طريق الخلاص
(1) الفرح بالخلاص (ع1-6):
1فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يُغَنَّى بِهذِهِ الأُغْنِيَّةِ فِي أَرْضِ يَهُوذَا: لَنَا مَدِينَةٌ قَوِيَّةٌ. يَجْعَلُ الْخَلاَصَ أَسْوَارًا وَمَتْرَسَةً. 2اِفْتَحُوا الأَبْوَابَ لِتَدْخُلَ الأُمَّةُ الْبَارَّةُ الْحَافِظَةُ الأَمَانَةَ. 3ذُو الرَّأْيِ الْمُمَكَّنِ تَحْفَظُهُ سَالِمًا سَالِمًا، لأَنَّهُ عَلَيْكَ مُتَوَكِّلٌ. 4تَوَكَّلُوا عَلَى الرَّبِّ إِلَى الأَبَدِ، لأَنَّ فِي يَاهَ الرَّبِّ صَخْرَ الدُّهُورِ. 5لأَنَّهُ َخْفِضُ سُكَّانَ الْعَلاَءِ، يَضَعُ الْقَرْيَةَ الْمُرْتَفِعَةَ. يَضَعُهَا إِلَى الأَرْضِ. يُلْصِقُهَا بِالتُّرَابِ. 6تَدُوسُهَا الرِّجْلُ، رِجْلاَ الْبَائِسِ، أَقْدَامُ الْمَسَاكِينِ.
ع1: مترسة : عوائق تمنع الأعداء من الوصول، أو ما يُحكم به غلق الأبواب.
“فى ذلك اليوم” : يوم سقوط بابل وسماح كورش الملك الفارسى لليهود بالرجوع إلى بلادهم، وبناء الهيكل، وأورشليم.
يعلن إشعياء النبى أن المسبيين الراجعين من مملكة بابل، بعد سقوطها، إلى أورشليم واليهودية، وهو المقصود من تعبير أرض يهوذا؛ لأن أورشليم هى عاصمة مملكة يهوذا. هؤلاء المسبيون سيكونون فى فرح عظيم، ويغنون أغنية حمد وشكر لله الذى أعادهم إلى بلادهم، ويغنون أيضاً ويقولون : لنا الآن – بهذا الرجوع إلى بلادنا – مدينة قوية، لها أسوار محصنة، وهذه الأسوار هى الله نفسه، الذى أعادهم ويحميهم من أعدائهم.
وهذا اليوم أيضاً، هو يوم الصليب، حيث يقيد المسيح الشيطان، ويفتح أبواب الفردوس؛ ليُدخل معه كل الذين آمنوا به، وانتظروه فى العهد القديم. ويكون المقصود بأرض يهوذا الكنيسة.
ع2: ينادى إشعياء البوابين القائمين على أبواب مدينة أورشليم؛ ليفتحوا الأبواب، ويستقبلوا الأمة البارة الحافظة للأمانة، ويقصد بها المسبيين الراجعين من السبى، وهم أبرار؛ لإيمانهم بالله إله إسرائيل. والذين حفظوا وصاياه وشريعته، ورجعوا ليعبدوه فى هيكله الذى سيبنونه.
وتنطبق أيضاً هذه الآية على الذين يؤمنون بالمسيح فى العهد الجديد، ويدخلون الكنيسة، بعد أن تبرروا بالمعمودية، وحفظوا الإيمان؛ ليتناولوا من الأسرار المقدسة.
وتنطبق هذه الآية أيضاً على الأبرار فى العهد القديم، الذين حفظوا وصايا الله، وعاشوا بها، والذين تفتح لهم أبواب الفردوس السماوى، ليدخلوا، ويتنعموا مع المسيح، والملائكة تنادى فى المزمور : “ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم وارتفعى أيتها الأبواب الدهرية” (مز24: 7) (الأجبية) فيدخل ومعه كل المؤمنين.
ع3: الممكن : الثابت الراسخ.
ذو الإيمان الثابت، الغير متزعزع يحفظه الرب فى سلام داخلى، وهدوء، وسبب ثبات إيمانه، وبالتالى سلامه، هو اتكاله على الله القادر أن يحفظه مطمئناً.
