نشيد الكرم وتفسيره
(1) مثل الكرم (ع 1-7):
1لأُنْشِدَنَّ عَنْ حَبِيبِي نَشِيدَ مُحِبِّي لِكَرْمِهِ: كَانَ لِحَبِيبِي كَرْمٌ عَلَى أَكَمَةٍ خَصِبَةٍ، 2فَنَقَبَهُ وَنَقَّى حِجَارَتَهُ وَغَرَسَهُ كَرْمَ سَوْرَقَ، وَبَنَى بُرْجًا فِي وَسَطِهِ، وَنَقَرَ فِيهِ أَيْضًا مِعْصَرَةً، فَانْتَظَرَ أَنْ يَصْنَعَ عِنَبًا فَصَنَعَ عِنَبًا رَدِيئًا. 3«وَالآنَ يَا سُكَّانَ أُورُشَلِيمَ وَرِجَالَ يَهُوذَا، احْكُمُوا بَيْنِي وَبَيْنَ كَرْمِي. 4مَاذَا يُصْنَعُ أَيْضًا لِكَرْمِي وَأَنَا لَمْ أَصْنَعْهُ لَهُ؟ لِمَاذَا إِذِ انْتَظَرْتُ أَنْ يَصْنَعَ عِنَبًا، صَنَعَ عِنَبًا رَدِيئًا؟ 5فَالآنَ أُعَرِّفُكُمْ مَاذَا أَصْنَعُ بِكَرْمِي: أَنْزِعُ سِيَاجَهُ فَيَصِيرُ لِلرَّعْيِ. أَهْدِمُ جُدْرَانَهُ فَيَصِيرُ لِلدَّوْسِ. 6وَأَجْعَلُهُ خَرَابًا لاَ يُقْضَبُ وَلاَ يُنْقَبُ، فَيَطْلَعُ شَوْكٌ وَحَسَكٌ. وَأُوصِي الْغَيْمَ أَنْ لاَ يُمْطِرَ عَلَيْهِ مَطَرًا». 7إِنَّ كَرْمَ رَبِّ الْجُنُودِ هُوَ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ، وَغَرْسَ لَذَّتِهِ رِجَالُ يَهُوذَا. فَانْتَظَرَ حَقًّا فَإِذَا سَفْكُ دَمٍ، وَعَدْلًا فَإِذَا صُرَاخٌ.
ع1: محبى: محبوبي، أى من أُحبه.
أكمة: تل.
ينشد أشعياء عن حبيب، وهو الله، عن الكرم الذي زرعه، فهو ملك لله، ويرمز إلى شعب الله.
يصف أشعياء الكرم الذي كان لله حبيبه، بأنه كرم أقامه الله على أكمة خصبة. وإقامة الكرم على أكمة، يعنى أنه وضع بنى شعبه فوق جميع الشعوب بإيمانهم به، فهم مرتفعون إلى السماء، يحيون حياة أسمى ممن حولهم، بحفظهم وصاياه وشريعته، وهم منشغلون بالصلاة لله، ومرتبطون بالسماء، التى هي هدفهم النهائي من كل حياتهم.
والأكمة خصبة؛ لتعلن خيرات الله التى وهبها لشعبه، فقد أسكن الله شعبه في أرض كنعان التى تفيض لبناً وعسلاً أي خيرات كثيرة؛ كل هذا يبين مدى محبة الله لشعبه، وسخاءه فى العطاء له، فأولاده لم يحتاجوا لشىء؛ حتى يتفرغوا لعبادته ومحبته، ويشكرونه كل حين على عطاياه، ولا يتعطلون عن تفكيرهم في السماء، والحياة مع الله.
كل هذا النشيد كتبه أشعياء بالشعر؛ ليكون جذابًا لبنى شعبه، ويسهل عليهم حفظه، وترديده؛ لعله يثبت فى أذهانهم، فيرجعوا إلى الله.
وقد قال أشعياء هذا النشيد وقت قطاف العنب،حيث اجتمع الكثيرون؛ ليفرحوا بجمع هذه الثمار؛ لينبههم إلى عمل الله السخي فى العطاء؛ حتى يتجاوبوا معه، ولا يغضبوه، مادام قد أعطاهم بسخاء هذا العنب.
ومثل الكرم قاله المسيح فى العهد الجديد، أي مثل الكرم والكرامين (مت21: 34-40)، ولكن الاختلاف بين المثلين، أن الخطأ هنا من الكرم نفسه، أما في مثل الكرامين الذى قاله المسيح، فالخطأ يرجع إلى الكرامين.
نلاحظ أنه فى الإصحاحات الأربعة الأولى، أعلن الله على فم أشعياء، كلمات مشجعة كثيرة لشعبه، ولكن بدءًا من هذا الإصحاح يبين أشعياء الحقيقة كاملة، وهي غضب الله بسبب إصرار شعبه على الخطية، وأن هذا سيجلب عليهم ضيقات عظيمة هي السبي الأشورى، ثم البابلي؛ لأن أشعياء كان يرى ما سيأتي على شعبه، فكان لابد أن ينبههم بحزم؛ ليتوبوا.
نلاحظ في هذه الآية أن أشعياء أظهر الشخصيات الهامة في هذا النشيد، وهي الله صاحب الكرم، وشعب الله، وهو الكرم. أما في الآية التالية فيتكلم عما صنعه الله مع كرمه، وماذا انتظر منهم، وماذا فعلوا معه، فيجيب على هذه الثلاث أسئلة.
