بركات المخلص لأورشليم
فَتُمْسِكُ سَبْعُ نِسَاءٍ بِرَجُل وَاحِدٍ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَائِلاَتٍ: «نَأْكُلُ خُبْزَنَا وَنَلْبَسُ ثِيَابَنَا. لِيُدْعَ فَقَطِ اسْمُكَ عَلَيْنَا. انْزِعْ عَارَنَا». 2فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ غُصْنُ الرَّبِّ بَهَاءً وَمَجْدًا، وَثَمَرُ الأَرْضِ فَخْرًا وَزِينَةً لِلنَّاجِينَ مِنْ إِسْرَائِيلَ. 3وَيَكُونُ أَنَّ الَّذِي يَبْقَى فِي صِهْيَوْنَ وَالَّذِي يُتْرَكُ فِي أُورُشَلِيمَ، يُسَمَّى قُدُّوسًا. كُلُّ مَنْ كُتِبَ لِلْحَيَاةِ فِي أُورُشَلِيمَ. 4إِذَا غَسَلَ السَّيِّدُ قَذَرَ بَنَاتِ صِهْيَوْنَ، وَنَقَّى دَمَ أُورُشَلِيمَ مِنْ وَسَطِهَا بِرُوحِ الْقَضَاءِ وَبِرُوحِ الإِحْرَاقِ، 5يَخْلُقُ الرَّبُّ عَلَى كُلِّ مَكَانٍ مِنْ جَبَلِ صِهْيَوْنَ وَعَلَى مَحْفَلِهَا سَحَابَةً نَهَارًا، وَدُخَانًا وَلَمَعَانَ نَارٍ مُلْتَهِبَةٍ لَيْلًا، لأَنَّ عَلَى كُلِّ مَجْدٍ غِطَاءً. 6وَتَكُونُ مِظَلَّةٌ لِلْفَيْءِ نَهَارًا مِنَ الْحَرِّ، وَلِمَلْجَأٍ وَلِمَخْبَأٍ مِنَ السَّيْلِ وَمِنَ الْمَطَرِ.
ع1: بعد الهجوم البابلي على أورشليم، وحرقها، وتدميرها، وقتل رجال الحرب الذين فيها، وسبي معظم الرجال، لم يبق فى أورشليم إلا عدد قليل من الرجال الضعفاء، والفقراء، فوجدت النساء أنهن بلا رجل يتزوجهن، بالإضافة إلى خراب المدينة، وأسوارها، وأبوابها المحروقة، فأصبحن فى حاجة إلى سند. ولذا تحرك عدد كبير من النساء وهو سبعة، والمقصود بهذا الرقم الكمال، أى عدد كبير من النساء، وطلبن من رجل واحد أن يتزوجهن جميعًا، وينزع عنهن عار عدم الزواج وعدم الإنجاب، وقدمن له تسهيلات غير عادية، وهي أنهن سيتكلفن بمصاريفهن، وكل واحدة ستعمل لتوفير نفقات طعامها وملبسها؛ كل هذا معناه الضعف الشديد الذي أصاب أورشليم بعد السبي، والحاجة الشديدة إلى الرجال.
من الناحية الرمزية، يرمز رقم 7 وهو الكمال إلى حاجة اليهود أى البشرية كلها الضعيفة؛ لأن النساء ترمز للضعف الجسدى مقارنة بقوة الرجل الجسمانية، فكل البشرية تطلب الرجل الواحد وهو المخلص المسيح الرب، إذ شعرت البشرية بضعف وفساد طبيعتها، وحاجتها إلى المخلص المسيح. وذلك اليوم يقصد به ملء الزمان حين تجسد المسيح، وأتي لفداء البشرية.
