تسبحة الخلاص
(1) شكر الله القوى (ع1-5):
1يَا رَبُّ، أَنْتَ إِلهِي أُعَظِّمُكَ. أَحْمَدُ اسْمَكَ لأَنَّكَ صَنَعْتَ عَجَبًا. مَقَاصِدُكَ مُنْذُ الْقَدِيمِ أَمَانَةٌ وَصِدْقٌ. 2لأَنَّكَ جَعَلْتَ مَدِينَةً رُجْمَةً. قَرْيَةً حَصِينَةً رَدْمًا. قَصْرَ أَعَاجِمَ أَنْ لاَ تَكُونَ مَدِينَةً. لاَ يُبْنَى إِلَى الأَبَدِ. 3لِذلِكَ يُكْرِمُكَ شَعْبٌ قَوِيٌّ، وَتَخَافُ مِنْكَ قَرْيَةُ أُمَمٍ عُتَاةٍ. 4لأَنَّكَ كُنْتَ حِصْنًا لِلْمِسْكِينِ، حِصْنًا لِلْبَائِسِ فِي ضِيقِهِ، مَلْجَأً مِنَ السَّيْلِ، ظِّلًا مِنَ الْحَرِّ، إِذْ كَانَتْ نَفْخَةُ الْعُتَاةِ كَسَيْل عَلَى حَائِطٍ. 5كَحَرّ فِي يَبَسٍ تَخْفِضُ ضَجِيجَ الأَعَاجِمِ. كَحَرّ بِظِلِّ غَيْمٍ يُذَلُّ غِنَاءُ الْعُتَاةِ.
ع1: يسبح إشعياء الله ويعظمه، كما سبح موسى الله عند خروجه من البحر الأحمر (خر15)، وكما ستسبح العذراء الله بعد أن يبشرها الملاك وتزورأليصابات (لو1: 46-55).
يصف إشعياء فى تسبيحه أعمال الله، فيقول أنها تتميز بالآتى :
- عجباً : أى أن أعماله تفوق العقل، إذ يقوى الضعيف، ويقهر القوى، ويسند أولاده الضعفاء، ويقهر أمامهم قوى العالم الكبير الشريرة.
- أمانة : إن الله أمين فى وعوده لشعبه، ويتممها فى وقت مناسب.
- صدق : الله لا يمكن أن يترك أولاده، بل لابد أن يفى بوعوده، أى حمايتهم.
ع2: رجمة : كومة من الحجارة.
ردماً : كوم من التراب.
أعاجم : غرباء.
يتكلم إشعياء عن مدينة بابل التى ستحكم العالم بكبرياء عظيم، وكيف ستهدم وتخرب على يد الفرس، وتصير هذه المدينة أكواماً من الحجارة، والقرى المحيطة بها أكواماً من التراب، أما قصور البابليين، الذين أذلوا شعب الله؛ هؤلاء الغرباء فسوف تُهدم، وتنتهى هذه المدينة، ولا تبنى ثانية إلى الأبد.
يتكلم إشعياء عن الخراب الذى يتم فى بابل، ويعلن أنه شامل، فيشمل المدينة الكبيرة، ثم القرية الصغيرة، ثم القصر، وهو مكان سكنى فرد واحد، فالخراب سيشمل المدينة الكبيرة والجماعات الأصغر منها، ويشمل أيضاً الأفراد.
هذا الخراب يرمز إلى تحطيم قوة الشيطان، الذى سيتم فى يوم الدينونة، ويلقى بعدها فى العذاب الأبدى.
ع3: عتاة : جبابرة.
يتكلم إشعياء هنا عن دولة مادى وفارس التى ستقوم بعد بابل وتكرم الله، بأن يأمر أول ملوكها وهو كورش، المسبيين اليهود أن يرجعوا إلى أورشليم، ويبنوها وهيكلها، فيقدموا عبادة لله، ويذكروا كورش أمام الله. هؤلاء العتاة هم الفرس العنفاء الأقوياء، الذين حطموا بابل.
يرمز هذا إلى إيمان دول العالم بالمسيح، وإكرامه بعبادة مقدسة، وهم ملوك، ورؤساء، جبابرة. وتاريخ الكنيسة يشمل إيمان ملوك ورؤساء كثيرين آمنوا، بل وبعضهم أيضاً تكرس فى حياة الرهبنة، مثل مكسيموس ودوماديوس أولاد الملوك.
ع4: الله القوى يشكره إشعياء؛ لأنه ليس فقط عاقب الأشرار، ولكن أكرم شعبه؛ بإرجاعه من السبى، وهذا إكرام لله كما ذكرنا. وفى هذه الآية يظهر اهتمام الله بشعبه المسكين الضعيف، فيكون ملجأً وحصناً له، فيحميه، ولا يستطيع جيرانه، أو أى أمم بعيدة أن تضايقه؛ لأنه متضع ومتمسك بالله.
