خراب آدوم
(1) دينونة مقاومى الحق (ع1-4):
1اِقْتَرِبُوا أَيُّهَا الأُمَمُ لِتَسْمَعُوا، وَأَيُّهَا الشُّعُوبُ اصْغَوْا. لِتَسْمَعِ الأَرْضُ وَمِلْؤُهَا. الْمَسْكُونَةُ وَكُلُّ نَتَائِجِهَا. 2لأَنَّ لِلرَّبِّ سَخَطًا عَلَى كُلِّ الأُمَمِ، وَحُمُوًّا عَلَى كُلِّ جَيْشِهِمْ. قَدْ حَرَّمَهُمْ، دَفَعَهُمْ إِلَى الذَّبْحِ. 3فَقَتْلاَهُمْ تُطْرَحُ، وَجِيَفُهُمْ تَصْعَدُ نَتَانَتُهَا، وَتَسِيلُ الْجِبَالُ بِدِمَائِهِمْ. 4وَيَفْنَى كُلُّ جُنْدِ السَّمَاوَاتِ، وَتَلْتَفُّ السَّمَاوَاتُ كَدَرْجٍ، وَكُلُّ جُنْدِهَا يَنْتَثِرُ كَانْتِثَارِ الْوَرَقِ مِنَ الْكَرْمَةِ وَالسُّقَاطِ مِنَ التِّينَةِ.
ع1: نتائجها : كل ما يوجد على الأرض من كائنات عاقلة كالإنسان، أو الحيوانات والنباتات والخلائق الجامدة، مثل الجبال والسحاب.
ينادى الله على كل سكان الأرض، أى العالم كله بما يشمله من الأمم المختلفة.
ويؤكد الله أهمية ما سيسمعوه، بتكرار تنبيهه، فيقول ثلاثة أفعال هى؛ اقتربوا .. اسمعوا.. اصغوا، وينادى الجميع فيقول : الأمم .. الشعوب .. الأرض وملؤها .. المسكونة.
فماذا سيقول الله ؟ هذا ما سنعرفه فى الآيات التالية.
ع2: حمواً : يقصد حمو الغضب، أى الغضب الشديد.
حرمهم : أمر بأن يموتوا.
يواصل إشعياء وصف غضب الله العام على كل العالم، الذى يعيش فى الشر، ويعبد الأوثان، وأظهر غضبه فيما يلى :
- الله ساخط، أى غاضب بشدة على كل الأمم.
- حمو غضبه على جيوش جميع الأمم، أى سيهلكهم، فتصبح الأمم بلا قوة تدافع بها عن نفسها.
- أمر بتحريمهم، أى موتهم.
- دفع الأمم إلى الموت ذبحاً.
كل هذا التهديد موجه للأمم؛ لعلهم يتوبون ويؤمنون، فيسامحهم الله ويقبلهم؛ لأنه يريد أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون، كما أعلن فى العهد الجديد (1تى2: 4).
وقد حدث هذا فعلاً من الله على خطوات، وذلك بانهيار وهلاك آشور وجيشها، ثم بابل، ثم فارس، ثم اليونان.
ع3: جيفهم : جثث الموتى المتعفنة التى تصدر منها رائحة كريهة.
نتانتها : الرائحة الكريهة التى تصدر من جثث الموتى.
الأمم الذين سيموتون بغضب الله، ستسقط جثثهم، وتطرح باحتقار على الأرض، مهما كانت عظمتهم السابقة ومراكزهم، أى يفقد الإنسان كل مجده، ويلقى فى التراب.
وجثث الموتى بعد قليل تتحلل، وتنتن، فلا يطيق أحد رائحتها الكريهة.
وإن كانت الأمم يسكن بعضها أعالى الجبال، مثل آدوم، فعندما يسمح الله بقتلهم وذبحهم، تسيل دماؤهم على الجبال لأسفل، هذه نتيجة الكبرياء.
كل هذا تأكيد لدعوة الله للأمم؛ ليتوبوا.
ع4: درج : الكتب القديمة وكانت على هيئة ورق ملفوف.
السقاط : الثمار الذابلة الساقطة من الشجر على الأرض.
المقصود بجند السموات، المتكبرون، مثل الآدوميين الساكنين فى أعالى الجبال؛ هؤلاء سيفنيهم الله، فيموتوا.
وتلتفت السموات، أى أن الأدوميين المتكبرين، يسقطون، ويدوسهم الله.