هذه الآية يمكن اعتبارها نهاية للإصحاح الثالث وامتداد له، كما يظهر من (ص3: 25،26) بعد قتل الرجال، وتدمير أورشليم، وجلوسها على الأرض تنوح على الرجال الذين قتلوا، أو تم سبيهم. وفي نفس الوقت هذه الآية هي بداية ومقدمة هذا الإصحاح الذى يتكلم عن بركات المسيح المخلص للبشرية كلها.
ع2: ذلك اليوم هو تجسد المسيح، وغصن الرب هو المسيح نفسه، فالغصن نبات يرمز لجسد المسيح، والرب يرمز للاهوته، أي أن غصن الرب هو الإله المتجسد. وبتجسد المسيح ظهر البهاء والمجد في الإنسان الجديد وآدم الجديد، أي المسيح النقي من كل خطية، وهو بهاء الله ومجده. وظهر فى المسيح أيضًا ثمر الأرض، أي المسيح المتجسد الذى يعيش على الأرض، فخر البشرية وزينتها، إذ وجدت البشرية الرجاء فى المسيح، وآمنت به، فصار هو بكرًا بين إخوة كثيرين، أي المؤمنين به (رو8: 29).
والذين تمتعوا بالمسيح هم الناجون من شر العالم وخطاياه، الذين تنقوا بإيمانهم بالمسيح، وغفر خطاياهم بفدائه.
والخلاصة، أنه في ملء الزمان تجسد المسيح وفدى البشرية، فرفع الإنسان رأسه في فخر، وتمتع بالبر فى المسيح المخلص.
ع3: الذى يبقي في صهيون، ويُترك في أورشليم هم المقصودون بتعبير الناجين من إسرائيل (ع2)، وهم:
1- الذين آمنوا بكلام الله على فم أشعياء، وقدموا توبة، ورجعوا لله بقلوبهم.
2- الذين آمنوا بالمسيح الذى تجسد وفدانا في ملء الزمان؛ لأن صهيون وأورشليم الحقيقية هي كنيسة العهد الجديد.
3- الذين أمنوا فى العهدين القديم والجديد يكونون مقدسين، وينالون مكانًا فى أورشليم السمائية.
يسمى قدوسًا؛ لأنه قد تقدس من الله بالروح القدس؛ لأنه آمن وتاب، ويحيا لله ومكانه السماوي في الملكوت، الذي لا يدخله إلا المقدسين. فالذي يحيا مع الله في العهد القديم يتقدس ليكون إناءً صالحًا له، وفي العهد الجديد يتقدس ليتناول من الأسرار المقدسة، ثم فى النهاية يثبت فى القداسة فى الملكوت السماوي.
ع4: غسل السيد الرب قذر بنات صهيون، أي خطايا شعبه، ونقى دم أورشليم من وسطها، أي نزع عنهم جرائم ظلم الأبرياء وقتلهم، وكذا دماء الأطفال التى قدموهم ذبائح للأوثان، بل نقى أيضًا أولاده فى أورشليم الذين أخطاوا بكل شكل نحو غيرهم وأعثروهم، فيطالبوا بدمائهم، كما ينادي المزمور الخمسون “نجنى من الدماء يا الله إله خلاصى (مز51: 14)، وكل هذا يتم بالروح القدس من خلال:
1- سر المعمودية في العهد الجديد.
2- سر التوبة والاعتراف فى العهد الجديد.
وطبيعة عمل الروح القدس في المؤمنين تظهر بشكلين:
1- القضاء: أى إدانة الخطية والتبكيت عليها.
2- الإحراق: وهو حرق وإزالة الخطية التى تاب عنها الإنسان، فينقي، ويطهر التائب، ليصير إناءً صالحًا لسكنى الله، وهيكلاً لروحه القدوس.
ومن خلال الصليب أتم المسيح الفداء، وأعطانا الروح القدس روح القضاء والإحراق.
