رثاء موآب وخلاص البقية
(1) يهوذا ملجأ لموآب (ع1-5):
1أَرْسِلُوا خِرْفَانَ حَاكِمِ الأَرْضِ مِنْ سَالِعَ نَحْوَ الْبَرِّيَّةِ إِلَى جَبَلِ ابْنَةِ صِهْيَوْنَ. 2وَيَحْدُثُ أَنَّهُ كَطَائِرٍ تَائِهٍ، كَفِرَاخٍ مُنَفَّرَةٍ تَكُونُ بَنَاتُ مُوآبَ فِي مَعَابِرِ أَرْنُونَ. 3هَاتِي مَشُورَةً، اصْنَعِي إِنْصَافًا، اجْعَلِي ظِلَّكِ كَاللَّيْلِ فِي وَسَطِ الظَّهِيرَةِ، اسْتُرِي الْمَطْرُودِينَ، لاَ تُظْهِرِي الْهَارِبِينَ. 4لِيَتَغَرَّبْ عِنْدَكِ مَطْرُودُو مُوآبَ. كُونِي سِتْرًا لَهُمْ مِنْ وَجْهِ الْمُخَرِّبِ، لأَنَّ الظَّالِمَ يَبِيدُ، وَيَنْتَهِي الْخَرَابُ، وَيَفْنَى عَنِ الأَرْضِ الدَّائِسُونَ.
5فَيُثَبَّتُ الْكُرْسِيُّ بِالرَّحْمَةِ، وَيَجْلِسُ عَلَيْهِ بِالأَمَانَةِ فِي خَيْمَةِ دَاوُدَ قَاضٍ، وَيَطْلُبُ الْحَقَّ وَيُبَادِرُ بِالْعَدْلِ.
ع1: يدعو إشعياء موآب أن تدفع الجزية التي عليها إلى حاكم الأرض وهو ملك يهوذا، وقد كانت معتادة أن تدفع الجزية له، ولكن عندما تتمرد لا تدفع (2 مل 3 : 4، 5)، فهو يدعوها اليوم أن تدفع الجزية كخراف – كما اعتادت – لأنها ستحتاج قريباً إلى ملك يهوذا، تهرب إليه من وجه الغزاة الأشوريين.
وسيهرب الموآبيون إلى سالع ، التي تقع في بلاد آدوم، ويتحصنون هناك من وجه الآشوريين، فيطلب منهم إشعياء أن يرسلوا خرفانهم من سالع، التي التجأوا إليها، إلى جبل ابنة صهيون، أي إلى عاصمة مملكة يهوذا وهي أورشليم حيث يقيم ملك يهوذا وهو حزقيا.
ع2: منفرة: هاربة.
معابر أرنون: أرنون نهر يقع في شمال بلاد موآب، وبه أجزاء ليست عميقة المياه يمكن العبور منها تسمى معابر أرنون.
عندما تهرب الموآبيات بعد قتل رجالهن في الحرب، يكنَّ تائهات مثل طيور تائهة، تفر وتهرب من وجه الآشوريين، وتعبر معابر نهر أرنون.
ع3: يطلب إشعياء من مملكة يهوذا أن تقدم مشورة تساعد الموآبيين الهاربين من وجه آشور.
واصنعى يا يهوذا إنصافاً لهؤلاء الموآبيين، المظلومين، المعتدى عليهم من آشور، أي إقبليهم ولا تسلميهم إلى آشور، حتى يحتموا عندك.
وكوني يا يهوذا ظلاً للموآبيين كالليل في وقت الظهيرة، أي أخفيهم في بلادك وحصونك من وجه أعدائهم إذا إلتجأوا إليك.
واستري يا يهوذا على الموآبيين المطرودين، ولا تظهريهم لأعدائهم الآشوريين، أي احميهم من أعدائهم ، وأظهري محبتك وإشفاقك عليهم. وهذا عمل عظيم من يهوذا أن تحمي الموآبيين الذين كانوا أحياناً أصدقاءً وأحياناً أخرى أعداءً لها، فكوني في وقت الضيقة معينة ومساعدة لهم على النجاة.