ع2: سورق: أفضل أنواع العنب
صنع الله بكرمه كل ما يحتاجه كما يلي:
1- نقبه:
أى حفر في الأرض ليخرج الحشائش، وكل ما يعوق نمو شجرة العنب، وهذا يرمز لمحاسبة النفس والتوبة، أي نزع الخطية، وتنقية الإنسان منها، وبهذا يكون الجو مناسبًا لنمو النبات الجديد بعيدًا عن الحشائش التى تعطله.
2- نقى حجارته:
أزال الأحجار التى يمكن أيضًا أن تعطل نمو جذور النبات الجديد، أي أبعد عن شعبه الضيقات والمشاكل التى تعطله عن حياته الروحية، وعلاقته بالله.
والحجارة ترمز لقساوة القلب لصلابتها، فالله أعطى أولاده قلوبًا لحمية، وساعدهم بنعمته ليحيوا معه، ويشعروا بمحبته.
والحجارة ترمز أيضًا لسكان الأرض الأصليين الكنعانيين، الذين طردهم الله من أمام شعبه بكل أحجار أصنامهم؛ لئلا يختلط بهم شعبه، ويعبدوا الأصنام مثلهم. فالله أفسح الطريق لشعبه لينمو نموًا روحيًا هادئًا.
3- غرسه كرم سورق:
اختار الله أفضل الناس الذين يؤمنون به، ويحيون معه، مثل إبراهيم واسحق ويعقوب، وموسي، وصموئيل، وداود، وهم آباء شعب الله. فمن الطبيعي أن يخرج منهم بآبائه الروحانيين المتميزين.
4- بنى برجًا فى وسطه:
البرج هو هيكل الله الذى أقامه في وسط أورشليم، أو خيمة الاجتماع التى كانت في برية سيناء بين الأسباط. والبرج هو حماية وحصانة، وهكذا أصبح من السهل على شعب الله أن يلتجئ إلى هيكله بالعبادة، فيكون في حماية الله؛ لأن الهيكل هو وجود الله نفسه وسط شعبه، وهو أكبر قوة وأعظم حماية إن آمن الشعب به، والتصق بمحبته.
والبرج هو أيضًا الأنبياء، ورجال الله الذين عاشوا وسط الشعب كقدوة لهم، وأعلنوا له صوت الله.
والبرج أيضًا هو الكهنة الذين خدموا في الهيكل، وشريعة الله التى أعلنت كلام الله، وفسره الكهنة للشعب؛ ليحيوا مع الله، خاصة وأن أورشليم كانت مبنية على خمسة تلال، أي أن أورشليم والهيكل كانا مرتفعين عن الأرض، مثل البرج.
والبرج أيضًا يرمز لكنيسة العهد الجديد، التى هي بيت الله، ومسكنه، وصوته المعلن لأولاد العهد الجديد. وباتحاد المؤمنين بجسد الرب ودمه يكونون في حماية الله، الذي هو حصنهم مثل البرج.
5- ونقر أيضًا معصرة:
المعصرة هي التى يُعصر فيها العنب الجيد الخارج من الكرم، وهذا يرمز إلي:
أ- ذبائح العهد القديم، التى كان يسيل دمها على المذبح النحاسي، تكفيرًا عن خطايا الشعب.
ب- الصليب الذي يرمز إليه المذبح النحاسي، وهو الذي سفك عليه دم المسيح الفادي؛ ليخلص أولاده المؤمنين.
فماذا يا ترى أعطى الكرم بعد كل ما عمله له الله ؟
1- لم يصنع عنبًا جيدًا كما كان منتظر من الكرم.
2- أعطى الكرم أوراقاً فقط لا عنب.
3- أثمر الكرم عنبًا رديًا، وهو أسوا ثمر يمكن أن يعطيه.
ومعنى هذا، أن الثمر شكله عنب، ولكنه عنب ردىء لا يؤكل، وهذا معناه المظهرية والسطحية، فشعب الله شكله مؤمن بالله، والحقيقة أن أفعاله ردية، فلو كانوا لم يفعلوا صلاحًا فقط، لكان هذا أسهل، لكنهم فعلوا أيضًا أفعالاً ردية تستحق العقاب الأشد.
ع3، 4: بعد أن قال الله هذا المثل، وهو علاقته بشعبه كصاحب الكرم وما صنعه له، وماذا أعطي الكرم له من ثمار. فيطلب من شعبه سكان أورشليم، ورجال يهوذا أن يحكموا بأنفسهم على ما فعله الكرم، أى ما فعلوه هم مع الله.
ويسأل الله سؤالاً محددًا لشعبه: ماذا يصنع للكرم وأنا لم أصنعه ؟ فالله عمل كل ما يمكن تخيله من رعاية وعناية بالكرم، أي بشعبه، ثم يسأل السؤال التالي وهو: لماذا انتظرت أن يعطيني الكرم عنبًا، فأعطاني على العكس عنبًا رديئًا. ويظهر من هذا ما يلي:
1- ما أصعب أن تتم محاكمة بين الأب الحنون، وشعبه المحبوب، إن كان مخطئًا، فبالعدل الإلهي يستحق العقاب، ولكن هذا قاسي جدًا على قلب الأب الذي يحب شعبه، فيعطيه كل رعاية، بل مات ليفديه في ملء الزمان.
2- ما أصعب أن تتم محاكمة الإنسان الضعيف أمام الله العادل الغير محدود، إنه مخوف جدًا، ومرعب للإنسان الخاطئ، والمتهاون.