ع5 : يحدثنا الله هنا عن شىء جديد يخلقه فى كل مكان من جبل صهيون ومحفلها، وما يخلقه ليس فقط الرجوع من السبي، وبناء الهيكل، ولكن ينطبق بالأكثر على كنيسة العهد الجديد التى هي صهيون الجديدة، أو أورشليم الجديدة التى كانت ترمز إليها مدينة أورشليم المعروفة فى العهد القديم. فماذا يخلق عليها؟
1- سحابة نهارًا:
والسحابة فى الكتاب المقدس ترمز لحلول الله، ففيها مجد وبهاء يليقان بالله، وفيها أيضًا غموض، إذ لا يري الإنسان ما داخل السحابة، وهكذا الله لا يصل أحد إلى كل أعماقه. والسحابة كانت تغطي بني إسرائيل أثناء النهار من حرارة الشمس، فالسحابة تحمي أولاد الله فى كل جيل من حروب الشيطان التى فوق طاقتهم.
2- دخان ولمعان نار ملتهبة ليلاً:
وهو عمود النار الذي كان يضىء لبنى إسرائيل فى برية سيناء، ويدفئ الجو حولهم، وهو رمز لعمل الروح القدس، الذي يعمل في العهد القديم، وبالأكثر في العهد الجديد؛ ليحرق الخطايا فى الداخل فى سر الاعتراف، وباقي الأسرار، وينير ويرشد طريق المؤمنين، بل ويعطيهم بهاءً بلمعانه.
3- على كل مجد غطاء:
الله ممجد فى كنيسته، داخل أسرارها المقدسة، فمجد الله وعمله داخل السر عليه غطاء، وهو المواد المستخدمة فى السر. وكل مؤمن بالله هو هيكل للروح القدس، فالمجد يحل فى داخله، ويعمل فيه، ولكنه يغطيه بشكله الجسدي الضعيف، فهو يخفى قوة جبارة فى داخله، تؤثر فى الآخرين، وتقف بقوة أمام المعاندين؛ لأن المجد داخلي، كما كان في خيمة الاجتماع، وفي الكنيسة، وداخل كل نفس تحب الله، ولكن يظهر ويكمل ويستعلن هذا المجد فى أورشليم السمائية، وكان واضحًا فى تجسد المسيح، حيث أخفي مجد لاهوته بناسوته.
ومحفل صهيون هو جماعة المؤمنين فى داخل هيكل الله، حيث يعمل الله فيهم، ويقدسهم، وهو رمز لمحفل الكنيسة، حيث يحل فى وسطهم، بل ويتحد بهم في جسده ودمه؛ كل هذا استعداداً لحلوله الدائم وسط أولاده في أورشليم السمائية.
ويلاحظ أن الله قد طهر أولاده أولاً، وغسلهم فى (ع4)، وبعد هذا يحل فيهم، ويمتعهم بحضرته، بل يتحد بهم ويفيض عليهم بركاته فى (ع5، 6).
ع6: الفىء : الظل
تصير أورشليم وكنيسة الله في العهد الجديد مظلة، يحتمي فيها الإنسان من حر النهار التى تشير للتجارب التى تأتي عليه، وكذا من السيل والمطر، اللذين يرمزان للهرطقات، والمشاكل المتنوعة، بعد أن كانت أولاً مظلة فى كرم، وخيمة فى مقثأة (ص1: 8). وبالطبع فإن قوة أورشليم، أو الكنيسة هي في الله حصنها، وملجأها مهما قامت الاضطهادات، فأبواب الجحيم لن تقوى عليها، فهو يساندها في جهادها الروحي، فتتحمل حر النهار، وتعب الجهاد، وفى نفس الوقت لا تزعزعها السيول والأمطار، التى هي تيارات العالم، وشهواته، وكذا البدع والهرطقات. إن كان الشيطان يحاربك، فلا تنزعج؛ لأن الله معك يحميك، ويسندك ويقيمك إن سقطت، ويقبل توبتك، بل ويعمل فيك، ويمتعك بعشرته.