خراب دمشق وإسرائيل
(1) خراب دمشق (ع1 – 3):
1وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ دِمَشْقَ: هُوَذَا دِمَشْقُ تُزَالُ مِنْ بَيْنِ الْمُدُنِ وَتَكُونُ رُجْمَةَ رَدْمٍ. 2مُدُنُ عَرُوعِيرَ مَتْرُوكَةٌ. تَكُونُ لِلْقُطْعَانِ، فَتَرْبِضُ وَلَيْسَ مَنْ يُخِيفُ. 3وَيَزُولُ الْحِصْنُ مِنْ أَفْرَايِمَ وَالْمُلْكُ مِنْ دِمَشْقَ وَبَقِيَّةِ أَرَامَ. فَتَصِيرُ كَمَجْدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ.
ع1، 2: دمشق المدينة القديمة العظيمة التي تقع في آرام (سوريا الحالية)، هذه المتشامخة بكبريائها مثلها مثل مدينة عروعير التي تقع في منطقة جلعاد، وهي أيضاً متكبرة- تصير عارية من كل مجدها، وتخرب، وتصير رجمة ردم، أي تل من الحجارة والتراب، وتكون مثل مدينة عروعير، التي خربت أيضاً.
وكما أن عروعير هى مرعى لقطعان الماشية، هكذا أيضاً دمشق التي يتم تخريبها، على يد تغلث فلاسر الملك الأشوري، تصير هي أيضاً مرعى للماشية.
خراب دمشق يرمز إلى أن المتكبر البعيد عن الله يخرب كل مجده وتصير حياته مرعى للحيوانات، أي يصير حيوانياً شهوانياً في سلوكه ، ويفقد كل مجده الروحي.
ع3: الخراب لا يأتي على دمشق فقط، بل أيضاً على أفرايم، فيزول الحصن منها ، أي الحصانة والحماية الإلهية. ونلاحظ أن الخراب أتى على دمشق أولاً ثم أفرايم، والمقصود بأفرايم كل مملكة إسرائيل، فأفرايم كناية عن كل مملكة إسرائيل لأنها أكبر سبط فيها، ودمشق تحالفت مع أفرايم ضد مملكة يهوذا ، وكانت هي المحرك، لذا عاقبها الله أولاً، ثم عاقب أفرايم لأنهما تحالفا ضد يهوذا دون داعٍ، أي لم تؤذهما يهوذا.
زوال الملك من مدينة دمشق، وكل ما حولها من مملكة آرام كان تأديباً لها؛ لتتوب وليطمئن شعب الله في مملكة يهوذا.
وصار مجد دمشق كمجد إسرائيل، أي خربت دمشق وزال مجدها، كما خربت إسرائيل بعدها وزال مجدها.
“ويقول رب الجنود”، يعني أن هذا أمر من الله، وقد تحقق بالفعل على يد تغلث فلاسر الذي هجم على دمشق وآرام، ثم على مملكة إسرائيل، وخرب الكل.
- لا تتحرك في طريق الشر، ولا توافق عليه، أو تشترك فيه لئلا يأتي هذا على رأسك؛ لأن الله ضابط الكل وعادل، ويطيل أناته، ولكن لابد أن يعلن عدله، وينصف المظلومين في الوقت المناسب.
(2) خراب إسرائيل (ع4-11) :
4وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ مَجْدَ يَعْقُوبَ يُذَلُّ، وَسَمَانَةَ لَحْمِهِ تَهْزُلُ، 5وَيَكُونُ كَجَمْعِ الْحَصَّادِينَ الزَّرْعَ، وَذِرَاعُهُ تَحْصِدُ السَّنَابِلَ، وَيَكُونُ كَمَنْ يَلْقُطُ سَنَابِلَ فِي وَادِي رَفَايِمَ. 6وَتَبْقَى فِيهِ خُصَاصَةٌ كَنَفْضِ زَيْتُونَةٍ، حَبَّتَانِ أَوْ ثَلاَثٌ فِي رَأْسِ الْفَرْعِ، وَأَرْبَعٌ أَوْ خَمْسٌ فِي أَفْنَانِ الْمُثْمِرَةِ، يَقُولُ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ. 7فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَلْتَفِتُ الإِنْسَانُ إِلَى صَانِعِهِ وَتَنْظُرُ عَيْنَاهُ إِلَى قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ، 8وَلاَ يَلْتَفِتُ إِلَى الْمَذَابحِ صَنْعَةِ يَدَيْهِ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَى مَا صَنَعَتْهُ أَصَابِعُهُ: السَّوَارِيَ وَالشَّمْسَاتِ. 9فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تَصِيرُ مُدُنُهُ الْحَصِينَةُ كَالرَّدْمِ فِي الْغَابِ، وَالشَّوَامِخُ الَّتِي تَرَكُوهَا مِنْ وَجْهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَصَارَتْ خَرَابًا. 10لأَنَّكِ نَسِيتِ إِلهَ خَلاَصِكِ وَلَمْ تَذْكُرِي صَخْرَةَ حِصْنِكِ، لِذلِكَ تَغْرِسِينَ أَغْرَاسًا نَزِهَةً وَتَنْصِبِينَ نُصْبَةً غَرِيبَةً. 11يَوْمَ غَرْسِكِ تُسَيِّجِينَهَا، وَفِي الصَّبَاحِ تَجْعَلِينَ زَرْعَكِ يُزْهِرُ. وَلكِنْ يَهْرُبُ الْحَصِيدُ فِي يَوْمِ الضَّرْبَةِ الْمُهْلِكَةِ وَالْكَآبَةِ الْعَدِيمَةِ الرَّجَاءِ.