وتكراره لكلمة سالماً، يبين أن سلامه يكون ثابتاً مهما مرت به من ظروف صعبة، أو معاكسة.
إن كان الله هو مصدر السلام الثابت فى القلب، فهذا يدعونا كلنا، كمؤمنين بالله، أن نتكل عليه؛ لأنه وحده الثابت، مثل الصخر على مدى الأجيال وإلى الأبد. وحيث أن الله هو وحده الثابت، فالاتكال عليه يهب الإنسان سلاماً ثابتاً لا يمكن أن يتزعزع.
ع5، 6: الله القوى القادر على كل شىء يكره الكبرياء، ولذا فهو يضع المتكبر، وينزله من مجده، بل تدوسه أقدام المتواضعين المساكين.
هذا ما حدث فعلاً مع بابل المتكبرة؛ هذه هى القرية المرتفعة، أنزلها الله من كبريائها على يد الفرس، الذين شتتوا البابليين، فصاروا عبيداً خاضعين للمتضعين، مثل بنى إسرائيل؛ وهكذا أنزلهم ولصقهم بالتراب.
وهاتان الآيتان هما اللتان عبر عنهما العهد الجديد فى تسبحة العذراء عندما قالت : “أنزل الأعزاء عن الكراسى ورفع المتضعين” (لو1: 52).
إن من يرفع نفسه إلى العلاء يخفضه الله، كما أخفض الشيطان، الذى تكبر، وأراد أن يكون مثل الله، فصار تحت أقدام المؤمنين. لذا يا أخى انتبه إلى الكبرياء إذا سقطت فيها بأى شكل؛ سواء بالفكر، أو الغضب، أو الإدانة … فأسرع إلى التوبة، فترجع إلى اتضاعك، وتنال بركة الله وسلامه.
(2) طريق الاستقامة (ع7-10):
7طَرِيقُ الصِّدِّيقِ اسْتِقَامَةٌ. تُمَهِّدُ أَيُّهَا الْمُسْتَقِيمُ سَبِيلَ الصِّدِّيقِ. 8فَفِي طَرِيقِ أَحْكَامِكَ يَا رَبُّ انْتَظَرْنَاكَ. إِلَى اسْمِكَ وَإِلَى ذِكْرِكَ شَهْوَةُ النَّفْسِ. 9بِنَفْسِي اشْتَهَيْتُكَ فِي اللَّيْلِ. أَيْضًا بِرُوحِي فِي دَاخِلِي إِلَيْكَ أَبْتَكِرُ. لأَنَّهُ حِينَمَا تَكُونُ أَحْكَامُكَ فِي الأَرْضِ يَتَعَلَّمُ سُكَّانُ الْمَسْكُونَةِ الْعَدْلَ. 10يُرْحَمُ الْمُنَافِقُ وَلاَ يَتَعَلَّمُ الْعَدْلَ. فِي أَرْضِ الاسْتِقَامَةِ يَصْنَعُ شَرًّا وَلاَ يَرَى جَلاَلَ الرَّبِّ.
ع7: الصديق هو الإنسان المتمسك بوصايا الله وشريعته، وطريقه هو الاستقامة، والابتعاد عن الشر.
وأنت يا الله مصدر الاستقامة فى العالم كله، وتحب المستقيمين، ولذا فأنت تمهد طريق الصديق، وتساعده ليسلك فى الاستقامة.
ع8: أولاد الله المستقيمين يقولون له : إننا ننتظر كلامك؛ لنحيا به، وننتظرك لتحكم علينا، وترشدنا فى كل خطواتنا، فننال حكمة منك؛ لنسلك بها فى طريق الاستقامة.
نحن قد تعلقنا بوصاياك، واسمك القدوس، ولذا نحن نشتهى، ونشتاق إلى سماع اسمك القدوس، وترديده، ونفرح بتذكر اسمك؛ لنحفظ وصاياك، ونحيا مستقيمين.
ع9: أبتكر : أسرع إليك فى الصباح الباكر لأصلى.
النفس التى أحبت الله، وسلكت فى الاستقامة، تشتاق إلى الله؛ خاصة فى الليل عندما تنتهى من زحام أعمال النهار، فتتأمل فى الله وصفاته، وأعماله معها طوال اليوم، وتفرح، وتزداد أشواقها إليه.