إن يهوذا رمز لكنيسة العهد الجديد، التي تفتح أحضانها للأمم، كما لليهود؛ ليؤمنوا بالمسيح، ويحتموا في أحضانه من وجه الشيطان.
ع4: يكلم إشعياء مملكة يهوذا ، ويطلب منها أن تقبل الموآبيين المطرودين من بلادهم بسبب الهجوم الأشوري عليهم، ويطلب من مملكة يهوذا أن تقبلهم وتستر عليهم وتحميهم.
ثم يطمئن مملكة يهوذا والموآبيين أيضاً بأن الظالم وهو آشور سيبيد ويترك أرض مملكة يهوذا والموآبيين وكل ما حولها. وقد حدث هذا فعلاً عندما قتل ملاك الله 185.000 جندياً من جيش الآشوريين وهرب الباقون. وهكذا يفنى الأشوريون الدائسون لأرض موآب؛ لأنهم سيموتون، أو يهربون.
وتُظهر هذه الآية محبة الله التي يوصى بها شعبه، أن يستروا ويسندوا ويقبلوا المظلومين. فإن كان الله يطلب من شعبه عدم الإختلاط بالوثنيين، حتى لا يعبدوا آلهتهم، لكن في نفس الوقت، يوصى شعبه أن يشفق على الوثنيين الموآبيين، ويحميهم من وجه أعدائهم، وهذه هي المحبة الواعية التي ترفض الشر، ولكن تقدم الحب للكل؛ حتى الأعداء.
وآشور الظالمة للموآبيين والتي خربت بلاد اليهودية، وحاصرت أورشليم، ترمز للشيطان الذي يتجاسر ويهدد أولاد الله، ولكن في النهاية لابد أن يقهره الله ويبعده عن أولاده، عندما أرسل الله ملاكه، وقتل جيش الآشوريين.
ع5: يتحدث إشعياء عن ملك يهوذا – وهو حزقيا الملك- فيقول أنه عندما يتقبل ويشفق على المظلومين الهاربين من موآب، بهذا يثبت كرسيه، أي ملكه، برحمته على الموآبيين، وأمانته في محبته لكل الناس، حتى من يعادونه. والمقصود بخيمة داود، مملكة يهوذا، والقاضي هو حزقيا الملك، الذي يقود ويحكم شعبه بالحق والعدل، فهو رحيم ويسرع، أي يبادر بالعدل، بإنصاف المظلومين ومساندتهم.
وحزقيا في هذا الأمر يرمز بوضوح للمسيح، الذي مات عنا على الصليب، لكي يحتضن المظلومين من إبليس، فيرحمهم ويغفر خطاياهم عندما يتوبون، وبأمانته في الموت عنا وفدائنا يثبت ملكه، بل ويدوم إلى الأبد. فبالصليب حمل المسيح خطايانا، ويغفر ما لنا، ويقبلنا في كنيسته وملكوته السماوي، كل هذا برحمته التي قدمها على الصليب، كما ذكر (مز 89: 14) عندما قال : “العدل والحق قاعدة كرسيك، الرحمة والأمانة تتقدمان وجهك”.
- ليكن قلبك متسعاً بالحب للقريبين منك كخطوة أولى ، ثم يزداد إتساعاً ليشمل كل الناس: لأنك صورة الله الذي يحتملك سواء كنت سالكاً معه بالإستقامة، أو تسىء إليه، لعلك بحبه تنتبه، وينفتح قلبك، ويفيض حباً على أولاده، أي كل البشر الذين في العالم.
