عندهم وهي كنوزهم، لم يجدوا مكانًا يستقرون فيه، لأن كل بلادهم قد خربها الآشوريون، فذهبوا إلي وادي الصفصاف، وهو يقع جنوب بلادهم بالقرب من بلاد أدوم.
ع8: لعدم وجود الماء صارت هناك مجاعة في بلاد موآب، فصرخ الموآبيون في كل بلاد موآب من أجلايم التى في الجنوب إلي بئر إيليم التي في الشمال.
ع9: إن مياه آبار ديمون، أو ديبون تمتلئ دمًا من قتلى الموآبيين، فلا يستطيع أحد أن يشرب منها، فيعانوا من المجاعة، ويجعل الله ضربات أكثر على ديبون من الآشوريين، فكلمة زوائد تعني ضربات أزيد.
بالإضافة إلي هذا، على كل أرض موآب يجعل الله أسدًا، والمقصود بالأسد – آشوريين قساة القلوب، أو وحوش مفترسة مثل الأسد يقتلون الموآبيين الهاربين الناجين من المجاعة، وهكذا يعم الخراب والجوع بلاد موآب. إذا حلت بك ضيقة أنت ومن حولك، وكانت هذه الضيقة تحمل متاعب اقتصادية، تظهر هنا محبتك فى أن تساعد الجائعين، فتقتسم طعامك معهم، إلي أن تعبر فترة الضيقة، وآمن أن الله سيباركك ويسندك أنت ومن حولك.