أما جنود وجيش الأدوميين، أو الأمم الأشرار، فيتشتت فى ضعف، ويهرب، كما تتساقط أوراق الكرمة على الأرض، وتتطاير حولها فى كل مكان، أو كما تسقط ثمار التين الذابلة على الأرض، وتصير حقيرة، ملتصقة بالتراب.
وتنطبق هذه الآية على يوم الدينونة، حيث تفنى جند السموات، أى يلقى الله الشياطين والأشرار فى العذاب الأبدى، فكما بسط الله السموات بيده، فى غضبه يلفها (يكرمشها) كما يلف ورق الكتاب.
وهؤلاء الشياطين والأشرار شعروا أن الكتبا المقدس غامض وغير مفهوم لهم، كأنه درج ملفوف، فأهملوه، وقاموه، فكانت النتيجة عذابهم الأبدى.
وهكذا يتشتت كل قوة الشياطين الأشرار، كما تنتشر أوراق الكرمة، وتتساقط ثمار التين الذابلة؛ إذ يجدون أنفسهم فى العذاب إلى الأبد.
وفى يوم الدينونة، يفنى كل جند السموات حين تظلم الشمس، والقمر لا يعطى ضوءه، وتنتثر جند السموات، أى تتساقط النجوم (مت24: 29).
الله يناديك بحزم يا أخى لتتوب وترجع إليه، فالله يطيل أناته عليك، ولكن ينبهك إن لم تتب سيأتى غضبه عليك فى الأرض، وفى الحياة الأخرى. فأسرع بالرجوع إليه؛ لتتمتع بمراحمه، وتتلذذ بمحبته.
(2) تدمير أدوم (ع5-17):
5لأَنَّهُ قَدْ رَوِيَ فِي السَّمَاوَاتِ سَيْفِي. هُوَذَا عَلَى أَدُومَ يَنْزِلُ، وَعَلَى شَعْبٍ حَرَّمْتُهُ لِلدَّيْنُونَةِ. 6لِلرَّبِّ سَيْفٌ قَدِ امْتَلأَ دَمًا، اطَّلَى بِشَحْمٍ، بِدَمِ خِرَافٍ وَتُيُوسٍ، بِشَحْمِ كُلَى كِبَاشٍ. لأَنَّ لِلرَّبِّ ذَبِيحَةً فِي بُصْرَةَ وَذَبْحًا عَظِيمًا فِي أَرْضِ أَدُومَ. 7وَيَسْقُطُ الْبَقَرُ الْوَحْشِيُّ مَعَهَا وَالْعُجُولُ مَعَ الثِّيرَانِ، وَتَرْوَى أَرْضُهُمْ مِنَ الدَّمِ، وَتُرَابُهُمْ مِنَ الشَّحْمِ يُسَمَّنُ. 8لأَنَّ لِلرَّبِّ يَوْمَ انْتِقَامٍ، سَنَةَ جَزَاءٍ مِنْ أَجْلِ دَعْوَى صِهْيَوْنَ. 9وَتَتَحَوَّلُ أَنْهَارُهَا زِفْتًا، وَتُرَابُهَا كِبْرِيتًا، وَتَصِيرُ أَرْضُهَا زِفْتًا مُشْتَعِلًا. 10لَيْلًا وَنَهَارًا لاَ تَنْطَفِئُ. إِلَى الأَبَدِ يَصْعَدُ دُخَانُهَا. مِنْ دَوْرٍ إِلَى دَوْرٍ تُخْرَبُ. إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ لاَ يَكُونُ مَنْ يَجْتَازُ فِيهَا. 11وَيَرِثُهَا الْقُوقُ وَالْقُنْفُذُ، وَالْكَرْكِيُّ وَالْغُرَابُ يَسْكُنَانِ فِيهَا، وَيُمَدُّ عَلَيْهَا خَيْطُ الْخَرَابِ وَمِطْمَارُ الْخَلاَءِ. 12أَشْرَافُهَا لَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يَدْعُونَهُ لِلْمُلْكِ، وَكُلُّ رُؤَسَائِهَا يَكُونُونَ عَدَمًا. 13وَيَطْلَعُ فِي قُصُورِهَا الشَّوْكُ. الْقَرِيصُ وَالْعَوْسَجُ فِي حُصُونِهَا. فَتَكُونُ مَسْكِنًا لِلذِّئَابِ وَدَارًا لِبَنَاتِ النَّعَامِ. 14وَتُلاَقِي وُحُوشُ الْقَفْرِ بَنَاتِ آوَى، وَمَعْزُ الْوَحْشِ يَدْعُو صَاحِبَهُ. هُنَاكَ يَسْتَقِرُّ اللَّيْلُ وَيَجِدُ لِنَفْسِهِ مَحَّلًا. 15هُنَاكَ تُحْجِرُ النَّكَّازَةُ وَتَبِيضُ وَتُفْرِخُ وَتُرَبِّي تَحْتَ ظِلِّهَا. وَهُنَاكَ تَجْتَمِعُ الشَّوَاهِينُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ. 16فَتِّشُوا فِي سِفْرِ الرَّبِّ وَاقْرَأُوا. وَاحِدَةٌ مِنْ هذِهِ لاَ تُفْقَدُ. لاَ يُغَادِرُ شَيْءٌ صَاحِبَهُ، لأَنَّ فَمَهُ هُوَ قَدْ أَمَرَ، وَرُوحَهُ هُوَ جَمَعَهَا. 17وَهُوَ قَدْ أَلْقَى لَهَا قُرْعَةً، وَيَدُهُ قَسَمَتْهَا لَهَا بِالْخَيْطِ. إِلَى الأَبَدِ تَرِثُهَا. إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ تَسْكُنُ فِيهَا.
