خلاص آحاز وميلاد عمانوئيل وخراب يهوذا
(1) إنقاذ آحاز من رصين وفقح (ع1-9):
1وَحَدَثَ فِي أَيَّامِ آحَازَ بْنِ يُوثَامَ بْنِ عُزِّيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، أَنَّ رَصِينَ مَلِكَ أَرَامَ صَعِدَ مَعَ فَقَحَ بْنِ رَمَلْيَا مَلِكِ إِسْرَائِيلَ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِمُحَارَبَتِهَا، فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُحَارِبَهَا. 2وَأُخْبِرَ بَيْتُ دَاوُدَ وَقِيلَ لَهُ: «قَدْ حَلَّتْ أَرَامُ فِي أَفْرَايِمَ». فَرَجَفَ قَلْبُهُ وَقُلُوبُ شَعْبِهِ كَرَجَفَانِ شَجَرِ الْوَعْرِ قُدَّامَ الرِّيحِ. 3فَقَالَ الرَّبُّ لإِشَعْيَاءَ: «اخْرُجْ لِمُلاَقَاةِ آحَازَ، أَنْتَ وَشَآرَ يَاشُوبَ ابْنُكَ، إِلَى طَرَفِ قَنَاةِ الْبِرْكَةِ الْعُلْيَا، إِلَى سِكَّةِ حَقْلِ الْقَصَّارِ، 4وَقُلْ لَهُ: اِحْتَرِزْ وَاهْدَأْ. لاَ تَخَفْ وَلاَ يَضْعُفْ قَلْبُكَ مِنْ أَجْلِ ذَنَبَيْ هَاتَيْنِ الشُّعْلَتَيْنِ الْمُدَخِّنَتَيْنِ، بِحُمُوِّ غَضَبِ رَصِينَ وَأَرَامَ وَابْنِ رَمَلْيَا. 5لأَنَّ أَرَامَ تَآمَرَتْ عَلَيْكَ بِشَرّ مَعَ أَفْرَايِمَ وَابْنِ رَمَلْيَا قَائِلَةً: 6نَصْعَدُ عَلَى يَهُوذَا وَنُقَوِّضُهَا وَنَسْتَفْتِحُهَا لأَنْفُسِنَا، وَنُمَلِّكُ فِي وَسَطِهَا مَلِكًا، ابْنَ طَبْئِيلَ. 7هكَذَا يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ: لاَ تَقُومُ! لاَ تَكُونُ! 8لأَنَّ رَأْسَ أَرَامَ دِمَشْقَ، وَرَأْسَ دِمَشْقَ رَصِينُ. وَفِي مُدَّةِ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً يَنْكَسِرُ أَفْرَايِمُ حَتَّى لاَ يَكُونَ شَعْبًا. 9وَرَأْسُ أَفْرَايِمَ السَّامِرَةُ، وَرَأْسُ السَّامِرَةِ ابْنُ رَمَلْيَا. إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا فَلاَ تَأْمَنُوا».
ع1: تحالف ملك إسرائيل، وهو فقح بن رمليا مع ملك آرام وهو رصين: ليحاربا مملكة يهوذا، فهجما عليها. وكان آحاز ملك يهوذا شريرًا يعبد الأصنام، فلم يلتجئ إلى الله، فقتل الملكان 120.000 من جنود جيش يهوذا، ومع هذا لم يلجأ آحاز إلي الله، ولكنه التجأ إلي ملك آشور، وهو تغلث فلاسر، فهجم على آرام، التى عاصمتها دمشق وخربها، وكذلك على مملكة إسرائيل وخربها. والله في محبته لم يسمح لرصين وفقح، أى ملكى آرام وإسرائيل أن يهجما على أورشليم مدينته المقدسة، وأطال أناته على شعبه ليتوب، ولعل الذي أوقف رصين
وفقح من دخول أورشليم، هو هجوم أشور عليها، فانشغلا لمحاربة آشور، ورجعا عن أورشليم.
ع2: الوعر: مكان مخيف وموحش ليس فيه سكان، وإذا نبتت فيه أشجار تهتز بشدة أمام الرياح.