ع4: تهزل : تصبح رفيعة أي نحيفة
رأينا في (ع3) زوال الحصانة عن مملكة إسرائيل نتيجة شرها: لتحالفها مع دمشق ضد مملكة يهوذا، وهذه هى النتيجة الأولى.
ثم نجد النتيجة الثانية في (ع3) وفي هذه الآية، وهي زوال المجد عن مملكة إسرائيل، بل على العكس تصير المملكة ذليلة، مهانة على يد آشور بسبب شرها أيضاً.
والنتيجة الثالثة، هي زوال قوة مملكة إسرائيل، إذ أصبحت هزيلة، بعد أن كانت سمينة؛ لأن آشور أخذت أقوياء مملكة إسرائيل، وشتتهم في البلاد التابعة لها، ولم تُبقِ لإسرائيل إلا ضعفاء الشعب والفقراء، إضافة إلى قتل عدد كبير من شعب إسرائيل وتخريب البلاد.
ع5 ، 6: وادي رفايم: وادي خصب تزرع فيه محاصيل الحبوب
خصاصة: ما تبقى في الكرم ، أي شجرة العنب من حبات قليلة وضعيفة
نفض: ما يبقى في الشجرة من ثمر قليل بعد جمع الثمار منها.
أفنان: جمع فنن وهو الغصن
النتيجة الرابعة لشر مملكة إسرائيل هى زوال الثمار عنها، فتصير في فقر شديد.
فيكون في وقت الحصاد، وذراع الحصادين تحصد السنابل في الحقول الخصبة (وادي رفايم) أنه لا يبقى في النباتات إلا حبات قليلة بعد أن حصد الأعداء الآشوريون الحقول، وتركوا فيها ثماراً قليلة وضعيفة، أي حصرم في أشجار العنب، وحبات زيتون صغيرة في فروع شجر الزيتون. ويبين قلة الثمار فيقول : حبتان، أو ثلاث في رأس الفرع، وأربع أو خمس في الأغصان المثمرة.
والخلاصة، أن يصير أصحاب هذه الحقول في فقر شديد، أي مثل الفقراء الذين لا يملكون شيئاً من الأراضي، ويجمعون وراء الحصادين القليل الذي يبقى بعد الحصاد ، أو يسقط على الأرض.
ويختم أشعياء الآيتين بأن هذا هو قول الرب إله إسرائيل، أي أن الله أمر بهذا، وتنبأ به أشعياء النبي، وقد تم بالفعل؛ كل هذه نتائج للشر الذي سارت فيه مملكة إسرائيل في عبادة الأوثان والزنى والظلم وكل شىء ردىء.
ع7 ، 8: عندما يأتي الخراب الآشوري، وتظهر كل النتائج الأربعة السابقة، حينئذ تقود هذه الضيقة الإنسان في مملكة إسرائيل، بل وفي كل العالم، فيرجع إلى الله خالقه، الذي هو قدوس إسرائيل، ويترك عنه مذابح الأوثان وتماثيل الأصنام، وكل ما يتصل بها، فعبادتهم للشمس كانوا يصنعون لها منظر شمسات، وآلهة السماء، عشتاروت، يصنعون لها سواري، أي خشبة مرتفعة نحو السماء. وكانت هذه العبادات الوثنية مرتبطة بالزنى والشذوذ لإرضاء الآلهة.
ع9: الشوامخ: الأماكن المرتفعة
في ذلك اليوم الذي يهجم فيه الأشوريين على مدن مملكة إسرائيل، أي المملكة الشمالية: هذه المدن الحصينة تصير خراباً ، أي أكواماً من الردم تذريها الريح وسط الغابات.
وهذا تكرار لما حدث قديماً، عندما هجم بنو إسرائيل على بيوت الكنعانيين، فهربوا منهم وشعروا أن الله معهم، وخرب بنو إسرائيل مدن الكنعانيين، وسمح الله بهذا لأنهم كانوا وثنيين يعبدون الأصنام، كان ذلك عند دخول بنى إسرائيل أرض كنعان، وإستيلائهم على مدن الكنعانيين وطردهم منها.
هكذا نرى أنه بسبب عبادة الكنعانيين للأوثان طردوا من أرضهم، وتمر الأيام، وينغمس شعب الله في مملكة إسرائيل في عبادة الأوثان، فيهجم عليهم الأشوريون، ويخربون مدنهم.