ع5: أدوم : هم نسل عيسو، وسكنوا جنوب بلاد اليهود، على قمم سلسلة جبال سعير، وكانوا يعادون شعب الله، ويضايقونهم، بل شمتوا بهم عندما هجم عليهم البابليون، وأمسكوا الهاربين منهم، وسلموهم لبابل، ولذا يأتى غضب الله عليهم؛ لأنهم تحدوا شعب الله، أى وقفوا ضد الله نفسه.
إن كان سيف الجندى يدهنونه بالدهن؛ حتى لا تلتصق دماء القتلى به، فسيف الله فى السماء قد ارتوى، وشبع، وتم دهنه بغضب الله الشديد، الذى ينزل على أدوم المتكبر؛ لأجل كثرة شروره، ولذا حرمه الله، أى أمر بفنائه؛ لأنه رفض التوبة عن شره.
ع6: أطلى : دُهن، أى تم دهنه وطلاؤه.
تيوس : مفردها تيس وهو ذكر الماعز.
كباش : مفردها كبش، وهو ذكر الخروف البالغ.
بصرة : عاصمة بلاد آدوم.
يواصل إشعياء وصف سيف الله، فيقول عنه : أنه تم طلاؤه بالدهن؛ حتى لا يلتصق به دماء من يذبحهم، كما ذكرنا فى الآية السابقة. وقد ذبح خراف وتيوس وكباش، وهى ترمز إلى سكان آدوم، الذين يسكنون أهم بلادها وهى العاصمة بصرة، وكل بلاد آدوم، وهؤلاء الآدوميون يشبهون الخراف العاجزة عن المقاومة للذبح بسيف الله. وهذا الذبح انتقام من الله لشر الأدوميين الذين كانوا فى عداوة لشعب الله، وشمتوا بهم، عندما هاجمهم البابليون. فالخراف ليست محرقات للغفران مقدمة لله، بل نفوس الآدوميين الذين يعاقبهم الله.
ع7: يستمر سيف الله يذبح، فيقتل البقر الوحشى مع العجول والثيران، وهذه ترمز للرجال الأقوياء والجنود، وأيضاً القادة الأغنياء من آدوم، وتسيل دماؤهم على الأرض، إذ أحبوا الشهوات الأرضية، فسالت دماؤهم واختلطت بتراب الأرض، هذه هى نتيجة أى إنسان يحيا لشهوات العالم.
وإن كان آدوم معناه تراب، فقد اختلطت دماء الأدوميين بالتراب، أى أن حياتهم التى عاشوها لشهوات الأرض الترابية، الآن شحمهم ودماؤهم تُسمن الأرض، فنهايتهم هى التراب وليس السماء.
ع8: الآيات السابقة تؤكد أن الله لابد أن ينتقم من الأشرار، فيأتى الوقت ولو بعد حين، وهذا لما يلى :
- يعطى فرصة للأشرار ليتوبوا إن أرادوا.
- يثبت أولاد الله فى إيمانهم؛ حتى يتمم الله وعده.
ويفهم من هذه الآية أن صلوات أولاد الله فى أورشليم واليهودية ارتفعت إلى الله؛ لينقذهم من أعدائهم، وجاء اليوم؛ ليعاقبهم.