3- السؤال الأول إجابته واضحة؛ فهل الله يمكن أن يقصر؟ بالطبع لا، فهو عمل كل ما يمكن أن يُعمل للكرم، وهذا يدين الكرم.
4- كان المفروض من الكرم أن يعطي عنبًا؛ هذا هو الشىء الطبيعي الذي كان لابد أن يحدث، وغير هذا هو انحراف شنيع من الكرم، ألا يعطي العنب المطلوب منه، فهو بلا عذر، إذ لا ينقصه شىء.
5- صُنع العنب الردىء يعلن شر الكرم وخداعه، فشعب الله له مظهر العبادة، فالعنب الذي انتجه لا يؤكل، بل يضايق كل من يحاول أن يأكله؛ لأنه ردىء.
6- نلاحظ أن الله يواجه الإنسان بخطيته، ويطلب من الإنسان أن يحكم على نفسه، كما حدث في مثل الكرامين الذى قاله المسيح (مت21: 33) وكما حدث في حديث ناثان مع داود الملك (2صم 12).
ع5: سياجه: سوره
يعلن الرب عقابه الذي سينزل على شعبه بسبب رفضهم الله، والحياة معه، والسلوك في طريق الصلاح، فيفعل معه ما يلي:
1- انزع سياجه فيصير للرعي:
الله هو سور شعبه الذي يحميه من الأعداء، ولكن شعبه قد رفضه؛ لذا يتخلي عنه، فيستطيع الأعداء الدخول إليه، وتخريبه. وبدلاً من أن يكون مكانًا لسكني شعبه، يصير خرابًا، فيرعي فيه الغنم.
عندما يرفض الشعب عبادة الله، والحياة معه يفقد حمايته، فيتعرض لتجارب عنيفة من الأشرار، كما حدث في الهجوم البابلي، وتخريب أورشليم واليهودية.
ورعى الغنم في أورشليم يرمز لهجوم حيوانات الشهوات على شعب الله، فيسقط في الزنى والطمع والشهوات المادية المختلفة.
2- أهدم جدرانه فيصير للدوس:
الجدران هي أسوار أورشليم، وأسوار البلاد المحيطة بها. والله يهدمها بهجوم الأعداء، الذين يدخلوها ويدوسوها ويخربوها. عندما يتخلي الله عن شعبه، يدخل الأشرار ويسيطرون علي شعبه، فيخضع للأشرار في كل أمر ردىء، مثل عبادة الأصنام وكل خطية.
ع6: يُقضب: يُقلم وذلك بقطع بعض الأغصان التى ستعطي أوراقًا فقط؛ ليعطي فرصة لإنتاج الأزهار والأثمار.
يُنقب: يُحفر والمقصود به حرث الأرض.
حسك: نباتات شوكية تنمو في الأرض الجافة.
يواصل الرب سرد تفاصيل العقاب .
لا يقُضب ولا يُنقب: إذ يتخلي الله عن شعبه، يهجم عليه الأعداء، كما ذكر في (ع5)، فيخربوا مدنه، ويقتلوا رجاله، فيصير هذا الشعب، الذي شبهه بالكرم، لا يمكن تقليمه، ومساعدته على الإثمار. وأيضًا يصعب حرث الأرض وزراعتها من جديد، وحينئذ تُهمل الأرض بعد أن زالت أشجار العنب التي فيها، ونبتت بدلاً منها نباتات شوكية بلا قيمة، بل مؤذية إذا اقترب منها أحد، وهي دليل على لعنة الله وعدم البركة، كما أعلن الله هذا لآدم قديمًا: رغم تعبه في الأرض لا تعطيه إلا شوكًا وحسكًا (تك3: 18).
ما دام شعب الله قد التصق بالخطية وترك الله، سيفقد قدرته على الإثمار، ولا يمكن إصلاحه لفساده، وإصراره على الابتعاد عن الله، ولا يعطي إلا الشوك والحسك، فيضر من يقترب إليه.
4- أوصى الغيم أن لا يمطر عليه مطرًا:
يمنع الله المطر من النزول على هذه الأرض الخربة، فلا ينبت فيها كروم، أو أشجار مفيدة، وتظل خرابًا، لا تنمو فيها إلا الحشائش والأشواك.
المطر يرمز للروح القدس، فعندما يتوقف عمل الروح القدس نتيجة رفض الشعب له يمنع الله بركاته السمائية عن أولاده، فلا يمكنهم أن ينموا ويثمروا، أي أنهم حكموا على أنفسهم بالموت، وذلك لإصرارهم على الخطية، والحل بالطبع هو التوبة، فيرفع الله عقوباته، ويباركهم؛ لأن الله رؤوف ومتحنن.
ع7: يعلن الله بوضوح أن الكرم الذى أحبه الله، واعتني به هو بيت إسرائيل، الذى يحبه الله، ويتلذذ برؤيته كإبن له، فهو شعبه، أي رجال يهوذا وكل عائلاتهم، هؤلاء الذين أحبهم منذ الأزل، واختارهم فى الوقت المعين شعبًا له؛ انتظر منهم محبة له، وتجاوبًا مع محبته، ولكن للأسف، وجدهم قد تحولوا عنه لعبادة الأصنام، وصنعوا شرورًا، وخطايا متنوعة تصل إلى سفك دماء إخوتهم، وتذمر على الله، والصراخ بتمرد وعصيان كثير.
وأظهر الله عمق محبته لشعبه بتجسده، فوُلد بينهم، واقترب منهم، فقاموا عليه وصرخوا أصلبه، ثم سفكوا دمه على الصليب، ورضي هو بكل هذا حبًا لهم؛ لينقذهم، ويخلصهم من خطاياهم. إنها المحبة التى تفوق كل عقل.
