الرؤيا والإرسالية
(1) رؤيا الله (ع1-4):
1فِي سَنَةِ وَفَاةِ عُزِّيَّا الْمَلِكِ، رَأَيْتُ السَّيِّدَ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيٍّ عَالٍ وَمُرْتَفِعٍ، وَأَذْيَالُهُ تَمْلأُ الْهَيْكَلَ. 2السَّرَافِيمُ وَاقِفُونَ فَوْقَهُ، لِكُلِّ وَاحِدٍ سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ، بِاثْنَيْنِ يُغَطِّي وَجْهَهُ، وَبِاثْنَيْنِ يُغَطِّي رِجْلَيْهِ، وَبَاثْنَيْنِ يَطِيرُ. 3وَهذَا نَادَى ذَاكَ وَقَالَ: «قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ الأَرْضِ». 4فَاهْتَزَّتْ أَسَاسَاتُ الْعَتَبِ مِنْ صَوْتِ الصَّارِخِ، وَامْتَلأَ الْبَيْتُ دُخَانًا.
ع1: فى سنة وفاة عزيا الملك :
تملك عزيا وهو ابن 16 سنة، وكان رجلاً صالحاً، وأنجحه الله فى أعماله، ولكنه بعد سنوات من تملكه تكبر، ودخل الهيكل كأنه كاهن، أو رئيس كهنة، وحاول الكهنة منعه، فلم يطعهم، فضربه الرب بالبرص، فأخرجوه من الهيكل، ووضعوه فى بيت المرض، حيث عُزل هناك حتى يوم وفاته، وبهذا أكمل 52 عاماً فى الملك. وكان عزيا الملك ابن عم إشعياء، فحزن عليه إشعياء، وعزاه الله بهذه الرؤيا، التى كانت قرب منتصف القرن الثامن قبل الميلاد.
رأيت السيد جالساً على كرسى عالى ومرتفع :
هذه الرؤيا رآها إشعياء، وهو منتبه، ومتيقظ، ولم يكن نائماً، وغالباً كان فى هيكل الله.
ورأى الله جالساً على كرسى عالى؛ لأن عرشه أعلى من عروش جميع ملوك العالم، فهو إله الآلهة ورب الأرباب.
أذياله تملأ الهيكل :
وأذيال ثياب الله تملأ الهيكل، معلنة أن مجده غير المحدود يملأ الهيكل؛ لأنه مسكنه، بل هو يملأ كل مكان. وهذا يظهر عظمة الله وقوته، ويطمئن إشعياء، وكل مؤمن بالله، فيستند على الله بثقة.
لعل إشعياء كتب الخمس أصحاحات الأولى، التى تظهر حالة شعب الله، وكثرة خطاياهم التى تستحق عقوبات كثيرة، ثم أورد فى هذا الأصحاح الرؤيا التى رآها، والتى قد تكون زمنياً حدثت قبل الأصحاح الأول، إذ دعاه الله، وبعد هذا كتب نبواته؛ لأن الكتاب المقدس ليس كتاباً تاريخياً، ولا يهتم بترتيب الأحداث زمنياً، بل الأهم هو توضيح المعنى الروحى.
وكتابة هذه الرؤيا فى الأصحاح السادس، تشجع المؤمنين بعد الأصحاحات الخمسة التى تظهر خطاياهم، وغضب الله عليهم، وتبين هنا عظمة الله المخوف، وإرساله إشعياء ليدعوهم للتوبة ليخلصوا، أى لا ينزعجون من كثرة خطاياهم، أو قسوة الأعداء؛ لأنهم إن آمنوا، وتابوا، يرفع الله عنهم كل شر.
وهذه الرؤيا تشجع إشعياء نفسه، فلا ينغمس فى الحزن على موت الملك الأرضى عزيا؛ لأن الملك السماوى وهو الله معه، ويطهره، ويعمل فيه وبه.
إشعياء فى رؤياه هذه لم يرَ مجد الآب، ولكنه رأى مجد المسيح، كما يذكر لنا يوحنا الحبيب فى انجيله (يو12: 41).