فالله لا يتحيز لأحد، بل من يتحدى الله، ويعبد الأصنام لابد أن تخرب بلاده، لعله يتوب ويرجع إلى الله، وهذا المعنى واضح من الآيتين السابقتين والآية التالية.
ع10 ، 11: نزهة : خضراء مملوءة حيوية
تنصبين نصبة غريبة: تغرسين زرعاً غريباً.
تسيجينها: تضعين حولها أسواراً
الخراب الذي سيأتي عليك يا مملكة إسرائيل، سببه أنك نسيتِ إله خلاصك، وصخرة حصنك ، أي الله الذي خلصك من أعدائك، وحصنك وحماكِ من أعداء كثيرين، وذهبت لتعبدي الأوثان، وتغيظي الله.
وفي إهتمامك بعبادة الأوثان غرستِ أغراساً نزهة، وهي نباتات سريعة النمو ومنظرها جميل إرضاءً للآلهة الوثنية.
وبعدما تغرسين هذه النباتات وتعطي أزهاراً وثماراً، تحوطينها بسياج لتحميها؛ كل هذا الاهتمام يضيع؛ لأن الأعداء سيهجمون على حقولك وقت الحصاد، ويجمعون محاصيلك، ولا تستفيدين شيئاً من تعبك شهوراً طويلة في زراعة أرضك، هذه هي الضربة المهلكة والتي تسبب لك كآبة عديمة الرجاء لا أمل في الخروج منها، لأنك نسيتِ إلهك والحل هو الرجوع لله بالتوبة فتستعيدى رجاءك وفرحك.
لا تفرح بلذة الخطية المؤقتة التي هي ضد وصايا الله: لأن كل هذا سيزول، وأسرع بالتوبة؛ لتستعيد سلامك ورجاءك.
(3) الهجوم الآشوري (ع12-14) :
12آهِ! ضَجِيجُ شُعُوبٍ كَثِيرَةٍ تَضِجُّ كَضَجِيجِ الْبَحْرِ، وَهَدِيرِ قَبَائِلَ تَهْدِرُ كَهَدِيرِ مِيَاهٍ غَزِيرَةٍ. 13قَبَائِلُ تَهْدِرُ كَهَدِيرِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ. وَلكِنَّهُ يَنْتَهِرُهَا فَتَهْرُبُ بَعِيدًا، وَتُطْرَدُ كَعُصَافَةِ الْجِبَالِ أَمَامَ الرِّيحِ، وَكَالْجُلِّ أَمَامَ الزَّوْبَعَةِ. 14فِي وَقْتِ الْمَسَاءِ إِذَا رُعْبٌ. قَبْلَ الصُّبْحِ لَيْسُوا هُمْ. هذَا نَصِيبُ نَاهِبِينَا وَحَظُّ سَالِبِينَا.
ع12: ضجيج…تضجً : صوت مرتفع متداخل غير مفهوم، والمقصود صوت الجنود الذين يهجمون في المعركة.
هدير….تهدر: صوت المياه القوي
يعبر إشعياء عن الهجوم الآشوري على مملكة إسرائيل، بأنه ضجيج شعوب كثيرة وهدير مياه غزيرة، أي أن عدد الجنود الآشوريين كبيراً وهم أقوياء، وأصواتهم مرتفعة، ويهجمون بعنف في الحرب.
ع13: عصافة: أوراق أشجار جافة خفيفة تطير أمام الرياح
الجل: أقراص من فضلات البهائم تجفف، فتكون سهلة الجريان أمام الزوابع
إن كانت جيوش الآشوريين تُحدث أصواتاً قوية كهجوم قبائل كثيرة، فالله يأمرها بشدة، فتبتعد بسرعة، وتهرب من أمام وجهه، وتتطاير مثل العصافة أمام الريح، والجل أمام الزوابع الشديدة.
ع14: حدث رعب في المساء عندما كان الأشوريون يهددون سكان أورشليم التي يحاصرونها، وتمسك شعب الله بالصلاة، وطلب معونته، فتدخل الله، وظهر في الليل ملاك الله، وقتل 185.000 جندياً من جنود الآشوريين، وهرب الباقون عندما رأوا جثث إخوتهم حولهم في كل مكان.
وفي الصباح لم يوجد أحد يخيف، أو يهدد شعب الله، أي اختفوا خوفاً من الله. هذا هو نصيب من يتطاول على الله، ويسرق وينهب ثروات شعبه؛ لأن الأشوريين كانوا قد هجموا على بعض القرى في اليهودية ، وسلبوا غنائمهم، وحاصروا أورشليم ، ولكنهم لم يستطيعوا دخولها لأن ملاك الله أهلكهم.
هذا الأمر سيحدث مع الشياطين الذي يضايقون أولاد الله في العالم، لكنهم في النهاية سيلقيهم الله في العذاب الأبدي، ويخلص أولاده منهم. لا تنزعج، ولا تقلق من مشاكل الحياة وتهديدات الأشرار، فكلها باطلة وتزول، أما أنت فمن أجل صلواتك الله يحفظك ويثبت سلامك.