ليتك تتأمل كل يوم رعاية الله، ومحبته لك؛ لتشكره، وتقدم توبة عن تقصيراتك في محبته، وخطاياك التى أسأت بها إليه، فتتوب عن كل هذا، وتقوم من جديد لتعوض ما فاتك، وتتجاوب مع حبه.
(2) ويلات شعب الله (ع 8-23):
8وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَصِلُونَ بَيْتًا بِبَيْتٍ، وَيَقْرِنُونَ حَقْلًا بِحَقْل، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَوْضِعٌ. فَصِرْتُمْ تَسْكُنُونَ وَحْدَكُمْ فِي وَسَطِ الأَرْضِ. 9فِي أُذُنَيَّ قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: «أَلاَ إِنَّ بُيُوتًا كَثِيرَةً تَصِيرُ خَرَابًا. بُيُوتًا كَبِيرَةً وَحَسَنَةً بِلاَ سَاكِنٍ. 10لأَنَّ عَشْرَةَ فَدَادِينِ كَرْمٍ تَصْنَعُ بَثًّا وَاحِدًا، وَحُومَرَ بِذَارٍ يَصْنَعُ إِيفَةً». 11وَيْلٌ لِلْمُبَكِّرِينَ صَبَاحًا يَتْبَعُونَ الْمُسْكِرَ، لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْعَتَمَةِ تُلْهِبُهُمُ الْخَمْرُ. 12وَصَارَ الْعُودُ وَالرَّبَابُ وَالدُّفُّ وَالنَّايُ وَالْخَمْرُ وَلاَئِمَهُمْ، وَإِلَى فَعْلِ الرَّبِّ لاَ يَنْظُرُونَ، وَعَمَلَ يَدَيْهِ لاَ يَرَوْنَ. 13لِذلِكَ سُبِيَ شَعْبِي لِعَدَمِ الْمَعْرِفَةِ، وَتَصِيرُ شُرَفَاؤُهُ رِجَالَ جُوعٍ، وَعَامَّتُهُ يَابِسِينَ مِنَ الْعَطَشِ. 14لِذلِكَ وَسَّعَتِ الْهَاوِيَةُ نَفْسَهَا، وَفَغَرَتْ فَاهَا بِلاَ حَدٍّ، فَيَنْزِلُ بَهَاؤُهَا وَجُمْهُورُهَا وَضَجِيجُهَا وَالْمُبْتَهِجُ فِيهَا! 15وَيُذَلُّ الإِنْسَانُ وَيُحَطُّ الرَّجُلُ، وَعُيُونُ الْمُسْتَعْلِينَ تُوضَعُ. 16وَيَتَعَالَى رَبُّ الْجُنُودِ بِالْعَدْلِ، وَيَتَقَدَّسُ الإِلهُ الْقُدُّوسُ بِالْبِرِّ. 17وَتَرْعَى الْخِرْفَانُ حَيْثُمَا تُسَاقُ، وَخِرَبُ السِّمَانِ تَأْكُلُهَا الْغُرَبَاءُ. 18وَيْلٌ لِلْجَاذِبِينَ الإِثْمَ بِحِبَالِ الْبُطْلِ، وَالْخَطِيَّةَ كَأَنَّهُ بِرُبُطِ الْعَجَلَةِ، 19الْقَائِلِينَ: «لِيُسْرِعْ، لِيُعَجِّلْ عَمَلَهُ لِكَيْ نَرَى، وَلْيَقْرُبْ وَيَأْتِ مَقْصَدُ قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ لِنَعْلَمَ». 20وَيْلٌ لِلْقَائِلِينَ لِلشَّرِّ خَيْرًا وَلِلْخَيْرِ شَرًّا، الْجَاعِلِينَ الظَّلاَمَ نُورًا وَالنُّورَ ظَلاَمًا، الْجَاعِلِينَ الْمُرَّ حُلْوًا وَالْحُلْوَ مُرًّا. 21وَيْلٌ لِلْحُكَمَاءِ فِي أَعْيُنِ أَنْفُسِهِمْ، وَالْفُهَمَاءِ عِنْدَ ذَوَاتِهِمْ. 22وَيْلٌ لِلأَبْطَالِ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ، وَلِذَوِي الْقُدْرَةِ عَلَى مَزْجِ الْمُسْكِرِ. 23الَّذِينَ يُبَرِّرُونَ الشِّرِّيرَ مِنْ أَجْلِ الرُّشْوَةِ، وَأَمَّا حَقُّ الصِّدِّيقِينَ فَيَنْزِعُونَهُ مِنْهُمْ.
ع8: إن الكرم صنع عنباً رديئاً، أي أن شعب الله عمل شرورًا كثيرة، يشرحها هنا الله، ويظهر أن لها عقاباً كبيراً، وويلات كثيرة، يبدأ في هذه الآية أول الويلات لمن سقطوا في الطمع والجشع، فيريدون أن يشتروا البيوت المحيطة بهم، سواء بأموالهم، أو يغتصبونها، كما حدث من أخاب وإيزابل بقتلهم نابوت اليزرعيلي، والإستيلاء على حقله (1مل 21) فهم يصلون بيتًا ببيت، أي يمتلكون وتزداد أملاكهم حتى تصير لهم بيوتًا كثيرة ملتصقة بعضها ببعض. وكذلك يشترون حقولاً مجاورة لحقولهم، ويقرنوها بعضا مع بعض فتصير حقولهم ضخمة، متصلة ببعضها، حتى لا يبقي مكانًا لم يأخذوه، فقد استولوا على الأرض كلها، وعلى البيوت التى يمكن أن يمتلكوها، كما استولي الإسكندر الأكبر على كل الأرض، ثم تضايق لأنه لم يوجد مكان جديد يستولي عليه. هذه هي خطية الطمع والانغماس فيها وبالطبع ينتج عن هذا أمور كثيرة أهمها:
1- الانشغال بالشهوات المادية ونسيان الله وعبادته.