الله كان حصناً للبائس، أى شعبه فى ضيقه، وأيضاً ملجأ له من السيل وهم الأعداء الأقوياء. فلم يستطع الأعداء أن يجرفوا شعب الله، كما يجرف السيل كل من يقابله، ولكن تحول السيل إلى ماء يسيل على حائط، أى ضعيف جداً. وظل الله يحمى أولاده كظل فى الحر، كما حماهم قديماً بعمود السحاب طوال النهار، وهم يسيرون فى برية سيناء، أو يجلسون فيها. هذا هو إلهنا القوى الذى يحمى شعبه، ويحول نفخة العتاة، أى الجيش الآتى بقوة كالعاصفة إلى مجرد ماء يسيل على الحائط.
ع5: الله القوى يتدخل لصالح أولاده الضعفاء، وكما يجفف الحر الأرض فتصير يابسة، هكذا أيضاً يخفض الله صوت الغرباء الذين هم الأعداء.
وكما يزول تأثير الحر إذا حجبته غيمة، هكذا أيضاً يُذل، ويختفى غناء العتاة، الذين يكبرياء يشعرون أنهم سينتصرون على شعب الله، ويغنوا أغانى النصرة، فيزيل الله، ويخفى أصواتهم، فلا يستطيعون أن يسيئوا إلى أولاد الله، وبالتالى لا ينزعج أولاد الله من كلامهم وأصواتهم المرتفعة. هذا ما حدث فعلاً عندما حاصر الأشوريون مدينة أورشليم، ورفعوا أصواتهم بالتهديد، فطمأن الله حزقيا الملك وشعبه، ألا يخافوا منهم، والله جعلهم يصمتون، إذ أرسل ملاكه فى الليل، وقتل 185.000 جندياً منهم، وهرب الباقون، فصار هدوء.
هكذا أيضاً بالصليب قيد المسيح الشيطان، وجعل صوت الموت ينخفض، فلا يزعج أولاده الضعفاء فى المظهر والأقوياء فى الإيمان، ولم تستطع كل تهديدات العذاب أن تزعج الشهداء، فاستشهدوا من أجل اسم المسيح، ونالوا الأكاليل وهم فرحين.
ليتك تشكر الله كل يوم على أعماله معك، فيزداد إيمانك ونشاطك لأعمال إيجابية من أجل الله.
(2) وليمة الخلاص (ع6-9):
6وَيَصْنَعُ رَبُّ الْجُنُودِ لِجَمِيعِ الشُّعُوبِ فِي هذَا الْجَبَلِ وَلِيمَةَ سَمَائِنَ، وَلِيمَةَ خَمْرٍ عَلَى دَرْدِيّ، سَمَائِنَ مُمِخَّةٍ، دَرْدِيّ مُصَفًّى. 7وَيُفْنِي فِي هذَا الْجَبَلِ وَجْهَ النِّقَابِ. النِّقَابِ الَّذِي عَلَى كُلِّ الشُّعُوبِ، وَالْغِطَاءَ الْمُغَطَّى بِهِ عَلَى كُلِّ الأُمَمِ. 8يَبْلَعُ الْمَوْتَ إِلَى الأَبَدِ، وَيَمْسَحُ السَّيِّدُ الرَّبُّ الدُّمُوعَ عَنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، وَيَنْزِعُ عَارَ شَعْبِهِ عَنْ كُلِّ الأَرْضِ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ تَكَلَّمَ. 9وَيُقَالُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: «هُوَذَا هذَا إِلهُنَا. انْتَظَرْنَاهُ فَخَلَّصَنَا. هذَا هُوَ الرَّبُّ انْتَظَرْنَاهُ. نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ بِخَلاَصِهِ».
ع6: سمائن : حيوانات وطيور سمينة.
دردى : تفل العنب الموجود فى أسفل سائل الخمر، والمقصود به الخمر المركز.
سمائن ممخة : يقصد بها أفضل سمائن.
إذا كان الله قوياً، وقادراً على تخليص شعبه المسكين، وحمايته من أيدى أعدائه الأقوياء، فهو فى نفس الوقت يحب كل الأمم البعيدة عنه؛ لأنه خالقها، ويريد خلاصها؛ لذا فهو يسعى لخلاص كل الشعوب، وفى الوقت المعين يصنع لهم وليمة عظيمة، هى وليمة الخلاص، وهذه تحمل أفخر طعام، يصفه هنا بأنه وليمة سمائن، أى طيور وحيوانات سمينة مشبعة من أفخر السمائن، ومعها خمر مركزة فاخرة مصفاة، يتم هذا كله على “هذا الجبل” ويقصد جبل صهيون، حيث قدم المسيح نفسه على الصليب فداءً للبشرية كلها التى تؤمن به.
هذه الوليمة ترمز بوضوح إلى أعظم وليمة فى العالم، وهى وليمة العهد الجديد، التى تقدم على مذابح الكنائس، وهى جسد الرب ودمه، وهذه الوليمة تقدم لكل شعوب العالم التى تؤمن بالمسيح، فتتناول من هذه الأقداس، فتنال قوة وحياة.