أخبر المراقبون بيت داود، أي بيت ملك يهوذا، وكان وقتذاك آحاز الشرير، بأن ملكى آرام وإسرائيل قد هجما على مملكة يهوذا، ويخربان كل مكان أمامهما، ومتجهان نحو أورشليم. فخاف الملك جدًا، وارتعد هو وكل من معه، واهتزوا مثل اهتزاز أشجار الوعر أمام الرياح.
وعندما يقول : “حلت أرام في أفرايم”، يقصد بأفرايم مملكة إسرائيل كلها، أي اتحد جيش أرام مع جيش مملكة إسرائيل لمحاربة مملكة يهوذا.
ع3: قناة البركة العليا: تقع غرب أورشليم، وهي مصدر رئيسي للماء، يغذي مدينة أورشليم.
حقل القصار: القصار هو الصباغ الذي يقصر، أو يزيل ألوان القماش، أو يصبغه بألوان معينة، وكانت الثياب المصبوغة تنشر في هذا الحقل حتى تجف؛ لذا دُعى بهذا الإسم.
خرج آحاز الملك من قصره، متجهًا إلى قناة البركة العليا؛ ليطمئن على الموارد المائية لمدينة أورشليم؛ حتى إذا حاصرها العدو تجد ما يكفيها من الماء. ومن ناحية أخرى، كيف يستطيع أن يطمس هذه القناة، حتى لا يستخدمها العدو؟ فهو عندما علم باستعداد رصين ملك آرام، وفقح ملك إسرائيل للهجوم على أورشليم، اهتم بالإستعدادات المادية والحربية، ولكنه لم يلتجئ إلي الله القادر أن ينقذه، مع أن ملك إسرائيل كان قد قتل من مملكة يهوذا 120.000 وسبى 200.000 (2 آى 28 : 6 ، 8).
من أجل زيغان آحاز عن الله، أرسل الله له أشعياء النبي ومعه ابنه شآريشوب؛ لينبهه حتى يعود إلي الله، ويتوب. ومعنى اسم ابن أشعياء شآريشوب هو “البقية سترجع”. فاصطحاب أشعياء لابنه شأريشوب كان إعلامًا لآحاز من الله أنه سيعيد المسبيين من يهوذا، وقد حدث هذا فعلاً (2 آي 28 : 15).
فالله يبحث عن أولاده حتى لو كانوا يهملونه، ويبتعدون عنه، ويناديهم لعلهم يتوبون.
ع4: احترز: من حرز ومعناه كن ثابتا وقويًا.
ذنبى: مثنى ذنب وهو الذيل، والمقصود تحقير هذين الملكين.
كان كلام أشعياء لآحاز الملك كلامًا مطمئنًا: لأن آحاز كان مضطربًا، بسبب هجوم ملكي آرام, وإسرائيل عليه. وشبه الله رصين وفقح بطرفى، أو ذيلى شعلة مدخنة، فهي ليست مشتعلة بالنار، بل مجرد دخان، وهذا تحقير للملكين رصين وفقح، فهما ليس لهما قوة أمام الله، الذي وحده هو النار الآكلة، وهو يحمي مملكلة يهوذا من أجل اسمه القدوس، والأتقياء الذين فيها، مثل أشعياء.
والله غضب من آرام ومن إسرائيل: بسبب غدرهما بيهوذا. فإسرائيل كان ينبغي أن يكون في سلام مع يهوذا أخيه، ولا يتحالف مع آرام ليضرب يهوذا، فكان الله في حمو غضب ضد هذين الملكين، أي أن غضبه كان شديدًا عليهما، ولم يسمح لهما أن يحطما أورشليم.
إذاً ملخص كلام أشعياء هو رسالة مطمئنة من الله لآحاز؛ حتى لا ينزعج من تحالف إسرائيل مع آرام، ولعله يرجع بالتوبة إلي الله، وينشغل برعاية شعبه لأن الله حينئذ سيسنده بقوة.
ع(5 ، 6): نقوضها: نهدمها وندمرها.
طبئيل: كلمة آرامية معناها طيب هو الرب.