(2) مرثاة موآب (ع6-14)
6قَدْ سَمِعْنَا بِكِبْرِيَاءِ مُوآبَ الْمُتَكَبِّرَةِ جِدًّا عَظَمَتِهَا وَكِبْرِيَائِهَا وَصَلَفِهَا بُطْلِ افْتِخَارِهَا. 7لِذلِكَ تُوَلْوِلُ مُوآبُ. عَلَى مُوآبَ كُلُّهَا يُوَلْوِلُ. تَئِنُّونَ عَلَى أُسُسِ قِيرَ حَارِسَةَ، إِنَّمَا هِيَ مَضْرُوبَةٌ. 8لأَنَّ حُقُولَ حَشْبُونَ ذَبُلَتْ. كَرْمَةُ سِبْمَةَ كَسَّرَ أُمَرَاءُ الأُمَمِ أَفْضَلَهَا. وَصَلَتْ إِلَى يَعْزِيرَ. تَاهَتْ فِي الْبَرِّيَّةِ، امْتَدَّتْ أَغْصَانُهَا، عَبَرَتِ الْبَحْرَ. 9لِذلِكَ أَبْكِي بُكَاءَ يَعْزِيرَ عَلَى كَرْمَةِ سِبْمَةَ. أُرْوِيكُمَا بِدُمُوعِي يَا حَشْبُونُ وَأَلْعَالَةُ، لأَنَّهُ عَلَى قِطَافِكِ وَعَلَى حَصَادِكِ قَدْ وَقَعَتْ جَلَبَةٌ. 10وَانْتُزِعَ الْفَرَحُ وَالابْتِهَاجُ مِنَ الْبُسْتَانِ، وَلاَ يُغَنَّى فِي الْكُرُومِ وَلاَ يُتَرَنَّمُ، وَلاَ يَدُوسُ دَائِسٌ خَمْرًا فِي الْمَعَاصِرِ. أَبْطَلْتُ الْهُتَافَ. 11لِذلِكَ تَرِنُّ أَحْشَائِي كَعُودٍ مِنْ أَجْلِ مُوآبَ وَبَطْنِي مِنْ أَجْلِ قِيرَ حَارِسَ. 12وَيَكُونُ إِذَا ظَهَرَتْ، إِذَا تَعِبَتْ مُوآبُ عَلَى الْمُرْتَفَعَةِ وَدَخَلَتْ إِلَى مَقْدِسِهَا تُصَلِّي، أَنَّهَا لاَ تَفُوزُ. 13هذَا هُوَ الْكَلاَمُ الَّذِي كَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ مُوآبَ مُنْذُ زَمَانٍ. 14وَالآنَ تَكَلَّمَ الرَّبُّ قَائِلًا: «فِي ثَلاَثِ سِنِينَ كَسِنِي الأَجِيرِ يُهَانُ مَجْدُ مُوآبَ بِكُلِّ الْجُمْهُورِ الْعَظِيمِ، وَتَكُونُ الْبَقِيَّةُ قَلِيلَةً صَغِيرَةً لاَ كَبِيرَةً».
ع6: صلفها: غرورها
لم تسمع موآب لنصيحة إشعياء، بأن تلتجئ إلى مملكة يهوذا، وتقدم الجزية بشكل خراف تقدمها له كما ذُكر في (ع1)، وذلك لكبرياء مؤآب الشديد، وغرورها، وإفتخارها المزيف، لذلك أتت عليها ويلات كثيرة، سنراها في الآيات التالية.
ع7: من أجل كبرياء موآب السابق ذكره في الآية السابقة، يأتي الخراب على موآب، ويكون هذا الخراب كاملاً، شاملاً كل موآب؛ لذا تصرخ بصوت مرتفع في كل مكان فيها.
ويأتي الخراب أيضاً على أكبر مدنها، وهي قير حارسة، والتي كانت مدينة محصنة بأسوار عالية، ولكن العدو الأشوري خربها وحطمها، وهذا نتيجة طبيعية للكبرياء، لذلك فالحل دائماً هو الإتضاع وطاعة وصايا الله.