ع2: السيرافيم طغمة ملائكية عالية، وهى جمع ساراف، أى المتقد بنار الحب الإلهى، وهم وقوف فى خشوع أمام عظمة الله، وفوقه، كأنهم فى سمو روحى يحيطون به؛ لأنه هو الحب الحقيقى، وجوهر الحب، وهم مشتعلون بالحب الإلهى، لذا هم مرتفعون.
يغطون وجوههم بجناحين خشوعاً أمام عظمة الله، إذ لا يستطيعون أن يروا مجده، ويغطون أرجلهم بجناحين إحتراماً، وخشوعاً له. أما الجناحان الباقيان فلكى يطيروا بهما، تعبيراً عن أنهم محلقون فى السماء، يسمون عن كل شىء أرضى زائل، ويسبحون الله، ومستعدون لتنفيذ مشيئته حسبما يأمرهم.
والسيرافيم لم يسقط منهم أحد مع الشيطان؛ لأنهم مشتعلون بمحبة الله، وهكذا كل إنسان ينشغل بمحبة الله لا يسقط فى الخطية، وكل خادم يشتعل بمحبة الله يكون قادراً، بنعمة الله، أن يوصل هذا الحب لمن يخدمهم.
ومن منظر السيرافيم نشعر بمهابة الوقوف أمام الله، فإن كان هؤلاء يغطون وجوههم وأرجلهم بأربعة أجنحة، فكم بالأحرى ينبغى علينا الوقوف فى خشوع أمام الله أثناء الصلاة، وتغطى النساء رؤوسهن، والجميع يقفون باتضاع.
ع3: نادت ملائكة السيرافيم بعضها البعض، وقالت المجموعة الأولى: “قدوس قدوس قدوس”، إذ يرون القداسة كلها فى الله، فأى كائن مقدس وقديس من قداسة الله، أما الله فتميز عن كل الكائنات بأنه قدوس ثلاث مرات، تأكيداً للثالوث القدوس، ثم تجيبهم المجموعة الثانية من السيرافيم، ويقولون : “رب الجنود مجده ملء كل الأرض”. ومن هذا النظام السماوى فى التسبيح أخذت الكنيسة نظام المرابعة بين مجموعتين فى تقديم التسبحة فى الكنيسة (المجموعة البحرى والمجموعة القبلى).
وتعبير رب الجنود يظهر قوة الله القادر على كل شىء، ولا تقف أمامه أية قوة. وتعبير ملء كل الأرض، يظهر أن للرب الأرض وملؤها، ولا ينحصر مجده وعمله فى اليهود فقط، بل يشمل المؤمنين به فى كل الأرض.
وذكر قدوس ثلاث مرات؛ لأنهم يخاطبون الثالوث، وتؤكده (ع8)، عندما يتكلم الله بصيغة الجمع ويقول : “من يذهب من أجلنا”.
ع4: العتب : جمع عتبة وهى مدخل البيت عند الباب.
كان إشعياء كما قلنا فى هيكل الله، أى هيكل سليمان، عندما رأى هذه الرؤيا، وبعدما سمع صراخ السيرافيم شعر بزلزلة، فاهتز عتب البيت، أى أساساته، وهذا كان دليلاً على حضور الله فى البيت، كما اهتزت أورشليم عند دخول المسيح إليها راكباً على أتان وجحش ابن أتان (مت21: 7). وهذا بالطبع جعل إشعياء يشعر بالخشوع أمام عظمة الله، الذى تهتز أمامه الأرض والسماء، فانسحق باتضاع أمام عظمته.
ورأى إشعياء بيت الرب قد امتلأ دخاناً، والدخان أيضاً يعلن حضور الله؛ لأن الدخان ينتج من النار، والهنا نار آكلة، كما ظهر على جبل سيناء أمام بنى شعب إسرائيل (خر19: 18). والدخان إذ يغطى المكان لا يستطيع أحد أن يرى ما وراءه، فهو يعلن عظمة الله الذى لا يستطيع أحد أن يعرف كل أعماقه، إلا بالمقدار الذى يسمح به الله، ويعلنه للإنسان، فازداد إشعياء خشوعاً.