إذ تحالف إسرائيل مع آرام، فكرا معًا أن يهجما على مملكة يهوذا، ويدمراها، ويخضعاها لهما، ويملكا عليها ملكًا من آرام يسمى ابن طبئيل، مع أن يهوذا لم تسىء إليهما، لكن الشر الذي في قلب إسرائيل وآرام جعلهما يريدان تدميرها، والاستيلاء عليها. من أجل هذا قام الله ليدافع عن شعبه، ويوقف هذا الشر، فالله يكره الظلم والكبرياء والطمع الذي ظهر في هذين الملكين.
ع7: كان جواب الرب واضحًا على هيهجان إسرائيل وآرام، وذلك على فم أشعياء النبي، إذ قال : “لا تقوم ولا تكون”، أى لن تستطيع إسرائيل أن تقوم على يهوذا، ولن تقدر أن توسع حدودها، وتستولي على أختها مملكة يهوذا، بل على العكس ستضعف وتضمحل، ولن تنفعها حليفتها آرام، وذلك لما يلي:-
- يهوذا لم يخطئ في حق إسرائيل.
- الشر بدأ من مملكة إسرائيل بسبب طمعها وأرادت أن تستولي على مملكة يهوذا.
- كانت إسرائيل واقعة في الكبرياء، ولم تعمل حساب لله الذي يحمى مملكة يهوذا التى تعبده. وكانت إسرائيل متأكدة من أنها ستنتصر على يهوذا، وتقيم ملكًا عليها، اسمه ابن طبئيل، والله أبطل كل هذا.
ع8: يكمل الرب كلامه، فيقول : إن رأس مملكة آرام هو عاصمتها دمشق، ورأس مدينة دشمق هو ملكها رصين، أي أن آرام ستظل حدودها كما هي، ولن تستولي على مملكة يهوذا. بل الأعجب من هذا، فإنه خلال خمس وستين سنة سينكسر أفرايم، ولا يكون شعبًا، وتفسير هذا هو:
- إما أن يكون المقصود خمس وست سنوات، أي بعد إحدى عشر سنة ستستولي مملكة آشور على إسرائيل، وتصير تابعة لها، ولا تعود تكون مملكة.
- أو بعد خمس وستين عامًا سيجلب أسرحدون الملك الأشوري سكانًا من بلاد العالم، ويسكنهم في مكان مملكة إسرائيل، ويأخذ سكان إسرائيل، ويشتتهم في البلاد التابعة لآشور، فلا تبقي أية معالم لمملكة إسرائيل، التى أهم مناطقها هي منطقة سكن إفرايم، لأن سبط أفرايم كان عدده كبيراً واقوى الأسباط في مملكة إسرائيل.
- إسرائيل تحالفت مع آرام القوية، ولكن آرام القوية أيضًا قد تم تدميرها في خمس وستين عامًا، أما مملكة يهوذا فقد بقيت؛ لأن الله حصنها. وقد ذكر الله أفرايم لأجل شراستها وعنفها ضد أختها يهوذا، وتحالفها مع آرام، فالشر جاء أولاً من أفرايم أي إسرائيل.
ع9: ويضيف الله أيضًا أن رأس مملكة إسرائيل – التى أقوى أسباطها أفرايم – وعاصمتها السامرة، هو ملكها فقح بن رمليا، وهذا معناه أن مملكة إسرائيل لن تستطيع أن توسع حدودها، ثم بعد هذا ستخرب، وتستولى عليها آشور، ويتشتت سكانها في أرجاء العالم، وبالتالي، إطمئن يا آحاز الملك، ولا تنزعج من محاولات إسرائيل وآرام الهجوم عليك.
ثم يؤكد أشعياء النبي حقيقة هامة، وهي إن لم تؤمن يا آحاز الملك وكل مملكة يهوذا بالله، فلن تتمتعوا بالأمان والطمأنينة، فالايمان هو مصدر السلام الداخلي.
إضطرابات العالم كثيرة، وهي تثير المخاوف والقلق، ولكن إن آمنت يا أخي بالله، وتذكرته على الدوام، ورددت اسمه كل يوم، سيثبت إيمانك وتحيا مطمئنًا وفرحًا.