وعندما تنام تستيقظ مبكراً، لأن الروح فى الداخل منشغلة بالله، ومشتاقة أن تصحو لتصلى إليه، وتمجده.
تتمنى النفس أن تعلن أحكام الله لكل من حولها؛ حتى يسلك كل سكان الأرض بالعدل والاستقامة، فيتمجد الله فى كل أعمالهم.
الليل يرمز لهذا العالم الزائل بكل ما يشمل من خطايا ومشاكل، فالنفس التى أحبت الله تشتاق أن تخلع خيمة الجسد، وترى فجر الحياة الجديدة فى السموات؛ لتكون مع الله، وتتمتع به إلى الأبد.
ع10: الله رحمته تُعطى للأبرار والأشرار، فيتمتع بها البار، ويزداد تمسكه بالله، أما المنافق الشرير، فرغم أنه ينال رحمة من الله فى عطاياه، مثل الشمس والهواء، لا يشكر الله، ويرفض العدل، ويظل فى نفاقه.
وحتى لو كان المنافق فى أرض الاستقامة، أى فى هيكل الله، أو كنيسة العهد الجديد، فإنه يصنع الشر، ويتناسى وجود الله، أى لا يرى الله لكثرة انهماكه فى الخطية.
إبحث عن الله، واهتم بحفظ وصاياه، فتسلك فى الاستقامة، ولا تستطيع مغريات الشر أن تغويك، وإن سقطت ينهبك الله، فتسرع إلى التوبة، وتستعيد بنوتك لله.
(3) عقاب الأشرار وسلام الأبرار (ع11-14):
11يَا رَبُّ، ارْتَفَعَتْ يَدُكَ وَلاَ يَرَوْنَ. يَرَوْنَ وَيَخْزَوْنَ مِنَ الْغَيْرَةِ عَلَى الشَّعْبِ وَتَأْكُلُهُمْ نَارُ أَعْدَائِكَ. 12يَا رَبُّ، تَجْعَلُ لَنَا سَلاَمًا لأَنَّكَ كُلَّ أَعْمَالِنَا صَنَعْتَهَا لَنَا. 13أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُنَا، قَدِ اسْتَوْلَى عَلَيْنَا سَادَةٌ سِوَاكَ. بِكَ وَحْدَكَ نَذْكُرُ اسْمَكَ. 14هُمْ أَمْوَاتٌ لاَ يَحْيَوْنَ. أَخْيِلَةٌ لاَ تَقُومُ. لِذلِكَ عَاقَبْتَ وَأَهْلَكْتَهُمْ وَأَبَدْتَ كُلَّ ذِكْرِهِمْ.
ع11: الله يرى خطايا الأشرار، ويرفع يده عليهم ليؤدبهم؛ لعلهم يتوبون، ولكنهم للأسف لا يرون يد الله المؤدبة، بل يتذمرون، ويتضايقون من المشاكل كأنها تحدث بلا سبب، ولا يفهمون أنها يد الله.
وإذا استمر الأشرار فى خطاياهم، فإنهم يرون عناية الله بأبراره، فيخزون؛ لأنهم لم ينالوا سلاماً، وفرحاً مثلهم، وفى النهاية لا ينتظرهم إلا العذاب الأبدى، أى نار الله، التى هى العقاب المناسب لشرورهم، بالإضافة لما أتى عليهم من الأشرار الذين مثلهم، أى يضرب الأشرار بعضهم البعض، فنار أعداء الرب تأكل الأشرار الذين مثلهم، كما أذل الفرس البابليين، وكلهم وثنيون بعيدون عن الله.
ع12: على الجانب الآخر، نرى أولاد الله يتمتعون بسلام فى داخلهم، والله يساعدهم ليعملوا أعمالاً صالحة، فيتمتعوا بعشرته وبركاته. فالله هو الصانع أعمال أولاده، أى بمعونته يشجعهم على عمل الخير، وكل من له إيمان يُعطى فيزاد، والذى ليس له، فالذى عنده يؤخذ منه (مت13: 12).