2- مضايقة من يستولون على بيوتهم وأراضيهم لأن الأغنياء لا يشعرون بآلام المتضايقين.
الله يرى كل هذا، وإن لم يحاسبهم القانون لعدم خطئهم خطأ يمسك عليهم، فهو يرى قلوبهم والطمع الذى عندهم، ويعاقبهم على كل شرورهم.
ع9: إن طمع بعض الناس من شعب الله، الذي ظهر في الآية السابقة، وحب التملك، وصل إلى أذني الرب، إذ أن المساكين صرخوا إليه من ظلم الأغنياء الطماعين.
ولذا، فالرب يعلن: أن بيوت هؤلاء الأغنياء الطماعين تصير خرابًا عند هجوم البابليين عليهم. بالإضافة إلى أن بيوتًا كبيرة وحسنة تصير بلا ساكن؛ لأن سكانها قد قتلهم العدو بالسيف، أو ماتوا، أو تم سبيهم، فتركوا بيوتهم الكبيرة فارغة. وبهذا ظهر أن طمع هؤلاء الأغنياء الذين اقتنوا بيوتًا، وحقولاً كثيرة، لم يفدهم بشئ وتركوها لمن بعدهم؛ هذه هي نتيجة الظلم والطمع.
ع10: بثًا: يساوي إيفة يساوى 23 لتر تقريبًا.
حومر: يساوى 10 إيفة، والإيفة كما ذكرنا تساوى 23 لترًا.
يظهر غضب الله على هؤلاء الأغنياء الطماعين بأن حقولهم لا تنتج محاصيل كما كانت تعطي قديمًا. فالعشرة أفدنة التى تزرع بالكروم كان من المعتاد أن تنتج 500 إيفة، أو بث، ولكنها للأسف تنتج بثًا واحدًا، أي أنها تعطي 1/500 مما كان ينبغي أن تعطيه، وهذا معناه أن الأرض تكاد لا تنتج شيئًا.
وإذا وضع في الأرض حومر بذار، فالمفروض أن يعطي أضعافه من المحصول، ولكنه للأسف لا يعطي إلا إيفة واحدة من المحصول، أي 1/10 من الحومر، فالخسارة ضخمة جدًا، أو نستطيع أن نقول أن الأرض تكاد لا تنتج محاصيل. كل هذا يعلن غضب الله، وعدم بركته لهؤلاء الذين ظلموا الفقراء واستولوا على أراضيهم.
ع11: الويل الثاني هو الانغماس في الشهوات: ويعبر عن هذا الانغماس بمن تعلقوا بشرب الخمر، فيشربونها طوال الليل فى العتمة، ثم ينامون قليلاً، ويقومون باكرًا ليشربوا الخمر، ويظلون فى سكرهم حتى الليل، وبالتالي يتركون الله، وكل أعمالهم، ومسئولياتهم، انشغالاً بلذاتهم.
ع12: العود والرباب: كلاهما آلة موسيقية وترية.
الدف: آلة موسيقية عبارة عن إطار خشبي يُشد عليه قطعة من الجلد ويضرب عليه.
الناي: آلة نفخ موسيقية.
هؤلاء المنغمسون في شهواتهم، المذكورون في الآية السابقة، يسهرون سهرات مملوءة بالموسيقي، ويشربون فيها الخمر، وهي سهرات تثير الشهوات ومملوءة بالخلاعة وأشكال الزني المختلفة.
هؤلاء المنغمسون في شهواتهم بالطبع، قد تركوا عبادة الله والتأمل فى أعماله وتمجيده، وبدلاً من استخدام الموسيقي في تمجيد الله، وتسبيحه، استخدموها في إشباع شهواتهم، وبهذا سدوا آذانهم عن سماع صوت الله سواء في أعمال رحمته عليهم، أو إنذاراته إليهم من خلال الضيقات، إذ هم لا يريدون أن يعرفوا أعمال يديه معهم.
ع13: من أجل انغماس شعب الله فى الشهوات جاء عليهم السبي البابلي؛ لأنهم رفضوا معرفة الله، واستسلموا لسبي شهواتهم، فتسلطت عليهم الخمر، سواء الشرفاء، أي الأغنياء والمعتبرين في المجتمع، وكذا أيضًا عامة الشعب من الفقراء والضعفاء، فأتاهت الخمر عقولهم وتركوا الله، فلم يكن أمامهم إلا التأديب الإلهي بالسبي الأشوري والبابلي. وهكذا صاروا في جوع وعطش للخبز والماء؛ لانغماسهم في شهواتهم في شرب الخمر والتعلق بالزني. فأعدائهم جعلوهم في عبودية، ونهبوا كل ما عندهم، فصاروا فى فقر شديد، وخسروا كل أطماعهم ولذاتهم؛ وبهذا كان العقاب من نفس نوع الشهوات، فكما اشتهوا الطعام والشراب، صاروا فى عوز وفقر له.