(2) حبل العذراء وهلاك الأعداء (ع10-16):
10ثُمَّ عَادَ الرَّبُّ فَكَلَّمَ آحَازَ قَائِلًا: 11«اُطْلُبْ لِنَفْسِكَ آيَةً مِنَ الرَّبِّ إِلهِكَ. عَمِّقْ طَلَبَكَ أَوْ رَفِّعْهُ إِلَى فَوْق«. 12فَقَالَ آحَازُ: «لاَ أَطْلُبُ وَلاَ أُجَرِّبُ الرَّبَّ«. 13فَقَالَ: «اسْمَعُوا يَا بَيْتَ دَاوُدَ!
هَلْ هُوَ قَلِيلٌ عَلَيْكُمْ أَنْ تُضْجِرُوا النَّاسَ حَتَّى تُضْجِرُوا إِلهِي أَيْضًا؟ 14وَلكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ«. 15زُبْدًا وَعَسَلًا يَأْكُلُ مَتَى عَرَفَ أَنْ يَرْفُضَ
الشَّرَّ وَيَخْتَارَ الْخَيْرَ. 16لأَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ الصَّبِيُّ أَنْ يَرْفُضَ الشَّرَّ وَيَخْتَارَ الْخَيْرَ، تُخْلَى الأَرْضُ الَّتِي أَنْتَ خَاشٍ مِنْ مَلِكَيْهَا«.
عاد الرب فكلم آحاز عن طريق أشعياء النبي، وعودة الرب ليكلم آحاز، تظهر رجاء الرب فيه، فيريد أن يعطيه فرصة جديدة؛ ليتوب عن عبادة الأوثان، والاعتماد عليها، ويترك أيضًا الاعتماد على قوته الشخصية؛ ليؤمن بالله، ويتكل عليه. فالله له رجاء في كل إنسان مادام حيًا على الأرض، ويحاول معه لعله يرجع إليه.
ع11: كان كلام الله مع آحاز المتشكك، الخائف والمضطرب بسبب جيوش الأعداء التي ستهجم عليه، أن الله قال له : “أنا معك”، ويمكنك أن تتأكد من هذا بأن تطلب طلبًا، وليكن عميقًا قدر ما تستطيع وأنا أعمله لك، أو ترفعه إلي العلاء، ومهما ارتفع طلبك سأحققه لك ليثبت إيمانك بي. والله إذ وجد إيمان آحاز مهتزًا، أراد أن يقدم له دليلاً ماديًا ملموسًا، وهو ما سيطلب من دليل مهما كان عميقًا، أو عالياً ويصعب تحقيقه.
ع12: لم يستجب آحاز لدعوة الله بالثبات في الإيمان؛ لأنه كان مخططًا للاعتماد، على آشور والتحالف معها لمواجهة جيوش آرام وإسرائيل. ولكنه غطى رفضه دعوة الله بعذر سخيف، يبدو أنه اعتذار، ولكنه يعلن انحراف قلبه إلى الاعتماد على القوة المادية وليس الله، فقال : “لا أجرب الرب”. والحقيقة أن قلبه كان منحرفًا للاتكال على آشور أفضل من الاتكال على الرب.
فى حين أن رجال الله الأتقياء، مثل جدعون، فطلبوا أدلة من الله، واستجاب لهم من أجل احتياجهم وإيمانهم بالله، وثبتهم في علاقتهم به. أما الفريسيون الأشرار، الذين أرادوا اصطياد خطأ على المسيح، فطلبوا منه آية، فرفض وقال لهم : “لا تعطي لهم آية إلا آية يونان النبي” (مت39: 12)، أي أنهم محتاجون للتوبة، مثل أهل نينوى، وعدم الالتواء، والتظاهر بأنهم يريدون الإيمان به.
هذه الآيات تُقرأ في باكر يوم الجمعة من الأسبوع الثاني من الصوم الكبير في القداس، ويقرأ بعدها انجيل تجربة المسيح على الجبل؛ لتوضح أن الشيطان المخادع يستخدم كلمات من الكتاب المقدس لتغطية الخطية والابتعاد عن الله، كما قال آحاز : “لا أطلب ولا أجرب الرب”.
ع13: تضجروا: تضايقوا وتغيظوا.
خاطب أشعياء النبي الملك بقوله: “يا بيت داود”، أى الملك ونسله، وعائلته، وقال لهم: ألا يكفيكم أن تضايقوا الناس بظلمهم والإساءة إليهم؛ حتى أنكم تجاسرتم أيضًا بالإساءة لله ومضايقته؟!