الله يريد أن يتكلم معك، ويعلن صوته لك؛ سواء فى الكتاب المقدس، أو بأية وسيلة. ولكن يبقى السؤال، هل ستتضع وتقبل كلامه، وتطيعه، أم سيتدخل عقلك، ويعمل فيه الشيطان فيشكك، أو يشغلك فلا تعمل شيئاً ؟ إن الله لا يظهر، ولا يتكلم إلا مع من يتضع أمامه ويطيعه.
(2) تطهير إشعياء (ع5-7):
5فَقُلْتُ: «وَيْلٌ لِي! إِنِّي هَلَكْتُ، لأَنِّي إِنْسَانٌ نَجِسُ الشَّفَتَيْنِ، وَأَنَا سَاكِنٌ بَيْنَ شَعْبٍ نَجِسِ الشَّفَتَيْنِ، لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ رَأَتَا الْمَلِكَ رَبَّ الْجُنُودِ». 6فَطَارَ إِلَيَّ وَاحِدٌ مِنَ السَّرَافِيمِ وَبِيَدِهِ جَمْرَةٌ قَدْ أَخَذَهَا بِمِلْقَطٍ مِنْ عَلَى الْمَذْبَحِ، 7وَمَسَّ بِهَا فَمِي وَقَالَ: «إِنَّ هذِهِ قَدْ مَسَّتْ شَفَتَيْكَ، فَانْتُزِعَ إِثْمُكَ، وَكُفِّرَ عَنْ خَطِيَّتِكَ».
ع5: ماذا كان شعور إشعياء عندما رأى هذه الرؤيا ؟
- شعر أنه نجس أمام بر الله ونقاوته، وقال لنفسه، ولعله قد صرخ أيضاً قائلاً: “الويل لى”، إذ اكتشف بوضوح أكبر نجاساته، وكل خطاياه، وقال : “إنى نجس الشفتين“، فلعله حاول أن يشارك السيرافيم؛ هؤلاء الملائكة الأطهار فى تسبيح الله، والمناداة بأنه قدوس، ولكنه عجز عن هذا، لشعوره بنجاسة شفتيه. وأمام حضرة الله وبهائه، يكتشف الإنسان مدى نجاسته، وكثرة خطاياه، كما يكتشف الإنسان أية بقعة صغيرة، أو كبيرة فى الضوء القوى. فالله القدوس الذى هو نور العالم، عند الوقوف أمامه، يشعر الإنسان بكثرة خطاياه، فيعترف أمامه بأنه نجس؛ وهذا ما يحدث مع كل إنسان إذا كان مصلياً، وهو يحاسب نفسه، فيكتشف نجاسة أعماله، ويتوب باتضاع.
- شعر أيضاً إشعياء بمسئوليته عن شعبه، فقال : “أنا ساكن بين شعب نجس الشفتين“، فلعله بكت نفسه على تقصيره فى وعظ شعبه، ودعوتهم للحياة مع الله؛ ليحيوا فى طهارة.
- قال إشعياء : “إنى هلكت لأنى رأيت الملك رب الجنود“، ويقصد الله العظيم القدوس، القادر على كل شىء، فكيف يرى عظمته وهو نجس، فهذا أعلى من أن يراه، وبهذا يعترف بعظمة الله، ويعلن اتضاعه أمامه.
وهكذا رجال الله فى صلواتهم التى ذكرت فى الأصحاح التاسع من أسفار دانيال، ونحميا وعزرا، بالإضافة إلى باقى القديسين فى الكتاب المقدس، الذين تُقرأ صلواتهم فى ليلة أبو غلامسيس فى الكنيسة، هؤلاء جميعاً يشعرون بضعفهم وخطاياهم أمام قداسة الله.
ع6: إذ اعترف إشعياء بخطاياه، وهذا يرمز لسر الاعتراف فى العهد الجديد، أرسل الله أحد ملائكة السيرافيم، وأخذ بملقط جمراً من على المذبح، ومس بها شفتى إشعياء.