ع8 : إمتد التخريب الأشوري إلى بلاد موآب المشهورة بحقولها الخصبة، مثل حشبون، والمعروفة بكرومها الكثيرة مثل سبمة، والتي تمتد كرومها إلى الشمال خمسة عشر ميلاً حتى تصل إلى مدينة يعزير ؛ كل هذه الكروم كسرها الأشوريون (أمراء الأمم) وألقوها في البرية وكذلك في البحر، لأنها كانت كروماً كثيرة تمتد شمالاً إلى يعزير، وتمتد أيضاً إلى البحر. ويؤكد إرميا نفس المعنى الموجود في هذه الآية في (إر 48 : 31 ،32).
وهكذا نرى أن موآب التي رفضت رحمة الله في نداء إشعياء لها بالإلتجاء إلى مملكة يهوذا، أتى عليها العقاب الإلهي، لكبريائها، بالتخريب الشامل لها، ولعاصمتها قير، ولمدنها الخصبة مثل حشبون وسبمة.
ع9: جلبة : أصوات مرتفعة وصياح غير مُميز.
قطافك : جمع محصول العنب وثمار الأشجار المختلفة
تظهر في هذه الآية مشاعر إشعياء الرقيقة، ويتخيل أنه في مدينة يعزير الموآبية التي إمتد الخراب إليها، فيبكى على خراب البلد والبلاد المجاورة لها، وحقولها وكرومها، مثل حشبون وسبمة، وكذا أيضاً مدينة العالة، وبدلاً من سماع صوت الفرح والأغاني بحصاد الحقول وقطاف الكروم، حل محلها أصوات الجلبة الناتجة عن الحرب والهجوم الأشوري والتخريب لموآب.
ع10: تؤكد هذه الآية الخراب الشامل الذي تم في موآب، فانتهى الفرح من بساتين موآب المملوءة ثماراً جميلة؛ لأنها خربت كلها، وكذا أيضاً بطلت أغاني من يجمعون العنب من الكروم، وتوقفت أيضاً ترانيم الفرح والهتاف في معاصر العنب الذي جمعوه من الكروم: لأن كل هذه قد خربت، ولم يعد هناك أحداً يدوس العنب ويعصره في المعاصر.
ع11: ويتألم إشعياء النبي الحنون على موآب فتئن أحشاؤه وتحدث أصواتاً، كعود يعزف لحناً حزيناً، وتتمزق، وتتألم بطنه من أجل المدينة العظيمة قير حارس؛ لأن كل هذه قد خربت.
ع12: ومن ضيق الموآبيين سيصعدون إلى التل، الذي يرتفع عليه هيكل كموش إلههم (مقدسها)، ويصلون إليه فلا يُستجاب لهم، ولا يفوزون بشىء لأن إلههم مجرد صنم لا ينفع شيئاً.
ع(13،14): كل هذه الآيات السابقة، هي كلمات الله على لسان إشعياء إلى موآب. وهذا التخريب الأشوري لموآب، حدده الله أنه سيتم بعد ثلاث سنوات، وهو توقيت دقيق، مثلما يعرف الأجير مدة عمله التي ينتظر انتهاءها بفارغ الصبر؛ ليتخلص من العمل الشاق الذي يقوم به.
ونرى أن الله سيسمح بوجود بقية قليلة من موآب تعيش؛ هذه يمكن أن تستفيد من كلام إشعياء، ومن المسيح في العهد الجديد، فيؤمنوا ويتوبوا، خاصة أن حنان الله واضح في أبوة إشعياء وبكائه عليهم. ونعلم أن راعوث التي صارت جدة للمسيح كانت موآبية، ولما جاء المسيح في ملء الزمان آمن بعض الموآبيين.
- انتهز يا أخي فرصة الرحمة الإلهية، وأطع وصايا الله، وقدم توبة: لتفوز بمراحم الله، قبل أن يأتي عليك العقاب الإلهي إن لم تتب، فأسرع إلى التوبة: لتنجو من العذاب الأبدي.