ويقول: إلهى وليس إلهكم؛ لأنهم انشغلوا بعبادة الأوثان، فلم يعد الله إليهم، فينسب الله لنفسه بقوله: “إلهي”.
وتضايق أشعياء جدًا؛ لأنه رأى مجد الله في (ص 6)، وشعر بقداسته وعظمته، فلم يعد يطيق بجاحة آحاز وعائلته، وتطاولهم على الله.
ع14: يعطى أشعياء آية عجيبة، ليس فقط لآحاز الذى رفض أن يطلب آية (ع11)،بل لكل العالم، وهذه الآية التى بين أيدينا لها معنيان:-
- المعنى القريب الذي سيتحقق قريبًا في أيام أشعياء وآحاز، هو أن زوجة النبى أشعياء، وكانوا يلقبون زوجة النبى بالعذراء في هذا الوقت. هذه العذراء تحبل وتلد ابنًا، والمقصود بهذا الإبن هو الإبن الأول لأشعياء وهو شآريشوب، أو الإبن الثاني وهو مهير شلال حازبز. ويدعى اسمه عمانوئيل، ومعناه الله معنا، وهذا ما سيتم قريبًا، إذ يحمي الله شعبه في مملكة يهوذا من أعدائه؛ رصين وفقح.
- المعني الثاني لهذه الآية هو المعنى البعيد، الذي سيتم بولادة المسيح في ملء الزمان، بأن تحبل العذراء مريم، وتلد ابناً، هو يسوع المسيح، ويدعى اسمه عمانوئيل، أي الله معنا؛ لأن بتجسد المسيح اتحد اللاهوت بالناسوت، وصار ليس فقط قريبًا ومع البشر، بل اتحد بهم ليخلصهم ويفديهم على الصليب.
فالمعني الأول هو ولادة ابن لأشعياء رمزًا للمعني الثاني الذي هو ولادة المسيح.
ع15: هذا المولود متى عرف أن يميز بين الخير والشر، أى عندما يصل عمره اثنى عشر عامًا، سيأكل زبدًا وعسلاً، أى يكون الخير كثيراً في الأرض. وهذا المعنى يظهر في:
1- أيام أشعياء سيموت أعداء مملكة يهوذا، وهم رصين وفقح (2 مل 16 : 9) وتكون مملكة يهوذا في سلام وخير.
2- في أيام المسيح عندما وُلد، كانت الإمبراطورية الرومانية مسيطرة على العالم، ولا توجد حروب، فكان خير في أورشليم واليهودية، حيث وُلد المسيح. وفي سن اثنى عشر سنة جلس المسيح بين المعلمين الذين بهتوا من تعليمه (لو2: 46، 47)، أى كان مميزًا بوضوح بين الخير والشر.
ورغم أن المسيح وُلد بطريقة معجزية من عذراء بدون زرع بشر، لكنه كان إنسانًا كاملاً يأكل مثلنا طعامًا ماديًا، هو العسل والزبد، وليس طعاماً ملائكياً، ونما مثل باقي البشر من سن الطفولة؛ حتى صار صبيًا.
ع16: خاشٍ: خائف
قبل أن يعرف الصبي أن يرفض الشر ويختار الخير، أي قبل أن يصل عمر ابن أشعياء إلى سن اثنى عشر سنة، ستُخلي الأرض من ملكيها، والمقصود أرض آرام من ملكها رصين، وأرض إسرائيل، أي أفرايم من ملكها فقح. وقد حدث هذا فعلاً، عندما هجم تغلث فلاسر ملك آشور بعد ثلاث سنوات من هذه النبوة وقتل رصين، وقام هوشع بن أيلة وقتل فقح ملك إسرائيل، وملك بدلاً منه، فاستراحت مملكة يهوذا من هذين العدوين، وتمت هذه النبوة.
ما دام الله معك يا أخى، فلا تخف من أية قلاقل، أو اضطرابات حولك، لكن فقط تمسك به واطلب معونته، فهو يحميك ويسندك، فتنمو روحيًا وتتمتع بعشرته..