ع7: ويزيل الله، ويبيد الحواجز (النقاب) التى تفصل بين الناس البعيدين، وبينه، وهى الخطية وعدم الإيمان؛ هذا هو النقاب والغطاء، الذى يرفعه الله، فتتقبل قلوب هذه الأمم بالإيمان، ويتمتعوا بالحياة فى الكنيسة.
ع8: وهكذا بالصليب يبتلع المسيح بموته الموت، ويحوله إلى قنطرة عبور إلى السماء، فيدخل أولاده إلى السماء، ويحيوا معه إلى الأبد، وهناك يعطيهم الرب راحة كاملة، ويعزيهم ، ويمسح دموعهم، أى يعوضهم عن كل أتعابهم بأفراح السماء، وينزع كل الذل والعار الذى احتمله شعبه على الأرض من الذين ضايقوهم وعذبوهم لإيمانهم به، هذا هو كلام الله الذى قاله على فم إشعياء.
ع9: وعندما يتمتع أولاد الله بوليمة العهد الجديد، أى التناول، ويكملون جهادهم على الأرض، ويصلون إلى السماء، يغنون بفرح، ويقولون : هذا هو إلهنا الذى انتظرناه طوال حياتنا على الأرض، الآن يفرح قلوبنا به فى السماء.
اصبر على ضيقات الحياة، وأتعاب الجهاد الروحى، فعلى قدر احتمالك وجهادك تنال راحة وفرح بنعمة الله في السماء.
(3) هلاك موآب (ع10-12):
10لأَنَّ يَدَ الرَّبِّ تَسْتَقِرُّ عَلَى هذَا الْجَبَلِ، وَيُدَاسُ مُوآبُ فِي مَكَانِهِ كَمَا يُدَاسُ التِّبْنُ فِي مَاءِ الْمَزْبَلَةِ. 11فَيَبْسِطُ يَدَيْهِ فِيهِ كَمَا يَبْسِطُ السَّابحُ لِيَسْبَحَ، فَيَضَعُ كِبْرِيَاءَهُ مَعَ مَكَايِدِ يَدَيْهِ. 12وَصَرْحَ ارْتِفَاعِ أَسْوَارِكِ يَخْفِضُهُ، يَضَعُهُ، يُلْصِقُهُ بِالأَرْضِ إِلَى التُّرَابِ.
ع10: وإذ يستقر الله على هذا الجبل، أى فى كنيسته التى يؤسسها على الصخر فى أورشليم بصليبه، وفى كل مكان فى العالم، تصبح كنيسته قوية، ويعطيها سلطاناً أن تدوس على موآب، كما يداس على التبن فى ماء المزبلة، أى الماء المتسخ؛ ليصنعوا منه الطوب اللبن.
وموآب كان عدواً لشعب الله، ويشمت به إذا اعتدى عليه أحد، فهو يرمز لكل أعداء شعب الله، وبالتحديد للشيطان، الذى قيده المسيح بصليبه، وأعطى المؤمنين به السلطان أن يدوسوا الحيات والعقارب، وكل قوة العدو، كما نقول فى صلاة الشكر.
والخلاصة، أن يد الرب، أى قوته العاملة فى كنيسته تجعل المؤمنين به يدوسون على كل قوة الشيطان الممثلة فى الأشرار، الذين فى العالم، والذين يرمز إليهم هنا بشعب موآب.
ع11: وتحاول أمة موآب أن تبسط يديها فى هذا الماء المتسخ، كمن يسبح، أو بمعنى أدق يحاول الشيطان الذى قيده المسيح بصليبه أن يجذب إليه أكبر عدد ممكن من البشر؛ ليغرقهم معه فى هذا الماء المتسخ، أى الخطايا. ولكن الله يذله بصليبه، ويبطل مكايده وحيله التى يحاول أن يغرى بها أولاد الله، أى عندما يتمسكون بالمسيح وصليبه، ويثبتون فى الكنيسة يتغلبون على الشيطان، وينجون من شروره.
ع12: صرح : حصن.
وإذا كانت أمة موآب تفتخر بأنها محصنة، ولها أسوار عالية، فالله يخفضها، ويحطمها، أو بمعنى آخر يحطم كل كبرياء الشيطان وقوته، ويلصقه بالتراب، أى بالأرض، وذلك فى حياة أولاد الله المتمسكين به، ثم فى النهاية يلقى الله الشيطان فى البحيرة المتقدة بالنار والكبريت، أى يعيش فى العذاب إلى الأبد، مع كل الأشرار الذين تبعوه. لا تتضايق وتنزعج من حروب إبليس، ولكن اثبت في الكنيسة، وتمسك بالصليب، فهو قوتك التى تقهر بها كل شهوة ردية، وكل خوف واضطراب فتحيا مطمئناً بين يدى الله.