إذا كانت ذبائح العهد القديم ترمز للمسيح، وذبيحة نفسه على الصليب، فهذه الجمرة تعلن قوة اللاهوت، الذى هو نار آكلة، وتؤخذ من على المذبح، الذى يرمز للصليب، لتطهير شفتى إشعياء. وهذه الجمرة ترمز بوضوح إلى سر الأفخارستيا، الذى يطهر التائب المعترف فى العهد الجديد من خطاياه، ويصبح أهلاً للحياة مع الله فى نقاوة.
ع7: أعلن الملاك لإشعياء، عندما مس شفتيه بأن إثمه قد انتزع منه، وغفرت خطاياه، فأصبح طاهراً، بل وقادراً على خدمة الله، و التكلم بكلامه. وهذا ما يفعله الله مع كل كهنة وخدام العهد الجديد، من خلال سر التناول، الذى يلى سر الاعتراف.
(3) إرسالية إشعياء (ع8-13):
8ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتَ السَّيِّدِ قَائِلًا: «مَنْ أُرْسِلُ؟ وَمَنْ يَذْهَبُ مِنْ أَجْلِنَا؟» فَقُلْتُ: «هأَنَذَا أَرْسِلْنِي». 9فَقَالَ: «اذْهَبْ وَقُلْ لِهذَا الشَّعْبِ: اسْمَعُوا سَمْعًا وَلاَ تَفْهَمُوا، وَأَبْصِرُوا إِبْصَارًا وَلاَ تَعْرِفُوا. 10غَلِّظْ قَلْبَ هذَا الشَّعْبِ وَثَقِّلْ أُذُنَيْهِ وَاطْمُسْ عَيْنَيْهِ، لِئَلاَّ يُبْصِرَ بِعَيْنَيْهِ وَيَسْمَعَ بِأُذُنَيْهِ وَيَفْهَمَ بِقَلْبِهِ، وَيَرْجعَ فَيُشْفَى». 11فَقُلْتُ: «إِلَى مَتَى أَيُّهَا السَّيِّدُ؟» فَقَالَ: «إِلَى أَنْ تَصِيرَ الْمُدُنُ خَرِبَةً بِلاَ سَاكِنٍ، وَالْبُيُوتُ بِلاَ إِنْسَانٍ، وَتَخْرَبَ الأَرْضُ وَتُقْفِرَ، 12وَيُبْعِدَ الرَّبُّ الإِنْسَانَ، وَيَكْثُرَ الْخَرَابُ فِي وَسَطِ الأَرْضِ. 13وَإِنْ بَقِيَ فِيهَا عُشْرٌ بَعْدُ، فَيَعُودُ وَيَصِيرُ لِلْخَرَابِ، وَلكِنْ كَالْبُطْمَةِ وَالْبَلُّوطَةِ، الَّتِي وَإِنْ قُطِعَتْ فَلَهَا سَاقٌ، يَكُونُ سَاقُهُ زَرْعًا مُقَدَّسًا».
ع8: بعد أن طهر الله إشعياء عن طريق أحد الملائكة الذى مس شفتيه بجمرة، أعلن الله احتياجه لشخص يرسله إلى العالم؛ ليعلن كلام الله، وقال : من أرسل؟ ومن يذهب من أجلنا؟ وهذا يبين مجموعة معانى :
- إتضاع الله القادر على كل شىء، فيعلن احتياجه لأحد البشر ليرسله.
- الله القادر أن يرسل أحد الملائكة الواقفين حوله، وهم أقوياء، وقادرون على إتمام الرسالة، ولكنه يميل أن يرسل أحد البشر؛ ليكون كلامه مناسباً، ويقبله البشر؛ لأنه مثلهم، والله بهذا يرفع البشر، ويجعل بعضهم رسلاً له.
- الله يقول : من أرسل ؟ ليعلن وحدانية الله.
- ويقول الله أيضاً : من يذهب من أجلنا ؟ ليعلن ثالوثه القدوس، أى أنه ثالوث فى واحد.