ع14: فغرت فاها: فتحت فمها
الهاوية: القبر، أو الموت
الويل الثاني، وهو الانغماس في الشهوات نتج عنه أمرين هما: السبي والجوع والعطش (ع13)، والأمر الثالث هو كثرة الموتي؛ هذا ما يظهر في هذه الآية.
فنجد أن القبر، أو مكان دفن الموتي يتسع لكثرة الموتي، وينزل إليه بهاء شعب الله، أي الشرفاء والعظماء الذين يموتون، وكذا جمهور شعب الله، أي أعداد ضخمة من الشعب تموت عند هجوم العدو عليهم، وأيضًا ضجيج الشعب، أي كل من يتكلم ويصرخ، سواء من المنغمسين في الشهوات، أو المتألمين من الظلم، كل هؤلاء يموتون، بالإضافة للمبتهجين والفرحين بالشهوات واللذات من شعب الله؛ هؤلاء يسقطون قتلى بسيف العدو.
ع15: توضع: تنخفض
الكبرياء هي الخطية الأولى التى سقط فيها الإنسان، وسقط فيها أيضًا الشيطان، وتحارب الإنسان بكل عنف بأشكال متعددة حتى اليوم، وتمنع نعمة الله عن الإنسان. ولذا فالله يسمح للمتكبرين أن يذلوا، وينخفضوا ليتركوا كبرياءهم، وهذا الذل يكون بحرمانهم من الطعام والشراب (ع13)، وخراب بيوتهم وحقولهم وكل ممتلكاتهم (ع 9، 10)، لعل هذا يرجعهم إلى الله بالتوبة، وأن لم يتوبوا فلا ينتظرهم إلا الهلاك الأبدي (ع14).
ع16: فى الوقت الذي يغطي الذل الإنسان، يرتفع الله بإعلان عدله، أي إذلال الظالمين ومساندة المظلومين، ويظهر أمام البشر، الله القدوس الذى يحب البر، ويبارك الأبرار، ويعاقب الأشرار، فيحفظ إرميا النبى العظيم أثناء الهجوم البابلي، فى حين تذل أورشليم وشعبها، ويموتون بالسيف.
ع17: السمان: ذوو الأجسام الممتلئة، ويقصد بهم الأغنياء.
عندما يخرب الأعداء بلاد شعب الله، لا يعود يسكنها أحد، وترعى فيها الخراف لتأكل من الحشائش الباقية فى الأرض وسط الخراب.
والخراف أيضًا ترمز للمساكين من شعب الله، الذين يبقون فى أراضيهم بعد أن يسبي العدو الشباب والأشراف، وكل إنسان ماهر في أية صناعة، ويقتلوا الكثيرين، هؤلاء الفقراء يعيشون في رعاية الله، حيثما يسوقهم ويدبر لهم حياة وسط الخرائب التى صنعها أعداؤهم البابليون.
ويلاحظ أن الأماكن التى امتلكها الأغنياء (السمان) تتحول إلى خرب؛ هذا هو مصير من اغتنوا على حساب غيرهم وظلموهم، ولم يعطفوا عليهم. هؤلاء الغرباء هم الأعداء البابليون.
ع18: البطل: الباطل وهو الخطية.
الويل الثالث: يُذكر في هذه الآية، وهو القوم المرتبطون بالخطية ومنجذبون إليها، فهم لا يسقطون فيها سهوًا، أو يدفعهم أحد إليها، لكنهم ينجذبون إليها بشهواتهم ويتعلقون بها.
وهم مرتبطون بالخطية كأنها عربة لها عجلات، لا يستطيعون الفكاك منها، ويدعون أنهم يعملون الخطية بمزاجهم، وإن كانوا قد تحولوا إلى تعلق بها وسيطرت عليهم، وينساقون وراءها، مثل العجلة المرتبطة بالعربة.
ع19: هؤلاء المنجذبون والمتعلقون بشهواتهم يزيدون خطية على خطيتهم، وهي الاستهزاء بالله نفسه، فيقولون إن كان الله قادراً بالحقيقة، وليس مجرد كلام تقولونه عنه أنه قوى، فليسرع، ويعجل ويأتي لنرى قوته، هذا ما تسمونه قدوس إسرائيل، وهو عاجز عن عمل أي شئ، إلي هذه الدرجة وصل استهزاؤهم بالله.
ع20: الويل الرابع: هو التضليل، فهناك أناس أشرار، لا يكتفون بعمل الشر، بل يمتدحونه، ويفتخرون به، ثم في بجاحة يدعون أن الخير شرٌ، ويسخرون من الأبرار، ويلومونهم على عمل الخير.
رغم أن الخير واضحٌ والشر واضحٌ، كما أن النور واضحٌ والظلام ظاهرٌ، وكذا المر والحلو واضحان، ولكن إصرار الإنسان على تضليل نفسه، والآخرين، يجعله يدعي عكس الحقيقة، ويصدقها، فيضل نفسه، ويضل غيره.
ع21: الويل الخامس هو للمتكبرين، الذين يشعرون أنهم يفهمون أكثر من غيرهم، ويعتبرون بأدائهم، ويحتقرون أراء الآخرين، وبالتالي لا يستشيرون غيرهم أحدًا، ويتمادون فى أي شر، اعتمادًا على آرائهم، ولا يرجعون عن أفكارهم، بل يعاندون الآخرين، فيخسروا نعمة الله ورحمته، ويخسروا الناس أيضًا بكبريائهم.