ع13: يتكلم أولاد الله معه، ويقولون له : أنه قد استولى علينا سادة أشرار أذلونا، وهذا حدث بتسلط الآشوريين، ثم البابليين على شعب الله. ولكن بك وحدك يا رب ننال الحرية من تسلطهم، فانت الذى أرجعتنا من السبى أيام كورش الملك الفارسى؛ لنستطيع ان نبنى الهيكل فى أورشليم، ونذكر اسمك، ونتمتع بعبادتك المقدسة. بل نحن فى كل حياتنا؛ سواء كنا تحت تسلط الأشرار، أو فى حرية، بمعونتك نذكر اسمك.
إن السادة الذين استولوا علينا هم أيضاً الشياطين بالشهوات التى يعرضونها علينا، ولكننا بالتوبة نعود إليك، وبمعونتك نذكر اسمك، فأنت إلهنا الرحوم الحنون، أما هم فقساة.
ع14: أخيلة : جميع خيال.
إن الأشرار الذين عبدوا الأوثان، وانعمسوا فى الشهوات الشريرة، هم أموات أمامك، وإن كانوا أحياء بالجسد، ولكنهم أخيلة؛ حتى لو كانوا يتمشون على الأرض بأقدامهم، وأنت أطلت أناتك عليهم، ولكنك فى النهاية عاقبتهم وأبدتهم. هذا ما حدث مع البابليين الذين تكبروا، وتسلطوا، وكانوا عنفاء، يعاقبهم الله بهجوم الفارسيين عليهم، فقتلوا الكثيرين منهم، ودمروا مدينتهم، وجعلوا الباقين عبيداً أذلاء.
ليتك تهتم أن تفهم أعمال الله معك، سواء فى بركات تشكره عليها، أو ضيقات تقودك إلى التوبة، فتتمتع بعمل الله فيك، وتحيا فى سلام.
(4) تأديب ورجاء فى القيامة (ع15-21):
15زِدْتَ الأُمَّةَ يَا رَبُّ، زِدْتَ الأُمَّةَ. تَمَجَّدْتَ. وَسَّعْتَ كُلَّ أَطْرَافِ الأَرْضِ. 16يَا رَبُّ فِي الضِّيقِ طَلَبُوكَ. سَكَبُوا مُخَافَتَةً عِنْدَ تَأْدِيبِكَ إِيَّاهُمْ. 17كَمَا أَنَّ الْحُبْلَى الَّتِي تُقَارِبُ الْوِلاَدَةَ تَتَلَوَّى وَتَصْرُخُ فِي مَخَاضِهَا، هكَذَا كُنَّا قُدَّامَكَ يَا رَبُّ. 18حَبِلْنَا تَلَوَّيْنَا كَأَنَّنَا وَلَدْنَا رِيحًا. لَمْ نَصْنَعْ خَلاَصًا فِي الأَرْضِ، وَلَمْ يَسْقُطْ سُكَّانُ الْمَسْكُونَةِ. 19تَحْيَا أَمْوَاتُكَ، تَقُومُ الْجُثَثُ. اسْتَيْقِظُوا، تَرَنَّمُوا يَا سُكَّانَ التُّرَابِ. لأَنَّ طَلَّكَ طَلُّ أَعْشَابٍ، وَالأَرْضُ تُسْقِطُ الأَخْيِلَةَ. 20هَلُمَّ يَا شَعْبِي ادْخُلْ مَخَادِعَكَ، وَأَغْلِقْ أَبْوَابَكَ خَلْفَكَ. اخْتَبِئْ نَحْوَ لُحَيْظَةٍ حَتَّى يَعْبُرَ الْغَضَبُ. 21لأَنَّهُ هُوَذَا الرَّبُّ يَخْرُجُ مِنْ مَكَانِهِ لِيُعَاقِبَ إِثْمَ سُكَّانِ الأَرْضِ فِيهِمْ، فَتَكْشِفُ الأَرْضُ دِمَاءَهَا وَلاَ تُغَطِّي قَتْلاَهَا فِي مَا بَعْدُ.
ع15: الله زاد أمته، أى شعبه، وهذه نبوة عن رجوع شعب الله إلى أورشليم، وبناء الهيكل، ويكررها مرتين لتأكيد عمل الله فى إرجاع شعبه بمعجزة عظيمة، وهى أن الملك الفارسى بنفسه يأمر برجوع المسبيين عنده من اليهود إلى بلادهم، وبناء الهيكل، والدعاء للملك. وهكذا تمجد الله فى شعبه، واتسعت أورشليم، ورحبت ببنيها الراجعين إليها.