(3) آشور تخرب يهوذا (ع17-25):
17يَجْلِبُ الرَّبُّ عَلَيْكَ وَعَلَى شَعْبِكَ وَعَلَى بَيْتِ أَبِيكَ، أَيَّامًا لَمْ تَأْتِ مُنْذُ يَوْمِ اعْتِزَالِ أَفْرَايِمَ عَنْ يَهُوذَا، أَيْ مَلِكَ أَشُّورَ. 18وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ الرَّبَّ يَصْفِرُ لِلذُّبَابِ الَّذِي فِي أَقْصَى تُرَعِ مِصْرَ، وَلِلنَّحْلِ الَّذِي فِي أَرْضِ أَشُّورَ، 19فَتَأْتِي وَتَحِلُّ جَمِيعُهَا فِي الأَوْدِيَةِ الْخَرِبَةِ وَفِي شُقُوقِ الصُّخُورِ، وَفِي كُلِّ غَابِ الشَّوْكِ، وَفِي كُلِّ الْمَرَاعِي. 20فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَحْلِقُ السَّيِّدُ بِمُوسَى مُسْتَأْجَرَةٍ فِي عَبْرِ النَّهْرِ، بِمَلِكِ أَشُّورَ، الرَّأْسَ وَشَعْرَ الرِّجْلَيْنِ، وَتَنْزِعُ اللِّحْيَةَ أَيْضًا. 21وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ الإِنْسَانَ يُرَبِّي عِجْلَةَ بَقَرٍ وَشَاتَيْنِ، 22وَيَكُونُ أَنَّهُ مِنْ كَثْرَةِ صُنْعِهَا اللَّبَنَ يَأْكُلُ زُبْدًا، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ أُبْقِيَ فِي الأَرْضِ يَأْكُلُ زُبْدًا وَعَسَلًا. 23وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ كَانَ فِيهِ أَلْفُ جَفْنَةٍ بِأَلْفٍ مِنَ الْفِضَّةِ، يَكُونُ لِلشَّوْكِ وَالْحَسَكِ. 24بِالسِّهَامِ وَالْقَوْسِ يُؤْتَى إِلَى هُنَاكَ، لأَنَّ كُلَّ الأَرْضِ تَكُونُ شَوْكًا وَحَسَكًا. 25وَجَمِيعُ الْجِبَالِ الَّتِي تُنْقَبُ بِالْمِعْوَلِ، لاَ يُؤْتَى إِلَيْهَا خَوْفًا مِنَ الشَّوْكِ وَالْحَسَكِ، فَتَكُونُ لِسَرْحِ الْبَقَرِ وَلِدَوْسِ الْغَنَمِ.
ع17: أعلن أشعياء النبي نبوة صعبة على آحاز ملك يهوذا، وهي أن أيامًا مقبلة قريبة ستأتي على مملكة يهوذا؛ هذه الأيام ستكون قاسية، ومزعجة، لم تأت على مملكة يهوذا منذ أيام انفصال الأسباط العشر عنها، بعد موت سليمان، وذلك على يد يربعام بن ناباط.
هذه الأيام القاسية ستكون بهجوم مملكة آشور على مملكة يهوذا لتخربها.
ونلاحظ أن آحاز في هذا الوقت كان يسعى للتحالف مع آشور لتسنده، فقال له الله : أن آشور سنقلب عليه وعلى مملكة يهوذا، لأنه كان الأفضل له أن يؤمن بالله، ويتكل عليه، بدلاً من الإلتجاء إلى أهل العالم الوثنيين لينجدوه. وهذه أول مرة يعلن الله اسم آشور صراحة؛ لينبه آحاز، لعله يرجع عن سعيه نحو آشور، ويتوب ويرجع إلي الله. فآشور إن كانت قد خلصته من فقح ورصين، لكنها ستهجم على بلاده وتدمرها.
ع18: يوضح الله المصائب التى ستأتي على مملكة يهوذا، بأن الله سيصفر لأعداء يهوذا، أي يسمح لهم بالهجوم على مملكة يهوذا؛ وهم من وصفهم بالذباب الذي في أقصى ترع مصر، إذ أن مصر كانت مشهورة بكثرة الذباب بها، والمقصود الجيوش المصرية الكثيرة مثل الذباب.