ع22: الويل السادس للمتعلقين بشرب الخمر، ويفتخرون بأنهم أبطال يشربون كثيرًا ولا يسكرون، ويدعون أن لهم قدرة كبيرة على شرب أنواع كثيرة من الخمر ومزجها معاً دون فقدان وعيهم، متخيلين أن هذا شئ عظيم، مع أن الحقيقة أنهم مستعبدون للخمر، مدمنون، ولا يستطيعون التخلص من هذه العادة السيئة، ويغطون عجزهم بالكبرياء، وإدعاء أنهم أبطال وذوو قدرة. ونلاحظ من أجل خطورة إدمان الخمر، أن أشعياء قد حذر من الخمر في هذا الأصحاح نفسه فى (ع11 – 13)؛ لينبه محبي الخمر حتى يرجعوا عن تعلقهم بها، وأظهر في هذه الآيات نتائجها الخطيرة.
ع23: إن الأبطال وذوى القدرة، المذكورين فى الآية السابقة، المدمنين للخمر سواء كانوا رؤساءً، أو قضاة، أو ذوى سلطان، فإنهم لانغماسهم في شرب الخمر لا يحكمون أحكامًا عادلة، بل يأخذون الرشوة ليبرئوا المذنب، وعلى العكس، يظلمون الأبرار، ويأخذون حقوقهم. وبالطبع فإن محبتهم للمال مرتبطة بمحبتهم للخمر؛ لينفقوها في إشباع شهواتهم.
انتبه إلى تحذيرات الله لك، سواء في الكلام الذى تسمعه، أو الأحداث التى تجري حولك، حتى تتوب وترجع إلى الله، ولا تأتي عليك ويلات الله وتأديباته، فتحيا مطمئنًا، سالكًا في طريق الملكوت.
(3) عقاب الله (ع24-30):
24لِذلِكَ كَمَا يَأْكُلُ لَهِيبُ النَّارِ الْقَشَّ، وَيَهْبِطُ الْحَشِيشُ الْمُلْتَهِبُ، يَكُونُ أَصْلُهُمْ كَالْعُفُونَةِ، وَيَصْعَدُ زَهْرُهُمْ كَالْغُبَارِ، لأَنَّهُمْ رَذَلُوا شَرِيعَةَ رَبِّ الْجُنُودِ، وَاسْتَهَانُوا بِكَلاَمِ قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ. 25مِنْ أَجْلِ ذلِكَ حَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى شَعْبِهِ، وَمَدَّ يَدَهُ عَلَيْهِ وَضَرَبَهُ، حَتَّى ارْتَعَدَتِ الْجِبَالُ وَصَارَتْ جُثَثُهُمْ كَالزِّبْلِ فِي الأَزِقَّةِ. مَعَ كُلِّ هذَا لَمْ يَرْتَدَّ غَضَبُهُ، بَلْ يَدُهُ مَمْدُودَةٌ بَعْدُ. 26فَيَرْفَعُ رَايَةً لِلأُمَمِ مِنْ بَعِيدٍ، وَيَصْفِرُ لَهُمْ مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ، فَإِذَا هُمْ بِالْعَجَلَةِ يَأْتُونَ سَرِيعًا. 27لَيْسَ فِيهِمْ رَازِحٌ وَلاَ عَاثِرٌ. لاَ يَنْعَسُونَ وَلاَ يَنَامُونَ، وَلاَ تَنْحَلُّ حُزُمُ أَحْقَائِهِمْ، وَلاَ تَنْقَطِعُ سُيُورُ أَحْذِيَتِهِم. 28الَّذِينَ سِهَامُهُمْ مَسْنُونَةٌ، وَجَمِيعُ قِسِيِّهِمْ مَمْدُودَةٌ. حَوَافِرُ خَيْلِهِمْ تُحْسَبُ كَالصَّوَّانِ، وَبَكَرَاتُهُمْ كَالزَّوْبَعَةِ. 29لَهُمْ زَمْجَرَةٌ كَاللَّبْوَةِ، وَيُزَمْجِرُونَ كَالشِّبْلِ، وَيَهِرُّونَ وَيُمْسِكُونَ الْفَرِيسَةَ وَيَسْتَخْلِصُونَهَا وَلاَ مُنْقِذَ. 30يَهِرُّونَ عَلَيْهِمْ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ كَهَدِيرِ الْبَحْرِ. فَإِنْ نُظِرَ إِلَى الأَرْضِ فَهُوَذَا ظَلاَمُ الضِّيقِ، وَالنُّورُ قَدْ أَظْلَمَ بِسُحُبِهَا.
ع24: عقاب الأشرار الذى تكلم عنهم أشعياء النبى فى الويلات الستة السابقة (ع 8-23) يكون فى اتجاهين:
- هجوم من الأعداء الخارجيين، أى الآشوريين والبابليين، ويشبههم أشعياء بنار تأكل شعب الله، ويشبه شعب الله بالقش، والحشيش، والأزهار التى تحترق، فتصير كالغبار.
- العفونة، وهي شئ يأتي من داخل الإنسان، وليس من خارجه، بسبب ارتباطهم بالخطية، فتصير رائحتهم كريهة.
كل هذا العقاب يأتي على شعب الله؛ لأنه استهان بشريعة وكلام قدوس إسرائيل، الذي هو رب الجنود. فلابتعادهم عن الله، وانغماسهم في الخطية، لم يفهموا القداسة والبر واستهانوا بها، ولغباوتهم نسوا أنهم ضعفاء أمام قوة الله رب الجنود.
ع25: الزبل: فضلات الطيور.
الأزقة: جمع زقاق، وهو الطريق الضيق بين البيوت.