هذه الآية أيضاً نبوة عن الكنيسة فى العهد الجديد، التى ينضم إليها الكثيرون من الأمم، بالإضافة لليهود، فتزداد الكنيسة انتشاراً، وقوة، ويتمجد المسيح فيها.
ع16: إن شعب الله المسبى فى الإمبراطورية البابلية، شعر أن هذا السبى تأديب من الله، فتاب، وصلى ورجع إلى الله، فسامحه، وأرجعه لبلاده؛ لأنه وضع مخافته أمام وجهه، وترك عبادة الأوثان والشهوات الشريرة.
ع17: إن الحبلى عندما يقترب ميعاد ولادتها تتلوى من الألم، هكذا كان شعب الله يتلوى من آلام عبودية السبى فى بابل، ولكن هذه العبودية أدت إلى توبتهم، فأعادهم الله إلى بلادهم. وكما ينتج بعد آلام الحبل واقتراب الولادة أن يصير للحبلى إبناً تفرح به، فآلام الحبلى تنتهى بفرح المولود، وكذا آلام العبودية، أدت إلى التوبة، والفرح بالرجوع من السبى إلى أورشليم، وبناء الهيكل.
ع18: إننا تعبنا من آلام العبودية، كأننا حبلى تتلوى بآلام الولادة، ولكننا لم نلد إلا ريحاً، أى لم نحصل على خلاص من العبودية. إذ لم يحصل اليهود المسبيون على خلاص بقوتهم، ولم تسقط بابل التى تستعبدهم، ولكن عندما صلوا وتابوا، الله بقوته أعادهم إلى بلادهم وخلصهم من العبودية.
ع19: طلك : الطل هو الندى.
يكلم الله الأمة اليهودية شعبه، ويقول لها أن أمواتك ستحيا، وسكان التراب سيقومون ويترنمون، وهذا إشارة لرجوع شعب الله من السبى، فرحين مترنمين ليسكنوا فى أرضهم، ويبنوا الهيكل فى أورشليم. أما الأشرار، الذين أشار إليهم قبلاً بالأخيلة، فهؤلاء تسقطهم الأرض إلى الجحيم، حيث يعاقبون من أجل شرهم.
هذه أول إشارة واضحة فى العهد القديم إلى القيامة، فهذه الآية تتكلم عن القيامة الأولى من الموت، وهى إيمان الناس بالمسيح فى العهد الجديد، فيقوموا من موت الخطية، ويرنموا تسابيح الخلاص. أما من يرفضون الإيمان فيسقطوا كالأخيلة، أى لا يتمتعوا بالفرح بالمسيح، بل يسقطوا فى شرورهم وشهواتهم.
والمعنى الثانى للقيامة، هو قيامة الأموات فى اليوم الأخير، حيث يقوم المؤمنون من التراب، ويرنمون للمسيح فى مجيئه الثانى، ويأخذهم إلى ملكوت السموات. أما الأشرار فالأرض تسقطهم؛ هؤلاء الذين بلا قيمة، أى الأخيلة؛ ليدانوا، ويذهبوا إلى العذاب الأبدى.
والطل هو بركات الله السمائية التى تأتى على العشب الذابل، فيحيا؛ سواء بالرجوع من السبى، أو الإيمان بالمسيح، أو الارتفاع إلى ملكوت السموات.
ع20، 21: ينادى الله أولاده المؤمنين به أن يسرعوا للدخول إلى مخادعهم، ويغلقوا أبوابهم؛ حتى يعبر غضب الله. وما هو غضب الله؛ إن له معانى كثيرة، المعنى الأولى هو :
- الهجوم الأشورى وحصار أورشليم بغرض تدميرها، وقتل من فيها.
- القوة التى للإمبراطورية البابلية، والتى ستهجم على أورشليم واليهودية، وتدمرها وتحرقها هى وهيكلها.
- المملكة الفارسية التى ستدمر بابل وتقتل البابليين، وتملك بدلاً منها.