ع9، 10: يواصل إشعياء كلامه عن أدوم، أن أنهارها تتحول إلى زفت، وهو قابل للإشتعال، وترابها إلى كبريت سريع الاشتعال، وأرضها تصير ليس زفتاً عادياً، بل مشتعلاً؛ وهكذا فقدت كل حياة؛ لأن الماء قد ضاع منها، إذ تحول إلى زقت، والتراب الذى يمشون عليه، تحول إلى كبريت، فيشتعل ولا يستطيعون المشى عليه، أما الأرض التى كانت تعطى طعاماً وخبزاً، صارت كلها مشتعلة، أى احترق كل شىء.
هذه النيران المشتعلة فى كل مكان، لا تنطفئ ليلاً ولا نهاراً، وهكذا فقدت الهواء الذى يستنشقه الناس، وهذا يؤكد عدم وجود حياة. وتستمر النيران والدخان على الدوام، أى لا يسكن أحد بعد هذا فى آدوم، كما حدث مع سدوم وعمورة، وكما سيحدث مع كل الأشرار الذين يلقون فى العذاب الأبدى والنار المشتعلة إلى الأبد.
وحيث أن جوانب الحياة فى آدوم قد زالت، فلم يعد هناك إنسان يسكن فيها، أو حتى يمشى فيها؛ وهذه هى نهاية الشر.
ع11: القوق : البومة، وهو طائر يتكاثر فى الأماكن الخربة.
القنفذ : حيوان صغير عندما يخاف يحول نفسه إلى كرة من الشوك؛ ليحمى نفسه، ويوجد حيث تكثر الثعابين، لأنه يتغذى عليها ولا تضره؛ لذا فهو يوجد بكثرة فى الأماكن المهجورة.
الكركى : طائر ساقاه طويلتان.
مطمار : خيط فى نهايته ثقل لضبط استواء الحائط.
إذ احترقت الأرض وخربت، ينتشر فيها الحيوانات التى تعيش فى الأماكن الخربة والمهجورة، مثل البوم والغراب.
وبدلاً من وجود بنائين يبنون المنازل، ويستخدمون المطمار، يمتد الخراب فى كل مكان، وتصبح الأرض خالية من الناس، أى مهجورة.
ع12: إذ تخلو الأرض من سكانها، لا يوجد فيها أحد من الشرفاء، أى الأنبياء، أو القادة؛ لأنه إن وجد إنسان فيها فيكون من الفقراء الضعفاء.
ع13: القريص : نبات شوكى.
العوسج : نبات شوكى.
نظراً لندرة الماء فى بلاد أدوم الخربة، تمتلئ قصورها وحصونها المهجورة بالنباتات الشوكية، مثل القريص والعوسج، والحيوانات التى تعيش فى الأماكن الخربة، مثل الذئاب والنعام.
ع14: بنات آوى : حيوان مفترس، يشبه الثعلب.
تنتشر أيضاً فى بلاد أدوم الخربة، الحيوانات الوحشية، مثل بنات أوى والمعز الوحشى. وتصير الأرض خربة ومظلمة، لا تشجع أحداً أن يسكن فيها، بل تزداد فيها الوحوش، ويدوم الخر اب فيها، وهذا ما حدث فعلاً بفناء الأدوميين.
ع15: تحجر : تحفر جحراً.
النكازة : ثعبان صغير خبيث وسام جداً.
الشواهين : نوع من الطيور الجارحة التى توجد فى الأماكن الخربة.
تنتشر أيضاً فى بلاد أدوم المهجورة الثعابين السامة، والطيور الجارحة مثل الشواهين؛ هذا كله يؤكد خراب بلاد أدوم نتيجة شرورها، وخطاياها التى قد أتت على رأسها، وباد سكانها.
ع16: ينبه إشعياء كل إنسان أن يقرأ نبوات الأنبياء عن خراب أدوم، وهذا هو كلام الله الذى لا يمكن أن يفقد، بل حتماً سيتحقق، مع أن أدوم كانت تبدو دولة قوة، ويصعب تصور خرابها؛ لذا أمر إشعياء الناس أن يقرأوا النبوات ليتأكدوا من صدقها وخراب أدوم.
ع17: الله أمر بخراب أدوم، أى أن قرعتها وميراثها هو الخراب الدائم، بل لعل هذا الخراب سكنته الأرواح الشريرة، ولم يعد فيها ساكن.
كل هذا الخراب يرمز للعذاب الأبدى للأشرار يوم الدينونة، والخراب الذى لا يزول المعبر عنه بالظلمة (ع14) والنار (ع9، 10). إن كان الخراب يحدث على الأرض للأشرار، فهذا تنبيه لنا يا أخى؛ حتى لا نخرب أنفسنا بالخطية، بل نتوب عنها؛ لنحيا لله، وتكون لنا ثمار صالحة هى الفضائل.