عقاب الله كان بضرب شعبه عن طريق الهجوم الآشوري، وتخريبه مدن وقرى كثيرة في اليهودية، وقتل الكثيرين، حتى أن جثثهم ملأت الطرق الضيقة التى بين بيوتهم، وصارت جثثهم مثل فضلات الطيور والبهائم التى تدوسها الأرجل، ولا يستطيع الأحياء دفن جثثهم لضعفهم، وكثرة الجثث، وخوفهم من العدو. كل هذا الذل وما زالت يد الله ممدودة؛ لأن الشعب لم يتب ويرجع إلى الله، بل ما زال يعبد الأصنام، ويظلم بعضه بعضاً، ومازال منغمساً فى شهوته الشريرة، وبالتالي سيأتي عليه الهجوم البابلي الأكثر عنفًا، فلا سبيل لإيقاف العقاب إلا بالتوبة؛ لأن الله لا يريد من الضيقات شيئًا إلا خلاص نفوس أولاده؛ لأنه يحبهم.
ع26: الله الذي يسمح بعقاب شعبه، يرفع راية لأعدائهم الآشوريين، فيأتون بسرعة، ويهجمون على شعب الله.
وهذه الآية تعلن سلطان الله الذى يسمح للأمم (آشور) أن يهجموا على شعبه، فالضيقة لا تأتي على أولاد الله إلا بسماح منه، فإن عاشوا فى توبة، يعجز العدو عن مهاجمتهم، كما حدث مع الأشوريين الذين حاصروا أورشليم أيام حزقيا، ولم يستطيعوا الدخول، بل قتلهم ملاك الرب بسيفه. فرفع الراية والصفير للأمم تؤكد سلطان الله، وأن لا شئ يتم إلا بإذنه. وبهذا، إن رجع الإنسان إلى الله يحفظه من هجمات العدو، وإن استهان بكلام الله، يهجم عليه العدو بسرعة، فكلمات أشعياء إنذار واضح لسرعة التوبة، ولكن للأسف لم يسمع شعب الله له، فهجم عليه الأشوريون، وخربوا بلاده.
وإن كان شعب الله قد استهزأ وسخر من الله، وقال: فليأت سريعًا إن كان يريد أن يعمل شيئًا (ع 19)، فيعلن في هذه الآية أشعياء أن تأديب الله سيأتي سريعًا عن طريق أشور.
ع27: رازح: مرهق، أو متعب.
عاثر: من لا يستطيع المشى بسرعة، أو يسقط أحيانًا على الأرض.
حزم: جمع حزام وهو ما يلبس على الوسط.
يصف إشعياء في هذه الآية والآيات التالية، حتى نهاية الأصحاح، جنود الآشوريين، الذين يهجمون على شعب الله، فهم أقوياء لا يتعبون، ولا يسقطون فى الطريق، ويظلون في يقظة، لا ينامون مهما مشوا كثيرًا، أو جروا في الطريق.
وهم أيضًا قادرون على العمل ساعات طويلة، فلا يجلسون ليستريحوا، ويفكوا الأحزمة التى على وسطهم، وكذلك سيور أحذيتهم قوية، لا تنقطع مهما مشوا في الطريق، أو أثناء هجومهم على من يريدون قتلهم.
ع28: الصوان: هو الجرانيت، وهو حجر شديد الصلابة.
بكراتهم: عجلات حربية تجرها الخيول تجري بسرعة فتثير التراب والرمال تحتها، وتصير كالعاصفة الرملية.
هؤلاء الجنود أسلحتهم جاهزة، وهي السهام والأقواس، فيستطيعوا بها ضرب السهام لتصيب من يريدون، قتله.
وعرباتهم التى تجرها الخيل تجرى بسرعة، وحوافر خيلهم تضرب الأرض ولا تتأثر، والعربات تثير الرمال، فتصير كالزوابع، التى تعمي البصر، وتخيف كل من يهجمون عليه.
هذه هي صفات أعدائنا الشياطين، ولكن قوة الله أقوى منها، إن كنا فى توبة وصلاة، فلا يستطيع الشيطان أن يهجم علينا.
ع29: زمجرة: هو صوت عنيف مخيف، ويقصد هنا صوت الأسد.
اللبوة: أنثى الأسد.
الشبل: الأسد الصغير.
يهرون: يجرون بسرعة.
هؤلاء الجنود يشبهون الأسد الذى يهجم على فريسته، ولا يستطيع أحد أن يخلصها من يده، حتى يقتلها، وهذا يبين عنف الأعداء، أو شدة العقوبة الإلهية لكثرة استهانة شعب الله.
ع30: هدير: صوت المياه المندفعة.
هؤلاء الجنود يسرعون بأعداد ضخمة على شعب الله، مثل مياه البحر التى تهجم على الشاطئ، وتغرقه.
وإذا نظر شعب الله إلى الأرض يجدها مظلمة، إذ حجبت السماء أنوارها، وارتفعت الرمال كزوابع تظلم السماء، ومن ضيقتهم الشديدة يرون كل شىء مظلمًا، ولا سبيل للنجاة من الأعداء، لأنهم رفضوا التوبة.
كل هذه التفاصيل المرعبة التى يقدمها الله لشعبه يود منها أن يرجعوا عن خطاياهم، فيرفع الله عنهم هذه الضيقات. إن كان الأعداء الشياطين قد تجهزوا بأسلحتهم، فلابد يا أخى أن تتسلح بأسلحتك الروحية، بالإيمان والمحبة والاتضاع، وتثق أن قوة الله التى معك، قادرة أن تصد عنك كل هجمات العدو، وتنتصر عليه.