- الله يفكر فيمن يرسله؛ ليعلمنا أن نفكر وندبر خدمتنا من جميع نواحيها، وكل من نحتاج أن يساعدنا.
- الله عنده كهنة ولاويين كثيرين يحفظون شريعته، ولكنه لم يجد أحدهم أهلاً أن يرسله، فينادى للبشر كلهم ويقول : من أرسل ؟ لأراجع نفسى ككاهن، أو خادم هل أنا أهل أن أكون رسولاً لله ؟ وإن لم أكن، أنسحق باتضاع فى الصلاة، طالباً معونة الله؛ لأستطيع أن أكون رسولاً له وأخدمه.
أجاب إشعياء، عندما سمع نداء الله ورغبته أن يرسل رسولاً يحدث بكلامه، قال : “هاأنذا أرسلنى”، وهذا يعنى ما يلى :
- ثقة إشعياء فى النعمة التى نالها، عندما طهره الله بالجمرة، فتشجع وقال : “هاأنذا”؛ لأنه عندما تطهر، استطاع أن يسمع صوت الله ويتجاوب معه.
- طاعة إشعياء السرية لله تظهر محبته ومخافته لله.
- طلب إشعياء من الله أن يرسله، يعنى طاعته، ولكن فى نفس الوقت احتياجه أن يؤهله الله، إذا أراد أن يرسله، ويعطيه الإمكانيات التى يخدم بها. وهكذا فعل الرسل ببقائهم فى أورشليم حتى حل عليهم الروح القدس، ثم أنطلقوا؛ ليخدموا الله (أع2).
- إستجابة إشعياء تبين أنه بحرية إرادته، اختار أن يطيع الله، ويقدم نفسه لهذه الخدمة الصعبة، اعتماداً على قوة الله، وحرية إرادته تظهر محبته لله.
- الله لم يطلب إشعياء باسمه، ولكن إشعياء شعر بمسئوليته عن نجاسة شعبه، فإن كان الله قد طهره من نجاسته، فهو مشتاق أن يتطهر شعبه من نجاسته؛ لذا قال : “هاأنذا”. وهكذا أيضاً فعل نحميا، عندما سمع بأخبار أسوار أورشليم المتهدمة وأبوابها المحروقة، ولم يكن الله قد كلفه بشىء، ولكنه تحرك بدافع المسئولية، وصلى وطلب معونة الله.
ع9: وافق الله على إرسال إشعياء، وقال له : “اذهب لتكلم الشعب بكلامى”، وهذا معناه رضا الله واستعداده لمعاونة إشعياء بقوته.
ولكن الخدمة التى سيقوم بها إشعياء صعبة لما يلى :
- سينادى بكلام الله للشعب، ولن يقبل الشعب كلام الله.
- سيسمع الشعب كلام الله ولا يفهم معنى الكلام؛ لأن قلوبهم منغمسة فى الشر، فيرفضوا كلام الله بحرية إرادتهم. إن الله أحبهم، وأرسل إليهم رسوله إشعياء بكلامه، أما هم فرفضوه، فالله يريد خلاصهم وهم لا يريدون.
- سيريهم إشعياء أموراً تدعوهم للتوبة، وسيكون قدوة لهم؛ ليرجعوا لله، ولكنهم لن يعرفوا طريق التوبة؛ لإصرارهم على الخطية، فالله يستخدم وسائل متنوعة؛ ليدعو بنى شعبه للخلاص، ولكنهم مصرون على الرفض.
- تظهر طاعة إشعياء فى إتمام خدمته، رغم ثقته أن شعبه لن يقبل كلام الله، ولكنه لم يقصر فى شىء من خدمته؛ لعدم جدوى، أو فائدة خدمته. فالله لا يترك نفسه بلا شاهد، ولابد أن يوضح طريق التوبة لكل إنسان؛ حتى يكون الإنسان بلا عذر أمام الله.
- فى الترجمة السبعينية تظهر هذه الآية كخبر، أى أنهم يسمعون ولا يفهمون، أو يعرفون؛ لتأكيد أنهم رافضون باختيارهم كلام الله، وهذا ضد مشيئة الله، مما جعل إشعياء يتألم لأجل رفض شعبه.