ينادى الله على شعبه أن يدخلوا مخادعهم، ويصلوا إلى الله لمدة قصيرة، يعبر عنها “بلحيظة” أى أقل من لحظة، ثم يعود السلام. وهذا ما حدث فعلاً، عندما صلى شعب الله أيام حزقيا، ووضعوا على المذبح خطابات التهديد الآشورى، فقام فى تلك الليلة ملاك الرب، وقتل 185.000 من جيش الأشوريين، وهرب الباقون. أما بابل فدمرت أورشليم، ولكن الله سمح بهذا لفترة قصيرة؛ حتى يتوب شعبه، ثم أعادهم من السبى. والمملكة الفارسية دمرت بابل، ولكن أعادت اليهود إلى بلادهم بأمر كورش الملك الفارسى، وبنوا الهيكل، وعمروا أورشليم. وتكرر هذا كثيراً على مدى تاريخ البشرية، فهذه اللحيظة كانت مع نوح الذى اختبأ هو أسرته فى الفلك وقت الطوفان (تك7)، وايضاً عند اختفاء بنى إسرائيل فى بيوتهم الملطخة أبوابها بالدم، وقت عبور الملاك المهلك فى مصر فى الضربة العاشرة (خر12: 23)، وراحاب التى اختبأت فى بيتها لحيظة عند سقوط أسوار أريحا، وهجوم بنى إسرائيل على المدينة، وقتل من فيها، ونجاة راحاب وأسرتها.
والمعنى الثانى، هو هجوم الشياطين علينا، وهذا مستمر، ولكن يأمر الله بالحل أن نختبئ فى مخادعنا ونصلى، وهذا ما عمله القديسون فى العهد القديم، وكلمة لحيظة تعنى طوال العهد القديم، إذا قيس بالأبدية، حتى جاء المسيح وقيد الشيطان بالصليب، ونقل القديسين الذين فى الجحيم إلى الفردوس.
والمخادع تعنى أيضاً الكنيسة فى العهد الجديد، التى يختبئ فيها أولاد الله المؤمنون لحيظة، وهى فترة عمرهم على الأرض؛ حتى يعبر الشيطان بكل حروبه، ويصلوا إلى الملكوت؛ هذا هو المعنى الثالث.
هذا المعنى الثالث، يعنى أن فترة العهد الجديد كلها لحيظة، بعدها يأخذ الله أولاده المؤمنين إلى ملكوت السموات، ويلقى الشيطان فى العذاب الأبدى؛ هو وكل الأشرار فى البحيرة المتقدة بالنار والكبريت.
والغضب الإلهى هو أيضاً كل ضيقة يمر بها الإنسان، فيختبئ فى المخدع ليصلى، وفى الكنيسة، ويتناول من الأسرار المقدسة، فتعبر الضيقة بسلام، وهو بين يدى الله الذى يحميه.
والله يخرج من مكانه فى شكل تحرك الدول ضد أبناء شعبه، مثل آشور، وبابل، وفارس، ولكن الله معهم يحميهم؛ لأنهم دخلوا مخادعهم، والتجأوا إليه.
“ويعاقب إثم سكان الأرض فيهم، فتكشف الأرض دماءها، ولا تغطى قتلاها فيما بعد”. أى أن الله يعاقب الأشرار، ويذكر دماء الأبرياء أولاده، الذين سُفكت دماؤهم على الأرض، وهذا حدث فى قيام بابل على آشور، وفارس على بابل، وانتهاء اضطهاد دقلديانوس للمسيحيين، وقيام قسطنطين؛ ليعلن التسامح الدينى، فتنتشر المسيحية، والسلام يحوط بالكنيسة.
ثم يأتى العقاب الإلهى الكامل فى نهاية الأيام، والانتقام لدماء الشهداء والقديسين، بأن يدخل المؤمنون لملكوت السموات، ويلقى الأشرار والشيطان فى العذاب الأبدى. إن كنت يا أخى تقابل ضيقات ومشاكل، أو حروب من إبليس، فلا تنزعج، إنها أمور مؤقتة، هى لحيظة بالنسبة للأبدية، والله سيسندك ويعوضك عن كل ظلم وضيق بسلام فى قلبك، وبركات كثيرة على الأرض، ثم أمجاد السماء التى لا يعبر عنها.