وكذلك يصفر الرب للنحل الكثير الذي في آشور، والمقصود الجيوش الكثيرة التى في مملكة آشور.
وبهذا يعلن الله أنه سيتخلي عن مملكة يهوذا التى تركته وعبدت الأوثان بقيادة آحاز، فتتعرض لهجوم الأعداء عليها وتدميرها، أي أن الله سيسمح أحيانًا بهجوم مصر على يهوذا، وفي وقت آخر بهجوم آشور.
ع19: وكما رأينا يد الله الحنون تطمئن آحاز من جهة رصين وفقح حتى تجذبه للتوبة، هي نفسها تتحول إلي يد تأديب لآحاز، إن لم يتب، فيأتي على بلاده خراب شامل، ويوضحه أشعياء بأنه سيأتي على كل الأودية، فتصير خربة، وأيضًا في الجبال يأتي الخراب على شقوق الصخور، فلا يوجد ملجأ بين هذه الصخور يحتمي فيه أي إنسان، وبين غاب البوص، وبين الأشواك، فتصير البلاد قفراً، بالإضافة للمراعي الخضراء التى ستخرب أيضًا.
ع20: موسى: موس الحلاقة.
يشبه الله جيوش آشور بموس يستأجرها الله، أي يسمح لها أن تزيل شعر الرأس، الذي يوقر الملك والرؤساء، وشعر الرجلين، أي عامة الشعب، وشعر اللحية الذي يرمز للكهنة والشيوخ الموقرين، فسيكون الهلاك على الكل؛ لأنهم رفضوا الله، وعبدوا الأوثان، التى لن تنفعهم بشىء.
ع(21 ، 22): شاتين : مثنى شاة والمقصود الغنم.
يموت عدد كبير من بني إسرائيل، ويصبح معظمهم فقراءً، والغني منهم يمكن أن يمتلك بقرة وشاتين بعد أن كان يملك قطعان من الماشية.
هذه البقرة و الشاتان سيجدوا مراعي واسعة أمامهم؛ لأن الحقول قد خربت، وأصبحت مراعي لحشائش غريبة، فتأكل منها الحيوانات كثيرًا، لدرجة أن تعطي لبنا كثيرًا يستخرج منه الزبد. كما ينتشر النحل في الأماكن الخربة والصخور، وينتج عنه عسلاً كثيرًا أيضًا، وبالتالي السكان القليلون الباقون بعد قتل البشر وتخريب البلاد، سيأكلون زبدًا وعسلاً.
ع23: جفنة : شجرة عنب.
الحسك : نبات شوكي.
تتحول الكروم الكثيرة إلي أرض قفرة، ينتشر فيها الشوك والحسك، وبعد أن كانت تؤجر الألف شجرة عنب بألف شاقل من الفضة، تصير خرابًا لا فائدة منها، ولم يعد هناك فلاحون يزرعون الأرض، أو ينظفونها من الشوك والحسك، فالخراب سيكون شاملاً، ولا يبقي إلا عددٌ قليلٌ من السكان.
ع(24 ، 25): المعول : الفأس.
يستكمل وصف الخراب الشامل، فيقول: أن الأرض ستكون خربة، ويخشي الناس أن يسيروا فيها، فيكونوا مسلحين بالسهام والقوس؛ ليدافعوا عن أنفسهم إن قابلهم لصوص، أو حيوانات مفترسة ليصطادوها. والجبال أيضًا التى كانت تُفلح بالمعاول وتُزرع، تصير جرداء، وليس فيها إلا الشوك والحسك، ولا يصلح أن يمشي فيها إلا البقر والغنم؛ ليأكلوا بعض الحشائش الغريبة، التى تنمو فيها، لكن لم يعد هناك سكان في هذه المناطق، إلا قليلين جدًا.
عندما يبتعد الإنسان عن الله يفقد كل البركات، ويفقد حياته الروحية، ولا يجد في حياته إلا الشوك والحسك، والحل الوحيد هو التوبة والرجوع إلي الله، فيحول الله القفر والخراب إلي حياة جديدة، يرويها الله بروحه القدوس، ويحولها إلى مكان بركة، يملأه بالخيرات الروحية والمادية.