- هذه الحقيقة الصعبة أن الإنسان يرفض الخلاص مذكورة فى العهدين القديم والجديد، فمثلاً أيام المسيح رفض الكهنة والكتبة والفريسيون الخلاص الذى قدمه المسيح لهم؛ لانغماسهم فى الكبرياء وشهوات العالم.
ع10: إذ رأى الله قساوة قلوب بنى إسرائيل، أعلن هذا لإشعياء فيما يلى :
- لأجل شر الشعب، سيسمعون كلام الله، ويرفضون كلامه، ويضيعون فرصة التوبة والشفاء، وبهذا لابد أن تأتى عليهم دينونة الله والعقاب. فالله لم يغلظ، أو يثقل، أو يطمس، لكنه أوضح قساوة قلوبهم فى رفضهم كل دعوة للتوبة.
- يقول الله عن بنى إسرائيل: “هذا الشعب” ولم يقل : “شعبى”، وهذا يبين غضب الله عليهم؛ لأنهم رفضوا بنوتهم له، وبالتالى سيفقدون النجاة بالتوبة ويهلكون.
ع11، 12: عندما سمع إشعياء برفض الشعب لكلام الله، تأثر لأجل محبته، وأبوته لشعبه، وسأل الله قائلاً : إلى متى يظل الشعب فى قساوته ؟ وإلى متى أتكلم وأخدم ولا يسمعون؟
أجاب الله بحزم، معلناً الواقع الأليم لإشعياء، أن الشعب سيظل قاسياً ورافضاً؛ حتى :
- تخرب المدن.
- يهجر الناس المكان، أو يموتون بالسيف.
- تصير الأرض قفراً لا تزرع ولا تعطى محاصيلاً.
- يبعد الرب الإنسان بالسبى، أو القتل، أو الموت بالمرض.
وقد حدث هذا بعدة أشكال هى :
- الخراب نتيجة هجوم آرام وأفرايم على مملكة يهوذا (2أى28: 5).
- هجوم الأشوريين وتخريب 40 مدينة محصنة من اليهودية بواسطة سنحاريب (2مل18: 13).
وبعد استشهاد إشعياء حدث الهجوم البابلى على أورشليم وأحرقوها، ثم الهجوم اليونانى، وبعده الرومانى على يد تيطس عام 70م.
ع13: البطمة : شجرة معمرة، أغصانها كثيرة متشابكة ورائحتها عطرة.
البلوطة : شجرة ضخمة، ودائمة الخضرة، تكثر فى بلاد فلسطين وعلى سواحلها.
يكمل الله حديثه عن شعبه، وتأديبه له، فيقول : “إن بقى عشر الشعب”؛ لأن التسعة أعشار قد ماتوا بالسيف، وبالمرض، فهذا العشر أيضاً يصيبه الخراب، وهذا ما حدث فى الخراب الأشورى لبلاد اليهودية، ثم الباقين خربوا بالهجوم البابلى.
ثم يعطى الله رجاءاً، أنه كما يحدث فى شجرة البطمة والبلوطة، اللتين بعد قطعهما يبقى لهما ساق، فينبت من جديد، هكذا أيضاً، يرجع شعب الله من السبى، فيعود، ويعمر أورشليم واليهودية، وهذا حدث فى بداية المملكة الفارسية، أيام كورش الملك، عندما عاد اليهود على يد زربابل، ثم عزرا وبعده نحميا.
ثم تحل نعمة الله على شعبه بتجسد المسيح وفدائه، وإيمان الكثير من اليهود، فيحيوا مع الله، فإن كان اليهود قد رفضوا المسيح، وصلبوه، وخربت أورشليم على يد تيطس الرومانى، ولكن جزءاً منهم آمن وصار مسيحياً.إذا فتح لك الله باباً لتخدمه، فاعلم أن هذه نعمة من الله، وهو سيسندك فيها، وكن مطيعاً، وتجاوب مع صوت الله الذى سمعته، فتنال بركة وتشبع بمحبته.